شهد المغرب خلال الأعوام الأخيرة تحولا إستراتيجيا لافتا في مقاربته الدفاعية، انتقل فيه من مجرد مستورد للسلاح إلى فاعل يسعى لبناء صناعة عسكرية محلية متكاملة. هذا التحول يعكس إدراكا متناميا لأهمية تقليص التبعية للخارج في التزود بالتجهيزات الحربية، وتعزيز مقومات السيادة الوطنية، فضلا عن ترسيخ موقع المملكة كقوة إقليمية صاعدة ذات حضور نوعي في الصناعات الدفاعية.
الخطوة المفصلية جاءت سنة 2020 مع المصادقة على القانون 10.20، الذي وفر الإطار القانوني لتقنين أنشطة تصنيع واستيراد وتصدير ونقل العتاد العسكري، فاتحا المجال أمام الشركات الوطنية والدولية للاستثمار في قطاع ظل حكراً على الواردات. هذا التأسيس التشريعي ترافق مع توقيع اتفاقية عسكرية إستراتيجية مع الولاياتالمتحدة تمتد إلى 2030، وهو ما وضع المغرب في مسار تعاون طويل الأمد مع أحد أبرز الموردين والفاعلين في السوق الدفاعية العالمية.
منذ ذلك الحين، بدأ المشهد يتغير بوضوح: إعلان شركة BlueBird عن مصنع للطائرات المسيرة، ثم قرار المجلس الوزاري إحداث منطقتين للتسريع الصناعي مخصصتين للصناعات الدفاعية، وصولا إلى دخول شركة بايكار التركية -الرائدة في مجال الدرونز- على الخط بتأسيس فرع لها في المغرب سنة 2025، ما يكرّس نقل تكنولوجيا متقدمة إلى التراب الوطني. هذه المشاريع لا تعني مجرد صفقات تجارية، بل هي خطوات في اتجاه بناء قاعدة إنتاجية ومعرفية تتيح للمملكة تطوير منتجاتها وصيانتها محلياً.
التحول لم يقف عند الطائرات بدون طيار، بل شمل الصناعة الثقيلة أيضا، حيث دشنت وزارة الدفاع الوطني بالشراكة مع مجموعة TATA الهندية مصنعا في برشيد لإنتاج المركبات القتالية المدرعة (WhAP 8×8)، مع طموحات للتصدير إلى أسواق إقليمية ودولية. كما يجري التفاوض مع باكستان لإطلاق شراكات في تصنيع الأسلحة على التراب المغربي، ما يوسع دائرة تنويع الشركاء ويقلل من مخاطر الارتهان لمصدر واحد.
في هذا السياق، أكد الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 69 لتأسيس القوات المسلحة (ماي 2025) أن توطين الصناعات العسكرية ليس خيارا ظرفيا، بل "ورش وطني إستراتيجي" يرتبط برؤية بعيدة المدى للاستقلالية الدفاعية.
وعلى الصعيد الإقليمي، يُمثل هذا التحول نقطة قوة جديدة للمغرب في توازناته مع الجوار. فبينما تواصل الجزائر الاعتماد المكثف على السلاح الروسي، ومع ما يفرضه ذلك من إكراهات مرتبطة بالسياقات الجيوسياسية الحالية، يمضي المغرب في بناء شبكة تعاون عابرة للقارات تشمل الولاياتالمتحدة، تركيا، الهند، وباكستان. كما أن هذا المسار يمنحه قدرة تنافسية مقارنة بإسبانيا، التي تُعد فاعلاً تقليدياً في الصناعات العسكرية الأوروبية لكنها لا تتبنى بالضرورة استراتيجية توطين صناعاتها في الخارج.
ويرى خبراء أن المغرب بصدد الانتقال من "مستهلك للسلاح" إلى "منتج وشريك في صناعته"، وهو تحول يعزز موقعه الجيوسياسي ويمنحه هامش مناورة أكبر في إدارة رهانات الأمن والدفاع، سواء في بيئته المغاربية أو في فضائه الإفريقي والمتوسطي.