مستشار ترامب من الجزائر: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد لنزاع الصحراء    تركمنستان .. قيوح: المغرب جعل من التعاون مع الدول غير الساحلية أولوية استراتيجية في سياسته التعاونية    من المعرفة إلى السفر… تجارة الخدمات الصينية تحلق عالياً مع ارتفاع ملحوظ في الصادرات    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    الدورة السادسة عشرة من معرض الفرس للجدیدة سلسلة من الندوات حول العنایة بالخیل والتراث الفروسي    فتيات المغرب تكتسحن الجزائر ويحجزن مقعدا لهن في "أفروباسكيط 2025"    عملية مرحبا.. إطلاق حملة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج تحت شعار "التعمير والإسكان في خدمة مغاربة العالم"    مصرع شخصين في حادثة سير مميتة ضواحي ابن جرير    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    الأوقاف تكشف سبب إعفائها رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك    ارتفاع القروض الاستهلاكية في المغرب إلى 162 مليار درهم خلال سنة 2024    مندوبية ‬التخطيط ‬تكشف: ‬وضعية ‬سوق ‬الشغل ‬لازالت ‬تعاني ‬من ‬آثار ‬الجفاف    الموهبة الكبيرة وزان يوقع عقدًا جديدًا مع أياكس بعد رفض ريال مدريد التعاقد معه    "منتخب U20" يستعد لكأس العالم    رضا سليم يعود للجيش الملكى على سبيل الإعارة    تراجع نسبة ملء السدود بالمغرب إلى 35.3%    دراسة: الحر يؤثر على الصحة العقلية للإنسان    توقيف قائد بعمالة مراكش للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بالبرَد وبهبات رياح مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    المغرب ‬يسير ‬نحو ‬جيل ‬جديد ‬من ‬برامج ‬التنمية ‬المجالية.. ‬نهاية ‬زمن ‬الفوارق ‬وتفاوت ‬السرعات    خواطر تسر الخاطر    "سورف إكسبو" لركوب الأمواج في دورته الرابعة أكتوبر المقبل    تارودانت… 14 مليون درهم لتأهيل المواقع السياحية بأسكاون وتيسليت    أسعار النفط تشهد استقرارا بعد تسجيل أدنى مستوى في أسبوع    الريسوني: تخلف وزارة الأوقاف سحيق لأنه مقدس وله حراسه.. وتخلف الدولة يسمى "الانتقال الديمقراطي"    "صحة غزة": ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 188 بينهم 94 طفلا    زيادة ثمن بطاقة جواز تثير استياء مستعملي الطرق السيارة بالمغرب    كفالة مالية تصل إلى 15 ألف دولار للحصول على تأشيرة أمريكا    22 شهرا من الإبادة.. الجيش الإسرائيلي يقتل 20 فلسطينيا في غزة فجر الثلاثاء    مالي تعلن تحرير أربعة سائقين مغاربة بعد 7 أشهر من احتجازهم لدى "داعش الساحل"    وَانْ تُو تْرِي دِيرِي عَقْلك يَا لاَنجِيرِي!    كاميرات مراقبة صينية في سبتة ومليلية تثير الجدل في إسبانيا    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    المغرب ومالي ينجحان في تحرير 4 سائقين مغاربة اختطفتهم "داعش" في بوركينا فاسو    بعد أيام من تركيبه.. مجهولون يخربون رادارا حديثا لرصد المخالفات المرورية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    هولندا تدفع فاتورة أسلحة لأوكرانيا    اليابان تسجل "درجات حرارة قياسية"    عمدة برلين يثمن التشديد في الهجرة    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    سلطات المضيق تباغث من جديد المركبات السياحية والسكنية وتحجز عشرات المظلات والكراسي    المندوبية السامية للتخطيط: جهة الشمال تسجل أدنى معدل في البطالة بالمغرب    غينيا تهزم النيجر بهدف في "الشان"    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"كورونا" وتنامي الأخبار الزائفة… في منهج التعامل مع الإشاعة في سيرته صلى الله عليه وسلم – إسلام الطفيل بن عمرو أنموذجا"
نشر في الدار يوم 24 - 04 - 2020

في إطار مواكبة موقع "الدار" لمستجدات تفشي فيروس "كورونا" المستجد" كوفييد19′′، ونهوضا من الموقع بدوره الاعلامي في تحسيس وتوعوية المواطنين بأهمية الوقاية والالتزام بالحجر الصحي لتجاوز هذه الظرفية الاستثنائية التي تعيشها المملكة والعالم أجمع، يوصل موقع "الدار"، عبر صفحة "دين وحياة" نشر عدد من المقالات العلمية لباحثين وباحثات تتناول المنهج الرباني والنبوي في التعامل مع الأوبئة والأمراض المستجد. وفيما يلي مقال للأستاذ د. محمد بن علي اليولو الجزولي، أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط بعنوان " منهج التعامل مع الإشاعة في سيرته صلى الله عليه وسلم – إسلام الطفيل بن عمرو أنموذجا "، خصوصا في ظل انتشار الاشاعات والأخبار الزائفة في عز أزمة فيروس "كورونا".
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمْد لله ربِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّد الأولين والآخِرين، وعلى آل بيْته الطَّيبين الطَّاهرين، وأَزْوَاجه أُمَّهات المؤْمِنين، وأَصْحَابه من الأنْصَار والمُهَاجِرين.
وبعد؛ فإن الإشاعة ظاهرة اجتماعية خطيرة وجدت مع الإنسان منذ فجر التاريخ؛ فقد تعرض لشرها الأنبياء والصالحون منذ الأزل، وفي القرآن الكريم حديث متواصل عن ما تعرض له هؤلاء الرسل من التهم الكاذبة، والإشاعات المغرضة من لدن نوح عليه السلام إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
ولهذا فإن استقراء نصوص السيرة النبوية الشريفة، وتوظيف نصوصها في عملية الإصلاح مشروع عظيم مكتمل الأركان، وإن من بين الأوراش الكبرى التي تحتاج للإصلاح اليوم ورش: طرق التعامل مع الإشاعة والأخبار الكاذبة، التي تنشر في الكتب، والجرائد، والمجلات، والإذاعة، والتلفزيون عموما، وفي مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا، حيث يسعى الواشون من خلال الإشاعة إلى بث سمومهم بين الناس، فيتلقفها من لا عقل له؛ فيسرع إلى نشرها في المنتديات والمجالس، فتنتقل بذلك الإشاعة بينهم كالنار في الهشيم، ويزاد أو ينقص في حجمها، مع تزايد الأفواه والأقلام الناقلة لها، فكم من نفوس بريئة نالتها ألسنة حداد بالغيبة، وكم من أرواح طيبة نيل من عرضها بالبهتان، قال تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [1].
من هنا يتبين لنا خطر الإشاعة، وضررها العظيم في تدمير قواعد المجتمع وتماسكه، وتقويظ سلمه المجتمعي، فكم من جمع فرقته، وكم من ود قطعته، وكم من بيت خربته، وكم من دول أشعلت نار الحرب بينها.
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ناله النصيب الأكبر من هذه الإشاعات المغرضة، والأخبار المزيفة، فقد شيع عنه المشركون أنه مجنون، وأنه يفتري الإفك، ويحكي الأساطير قال تعالى: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)[2]، وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[3].
كما نجد في أحداث سيرته صلى الله عليه وسلم الكثير من المواقف التي تعرض فيها النبي صلى الله عليه وسلم للإشاعات، سواء في العهد المكي، أو المدني من ذلك: أنه في مكة أذاع عنه المشركون حملة من الإشاعات المغرضة لصد الناس عن قبول دعوته؛ من ذلك ما قام به هؤلاء لصد الطفيل بن عمرو الدوسي من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أشيع أن مشركي مكة أسلموا بعد الهجرة للحبشة، وفي غزوة أحد أشيع بأنهصلى الله عليه وسلم قتل في ميدان المعركة، وفي صلح الحديبية أشيع أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قد قتل، وفي غزوة مؤتة أشيع في المدينة أن الصحابة فروا من المعركة ، بعدما رجع خالد بن الوليد ببقية الجيش لما استشهد قادته الثلاثة،...إلى غير ذلك من الإشاعات التي حمل وزر إذاعتها بين المسلمين ثلاثة أصناف من الناس: المشركون، واليهود، والمنافقون.
ولهذا يحسن بي استنطاق بعضا من هذه النصوص السيرية، لأجل استمداد منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الشائعات، طلبا لإيجاد حلول ناجعة لعلاج هذه الآفة في المجتمع المسلم؛ وسأقتصر هنا على دراسة نموذج واحد من سيرته صلى الله عليه وسلم تتمظهر فيه الإشاعة بشكل كبير ألا وهي: قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه، ومحاولة المشركين صد الطفيل عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بنشر الشائعات حول دعوته وشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم أختم بمنهج التعامل مع الشائعات:
وقصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه ذكرها ابن سعد في الطبقات قال:" أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسي، وكان له حلف في قريش قال: كان الطفيل بن عمرو الدوسي رجلا شريفا شاعرا كثير الضيافة , فقدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها , فمشى إليه رجال من قريش , فقالوا: يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وفرق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه , وبين الرجل وبين أخيه , وبين الرجل وبين زوجته، إنا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا منه , فلا تكلمه ولا تسمع منه، قال الطفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا، ولا أكلمه، فغدوت إلى المسجد وقد حشوت أذني كرسفا – يعني قطنا – فرقا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي: ذو القطنتين، قال: فغدوت يوما إلى المسجد , فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة , فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله , فسمعت كلاما حسنا , فقلت في نفسي: واثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح , فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته. فمكثت حتى انصرف إلى بيته , ثم اتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت معه , فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالو لي، فوالله ما تركوني يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لأن لا أسمع قولك، ثم إن الله أبى إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولا حسنا , فاعرض علي أمرك، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا عليه القرآن , فقال: لا والله ما سمعت قولا قط أحسن من هذا، ولا أمرا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق...» [4].
والظاهر من خلال هذه القصة أن المشركين حاولوا القيام بدعاية (بروباغندا) موجهة ضد النبي صلى الله عليه وسلم، فروجوا شائعة على الطفيل مفادها: أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق جماعتهم، وشتت أمرهم، وأن كلامه سحر يفرق بين الرجل وأبيه, وبين الرجل وأخيه, وبين الرجل وزوجه.
وفي الحقيقة فإن المغزى العميق الذي سعى إليه المشركون -مروجوا هذه الشائعة – ما هو إلا محاولة إحداث وقيعة وقطيعة بين النبي صلى الله عليه وسلم والمهتدين الجدد لينفضوا عنه، ولهذا ختم المشركون هذه الشائعة بقولهم للطفيل: "إنا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا منه , فلا تكلمه ولا تسمع منه"[5].
إن هذه الإشاعة على الرغم من زيفها وبطلانها؛ إلا أنها تركت في بادىء الأمر أثرها على الطفيل رضي الله عنه حين قال:" : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا، ولا أكلمه، فغدوت إلى المسجد وقد حشوت أذني كرسفا – يعني قطنا – فرقا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي: ذو القطنتين "[6].
من خلال هذه القصة نستخلص أيضا: أن منهج مقارعة الشائعة، وتفنيدها، وردها يكون بالاستماع إلى الطرف الآخر الذي قيلت في حقه الإشاعة، فربما يكون عنده رأي مخالف للطرف الأول، وهذا ما فعله الطفيل رضي الله عنه، فلم يكتف بما سمعه من المشركين في حق محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل سعى للاستماع منه، وبيان وجه الحقيقة في الأمر، وهو أمر مطلوب في تصحيح الأخبار والشائعات، ولهذا قال: "فغدوت يوما إلى المسجد , فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة , فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله , فسمعت كلاما حسنا , فقلت في نفسي: واثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح , فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته. فمكثت حتى انصرف إلى بيته , ثم اتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت معه , فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالو لي، فوالله ما تركوني يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لأن لا أسمع قولك، ثم إن الله أبى إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولا حسنا , فاعرض علي أمرك"[7].
لقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة هذه الإشاعة البعد الأخلاقي من خلال التحلي بالصبر والتأني، واستجماع قوة النفس، والاستعلاء بالإيمان في تعامله معها، ولهذا مر معنا أن أول شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم هو عرض دعوته ودينه على الطفيل بن عمرو رضي الله عنه، ثم تلا عليه القرآن الكريم ثانيا ، وأوضح له الحجة ، ولهذا بداهة لم يتأخر إسلام الطفيل رضي الله عنه بعد هذا البيان الفصيح المختصر , فقال: "لا والله ما سمعت قولا قط أحسن من هذا، ولا أمرا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق"[8].
من خلال هذه القصة نخرج بخلاصة في غاية الأهمية ألا وهي: أنه ينبغي على المؤمن المتقي أن يحسن ظنه دوما بالناس، ولا يتسرع في الحكم عليهم، بل يتريث، ويتحرى، ويسأل عن مصادر الخبر، وتقليبه على عدة أوجه؛ لأن الكلام حمال أوجه، وأن لا يأنف في استشارة أهل الحل والعقد من المصلحين الصادقين، ليكسب موقفه نوعا من المصداقية والثقة، ولهذا نرى الله تعالى مدح المؤمنين الذين ظنوا الظن الحسن في قصة الإفك، ولم يتسرعوا مثل المنافقين، واعتبروا تلك الشائعة إفكا، وكذبا، وبهتانا، قال تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)[9].
وعلى المؤمن أن لا يتسرع بنشر الشائعات، ويتلذد بنشر وقائعها على المنابر والمنتديات، فإهمالها أولى من إعمالها مصداقا لقوله تعالى:(وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) [10]، وأن لا يتشفى بأخيه، ويشمت به؛ بل الواجب عليه بدل النصح لأخيه، وتنبيهه بالتي هي أحسن، لأجل إصلاح الغلط، ورأب الصدع؛ لأن الدين النصيحة، ولا خير في من لا يقبل النصح أو الإصلاح.
هذا ما تيسر لي ذكره في هذا الموضوع ، فأسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذا العمل بقبول حسن، وأن يجزي كاتبه، ومصححه، وناشره، وقارئه.
والحمد لله رب العالمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.