فيدرالية اليسار الديمقراطي تؤكد تمسكها بالإصلاحات الديمقراطية وترفض العودة إلى الوراء في ملف الحكم الذاتي    إسبانيا تقلد عبد اللطيف حموشي بأرفع وسام اعترافًا بدور المغرب في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني    لجنة المالية بمجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    بتنسيق مع "الديستي".. شرطة سلا توقف شخصين بحوزتهما أكثر من 6000 قرص مخدر وكوكايين    الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بفاس تفكك شبكة متورطة في اختلاس وسرقة مركبات من المحجز البلدي بوجدة    تيزنيت: نقابة مفتشي التعليم تشيد بالأدوار المحورية التي تضطلع بها هيئة التفتيش و ترفض محاولات طمس الهوية المهنية للهيئة وتقزيم أدوارها ( بيان )    كيوسك الأربعاء | آلاف المشاريع و26 ألف كلم من الطرق لتقليص الفوارق المجالية    ليلة الذبح العظيم..    تنصيب عبد العزيز زروالي عاملا على إقليم سيدي قاسم في حفل رسمي    مجلس النواب.. لجنة المالية والتنمية الاقتصادية تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    المعهد الملكي الإسباني: المغرب يحسم معركة الصحراء سياسياً ودبلوماسيا    انطلاق أشغال تهيئة غابة لاميدا بمرتيل ، للحفاظ علي المتنفس الوحيد بالمدينة    أجواء غائمة وممطرة في توقعات طقس الأربعاء    توقيع إعلان نوايا بين المملكة المغربية ومملكة السويد لتعزيز التعاون في مجال العدالة    مأساة بخريبكة.. وفاة خمسة أشخاص من عائلة واحدة غرقا داخل صهريج مائي    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    مؤتمر نصرة القدس و"معا للقدس": أية قوة يتم إرسالها لغزة يجب تحديد ولايتها بواسطة مجلس الأمن بالتشاور مع الشعب الفلسطيني    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    شراكة بين "اليونسكو" ومؤسسة "المغرب 2030" لتعزيز دور الرياضة في التربية والإدماج الاجتماعي    "لارام" تدشن أول رحلة مباشرة بين الدار البيضاء والسمارة    اتفاق مغربي سعودي لتطوير "المدينة المتوسطية" بطنجة باستثمار يفوق 250 مليون درهم    انتخابات العراق: ما الذي ينتظره العراقيون من مجلس النواب الجديد؟    هجوم انتحاري خارج محكمة في إسلام آباد يودي بحياة 12 شخصاً ويصيب 27 آخرين    ماكرون يؤكد رفض الضم والاستيطان وعباس يتعهد بإصلاحات وانتخابات قريبة    الحموشي يتقلَّد أرفع وسام أمني للشخصيات الأجنبية بإسبانيا    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وإيران في نهائي "الفوتسال"    الرصاص يلعلع بأولاد تايمة ويرسل شخصا إلى المستعجلات    مونديال أقل من 17 سنة.. المغرب يتعرف على منافسه في الدور المقبل    بنسعيد في جبة المدافع: أنا من أقنعت أحرار بالترشح للجمع بين أستاذة ومديرة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    التدبير‮ ‬السياسي‮ ‬للحكم الذاتي‮ ‬و‮..‬مرتكزات تحيينه‮!‬ 2/1    مراكش تحتفي بعودة السينما وتفتح أبوابها للأصوات الجديدة في دورة تجمع 82 فيلما من 31 دولة    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب والجزائر: أربعون سنة من النّزاع التاريخيّ

من ْ أحداث إلى أحداث، عاشت العلاقات المغربية الجزائريّة فترات أزمة حقيقيّة. المقال التالي، الذي نترجمه عن المجلّة الشهرية الفرنسية «زمان»، دجنبر 2013، يقوم بتشخيص حدثيّ لمختلف فترات هذا النزاع، ويعود إلى خلاف عمره أربعون سنة.
قبل أنْ تندلعَ قضيّة الصحراء، كان السياقُ بين المغرب والجزائر متوتّرا، على الرغم من فترة انطبعتْ فيها هذه العلاقات بالسياسة الواقعية ، تُوِّجتْ بتوقيع اتفاقيتيْ إفران (1969) وتلمسان (1970) المتعلقتين برسم الحدود وقد كان موقف الفريق الحاكم في الجزائر من المحاولتين الانقلابيتيْن في المغرب غامضا: ففي سنة 1973، انسلّتْ جماعات مُسلّحة قادمةً من ليبيا، مرورا عبر الأراضي الجزائرية، إلى الجنوب الشرقي للمغرب، الأمر الذي دفع المرحوم الملك الحسن الثاني إلى مقاطعة قمّة البلدان غير المُنْحازة، التي انعقدت بالجزائر العاصمة سنة 1973. وخلال انعقاد أشغال القمّة العربيّة بالعاصمة الرباط، سنة 1974، حيث تمّ التعبير على أنّ الجزائر لا نوايا لها تُجاه الصحراء، فقد غادر الرئيس الجزائريّ الهواريّ بومدْين القمّة حتّى قبل انتهاء أشغالها، احْتجاجا على طرْح المغرب قضيّة المُطالبة بصحرائه أمام الجامعة العربيّة.
وفي خضمّ هذه الأجواء المتوتّرة أعطى بومدين حواراً لمجلّة «AfriqueAsie»، متحدّثا عن النظام «المنْخور» للمملكة الشريفة، ومُهاجما في الوقت ذاته النشاط التجاريّ للعائلة الملكيّة. وكان كلّ ما تلفّظ به الرئيس الجزائري يتّخذ طابع خطاب للمعارضة، أكثر ممّا هو خطاب صادر عن مسؤول لبلد جارٍ.
الوَساطة السعوديّة
ومع ذلك، ففي هذا السياق، انكبّ رئيس الدبلوماسية الجزائرية، عبد العزيز بوتفليقة، بتوافق معَ المرْحوم الحاج امْحمّد باحنيني، الذي كان يبْدو هو «السّيّد الجزائر» في دار المخزن، والذي استقبله الرئيس الجزائري بومدين في أكتوبر 1975، على إيجاد حلّ للخلافِ بيْن البَلَديْن. وكادت الأمور أنْ تَؤُول إلى مخرج، إلاّ أنّ الجيش الجزائريّ، بتواطؤ مع الخطّ الثوريّ، كان قد اختار التصعيد العسكري. ذلك أنّ المسيرة الخضراء اعتبرتها السلطات الجزائرية بمثابة استعمال للقوةّ، وزاد تدخّل الجيش الجزائريّ بأمغالا من استفحال التوتّر.
وفي المذكّرات التي كتبها الشاذلي بنْجديد، الذي كان رئيسا للمنطقة العسكريّة بأوراني، يقول بأنّ الرئيس بومدْين لمْ يختر المعركة الدبلوماسيّة إلاّ عندما تبيّن له بأنّ الاختيار العسكري لا يؤدّي إلى نتيجة. ومن ثمّ أمر بوتفليقة قائلا: «سّي عبد العزيز، هَيّءْ كَتيبتَكَ»، مقتنعا بأنه لا يمكنه تسوية الخلاف عسكريّاً.
كادت الأمور أنْ تصل إلى ما لا يُحمد عقباه، غير أنّ التوتّرَ كانَ تحت المراقبة، وكان من المفروض أن يلتقيَ رئيسا البلديْن سنة 1978 في بروكسيل من أجل تسوية خلافهما، إلاّ أنّ الرئيس بومدين وافته المنيّة بسبب مرض غامض ألمّ به، ومن ثمّ أصبحتْ قضيّة الصحراء مشكلة مُتوارثة. ومن جهة ثانية، فإنّ العربية السعوديّة، التي قامتْ بمساع حميدة من أجل إطلاق سراح الأسرى الجزائريّين المعتقلين في معركة أمْغالا، باتتْ هي الوسيط المُليّن في دبلوماسيّة الكواليس، وبفضل هذه الرّمزية في المعاملات، فحين «صادَفَ» الراحلُ الحسنُ الثاني الرئيسَ الشاذلي بنْجديد في طواف الكعبة، على هامش أشغال مؤتمر عربيّ، تبادلا التحيّة معا. فالكعبة «حُرم» تتبدّد فيه جميع الخلافات بيْن المُسلمين.
وقد استمرّ رئيسا البلدين في الالتقاء ببعضهما البعض، عبْر الوَساطة السعوديّة دائما، عاد الحدود بيْن البَلَديْن في المكان الذي يُسمّى «جوجْ بْغالْ»، أو «العقيد لطْفي»، خلال سنة 1983، ثمّ في سنة 1986. خلال اللقاء الأوّل، كان الحسن الثاني مصحوبا بابنيْه، سيدي محمّد، الملك الحالي للبلاد، والذي كانَ وقْتَهَا وليّا للعهد، والأمير مولاي رشيد. وقدْ كانَ الحسن الثاني يرغبُ، بكلّ تأكيد، في التذكير بحادث الطائرة المغربيّة التي كانت تقلّ الزعماء التاريخيّين، وأوقفها الطيران الفرنسيّ سنة 1956 منْ أجْل تفتيشها، في الوقت الذي كان فيه محمد الخامس مستعدّا لأنْ يبعث بابنيْه من أجل استقبال الضيوف، وإعادة ربْط العلاقات التي نُسجتْ خلال حرب التحرير.
بعد هذا، جاء دوْر الكلام. وفي هذا السياق قال الحسن الثاني، في حوار له، عن الشاذلي بنْجديد بأنه كان يحبّ المغرب. لكن الأمر انقلبَ حين استقبَلَ الحسن الثاني المبعوث الجزائريّ، الذي جاء لدعْوته حضور القمّة العربية التي انعقدتْ في الجزائر العاصمة سنة 1988. ساعتها ردّ عليه الملك بسرْعة قائلا: « كيف يمكن لي حضور الذهاب إلى الجزائر العاصمة وأنا لا أتوفّر على سفير هناكَ». لمْ يصدّق المبعوث أذنيْه، وكانَ على البَلَاد التي قطعت العلاقات الدبلوماسيّة أنْ تقوم بالخطوة الأولى من أجْل إعادة ربْطها، وبالفعل، فقد اتُّخذَ القرار بإعادتها.
كان الوقت وقت انفراج. فقدْ وقع اختيارُ الحسن الثاني على أحد أطبّائه، وهو الدكتور عبد اللطيف بربيشْ، ليكون سفيرا له في الجزائر العاصمة. وكأنه بهذا الاختيار كان يريد أن يبيّن بأنه ينبغي القيام بالتشخيص الجيّد من أجْل تقديم الوصْفة الملائمة. ومنْ جهتها، اختارت الجزائر الرّاحل عبد الحميد مهْري، أحد قدماء جبهة التحْرير الوطني المُحنّكين، والذي كانت تربطه علاقات جيّدة، خلالَ حرب التحرير، في الرّباط مع النّخبة الوطنيّة. وعلى هامش أشغال القمّة العربية بالجزائر العاصمة، التقى قادةُ البلدان المغاربيّة في المدينة مُنْتجع زيرالْدا، من أجل إعادة إحياء ذلك الحلْم القديم الذي طالما راودَ الحَرَكات الوطنيّة وحرْب التحرير بالجزائر، وهو خلق «اتحاد المغرب العربيّ».
إثر ذلك، تضاعفت اللجان الوزاريّة، وأدّى فتح الحدود بين البلديْن إلى قيام حركة مبادلة نشيطة ومتواصلة للأشخاص والممتلكات والأفكار.
واقعٌ جديدٌ
في فبراير 1989، وقّعت بلدانُ المغرب العربيّ الخمس المعاهدة «اتحاد المغرب العربيّ» بمدينة مراكش. وفي خضمّ هذا المناخ الإيجابيّ والهادئ، استقبل الراحل الحسن الثاني، في شهر مارس 1989 وفْدا عن جبهة البوليساريو, وكانت دلالة هذا الاستقبال قويّة، بقدر ما كان إشارة نحو الجزائر. وكان من شأن هذه الخطوات الثنائية الصغيرة، أنْ تفضي، بتعاون مع الأمم المتّحدة، إلى ّإيجاد مخرج لمشكل الصحراء. كان السبيلان، الثنائي الجانب، والمتعدّد، متكاملين ومتعاضديْن. على الأقلّ من المنظور المغربيّ، الذي لم يكن يقيم فرْقا بينهما، ولم يكنْ يعتبرهما أبدا على طرفيْ نقيض. وهو الأمر الذي أدّى إلى فسْح الطريق أمامَ مشروع التسوية الذي أشرفتْ عليه الأمم المتحدة في شتنبر 1990.
أمّا الجزائر، التي كانتْ تخطو الخطوات الأولى على درب التعدّدية الحزبيّة، فقد عرفت تسارعا في الوتيرة السياسيّة التي أفْضتْ إلى بروز فاعلين سياسيّين جُدُدٍ، في مقدّمتهم الإسلاميّون، الذين حصلوا على أغلبية الأصوات خلال الانتخابات البلدية في يونيو 1990. وفي أوْج هذا الاجتياح الإسلامي، أجْرتْ مجلّة إسلامية قريبة من جبهة الإنقاذ الإسلاميّة، هي مجلّة «المنقذ» حواراً مع زعيم حركة «العدل والإحسان»، الراحل عبد السلام ياسين. بعد ذلك بأسابيع، وُضع هذا الأخير تحت الإقامة الجبْريّة»
كان المغرب يتابع بحذَر وترقُّب الوضعية في الجزائر. وكان من المتوقّع أنْ يستقْبل الحسن الثاني، الذي حضر في يوليوز 1990 القمّة المغاربية الثانية، زعماء الأحزاب السياسية الجزائريّة. كان الحسن الثاني، في الحقيقية، يودّ لقاء زعيم «جبهة الإنقاذ الإسلامية»، عبّاسي مدني. لكنْ، كيف يمكنه لقاء الزعيم الإسلامي دون أنْ يتسبّب في إحراج السلطات الجزائريّة؟
وحين حلَّ الإسلاميّون الجزائريّون بالمغرب، وجدوا لدى الدكتور الخطيب، المقرّب من القصر، وذي الأصول الجزائريّة، ملاذاً وأذْناً مُصْغيةً واستشارةً وتواطؤاً. وكان من المتوقّع أن تنشر مجلة «جون أفريك» تصريحات مثيرة بعنوان ناريّ هو: «الحسن الثاني يصيدُ في المياه العكرة للجزائر». وكانَ الحسن الثاني قد استقبل جانْ دانييلْ، صاحب مجلة «لونوفيلْ أوبسرفاتور»، ومهندس التقارب المغربيّ- الجزائريّ (وهو بدوره من أصول جزائرية)، وقال له بأنه يرمي شباكه في هذه المياه لكيْ تصطادَ ما يمْكن اصطيادُهُ!. وفي السياق ذاته، انتقل المستشار الملكي رضا اكديرة إلى الجزائر العاصمة من أجل تهدئة غضب الشاذلي بنجديد الذي وجد نفسه في وضعيّة «سَمَكَة». غير أنّ العلاقات بين الرّجليْن لمْ تستعدْ بريقَها السابق.
وقد عملت كلّ من حرب الخليج، وقضيّة لوكربي، والاجتياح الواسع للإسلاميين في الجزائر، على خلق واقع جديد بدَّد الحلم المغاربيّ. منْ هنا فضّلَ المغاربة والتّونسيّون التعامل بشكْل ثنائيّ مع الاتحاد الأوربيّ، وهو الأمْر الذي لنْ ينساهُ أبَداً الجزائريّون الذين كانوا يجتازونَ في الدّاخل ظروفا صعبة.
فقدانُ مُحَاوِرٍ ثمينٍ
في دجنبر 1991، حقّقت جبهة الإنقاذ الإسلامية تقدّما كبيرا خوّل لها الحصول على أغلبية المقاعد منذ الدّور الأوّل. وهو ما جعلها في موقع قوّة يسمح لها بتغيير الدّستور لو شاءتْ. وفي يناير 1992، س»يستقيل» الرئيس الشاذلي ليتمّ تعويضه بلجنة عليا تتكوّن من خمسة أشخاص، ويرأسها محمد بوضيافْ، العائد من منفاه بمدينة القنيطرة، حيث كان يعيش بفضْل ورْشة لصنْع الآجُر كانتْ في ملكيته.
كان بوضياف يمثّل الأمل بالنسبة للجزائريين، بالنّظر إلى شرعيّته التاريخيّة. وكانت تحرّكه مقاربة ثوريّة تتمثّل في إعداد الشباب من أجل أخذ المشعل، وفي زعزعة الطابوهات. ولم تكن العلاقات مع المغرب غائبة عن برنامجه. في شهر يونيو 1992، سوف يجري بوضياف حوارا مع جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، عن طريق المرحوم محمد باهي حرمة الله، أحد أهمّ العارفين بالجزائر لكونه عمل بجريدة «الشعب» (صنْو الجريدة الفرنكفونيّة «المُجاهد»). وخلاله سيكشف بوضيافْ عن هويّته التي تنخرط في سياق الادفاعة الثورية لحركات التحرير. وقال إنه جزائريّ مغربيّ، أو مغربيّ جزائريّ. وحسب هذا المنطق نفسه، لمْ تكنْ قضيّة الصحراء لتنتصب كعائق، أو حتى لتفسد علاقات الودّ بين البلديْن. وقد كان ذلك مضرّا بالنسبة لأولئك المتشبّعون بما يسمّيه بنيامينْ سْطورا «وطنيّة الدّولة». سيأتي بوضيافْ إلى المغرب لحضور حفل زواج ابنه. وخلال هذه الزيارة، دعاه الحسن الثاني لعشاء على انفراد. بعد عودته إلى الجزائر، وخلال جوْلة له بمدينة عنّابة، صرّح، وكأنه يحدس بما سيحدُثُ: «الخير فينا والشرّ فينا». بعد ذلك بدقائق سيطلق عليه حارسه الشخصيّ وابلاً من الرّصاص. وقد علّق الحسن الثاني، فيما بعْد، على هذا الحادث قائلا:» كلّ شيء كان يدلّ على أنّ الأمر يتعلّق بتصفية-إعدام». أما داخل الأوْساط الجزائريّة، فقد كانوا يشبّهون ذهابَ بوضياف إلى الرّباط بذهاب السادات إلى القدس». وبذلك يكون المغرب قدْ فَقَدَ مُحاورا لهُ.
أحداث أطلس آسني
خلال شهر شتنبر 1993، سيعبّر الحسن الثاني، في حوارٍ لجريدة «الشرق الأوسط»، عن رأيه في توقّف المسلسل الانتخابي بالجزائر، وهو الموضوع الطّابُو بالنسبة للماسكين بزمام الحكم في البلاد. تحدّث بنوع من الاحتياط، مقدّما نفسه كأستاذ محلّل، ومعتبراً أنّ التجربة الإسلاميّة كانتْ بمثابة مُختبَرٍ. الأمر الذي ستعترض عليه الجزائر وتقوم بحملة شرسة ضدّ المغرب. لن تعود الأمور إلى سابق عهدها. ستغرق الجزائر في حرب أهليّة، وستخشى المملكة الشريفة من انتقال العدوى إلى ترابها.
وحين قام فرنسيّون من أصل جزائريّ بعمل إرهابيّ بفندق آسني بمدينة مراكش، في 24 غشت 1994، قرّرت السلطات المغربية، بطريقة أُحاديّة، خرْق معاهدة مرّاكش، وفرْض الفيزا على المواطنين الجزائريّين، بمن فيهمْ الفرنسيّين من أصل جزائريّ. غيْر أنّ ردّ فعْل السلطات الجزائريّة لمْ يتأخّرْ: النتيجة هي إغلاق الحدود الترابيّة.
«جْماعْة» بوتفليقة
وكان أنْ استؤنفت المُحادثات الدبلوماسية في دهاليز الأمم المتحدة. في هذا السياق عملت الدبلوماسية الجزائريّة على نسف قرار لمجلس الأمن، يقضي بتوسيع القاعدة الانتخابية للصحراويين في دجنبر 1995 للاستفتاء على الصحراء. ولم يتردّد المغرب، على لسان وزيره الأول عبد اللطيف الفيلالي، بطلب تجميد اتحاد المغرب العربي. وهو القرار الذي انتقده الكاتب الأوّل للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الرحمان اليوسفي في افتتاحية له بالجريدة. وكان يبدو أنّ عبد العزيز بوتفليقة هو المرشّح الأوفر حظّا في انتخابات 1999 الرئاسية بالنسبة للرباط. وبالفعْل، فقدْ انتُخِبَ في 15 أبريل 1999. وبعْد ذلك بيوميْن، سيعْرضُ التلفزيون الجزائريّ مسرحيّة موضوعها هو القصر الملكيّ، وتوجّه انتقادات قوية للملك. مباشرة بعد ذلك سيعبّر السّفير المغربيّ، المرحوم الدّغمي، عن احتجاجه الشديد، لكن سرعان ما وُضع حدّ لهذا الحادث: سيبعثُ الرئيس المُنتخب برقية كلها مدح في الملك الحسن الثاني. بعدها تمّ استقبال ادريس البصري، الرجل القوي آنذاك، استقبالا فخما بالجزائر. وكان من المنتظر أن يلتقي كلّ من الحسن الثاني وبوتفليقة، غير أنّ القدر قال كلمته، وتوفيّ ملك المغرب. وقد حَضر بوتفليقة مراسيم تشييع جنازته، وأعلنت الجزائر الحداد على من كانتْ تعتبره عدوّا لذودا ل الجزائرية. وقال بوتفليقة، في حوار له مع صحيفة «الشرق الأوْسط»، خلال حضوره جنازة الحسن الثاني، كلاما جميلا في حقّ خَلَفه محمّد السادس. غير أنّ وقوع حادث في بلدية بني ونيفْ، حيث عمد بعض الإسلاميين إلى اغتيال رجال درك جزائريّين، سيتمّ استغلاله من طرف المَصَالح الأمنيّة للبلديْن، وبالتالي يضعُ حدّاً للهدْنة. وفي فاتح شتنبر 1999، حين كانَ بوتفليقة يقومُ بجوْلة له من أجل الوفاق المدنيّ، سيخْتار بوتفليقة مدينة بشّار، الواقعة على الحدود بين البلديْن، من أجل أنْ يوجّه كلاما عنيفا في حقّ المغرب والمغاربة. غيْر أنّ الجمهور كانت له اهتمامات أخرى. كان الجمهور يتحدّث عن ظروف عيْشه أكثر ممّا يتحدث عن الجار «العدوّ». إلاّ أنّ الرئيس سيردّ بانْفعال: «آ جْماعَة، أنا لستُ مكتبا للشّكايات، أنا أحدّثكم عن المغرب، وأنتم تتحدّثون عن تحسين ظروف عيشكم».
أحدهما مُخطئ. مَنْ هو؟ الخطيب أو الجمهور؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.