عمالة طنجة-أصيلة : لقاء تشاوري حول الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية يثمن الاعتراف الأممي بمغربية الصحراء ويدعو لتسريع التنمية والاستثمار في الأقاليم الجنوبية    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    المنتخب الوطني يجري حصة تدريبية مفتوحة امام وسائل الاعلام المعتمدة بملعب طنجة الكبير    وسط مطالب بحريتهم.. أحكام الإدانة في حق شباب "جيل زد" متواصلة وصدور عقوبات بديلة في تازة    حموشي يتقلد وساما إسبانيا رفيعا    والآن سؤال الكيفية والتنفيذ .. بعد التسليم بالحكم الذاتي كحل وحيد    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يستأنف تداريبه استعدادا لسدس عشر كأس العالم    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    (فيديو) بنسعيد يبرر تعين لطيفة أحرار: "كانت أستاذة وهل لأن اسمها أحرار اختلط على البعض مع حزب سياسي معين"    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    الكشف عن الكرة الرسمية لكأس أمم إفريقيا المغرب 2025    الدون "كريستيانو رونالدو" يعلن عن موعد اعتزاله    كيف أصبح صنصال عبئاً على الديبلوماسية الجزائرية؟    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    كريم زيدان يعلن عن تفاصيل وشروط استفادة المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة من دعم المشاريع    اقتراب منخفض جوي يجلب أمطارًا وثلوجًا إلى المغرب    لتعزيز جاذبية طنجة السياحية.. توقيع مذكرة تفاهم لتطوير مشروع "المدينة المتوسطية"    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    مجلس القضاء يستعرض حصيلة 2024    "واتساب" يطلق ميزة جديدة تتيح للمستخدمين الوصول إلى جميع الوسائط الحديثة المشتركة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعرض تجربة الذكاء الاصطناعي في منصة "SNRTnews" بمعرض كتاب الطفل والشباب    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    تفجير انتحاري يوقع 12 قتيلا بإسلام أباد    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    رصاص الأمن يشل حركة مروج مخدرات    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    منيب تتقدم بمقترح قانون للعفو العام    خط جوي جديد بين البيضاء والسمارة    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يكشف عن قائمة المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطر الوظيفة العمومية بين الحقد المهني والانتهازية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 05 - 08 - 2013

يبقى طرح وضعية الموظف على هذا النحو مباحا ومعللا في غياب, لن أقول الإرادة السياسية ,بل الجرأة السياسية الفعلية المواطنة لدى جل فعاليات المشهد السياسي وفعاليات المشهد النقابي,على التعامل الجدي مع ما يصطلح عليه بتقويم منظومة الوظيفة العمومية ككل. تعامل لا يجب أن يبقى حبيس شعارات لمناظرات تظل توصياتها جاثمة, بل تعامل يفضي إلى تأقلم واجبات وحقوق الموظف مع مقتضيات دستور 2011. فما هو عار من كل موضوعية وواقعية هو الصمت والتجاهل الحزبي والنقابي على الاستمرارية في تأطير موظف الألفية الثالثة بقوانين باتت متآكلة لتقادمها (منذ 1958) وعدم جرأتها على الإقدام على الدفع الجدي اتجاه تأقلم وتحيين وتجانس مضامينها وأسس دستور 2011.
قد يعيش الموظف هذه المرارة منذ بداية مساره المهني, إذ يتم تصنيفه وفق من ساعده على التوظيف ووفق طبيعة المسؤول المباشر الذي يوضع تحت إشرافه. ذلك أن التوظيف وبالرغم من إخضاعه لقانون المباراة، فإنه لا يزال محاطا بعدم الشفافية والمصداقية لكون قانون المباراة قصد التوظيف لم يتم تعزيزه بآليات التتبع لعملية التوظيف لتبقى المباراة آلية جوفاء للتوظيف ولا ترقى إلى ما ينص عليه الدستور من تكافؤ الفرص. ففي غياب آليات التتبع بعد الإعلان عن المباراة، يبقى مبدأ تكافؤ الفرص مجرد شعار ليس إلا. من يراجع أوراق المباراة؟ وهل من رقيب على مجريات الاختبارات الشفاهية؟ (...) وبالتالي فما يفرغ قانون مباراة التوظيف من مصداقيته هو المسار الذي يعرفه التوظيف بعد الإعلان عن المباراة. لا يجب إيهام الإطار المغربي بكون مبدأ المساواة يمر من خلال إلزامية المباراة, لأن هذه الإلزامية وبكل بساطة لا تكتسي أية عدالة ولا مصداقية, أي أن القانون يلزم المواطن باجتياز المباراة في حين أنه لا يلزم المؤسسة المعلنة عن المباراة بتعليل نتائج المباراة ولا بإيلاء المواطن حقه في الاستفسار عن نتائجه وحصوله على إثباتات نجاحه أو رسوبه. لا مكانة هنا بطبيعة الحال للحديث عن السر المهني، لكون الأمر بعيد كل البعد عن جوهر ومضمون السر المهني، بقدر ما يتعلق الأمر بالواجب المهني المعلوماتي للمؤسسة العمومية اتجاه المواطن وكذا حقه في الاطلاع على جدية معلومة ستحدد حاضره ومستقبله.
1- الحقد المهني ميزة الوظيفة العمومية
ومما قد لا يشعر به الموظف أن بوادر زرع بذور الحقد المهني اتجاهه، لتتطور صفته إلى موظف منبوذ، قد تتم منذ المراحل الأولى لتوظيفه ,أي حينما يفطن إلى كون إجراءات توظيف الأطر في جل المديريات العمومية و شبه العمومية لا علاقة لها بمؤهلاتهم الفكرية أو المهنية بل بموجب معيار واحد يكمن في «الأريحية الوظيفية» للموظف بمعنى أنه من بين الأطر من يتم تعيينه لدى مسؤول يكون ملما ب»ترويض»ه أو ب»تطويع»ه (فاستعمال هذين المصطلحين راجع لكون بعض المسؤولين يعتبرون الموظف المستهدف، أي شيء، غير كونه إنسانا له حقوق وواجبات). وعلى غير دراية منه تنسج سيناريوهات وأكاذيب يتم تلفيقها له كالغياب المتكرر وعدم احترام مسؤوله المباشر وعدم إتقانه لعمله والغياب التام لانسجامه مع باقي الموظفين والكل يتم، يخيل إليهم، بتنسيق شبه تام خصوصا وأن الموظف في بداية مساره المهني غالبا ما لا يكون ملما بحقوقه أي بما له وما عليه. ومما يزيد الطينة بلة, الغياب لدور فعلي وفعال للجان المتساوية الأعضاء والتي في الغالب ما يحبك انتخاب أعضائها، إذا لم نقل يتم، من خلال الكواليس، تعيين أعضائها لتمرير جميع أنواع ما هو سلبي في حق الموظف المنبوذ. أما الأمر العجاب فكون هذه اللجان مغيبة تماما في بعض المؤسسات بفعل أخطاء إدارية ولا مبالاة القائمين على تدبير احترام القوانين المسطرة لتنظيم هذه اللجان. فتغييب أو تعطيل اللجان المتساوية الأعضاء هو إسقاط للفصل 11 من الظهير الشريف الصادر بمثابة نظام عام للوظيفة العمومية, وبالتالي فهو خرق جلي لبند يعنى بحقوق تدبير شؤون الموظف من خلال تمثيليته. وبطبيعة الحال، فالموظف المنبوذ لا ضمانة له في التموقع بين أعضاء هذه اللجان لكون هذه الأخيرة لا ترغب في أن يكون من بين أعضائها حتى لا يتمكن من الاطلاع على ما هو «محرم عليه». أعضاء غالبا ما تكون سمات أعضائها عدم الأهلية والموافقة «العمياء» على كل ما يتم اقتراحه من طرف رئيس اللجنة الذي يكون غالبا مسؤولا عن الموارد البشرية. وعلى هذا النحو يكون السبيل لاضطهاد الموظف المنبوذ ميسرا لحرمانه من التدرج الإداري وإثقال ملفه بالإنذارات من خلال مجالس تأديبية صورية وربما تعرضه للطرد, خاصة حينما يكون الموظف في غفلة عما يخوله له القانون لضمان حمايته من التدابير التعسفية الادارية. كيف يعقل الحديث عن قانونية التدابير المتخذة في بعض الإدارات العمومية ضد موظف في غياب هياكل تنظيمية, بل ثمة موظفون مغيبون عن الهياكل التنظيمية وغير متوفرين على la fiche de fonction ؟ فكيف إذن تسمح الادارة لنفسها بتقييم عمل هؤلاء ؟ إدارات عمومية تحبك ظروف طرد من تشاء وتغييب وتشبيح من تشاء وتتستر وترقي من تشاء ؟ (...) إنه التدبير المزاجي في أبهى حلله. قد يبدو هذا غريبا ولكنه واقع معيش في عالم عجائب الوظيفة العمومية في المغرب.
2- إدماج موظف قد يشكل إشكالية قانونية وإنسانية
وفقا لمقتضيات الوظيفة العمومية، فإن كل موظف حديث التوظيف لا بد من يثبت لمدة سنة مردوديته الوظيفية. فإذا كانت سنة واحدة هي القاعدة، فثمة استثناءات لا صلة لها بأي سند قانوني بل لها صلة بمزاج المسؤول المليء بالتشويهات المفركة المعدة من طرف الكائدين للموظف المنبوذ. والتساؤل المطروح يكمن في مدى قانونية من يطلب منه تمديد سنة التمرين قبل الإدماج النهائي في وقت، وفي إطار قانوني متناقض، تجده حاصلا على نقطة تقييم جيدة مع تقلده لمنصب مسؤولية يؤهلانه للإدماج منذ سنته الأولى ضمن أطر المؤسسة العمومية. بل العجب كل العجب، أنه بعد سنة التمرين الثانية التعسفية، تجد بعض المسؤولين الاداريين متمادين في تدبيرهم المزاجي, حيث أنه عوض أن يتم الادماج النهائي للموظف أو تسريحه، تجدهم، وفي حيرة من أمرهم، يحولون منصبه النظامي إلى منصب تعاقدي وهذا أمر غريب لكون التعاقد وجب أن تقوم به المؤسسة مع إطار ذي مؤهلات خاصة والتي من شأنها أن تشكل قيمة مضافة للمؤسسة طيلة مدة زمنية محدودة وليس مع إطار وصفت كفاءته ومردودية عمله بالسلبية والعدمية. قد يجد القارئ هذه الوضعية غريبة ولكنها واقع من وقائع الوظيفة العمومية بالمغرب. الغرابة كل الغرابة كون ذات الموظف المنبوذ تجد وضعيته تنتقل مرة أخرى من الوضعية التعاقدية إلى وضعية إعادة الإدماج تحت التمرين وبعد سنة يتم إدماجه النهائي الذي لم يتم إلا بعد خمس سنوات تخللها مجلس تأديبي أريد به تهيئة الأرضية المواتية للتخلص عبر الطرد للموظف المنبوذ والمزعج لينقلب السحر على الساحر عندما توضح أن موضوع المجلس التأديبي لا يندرج ضمن اختصاصات المجلس ليتم التعتيم على الملف وطمسه عبر تسوية وضعية الموظف كرها. إنها ليست بحدوثة ولكنه واقع ما كانت للوظيفة العمومية وهي حاملة لشعار التحديث والشفافية والمسؤولية أن تشهده. علاوة على أن فعاليات المشهد النقابي لو كانت لتقوم بما هو من اختصاصها اتجاه الموظف عوض انغماسها في الزبونية والقرابة والمزايدات الرخيصة والبخسة لما كان حال الوظيفة العمومية على ما هو عليه. أضف إلى هذا أن الاستمرارية في العمل ببند «السر المهني» ضمن الوظيفة العمومية قد بات موضع نقاش ذلك لتعارض مفهومه المبهم لشموليته مع الحق في الولوج إلى المعلومة ومع مساهمة الموظف في تخليق تدبير الشأن العام. فبفعل حاجز السر المهني، قد يتحول أي موظف عاين تزويرا في محاضر رسمية أو صفقات عمومية أو عشوائية في الترقيات أو في ملف معين من الملفات التي تشهد خروقات غير قانونية، إلى موظف مساهم في هذه الخروقات بالرغم من كونه قد أطلع مسؤوله المباشر ولكن بدون أن يتخذ هذا الأخير أي قرار.
3- التعويضات والترقيات وتكريس الحقد المهني
تشكل التعويضات والترقيات والمنح وبعض الامتيازات مجالا آخر يشهد عدة اختلالات ليس فقط من إدارة عمومية إلى أخرى, بل بداخل نفس الإدارة وذلك لعدم إرسائه على أسس موضوعية وعلمية ليبقى في جلها على شكل «هبة» خاضعا لمزاجية المسؤولين المدبرين لشؤون مصالح عمومية معينة. فإفراغها من أساسها الذي يمزج بين معايير لا طابع علمي لها يجعل منها أداة لممارسة الاكراه النفسي من طرف المسؤولين, خصوصا على تلك الشريحة من الموظفين المنبوذين. ما معنى أن يشير قانون التعويضات في بعض الادارات العمومية إلى نسبة تتراوح من 0 إلى 2،5 كل ستة اشهر أي 5 أشهر كتعويض سنوي في غياب توفر كافة الموظفين على برنامج عمل يوضح مضمون ما ينجزه الموظف وبالتالي تحدد المنح على أساس حصيلة ما أنجز وكيف أنجز. والواقع المعيش داخل المؤسسات العمومية يبرز اختلافا جليا في كيفية صرف هذه المنح وبالتالي يحول أساسها من وسيلة للتحفيز إلى أداة للعقاب المزاجي لتنتقل من تكملة للأجرة إلى ثروة مالية تتكدس لذا المحظوظين المقربين. كيف يعقل، على سبيل المثال، أن يدمج موظفين كأطر عليا بإحدى المؤسسات العمومية بأجرة شهرية تبلغ 7,000 درهم للفرد لتنتقل على امتداد حوالي 14 سنة إلى أجرة شهرية تصل إلى حدود 11,500 درهم لأحدهما, في حين قفزت أجرة الثاني إلى ما يقارب 40,000 درهم . هل يفسر هذا بالأهلية والكفاءة ؟ ربما كان ذلك ليتقبل عند الانتقال إلى مؤسسة أخرى أو ترقية عبر مباراة داخلية. أما قفزة داخل نفس المؤسسة بدون لا هذا ولا ذاك، فهذا أمر فيه شك والتباس ويستند أكثر على المحسوبية وخلق نوع من التوتر بين الموظفين. كيف يعقل أن بعض الصفات الوظيفية تجدها «مهداة» لموظفين «صغار» ولمساعدات (كاتبات) المسؤولين الاداريين، في حين أن موظفين ممتازين وخارج السلم الاداري وذوو كفاءات وتجربة مهنية عالية تجدهم لا يتوفرون حتى على أدنى الصفات الوظيفية الموازية للمسؤولية. كيف يعقل أن تمول إدارة معينة استكمال دراسة فئة من الموظفين «الميسورين» قصد الحصول على دبلومات جديدة لتعليل زيادة رواتبهم، بينما لا تستفيد ثلة أخرى من هذه التمويلات قصد استكمال دروسهم ؟ بل يمنعون من استكمال دروسهم حتى على حسابهم الخاص. أليست هناك لجان ومعايير لهذا الغرض ؟ هل هناك قوانين تعليلية لهذه التوجهات ضمن الوظيفة العمومية ؟ كلما سئل أحدهم يكون رده على كون ما يقع إنما هو ضمن اختصاصات منحها «القانون» لمدبري المؤسسات العمومية. لعله قانون التدبير المزاجي حين يعتقد البعض أنه فوق القانون وأن الموظف لن يجرؤ على اللجوء إلى القضاء. لا يطرح هذا التساؤل على هذا الصعيد بل يطرح على منظري ومشرعي قوانين الوظيفة العمومية ويطرح بالخصوص على مجلسها الأعلى وعلى المجلس الأعلى للحسابات.
4- شبه غياب ثقل فعاليات المشهد النقابي عن المؤسسات العمومية
التعليل الوحيد لغياب التمثيليات النقابية عن بعض المؤسسات العمومية يكمن في فقدان ثقة الموظف في دور هذه النقابات وبات الموظفون يفضلون تشكيل تجمعات خاصة للإحتجاج ولفت الانتباه لمشاكلهم داخل مؤسسة عمومية مؤازرين في ذلك بالإعلام لحل مشاكلهم. ذلك أن الفعاليات النقابية باتت فاقدة لكل مصداقية لدى العديد من الموظفين، والدليل هو هزالة المنخرطين بها، ومواقفها التي لا تعدو أن تتجاوز التنديد وبعض الوقفات المحتشمة التي تقوم بها من حين لآخر دون اثر يذكر. وفقدان الثقة فيها يرجعه البعض إلى تقلبات مواقفها بالنظر لتبعيتها للأحزاب السياسية فهي تارة معارضة عندما تكون أحزابها في المعارضة وتارة مؤيدة عندما تكون أحزابها في الحكومة وبالتالي فلا استقلالية لها ولا مواقف ثابتة لها. علاوة على هذا كله، فهي ظلت في معزل عن الحركية الشعبية التي شهدها المغرب وآثارها على دمقرطة أجهزتها وأنماط اشتغالها.
فغياب التمثيليات النقابية مقابل محدودية مهام اللجان المتساوية الأعضاء وغياب أية بوادر لإصلاح فعلي لمنظومة الوظيفة العمومية (للانشغالات السياسية للحكومة الهائمة في إشكالية ترميم فعالياتها عوض انشغالها بهموم المواطن المغربي)، تبقى جل الإدارات المغربية خاضعة لتدبير مزاجي للمسؤولين مع ما يوازي ذلك من تجاوزات غير قانونية جعلت منها «فزاعة» الموظف والذي لجهله للقانون ولغياب التأطير والمؤازرة النقابية بات ينظر إلى الادارة العمومية كما لو كانت «ديناصورا» جعلت الموظف يتوهم بكون مقاضاة إدارة عمومية عند الضرر وكسب قضيته من سابع المستحيلات. ربما قد يرغب الكثير من المسؤولين الاداريين في الابقاء على هذا الوهم, إلا أنهم يعلمون أن الواقع هو واقع آخر, واقع دولة الحق والقانون وأن الموظف لا يوجد في حالة مواجهة مع إدارة أو حكومة, بل هو في حالة طلب من الإدارة أو الحكومة العمل على إنصافه من خلال تفعيل القانون.
5- الانتهازية تلك الميزة الأخرى للوظيفة العمومية في المغرب.
بناء على ما سبق وبناء على التماطل في إنصاف الموظف من خلاله تمتيعه بتكييف منظومة الوظيفة العمومية وفقا لمضامين دستور 2011 عوض الاستمرارية في إرسائها على قانون 1958 والذي بات من غير الموضوعي الاستمرارية في اعتماده، وبناء عن تغاض حزبي - نقابي لتحيين هذه المنظومة، يبقى حال الموظف العمومي منقسما بين المحظوظ والمنبوذ، أو بين المحقود والانتهازي. ولا مكانة هنا للحديث عن المؤهلات المهنية والفكرية، فلنتكرها جانبا لكونها بعيدة كل البعد عن المعايير المتآكلة المعتمدة في منظومة الوظيفة العمومية، لتبقى الانتهازية مسنودة على المحسوبية والزبونية والحزبية والنقابية وغيرها (...). ذلك أن الانتهازية قد تكون تحايلا على قانون مبهم أو عن حالة غاب على القانون تقنينها أو حتى عن تجاوز في صلاحيات مسؤول ما. لتبقى الانتهازية في مفهومها «الشعبي» تملقا وعبودية ونتيجة فبركة وشايات بهدف التقرب من المسؤول والاستفادة من التموقع قربه. لو استوعبنا هذا الحال المميز للإدارة العمومية في المغرب لما عجبنا لنوعية الخدمة التي قد تقدمها للمواطن المغربي ولما عجبنا لمضامين تقارير المجلس الأعلى للحسابات ولما عجبنا للمحاكمات القائمة حاليا في حق من اتخذوا حقوق الموظف والواجب المهني الوطني لعبا ولهوا ولما عجبنا للاحتقان والاحتجاجات التي تشهدها الكثير من المؤسسات العمومية. وما خفي كان أفظع لسكوت الموظف مخافة فقدانه لقمة عيش أسرته.
لا جدال في كون تشريح هيكلة العديد من الادارات العمومية سيبرز للعيان تواجد إدارة عامة يرأسها مسؤول وموظفون ثلة منهم محظوظة لا مؤهلات لها, تموقعت ضمن هذه الثلة بفعل الانتهازية التي تتقن تفعيلها, بل تجعل من ممارستها هوايتها الخاصة من خلال سحق الآخر وتقديمه «كبش فداء» عند كل كارثة إدارية، وكثير منهم منبوذون ومحقود عليهم والذين يتاجر الكل في قضاياهم. فتحديث الوظيفة العمومية هو قبل كل شيء تحديث للعقليات، تحديث شمولي حزبي ونقابي ومجتمع مدني، يعبد السبيل لتجاوز تلك العقليات البائدة الجاثمة ضد التغيير والمراهنة على إبقاء الحال على ما هو عليه، ليتلوه سمو أخلاقي معاملاتي يؤمن بسمو المؤهلات عوض التملق والاسترزاق الوظيفي على حساب الآخر. من الأكيد أن حالة الادارة في بلد معين تعكس جليا الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية لمجتمع برمته. بل أن وضعية إدارة عمومية هي تجسيد مصغر لوضعية بلد بأكمله.
* باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.