حين تم التوقيع على عقد التسيير المنتدب لمرفق النقل الحضري بواسطة الحافلات بالدارالبيضاء شهر غشت 2004 لفائدة شركة نقل المدينة لمدة 15 سنة قابلة للتمديد لفترة واحدة حددها المشرع في 7 سنوات، لم يكن وقتئذ أحد من المسؤولين (سلطة مركزية، محلية، إدارة الشأن العام المحلي) يعتقدون أنهم يوقعون بخط اليد على ولادة أزمة مركبة جديدة تكتسي من الخطورة والتداعيات ما لم تأخذه وضعية الوكالة المستقلة للنقل الحضري على الرغم من المراحل الحرجة التي كانت تمر بها بين حين وآخر وفترة وأخرى. كيف؟ أولا، إن الوكالة لم يتم الإعلان عن إفلاسها إلا بعد أن أوقفت سلطات الوصاية كل أشكال الدعم المالي المفترض لفائدتها كسيولة منتظمة وخاصة في باب التجهيز. ثانيا: غلبة الإرادة السياسة على كافة المتدخلين في القطاع بغية رفع اليد عن الوكالة لما أضحت تشكله، بحسب نظرهم ، من عبء مالي على خزينة الدولة بصفة عامة ومالية المدينة على وجه التحديد، وذلك تمشيا مع التوجه والاختيارات الاقتصادية الجديدة وإكراهاته المفتوحة. من هنا جاءت القناعة السياسية لدى الجهات المعنية في إخضاع المرفق للتفويت لا الخوصصة. وهذا الموقف أملاه حسب عدد من الباحثين والمختصين ، الهاجس الامني نظرا لخصوصية الوضع وطبيعته المميزة للدار البيضاء اجتماعيا، سياسيا، اقتصاديا ونقابيا.. من هنا أيضا تم الرهان على «مدينة بيس» لتحديث القطاع وتطويره وتحسين جودة خدماته والرفع من درجة وتيرتها وفق مخطط تدبير خماسي ثلاثي المراحل، ويعمل بالموازاة مع ذلك، على تحسين ظروف كافة العاملين والحفاظ على مكتسباتهم سواء بالنسبة للعمال المتعاقدين أو الملحقين من مستخدمي الوكالة، كما هي مضمنة ومنصوص عليها في عقد التدبير. إلا أن شيئا من ذلك لم يتحقق ، فالبرنامج الاستثماري التعاقدي تم الاجهاز عليه في معظم مقتضياته خاصة في ما يتعلق باقتناء الحافلات التي كان المفترض أن يكون عدد وحداتها الجائلة نهاية السنة الماضية 937 حافلة. الشركة لم تكلف نفسها من كل هذا غير اقتناء 200 حافلة فقط . مسلسل الاجهاز الذي كان يتحكم في مفاتيح قراراته رئيس المقاولة خالد الشروعات لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد إلى حد الترامي العلني والمكشوف على الحقوق الاساسية لكافة الاجراء، وكان أبرزها عدم تسوية وضعية المقاولة لدى كافة الصناديق الاجتماعية على الرغم من الاقتطاع المنتظم للإدارة لواجب اشتراك العمال من راتبهم الشهري، والتي لم تعرف طريقها إلى الحل إلا مؤخرا وبتدخل من والي الجهة محمد حلب، على خلفية تنفيذ العمال لإضراب انذاري لمدة 24 ساعة على الرغم من اعلان النقابات تعليقه. - عدم صرف الزيادة الاخيرة في الاجور كما أقرتها الحكومة من جانب واحد حيث عمدت الإدارة إلى تجاوز قرارات المجلس الاداري الذي صادق عليها لتحدد قيمتها وفق مزاجها الخاص لتحرم في سابقة خطيرة المتقاعدين الذين غادروا المؤسسة من السنتين الاخيرتين منها. - عدم حذف السلالم الدنيا وادماج المعنيين في السلم 5. الشركة ، أو بتعبير آخر، «المفوض له» بخرت «وعلى عينيك ابن عدي» حلم من راهن عليها كبديل رائد في مجال النقل الحضري ليس في العاصمة الاقتصادية فحسب، بل على الصعيد الوطني وجعلتهم في حيص بيص من أمرهم حين دخولها كمؤسسة السنة الاخيرة من الفترة الخماسية الاولى (2009) مرحلة الافلاس من جهة وتفكك من جهة ثانية على مستوى مجلسها الاداري، وذلك بعد إعلان شركة «فينانس كوم» انسحابها وتجميد الشريك المرجعي وكالة باريس للتنمية، لعضويتها في المجلس، ليستفرد رئيس المقاولة طولا وعرضا بكافة القرارات التي تحمل غير المصائب والكوارث المتتالية على مدينة الدارالبيضاء وساكنتها وشغيلة القطاع. إلا أنه وعلى خلاف كل التوجهات ، كما تقتضيها طبيعة ووضع المقاولة من الناحية القانونية، كان لمجلس المدينة ورئاسته رأي آخر ، حيث عمدا وبتوجيه من الادارة المركزية إلى منح الشركة إعانة مالية أجمع المتتبعون على وصفها بغير المشروعة، تبلغ قيمتها 200 مليون درهم ،وذلك بعد دخول صندوق الايداع والتدبير بإيعاز من طرف الدولة كمساهم عمومي محل «فينانس كوم» وبنسبة 34 في المائة من أسهم الشركة. الاعانة المالية العمومية الكبيرة والمجانية للشركة حملت بشرى إلى البيضاويين سرعان ما خابت وتبخرت هي الاخرى بدورها التي كانت تقول باقتناء 200 حافلة خلال هذه السنة التي لم تعد تفصلنا عن نهايتها سوى حوالي 14 أسبوعا دون أن ترى النور، إلا أن الشيء الوحيد الذي عرف طريقه إلى التطبيق من هذه الاعانة ولقي استنكارا واسعا لدى مختلف المتتبعين والرأي العام الوطني والمحلي، يتمثل في تنفيذ الادارة العامة لقرار التسريح الجماعي لحوالي 1200 عامل من مستخدمي الوكالة الذين رصد لهم مجلس المدينة ، وبتوجيه من رئيس المقاولة، مبلغ 3,5 مليار سنتيم، وذلك في أكبر مظهر مذل وحاط بالكرامة الانسانية حيث أن سنوات العمل لا تقل لدى معظمهم عن ال 25 سنة من العمل! إننا ، لا مناص هنا، وكما يبدو من المعطيات الاولية لمسار نظيمة الانتاج لشركة نقل المدينة ، كما طرحنا أهم عناوينها، أمام مقاولة تمثل حالة استثناء بكافة المقاييس في مشهد المقاولات الحديثة ذات الطابع الاجتماعي ببلادنا إن على مستوى التسيير الذي يقوده طاقم إلى تعميق بنية الاختلالات أو على مستوى إدارة الملف الاجتماعي الذي يؤسس لكافة مظاهر التوتر والاحتقان الداخلي المستدام.