ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة إلى النهائي بعد تجاوز المنتخب السعودي في نصف النهاية    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة جديدة تلوح في الأفق، ماذا نعرف عن استقلال كاليدونيا الجديدة وعن الوجود العربي فيها؟
نشر في الأيام 24 يوم 14 - 07 - 2025


Getty Images
أعلنت فرنسا يوم السبت عن اتفاق "تاريخي" مع كاليدونيا الجديدة، يُبقي بموجبه هذا الإقليم فرنسياً على أن يُعلن دولة جديدة تتمتع بحكم ذاتي موسّع.
وينص الاتفاق، المكون من 13 صفحة، على إدراج هذا الوضع الجديد ضمن الدستور الفرنسي، مع استحداث جنسية كاليدونية تمنح السكان صفة مزدوجة، فرنسية وكاليدونية، ما يتيح للدول الأخرى الاعتراف بها.
وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاتفاق، حيث كتب على منصة إكس: "دولة كاليدونيا الجديدة ضمن الجمهورية: رهان على الثقة".
وفي استقباله للموقعين لاحقاً، قال الرئيس إنه "بعد اتفاقيتين وثلاثة استفتاءات، تفتح كاليدونيا الجديدة، من خلال ما وقّعتموه، فصلاً جديداً في مستقبلها في علاقة سلمية مع فرنسا".
Getty Imagesميناء نوميا، عاصمة كاليدونيا الجديدة.
أين تقع كاليدونيا الجديدة؟
Google
كاليدونيا الجديدة أرخبيل أو مجموعة جزر تقع فيما وراء البحار في جنوب غرب المحيط الهادئ، وتعد همزة وصل بين أمريكا الشمالية وأستراليا، وهي أقرب إلى الأخيرة.
تبلغ مساحتها 18.576 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها نحو 293 ألف نسمة، وعاصمتها نوميا.
وهي واحدة من عدة أقاليم ما وراء البحار التي لا تزال جزءاً من فرنسا، وتبعد عنها حوالي 17 ألف كيلومتر من باريس، حيث تستغرق الرحلة إليها بالطيران نحو 24 ساعة.
ويشمل الأرخبيل جزيرة كاليدونيا الجديدة أو غراند تير حيث تقع العاصمة نوميا؛ وجزر لويالتي؛ وباينز؛ وجزيرة الصنوبر، وجزراً أخرى غير مأهولة.
يُمثل الإقليم في البرلمان الفرنسي بنائبين وعضوين في مجلس الشيوخ. ويعد لويس مابو أول رئيس لكاليدونيا الجديدة من المؤيدين للاستقلال منذ اتفاق نوميا؛ حيث انتُخب في يوليو/تموز 2021.
وتتمتع كاليدونيا الجديدة بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي، لكنها تعتمد بشكل كبير على فرنسا في أمور كالدفاع والتعليم.
وكاليدونيا الجديدة غنية بالموارد، فهي رابع أكبر منتج للنيكل في العالم ولديها 33 منجماً، بحسب مجلة هارفارد الدولية، ولديها حوالي 10 في المئة من احتياطي النيكل العالمي، وفقاً للجنة التجارة والاستثمار الأسترالية، إلى جانب امتلاكها أحد أعلى متوسطات دخل الفرد في المنطقة.
Getty Imagesمنجم النيكل في كاليدونيا الجديدة. Getty Imagesمغنيو الكاناك، جزيرة ليفو بكاليدونيا الجديدة.
وتشكل الجزيرة الرئيسية فيها حاجزاً مرجانياً حقيقياً يحيط ببحيرة كبيرة. وهناك العديد من الممرات في الشعاب المرجانية، وعادةً ما تكون عند مصبات الأنهار.
وقد أُدرجت بحيرات كاليدونيا الجديدة، بشعابها المرجانية المتنوعة والنُظم البيئية المرتبطة بها، ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2008.
Getty Imagesجزيرة بيلوتاس المرجانية، كاليدونيا الجديدة
تاريخ عريق واستغلال أوروبي
Getty Imagesافتتاح المركز الثقافي تجيباو في نوميا عاصمة كاليدونيا الجديدة
يعود تاريخ أرخبيل الهادئ إلى أكثر من 3500 عام، حيث كان شعب لابيتا أول سكانه المعروفين عام 1500 قبل الميلاد، ثم البولينيزيون، أما سكانها الأصليون اليوم فهم الكاناك الميلانيزيون، الذين يعيشون إلى جانب الأوروبيين ومعظمهم فرنسيون، وسكان من أصول أخرى، مثل تاهيتي وإندونيسيا وفيتنام.
ويشير موقع "لايف ساينس" إلى أن كاليدونيا الجديدة كانت جزءاً من قارة زيلانديا، التي انفصلت عن قارة غندوانا العملاقة بين 79 مليون و83 مليون سنة مضت، في عصور ما قبل التاريخ، وتقع حالياً في أوقيانوسيا.
أما اسم كاليدونيا الجديدة فيرجع إلى "كاليدونيا" وهو الاسم اللاتيني الذي أطلقه الرومان على شمال بريطانيا العظمى، التي باتت تُعرف اليوم باسم اسكتلندا.
وجاءت التسمية عام 1774، عندما وصل بعض البحارة الإنجليز إلى شواطئ غراند تير، الجزيرة الرئيسية في الأرخبيل، فأطلق عليها المستكشف البريطاني جيمس كوك "كاليدونيا الجديدة".
ومنذ أربعينيات القرن التاسع عشر، تزايد اختطاف سكان الجزيرة من قبل التجار الأوروبيين، واتخذوهم عبيداً أو للعمل القسري في مزارع قصب السكر في فيجي أو أستراليا.
وقد بدأت الإمبراطورية الفرنسية الثانية استعمارها تدريجياً في إطار تعزيز الوجود الفرنسي في المحيط الهادئ، إلى أن ضمتها إليها عام 1853، واتخذتها منفى للمعارضين للسلطة الفرنسية.
Getty Imagesنهر يتدفق بين نباتات وادي تيواكا، كاليدونيا الجديدة
ومنذ عام 1881، فرض الفرنسيون نظاماً تحت مسمى "قانون السكان الأصليين" وهو أشبه بالفصل العنصري، الذي يقيد حريتهم في التنقل ويمنعهم من امتلاك الأراضي، فيما وصفه المؤرخ الفرنسي دانيال ريفيه بأنه "مجموعة من النصوص المرتجلة التي عكست الخوف من تمرد السكان الأصليين".
وفي كتاب "المُبعدون إلى كاليدونيا الجديدة"، نقل الدكتور الصديق تاوتي عن القسيس موريس لينهاردت الذي ذهب ضمن حملة تبشيرية عام 1902 إلى كاليدونيا الجديدة قوله: "وُصِف لي شعبٌ يهرول للوقوع في أحضان المسيح، لكني لا أرى سوى شعب فخور، يفضل، لكونه مهزوماً، أن تنقرض سلالته على أن يرى البيض يستغلونها".
جزر المحيط الهادئ "تنمو ولا تغرق"
ما الذي يحدث في كاليدونيا الجديدة؟ وما علاقة فرنسا بذلك؟
وخلال الحرب العالمية الأولى التي نشبت عام 1914، كانت كاليدونيا الجديدة مصدراً لأفراد الجيش الفرنسي، وموقعاً لصراع داخلي. وخدم رجال الكاناك كجنود متطوعين، قاتل بعضهم في فرنسا.
Getty Imagesجنود الكاناك في زي الحرب، عام 1906
ووفقاً لأرشيف جمعية قدامى محاربي كاليدونيا الجديدة، فقد ذهب 1134 من السكان الأصليين إلى فرنسا بين عامي 1914 و1918 (أي ما يعادل حوالي 18 في المئة من الرجال في سن القتال)، قُتل منهم 374 على الجبهة، وجُرح 167.
وخلال الحرب العالمية الثانية، وتحديداً من عام 1942 حتى 1945، كانت كاليدونيا الجديدة قاعدة دعم أساسية وموقعاً محورياً للقوات الأمريكية وقوات الحلفاء خلال حرب المحيط الهادئ، بحسب موقع "شومان دو ميموار" أو مسارات الذاكرة، وهو موقع تعليمي مُخصّص لتاريخ وذاكرة وتراث النزاعات المعاصرة.
وأضاف الموقع أن كاليدونيا الجديدة ساهمت بشكل ملحوظ في الانتشار الاستراتيجي والدعم اللوجستي خلال استعادة القوات الأمريكية لسيطرتها على اليابان.
ففي مارس/آذار 1942، هبطت قوة استطلاعية أمريكية في نوميا بقيادة الجنرال باخ، "واستفاد الحلفاء الأمريكيون والأستراليون والنيوزيلنديون من كاليدونيا الجديدة بشكل كامل كحاملة طائرات فعّالة ضد اليابانيين، لا سيما خلال معركة بحر المرجان في مايو/أيار".
عرب كاليدونيا الجديدة
Getty Imagesمقبرة لسجناء جزائريين في كاليدونيا الجديدة، في مستعمرة جزائية بجزيرة باينز
منذ ستينيات القرن التاسع عشر وحتى عام 1897، أرسلت فرنسا حوالي 22 ألفاً ممن صُنفوا بالمجرمين والسجناء السياسيين، إلى كاليدونيا الجديدة، التي استخدمتها باريس كمستعمرة جزائية.
وكان من بين هؤلاء المنفيين نحو 2000 جزائري ممن شاركوا في انتفاضة 1871 ضد الاحتلال الفرنسي، غالبيتهم من القادة البارزين، الذين عوقبوا بالنفي على بُعد 22 ألف كيلومتر من وطنهم.
واستولت السلطات الفرنسية على أكثر من 450 ألف هكتار من الأراضي ووزعتها على المستوطنين الفرنسيين، وأقامت محاكمات سريعة لمقاضاة كل من تمرد على الدولة الفرنسية.
كما استمر نفي الجزائريين بعد ثورة الأوراس الغربية، وهي مقاومة شعبية واسعة النطاق اندلعت في منطقة الأوراس بالجزائر ضد الاحتلال الفرنسي عام 1916.
8 مايو 1945: مجازر الجزائريين التي ترفض فرنسا تحمّل مسؤوليتها
وفي كتابه "المُبعدون إلى كاليدونيا الجديدة"، ذكر الدكتور الصديق تاوتي قادة المقاومة الجزائرية الذين حاكمتهم فرنسا ورحّلتهم على السفن إلى بوراي ونيساديو ونوميا.
وذكر موقع إذاعة فرنسا الدولية كيف أُرسل المنفيون من الجزائر مقيدين بالسلاسل في رحلة بحرية امتدت ل 5 أشهر.
ونقلت الإذاعة عن الطيب عيفة، الذي كان والده ضمن آخر قافلة من المُدانين الذين جرى جلبهم إلى المستعمرة عام 1898 أنه "لا يزال عدد القتلى الذين أُلقيت جثثهم في البحر أثناء العبور مجهولاً". وقد حُكِم على والده بالسجن 25 عاماً لمحاربته الجيش الفرنسي في سطيف، شرق الجزائر.
أما الناجون من هذه الرحلة الشاقة، فقد عُرفوا باسم "قُبّعات القَش"، في إشارة إلى قُبعات المُدانين التي كانوا يرتدونها أثناء عملهم تحت أشعة الشمس الحارقة.
كما استعرض الدكتور تاوتي في كتابه، الحالة المزرية التي عاشها الجزائريون في كاليدونيا الجديدة تحت سياط التعذيب والقهر والتجهيل والفقر والإكراه على الأعمال الشاقة.
وكالة الأنباء الجزائريةوثيقة تاريخية نادرة لأحد المنفيين الجزائريين إلى كاليدونيا الجديدة وجهها إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني
وجاء في تقرير نشرته مجلة "نيو لاين" للصحفيتين الجزائرية شهرزاد دواح والفرنسية ميليسا غودين، أنه عندما وصل الجزائريون إلى شواطئ كاليدونيا الجديدة، لم يُسمح لهم بممارسة شعائرهم الإسلامية، واضطروا إلى تبني أسماء مسيحية، وأُجبروا على الزواج من نساء فرنسيات منفيات أو بنات منفيين فرنسيين.
وتقول الصحفيتان إن السلطات الفرنسية كانت تأمل في أن تُنشئ هذه الزيجات أسراً مسيحية تتوافق مع تصورها للمستوطنين، لكن حدث العكس؛ حيث تبنّت النساء الفرنسيات التقاليد الجزائرية وحافظن على التراث العربي، وتعلمن كيفية طهي الطعام الجزائري وعلمنه للأجيال اللاحقة.
وأضاف التقرير أن هذه العائلات النازحة قامت بزراعة أشجار النخيل كما فعلت في الجزائر، وأطلقت على الأطفال أسماء إسلامية، على الرغم من حظر الإدارة الاستعمارية لذلك.
وفي عام 1936، عندما رُفع الحظر، تمكن الكثيرون أخيراً من استخدام أسمائهم العربية في العلن.
Getty Imagesافتتاح النصب التذكاري في الجزائر العاصمة، للجزائريين الذين نفوا إلى كاليدونيا الجديدة
ويشير التقرير الصادر عام 2022، إلى وجود 15 ألفاً من أحفاد الجزائريين الذين يعيشون في كاليدونيا الجديدة، يقيم معظمهم في نيساديو وبوريل.
حرب الجزائر: أبي الجزائري كلف بتصفية أعداء جبهة التحرير في فرنسا
ونقل موقع إذاعة فرنسا، عن كريستوف ساند، عالم الآثار في مركز أبحاث IRD في نوميا أن الجزائريين في كاليدونيا الجديدة كانوا مواطنين من الدرجة الثانية، لأنهم غالباً لم يتحدثوا الفرنسية، بل العربية أو البربرية. وعانى أبناؤهم من وصمة العار، ولم يحتفظ سوى عدد قليل من العائلات بأصولهم.
وقد حقق الفيلم الوثائقي "ذكريات الذاكرة" شعبيةً واسعةً عند عرضه لأول مرة عام 2004، داخل كاليدونيا الجديدة وخارجها بين الجزائريين، حيث أجرى مقابلات مع أحفاد الثوار المنفيين، الذين نُظر إليهم باعتبارهم القادة الذين وضعوا البلاد على الطريق الصحيح لتحقيق استقلال الجزائر عام 1962.
وتعد أغنية "يا المنفي" التي غناها الشاب خالد ورشيد طه والشاب فُضيل، توثيقاً لمأساة عدد كبير ممن نفتهم فرنسا إلى كاليدونيا الجديدة، وهي أغنية يعود تاريخها إلى عام 1871 كتبها أحد الثوار المنفيين.
معارك بين السكان الأصليين والأوروبيين
Getty Imagesأعمال شغب في نوميا، بتاريخ 12 يناير/كانون الثاني 1985
لقد شهد هذا الأرخبيل انقسامات عميقة بين سكانه الكاناك الأصليين، وبين الأوروبيين الذين يعود أصول كثير منهم إلى فرنسا، من السجناء المنفيين الذين اعتُقلوا بعد قمع "كومونة باريس" أو الثورة الفرنسية الرابعة عام 1871.
وفي عام 1878، اندلعت ثورة الكاناك ضد المستوطنين الفرنسيين بسبب خسارتهم أراضيهم، كما استُبعد شعب الكاناك الأصلي من الاقتصاد الفرنسي ومن أعمال التعدين بعد اكتشاف النيكل.
وقد قُتل 200 فرنسي خلال تلك الثورة التي قادها الزعيم "أتاي" قبل أن يُقطع رأسه الذي صار رمزاً للنضال ضد الاستعمار في كاليدونيا الجديدة.
وعلى مدى أكثر من 40 عاماً حتى عام 1921، انخفض عدد سكان الكاناك من نحو 60 ألفاً إلى 27 ألفاً، بسبب دخول أمراض واردة من أوروبا كالجدري والحصبة.
وفي عام 1946، أصبحت كاليدونيا الجديدة إقليماً تحت الإدارة الفرنسية.
أول نظرة على أسرار الحياة في أعماق المحيط الهادئ
ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، اندلعت العديد من أعمال العنف والاضطرابات بين حركة استقلال الكاناك والسلطات الفرنسية، وتشكّلت جبهة التحرير الوطني الكاناكية الاشتراكية عام 1984، وهو تحالف من الأحزاب السياسية المناصرة للاستقلال.
وخلال عامي 1986 و 1987، بدأت حكومة يمين الوسط الفرنسية توزيع الأراضي، دون مراعاة مطالبات السكان الأصليين بأراضيهم؛ حيث مُنح أكثر من ثلثيها للأوروبيين وأقل من الثلث للكاناك، السكان الأصليين، ما أسفر عن تظاهرات واشتباكات ومعارك مسلحة.
Getty Imagesمتظاهرون من الكاناك في مسيرة سلمية دعت إليها جبهة الكاناك الاشتراكية للتحرير الوطنيعام 1987 في نوميا
وفي عام 1988، احتجز مسلحون مؤيدون للاستقلال 27 رهينة في كهف (أوفيا)، قبل أن تهاجمهم القوات الفرنسية وتحرر الرهائن، ما أسفر عن مقتل 22 من مختطفي الرهائن الكاناك وجنديين.
Getty Imagesمجموعة من الكاناك الملثمين يقفون حراساً على مشارف قرية في كانالا، 27 أبريل/نيسان 1988
وبعد نحو شهرين، عُقِد اتفاق "ماتينيون" الذي كان بمثابة مصالحة بين الكاناك والسكان الأوروبيين، باقتراح إنهاء الحكم المباشر من باريس وإجراء تصويت على الاستقلال بعد 10 سنوات، مع عدم إثارة قضية الاستقلال خلال تلك الفترة.
وفي عام 1998، وضع اتفاق نوميا جدولاً زمنياً مدته 20 عاماً لنقل المسؤوليات تدريجياً من فرنسا إلى الإقليم، على أن يكون نائب رئيس كاليدونيا الجديدة من المؤيدين للاستقلال، إذا كان الرئيس من المناهضين له.
وسمح هذا الاتفاق بإجراء ما يصل إلى ثلاثة استفتاءات حول الاستقلال.
الانفصال عن فرنسا أو البقاء
Getty Imagesمهرجان الحرية في كاليدونيا الجديدة عام 1999
في عام 2018، شهد الأرخبيل استفتاء أسفر عن رفض الاستقلال عن فرنسا، بنسبة 56 في المئة مقابل 43 في المئة.
سكان جزر كاليدونيا الجديدة يرفضون الاستقلال عن فرنسا في استفتاء عام
وبعدها بعامين، أُجري استفتاء ثانٍ زاد فيه عدد الراغبين في الاستقلال إلى 46 في المئة، بارتفاع بنسبة 3 في المئة، ليزداد التقارب العددي بين المعسكرين.
استفتاء كاليدونيا الجديدة: سكان الأرخبيل يرفضون للمرة الثانية الاستقلال عن فرنسا
وفي عام 2021، أُجري استفتاء ثالث، شهد مشاركة قوية للمؤيدين لتبعية الأرخبيل لفرنسا، فيما قاطعته القوى المؤيدة للاستقلال، التي رأت ضرورة تأجيله بسبب تفشي فيروس كورونا.
وقد أسفر هذا الاستفتاء عن التصويت لصالح رفض الاستقلال بنسبة 96 في المئة، وهي نتيجة رفضتها الأحزاب المؤيدة للاستقلال باعتبار التصويت غير صحيح.
وفي عام 2024، اندلعت أعمال شغب في أنحاء الإقليم، احتجاجاً على إجراءات انتخابية عارضها الكاناك الأصليون قائلين إنها ستسمح بالتصويت في الانتخابات المحلية لمزيد من السكان الفرنسيين غير المقيمين لفترة طويلة في الأرخبيل، بما يُضعف النفوذ السياسي للسكان الأصليين، ويقلل فرصهم في الحصول على الاستقلال.
الرئيس الفرنسي يزور جزيرة كاليدونيا الجديدة وسط استمرار أعمال شغب
Getty Imagesالسكان الأصليون يلوحون بأعلام كاناكي خلال مواكب إعادة الجثث إلى قبيلة سانت لويس في نوميا
وفي عام 2025، دعا ماكرون إلى محادثات لكسر الجمود بين القوى الموالية لفرنسا والراغبين في الاستقلال في كاليدونيا الجديدة، الذين تجمع مسؤولوها المنتخبون بالإضافة إلى قادة سياسيين واقتصاديين وقادة المجتمع المدني، بالقرب من باريس لوضع إطار دستوري للإقليم.
وبعد عشرة أيام من المحادثات، اتفقت الأطراف على إنشاء "دولة كاليدونيا الجديدة".
ووصف مانويل فالس، وزير أقاليم ما وراء البحار، الاتفاق بأنه "حل وسط ذكي" يحافظ على الروابط بين فرنسا وكاليدونيا الجديدة، مع منح الجزر الواقعة في المحيط الهادئ مزيداً من السيادة.
ومن المقرر أن يجتمع البرلمان الفرنسي في الربع الأخير من هذا العام للتصويت على الموافقة على الاتفاق، الذي سيُعرض على سكان كاليدونيا الجديدة في استفتاء عام 2026.
* ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربية وفضلت البقاء مع فرنسا؟
* ما الدور الذي تلعبه فرنسا في الاضطرابات التي تشهدها دول غرب أفريقيا؟
* الثورة الجزائرية: قصة مروحة اليد التي أوقعت الجزائر في فخ الاستعمار الفرنسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.