يوم بيوم نور الدين مفتاح يكتب: مشفى الأتراح في حكومة الأفراح نور الدين مفتاح نشر في 4 أكتوبر 2025 الساعة 19 و 42 دقيقة والأدهى أن السيد أخنوش الذي تبين أنه خارج السياق والواقع كان هو نفسه رئيس بلدية أكادير، وكانت هذه الاحتجاجات حكما شعبيا على فشل السياسات الحكومية في مجال حيوي يتعلق بصحة المواطنين وحياتهم. نور الدين مفتاح [email protected]
في مملكة الفرح التي يتغنى بها رئيس الحكومة، خرج الناس في جل الجهات للتعبير عن الكيل الذي طفح بهم. خرجوا في الجبال مشيا على الأقدام مرّة أخرى بعد المسيرة الشهيرة لآيت بوكماز، وهذه المرة في آيت عباس. يصاب الإنسان بالذهول وهو يرى لائحة المطالب ونحن في سنة 2025 لا تتعدى طبيبا مداوماً وربطا بشبكة الهاتف. 600 مواطن من 11 دواراً قطعوا 60 كلم من أجل حد أدنى من الصحة ومن الحق في التواصل.
قال أخنوش في حواره المتلفز الأخير: «الناس اللي عندهم هاد المنظومة الصحية فرحانين بزّاف. نحن نصلح 1400 مركز صحي كلهم غيكونو فالمستوى العالي. يكون فيهم «أنفيرميي» وطبيب. قبطنا كذلك عدد من المستشفيات اللي هي إقليمية باش تعمل فيها استثمارات…». لم تبرد كلمات رئيس الحكومة المعسولة حتى تفجرت احتجاجات شعبية هادرة بالمستشفى الجامعي «مولاي الحسن» بأكادير، وكانت النقاط التي أفاضت الكأس هي وفاة ما يقارب عشر نساء خلال التوليد.
والأدهى أن السيد أخنوش الذي تبين أنه خارج السياق والواقع كان هو نفسه رئيس بلدية أكادير، وكانت هذه الاحتجاجات حكما شعبيا على فشل السياسات الحكومية في مجال حيوي يتعلق بصحة المواطنين وحياتهم.
تبين من خلال الاحتجاجات أيضا أن المشفى الإقليمي كان يُنعت ب«المسلخ العمومي» وأن المواطن المغلوب الذي يوصف له المستشفى يتسامح مع معارفه وأهله وينطق الشهادتين قبل الدخول إليه، كما أن هذا الفضاء الذي يفترض أنه مخصص للوزرات البيضاء في الممرات المعقمة كان مرتعا للقطط المتشردة والأزبال!
ولم يتوقف الأمر هنا، لتندلع احتجاجات مشابهة على المستشفيات ببني ملال وتزنيت والصويرة وطاطا وإن كانت قد منعت فإنها تعطي مؤشرا على الأوضاع الكارثية التي يعيشها قطاع هو العمود الفقري لكل تنمية بشرية مفترضة.
إن الحجة الرئيسية للحكومة الحالية في مجال الصحة هي أنها رفعت من ميزانيتها من 19 مليار درهم سنة 2021 إلى 32 مليار سنة 2025، ولكن الذي لم تقله الحكومة هو أن نسبة هذه الميزانية القطاعية من الميزانية العامة انخفضت من 6 إلى 5٪ مع أن معايير الصحة العالمية تتحدث عن 10٪. والمشكل الأكبر في الموضوع هو الموارد البشرية، ف 14 ألف طبيب مغربي فضلوا الهجرة إلى الخارج، 7000 منهم إلى فرنسا لوحدها، وبدل أن تعالج الحكومة الأسباب الهيكلية لمنع هذه الهجرة، اتجهت ترقيعيا لحذف سنة من تكوين طلبة كليات الطب لتصبح شهاداتهم غير معترف بها في الخارج وهذا دفع إلى واحد من أكبر وأطول الإضرابات الطلابية وانتهى بتراجع الحكومة.
إن الطبيب الذي تريده أن يخدم بلده لا يمكن أن ترسله إلى مستوصفات أو مستشفيات بلا حد أدنى من وسائل العمل. حتى النظافة غير موجودة، والخيط بعد إجراء العمليات غير موجود، والسكانيرات معطلة في أغلب المؤسسات. هذا الطبيب حتى وإن تمت الزيادة في أجرته ب 3000 أو 4000 درهم، فإنه لا يمكن أن يستمر في العمل في بيئة مشابهة لساحة حرب حيث يقضي بالموجود!
إن هذه السياسات الكارثية جعلت المغرب يخسر 40 مليار درهم في هذه الهجرة فقط، ونسأل السيد رئيس الحكومة الذي بشرنا ب 1400 مستوصف من أين سيأتي بالأطباء والممرضين؟ فالمشكل ليس في تخصيص مجموعة من مناصب الشغل للقطاع في الميزانية، ولكن المشكل هو أين الأطر! فالعديد من المباريات التي يعلن عنها لتوظيف أطباء لا يتقدم لها أحد ورئيس الحكومة يتحدث عن الفرح!
الأكثر إيلاما في هذا الموضوع هو أن الصحة العمومية غير متاحة للجميع، أي أن سوء حالها لا يجعلها تستقطب إلا المضطرين، أما 50٪ من المغاربة حسب آخر الدراسات فإنها تتحمل تكاليف تطبيبها من جيبها في القطاع الخاص. هذا بلد رفع مداخيله الضريبية إلى الضعف، وعلى المواطن أن يؤدي الضريبة ويؤدي في نفس الوقت كلفة مرضه وكلفة تدريس أبنائه في المدارس الخصوصية، لأن المدرسة العمومية أسوأ حالا من المستشفى العمومي، فهل هذا عدل في تدبير المال العام؟ وحتى التغطية الصحية التي يتباهى بها السيد أخنوش وهي لم تشمل جميع المغاربة، حيث يظل 8 ملايين مواطن خارج المنظومة، فإنها فصلت على مقاس القطاع الخاص! ميزانية الدولة خصصت ما يناهز 90 مليار درهم لهذه التغطية لا تستفيد منها المستشفيات العمومية إلا بنسبة 10٪ فيما تذهب 90٪ للقطاع الخاص، وجلها يذهب لفاعل واحد هو مجموعة «أكديتال»!
من العدمية تبخيس ما قام به المغرب في مجال البنية التحتية، قبل أن يحظى بشرف تنظيم كأس إفريقيا للأمم وكأس العالم لكرة القدم، موانئ وطرق سيارة ومطارات ومحطات قطار وتهيئة مراكز مدن واستقطاب استثمارات خارجية، وبناء ملاعب من مستوى عالمي كملعب مولاي عبد الله بالرباط. ولكن من عدم الإنصاف عدم المقارنة بين صورتين للمغرب، صورة يراها من ينزل من المطار ويسير في السيارة بانبهار إلى أن يصل إلى فندقه ثم يخرج إلى المطاعم الفاخرة ويدخل ليشاهد مباراة في ملعب رائع، وصورة يراها المواطن وهو يخرج من حيّه في هامش المدينة ويصادف الأزبال ويعاني في النقل، وحين يصل إلى المستشفى يصاب بالاكتئاب قبل أن يرى الطبيب إذا قدر وتوصل بموعد قد يتأخر حتى 7 أشهر! ولا يمكن لأحد أن يلوم مواطنا يقارن بين ملعب أكادير ومستشفى أكادير، وقس وزد.
إنه مغرب السرعتين الذي تحدث عنه جلالة الملك في خطاب العرش الأخير، وليس مغرب حكومة أخنوش التي ترى الفرح في أكثر الأماكن التي تعلو فيها أصوات الأنين.