أكد تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية برسم سنة 2024 أن المؤسسة جعلت من معالجة الشكايات والتظلمات أحد أهم روافد تجسيد الثقة بين المواطن والقضاء، في إطار تنفيذ التوجيهات الملكية السامية التي شددت على ضرورة جعل العدالة في خدمة المواطن وتعزيز مبدأ القرب المؤسساتي. وأوضح التقرير أن المجلس تعامل مع الشكايات باعتبارها مدخلاً استراتيجياً لترسيخ المشروعية الأخلاقية للعدالة، وليس مجرد إجراء إداري روتيني، معتبراً أن كل شكاية تعبّر عن ثقة المواطن في المؤسسة وعن رغبته في إنصافه. وقد بلغ مجموع الشكايات والتظلمات المسجلة خلال سنة 2024 ما مجموعه 7.513 شكاية، بزيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات السابقة، فيما بلغ إجمالي الشكايات المتوصل بها منذ سنة 2017 إلى نهاية 2024 نحو 47.735 شكاية، وهو ما يعكس تراكم الثقة في المجلس ودوره المتنامي كمرجع مؤسساتي للإنصاف. وبحسب التقرير، تمكن المجلس من معالجة 7.251 شكاية بشكل نهائي خلال سنة 2024، أي بنسبة إنجاز بلغت 96,5%، في حين لا تزال 262 شكاية قيد الدراسة أو البحث، وهو رقم اعتبره التقرير محدوداً بالنظر إلى المجموع العام. وأكد المجلس أن ارتفاع عدد الشكايات يشكل مؤشراً على تنامي الوعي الحقوقي لدى المواطنين واستعداد المؤسسة القضائية للتفاعل مع مختلف التظلمات. وأشار التقرير إلى أن هذا التوجه يندرج ضمن المخطط الاستراتيجي للمجلس للفترة 2021–2026، ولا سيما في إطار الورشة رقم 41 الخاصة بالشكايات والتظلمات، التي تضمنت تبسيط طرق التقديم، وإرساء مساطر شفافة لدراسة الملفات، وإشعار المشتكين بمآل شكاياتهم. وقد أثبتت حصيلة السنة المنصرمة فعالية هذه المقاربة، من خلال السرعة في المعالجة والتواصل المنتظم مع المرتفقين. أما من حيث مصادر ورود الشكايات، فقد احتل الإيداع المباشر المرتبة الأولى ب 2.323 شكاية، تليه الشكايات عبر البريد (1.926)، ثم رئاسة النيابة العامة (1.379)، ووزارة العدل (1.022)، والمندوبية العامة لإدارة السجون (292)، في حين أحالت محكمة النقض (212) شكاية. هذا التعدد في القنوات، حسب التقرير، يعكس انفتاح المجلس على مختلف مكونات المنظومة العدلية وحرصه على استقبال كل التظلمات دون تمييز. ولضمان فعالية هذا المسار، عمل المجلس على تأهيل البنية الإدارية المكلفة بتدبير الشكايات، وفق القرار التنظيمي رقم 23/16 الصادر في يوليوز 2023، الذي أبقى على هذه البنية تابعة مباشرة للرئيس المنتدب للمجلس بالنظر إلى خصوصية مهامها. كما جرى تعيين أطر قضائية وإدارية مؤهلة بخبرة قانونية ومهارات تواصلية عالية، استفادت من برامج تكوين متخصصة في دراسة الشكايات وتحليلها والتفاعل الإيجابي مع المواطنين. وتعزز هذا التأهيل باعتماد وسائل تقنية متطورة لتسجيل وتتبع الشكايات رقمياً منذ لحظة ورودها، وربطها بنظام داخلي يسمح بمعرفة وضعية كل ملف في جميع مراحل المعالجة. كما أقرّ المجلس مساطر مضبوطة تضمن دراسة كل شكاية في آجال محددة، مع توجيه ردود مكتوبة أو إلكترونية للمشتكين لإخبارهم بمآل تظلماتهم، في تكريس واضح لمبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. ويبرز التقرير أن هذه الجهود مجتمعة أسهمت في إرساء ثقافة مؤسساتية جديدة داخل العدالة المغربية، قوامها الإنصات، والسرعة، والشفافية، مما جعل المجلس الأعلى للسلطة القضائية فاعلاً محورياً في تعزيز ثقة المواطن في القضاء وترسيخ صورة إيجابية للمرفق القضائي الوطني.