الحكومة الفرنسية: العلاقات مع الجزائر "مجمدة تماما" وقد نجري عقوبات جديدة    برشلونة يُسقط ريال مدريد في ملحمة الأهداف ويقترب من التتويج ب"الليغا"    بطولة إنكلترا لكرة القدم: نيوكاسل يأخذ الأفضلية في سباق التأهل إلى دوري الأبطال    إيغامان يواصل التألق ويُسجل هدفه ال16 هذا الموسم مع رينجرز    ربع نهائي كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. الناخب الوطني: طموح أشبال الأطلس "الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة"    عملية أمنية تفضي لتوقيف مشتبه في ترويجه للمخدرات بالمدينة القديمة لشفشاون    الجمعية المغربية لحماية المال العام تتقدم بشكاية في قضية محطة "العزوزية" الطرقية بمراكش    الفيلم التركي "قصب" يتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    تاراغونا- كتالونيا مهرجان المغرب جسر لتعزيز الروابط الثقافية بين المملكتين بحضور السفيرة السيدة كريمة بنيعيش    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    سبتة.. إحباط محاولة تهريب أزيد من 11 ألف قرص مهلوس نحو المغرب    الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو في الأقاليم الجنوبية    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    "فاموس تطوان والفوز بداية البقاء".. البرلماني الطوب يدعم المغرب التطواني قبل مواجهة السوالم    خطأ غامض يُفعّل زلاجات طائرة لارام.. وتكلفة إعادتها لوضعها الطبيعي قد تتجاوز 30 مليون سنتيم    برقية تهنئة من أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس إلى قداسة البابا ليو الرابع عشر بمناسبة انتخابه لاعتلاء الكرسي البابوي    شجرة الأركان في يومها العالمي رمز للهوية والصمود والتحدي الأمازيغي المغربي .    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    زيلينسكي: روسيا تدرس إنهاء الحرب    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    غ.زة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    بعد فراره لساعات.. سائق سيارة نقل العمال المتسبب في مقتل سيدة مسنة يسلم نفسه لأمن طنجة    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسلوب تقليدي في العلاج بالجهة الشرقية ... العوَّادة بين الهلوسة الاجتماعية والتصديق العلمي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 17 - 05 - 2014

نأمل من وراء مقاربة ظاهرة بدائية في العلاج تدعى «العوادة» او العوادية» إثارة اهتمام المختصين من علماء النفس والاجتماع والانكولوجيا وغيرهم، بغية تسليط الأضواء على الظاهرة ، والسعي نحو إزالة سماكة الغبار المتكلس فوقها، و حتى لا يبقى المجال حكرا على «عشابات » متنقلة في الأسواق أو «دجالين» ينتقلون من باب مسجد إلى آخر.
يبقى أن نأخذ بعين الاعتبار، التزايد المطرد لشرائح مختلفة لمواطنين باتوا يعتقدون بأن أمراض المعدة والعين والأذن والحلق والكلاوي والمصران الغليظ والأعصاب والصرع والهذيان إلى جانب مرض السكري والضيقة والقلب والمسالك البولية والعقم عند النساء والرجال ، قد تم الحسم فيها دينيا وبشكل نهائي ، إن على مستوى جرعات ماء بكف عوادية في سوق شعبي ، أو عبر وصفة خليط أعشاب مجهولة المصدر، ملتبسة التنسيب، فاقدة للمصداقية العلمية سعرها في الغالب لا يتجاوز 40 درهما . 
وياليت الأمر ينتهي عند هذا الحد ، فلسان الحمار، أو مرارة القنفذ، وشعر الضبع ، أو جناح الذباب اليتيم ، مادة عيارها بالعملة الصعبة ثقيل جدا، تدفعها العانس، أو يسعى عريس فاشل لفك رباطه بواسطتها إلى دفع الآلاف من الدراهم ، وأحيانا الملايين، لدجال مشعوذ. ناهيك عن ثقافة الحجاب أو الحروزة ، التي تتلقفها الأجسام الرشيقة والأنيقة، المثقفة والشبه مثقفة على حد سواء، عن سابق موعد، لتتباهى بفحولة عجفاء ، تمتح من وصفات البخور، وإلقاء الشعر المحروق في السباط « الحذاء» إلى غير ذلك من الخزعبلات التي بكامل الأسف ، نتعايش مع نتائجها المدمرة، و نتساكن معها بحميمية ملتبسة ، بفعل الجهل الساكن فينا ليل نهار، والأمية التي نهادنها، وتواطؤ السلطات وبعض المنتخبين ، الذين يقفون موقف المناصر ، بل يعملون على مأسستها ومنحها تأشيرة رسمية . عوادات يوقعن بطاقات الزيارة بالميعاد، في حين يتم تجاهل تداعياتها الخطيرة ، والسلطة بذلك، تكون طرفا أساسيا في تعبيد الطريق أمامها من أجل الذيوع والانتشار.
وعلى صعيد آخر، كشفت الدراسات الجارية , أن العرب من الشعوب الأكثر اهتماما بثقافة العرافة والفراسة و بالدجل والشعوذة ، حيث يتم إهدار قرابة خمسة ملايير من الدولارات سنويا في أعمال تنتسب جزئيا أو كليا لعالم السحر الشعوذة والدجل. أما النساء العربيات فنسبة كبيرة منهن معنية بهذا الانتشار الفظيع للظاهرة ، فما هو رأي القانون ؟ وما موقف الشرع ؟ وكيف يمكن الحد من زحف الوهم وانتشار الجهل باسم الدين وبحجة وجود نصوص دينية تدعو إلى تعلم السحر دون العمل به ؟ لماذا النساء الأرامل و المناطق الشرقية فقط ؟ 
أسلوب تطبيب
بدائي متوارث
من بين أبرز الطرق البدائية و أشهرها في العلاج حتى الآن في مناطق مختلفة من ربوع المغرب الشرقي ، سواء لدى الطبقة الشعبية أو غيرها، ظاهرة العوادة ، و هي أسلوب تطبيب بدائي متوارث منذ أمد بعيد، منح اختصاصه للنساء الأرامل، حيث تتلخص معظم طقوسه في جلسة شبه منحنية ، قرفصاء، للمريض داخل خيمة متواضعة بسوق أسبوعي ،قبل تناول وجبة الفطور ، بعد ذلك يتجرع المريض الراغب في التعواد ، حثية ماء من كف العوادية الأيمن ، بينما تضغط يدها اليسرى على الرقبة منه ، و بعد أن تقوم بمضمضة الماء لدرجة الاختناق داخل حنجرة المريض، تشرع معدة المريض في ما يشبه الغثيان دفع تسربات لزجة ، عبارة عن تكتلات شعر وألياف رقيقة ، وتأتي أيضا سيلانا متعاقبا يلحظه المريض موتورا ما بين الذهول ولوعة الاكتشاف.
كيف تستجيب أجهزة الجسد لمثل هذه التداعيات ؟ هل في الأمر هلوسة اجتماعية تنمو بمعزل عن أية مراقبة ؟ هل المسألة مجرد خدعة عين على درجة عالية من الدهاء كما الأمر في السيرك مثلا ، تنطلي ، من باب الفضول والاكتشاف ، على ذوي الوعي المحدود أو غيرهم؟ لماذا النساء فقط عوادات؟ وأرامل بالضرورة؟ ما موقف وزارة الصحة، وما حجم خطورة التغاضي عن ترك الظاهرة بمعزل عن أية مراقبة ؟ ألا يكون ثمن السكوت الاعتراف بالظاهرة، وتبنيها من قبل الدولة؟ نموذج عوادة معترف بها من طرف السلطة ؟ كيف يمكن تفسير الإقبال المنقطع النظير، على العوادية تحت خيمة بسوق شعبي ، بينما يعيش أطباء متخصصون في عياداتهم كسادا بأحياء راقية في ظل تقلص ملحوظ لزبنائهم من المرضى ؟ لنتجرع طعم التنقيب والبحث بعيدا عن الشرعنة.. قريبا من العقلنة.
في ضيافة عوادية
أسئلة جسورة في تناقضاتها وحساسيتها، هيمنت على مساحة الاتزان لدي زمنا طويلا ، و أنا ألج عتبة الألفية الثالثة الشيء الذي عجل بالمثول بين يديها ، أخيرا وبعد حيرة وتردد شديدين،اقتربت من خيمتها ، ويمكن الجهر أن المكان كان عبارة عن «مزار روحي» يحظى بزيارة أكبر عدد من الفلاحين وأبناء الطبقات السفلى من المجتمع ، فضلا عن عشرات النساء من مختلف الفئات والأعمار. بل ثمة رؤوس ماشية تقف في انتظام قبل إشراقة شمس هذا الصباح الديسمبري الرطب. كان ذلك بمثابة مزار روحي يرتاده حشد من المريدين التابعين ،تنهض العوادية داخله ، امرأة ككل النساء يمكن للمرء أن يستحضر تقاسيم وجهها الأسمر الملواح بتجاعيده العميقة الحفر أحيانا، هيأتها المتأهبة على الدوام ، الغارقة في ظلمة الخيمة المتنقلة بين الأسواق والمدارات المتربة ، و المرقطة ببقع الزيت المترسب الذي تستولي فيه البقعة على أختها، في عناق فوضوي حار، وحده الطست الأبيض الذي تآكلت جنباته يملأ الفضاء جلبة ، بينما لا تكف راحة العوادية المضمخة بالحناء عن منح المكان رهبته ، اليد المضمخة بالحناء هي أصل الحكاية ، للسيدة التي استيقظت ذات صباح على هبة من السماء ، «هاد الشي ديال الله أوليدي» و قبل بزوغ الشمس ، استوت للكون سيدته العظمى ، ولما كان من المحال في يقيني غياب معنى عام دون نظام وراء هذه الظاهرة ، فقد جعلت مهمتي تنحصر أساسا في محاولة اكتشاف ما إذا كان هناك نوع من الانسجام و التماسك وراء هذا التوهيم النفسي الرهيب، بين ثقافة الذاكرة الشعبية التي تزخر بالعديد من الأمثال والحكم والمأثورات التي تُبويء «النية» منزلة رفيعة مثل « دير النية وارقد مع الحية» ، «دير راسك وسط الريوس واقطع »، وبين علامات الارتياح والمهادنة التي تطبع ملامح البسطاء ، ثمة أمر ما يثير الحس ، ويستفز الوجدان يجب التأكد من حدسه الآن وليس غدا، لكن وعلى الرغم من تمسكي القوي بالمنطق ، فإني لم أستطع لحظة أن أخفي افتقاري الشديد لشحنة قوية من مادة الصبر، كي أرغم قدمي على الوقوف بباب خيمتها، هذا الفضاء الضيق الموحش الذي أحسه يتنصل مني كلما جاهدت نحو الاقتراب منه، كان يتأكد لي بين الفينة والأخرى أن مشروع تنازل ضخم عن كل القناعات والمرتكزات العقلانية بات وشيكا، وأحمد الله وأكثر من حمده لأنني رجحت الاحتفاظ بترسانة من المخزون الفكري خارج حدود المنطق ظرفيا على الأقل، حتى يتسنى الانفتاح بكل واقعية على تجليات هدا العالم المجهول القابع خلف جبال من التوهيمات والمعتقدات المحكومة كليا أو جزئيا بتمثلات غيبية من قبيل أولئك البسطاء الذين أرغمتهم الحاجة في البقاء إلى خلق توازنات نفسية ضمن شروط مادية شديدة الفضاضة والقسوة. 
الآن فقط أجثو على ركبتي، أمامي قنينة بلاستيكية من سعة 5 لتر امتلأ نصفها بالماء ، غراف ابيض متآكل الجنبات فوق مساحة من الحصى والغبار في فضاء الخيمة ، قبل ثوان شرعت العوادية في الصلاة على النبي ، معظم افتراضاتي وتأويلاتي التي دبجتها قبل ساعات ، تشتبك تنغلق تتداخل وتتقاطع أمام عيني ، لقد بت لحظتها شبيها بمائدة خشبية عتيقة نخر السوس قوائمها، دفعة واحدة تكفي لجعلها تتناثر حبيبات متلاشية فوق الأرض، تجرعت الماء ، وفي لحظة تدفق لآفة من فمي تلقفتها كف العوادية..كان شيئا لزجا خليطا من بقايا أوراق وشعيرات وترسبات أشبه مستحضرات تجميل تقليدية، كل ما أذكره كان ممزوجا بأصداء الباعة ومكبرات صوت باحة لتجار المبيدات والعشابة وصناع الدجل وروث البهائم ونواقيس الكرابة، ولهاث أطفال الميكة السوداء والسجائر بالتقسيط...«أبركة النبي بسم الله..صفي هذا الذات بجاه النبي بجاهك يامولايال....أجدي أمول البركة...».
في تلك الأثناء ، وغير بعيد عن ناظري تتجمع ترسبات لزجة ، خصلات شعر من كل الأحجام طحالب متكبدة عفنة تبعث على القرف معجونة بالغثيان.. يجب أن يصدق المرء ما يراه، ليس بي مس وليس الوهم ما أرويه ، فغشاوة ما انزاحت عن صدري الذي بات منذ حين أقل ثقلا وأكثر انفراجا.
إن الامتناع عن الفطور في معظم حالات =العوادة= بكسر العين ، و كيفما كانت الوسيلة القصبة، الدبغ، أو الماء، ضرورة احترازية وعامل إشهاد ، فما يطرح خارج الجسد ليس حديث العهد ، بل يرجع إلى سنوات وسنوات مضت، فضلا عن أن تعريفة العوادة، أجرتها لا تستقر على حال ، فهي تتحدد وفق منطق « لي كتب الله» حيث لا تتجاوز في معظم الحالات 10 دراهم .
على مستوى آخر فإن المرضى الذين يقصدون العوادة ينتمون في الغالب إلى شرائح اجتماعية تصدق تصديقا كبيرا منطق الخرافة.
« إن الشيء نفسه قد يعجز الطبيب المتخصص عن فعله» يقول أحد المواطنين ، ويضيف « لذلك ,يبدو أن في الأمر التباسا ما. فالحديث عن فعل التعواد بمختلف مراحله نظريا شيء، والقبول بنتائجه المادية شيء مغاير تماما. وأعتقد أن ما يضفي على المسألة طقسها لا يكمن في ابتعادها عن الحقل الطبي بمعناه الأكاديمي، كشف موضعي ،وصفة دواء، تحاليل وكشوفات طبية، وإنما تلك المجموعة من النتائج العينية التي تتجسد ماثلة أمام المتعود، ويقبل بها من دون تردد . من هنا تتأسس إرهاصات الشفاء ,ويتهيأ نفسيا للاستئناس بتداعياتها التي لن تكون سوى رغبته بالقوة في تشكيل خريطة شفاء ذاتية بالدرجة الأولى.
طوطم الشعوب
البدائية
هل ثمة إمكانية سحرية لتسخير الأرواح والتحكم في مصائرها من أجل القيام بمثل هذه الأفعال ؟
«العوادة كظاهرة بدائية في العلاج لا يمكن مقاربتها إلا بوصفها طوطما أو طابو لدى الشعوب البدائية»
يرى باحث في علم الاجتماع = عياد أبلال = أن العلم الحديث لن يرسخ أذهانه إلا بإدارة ظهره لعالم الحواس، هذا هو الاعتقاد السائد . فالعالم الذي نراه ونشمه ونلمسه وندركه هو الحقيقة، و يضيف الباحث متسائلا أليس من المفيد القول أن بعض الأساليب العلاجية البدائية قد اكتسبت عن طريق التجربة ، تكفي لتشخيص العديد من الأمراض وتحليلها بكيفية دقيقة جدا؟ فهناك كثير من الشعوب في العالم، لا تزال تجري عملية الفصد والختان و الحجامة. و بصرف النظر عن مضاعفاتها و نتائجها ، ومهما كانت الوسائل التي يستخدمها المعالجون في ذلك، سواء تعلق الأمر بالإنسان أو الحيوان ،فإن علينا أن نتذكر دائما، بأن البدائي يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعتقدات الدينية، هذه الأخيرة ترمي إلى خلق نوع من التآلف والانسجام الروحي بين الإنسان وما يحيط به من الموجودات.
أما ما يتعلق بالحضور الرمزي لبعض الاعشاب والنباتات مثل القصبة، الريشة، الدبغ, وغيرها والتي تؤثث فضاء العوادة ، يضيف الباحث السوسيولوجي، فأمور لها ارتباط بالظاهرة على مستوى البيئة والمناخ العام ، ولما كان للزواج طقسه وأعرافه الخاصة كليلة الدخلة، البكارة، المهر. وللإنجاب طقسه وشعائره المتميزة مثل أضحية العقيقة، الرقص، الزغاريد. فإن العوادة أيضا لها ما يمنحها قداستها ورمزيتها، باعتبارها نتاج حضارة معينة من جهة، أو إرثا روحيا تتوارثه لأجيال بركة تهبها السماء لحواء المبجلة. في اعتقادنا ، يضيف الباحث، أن هذا التماثل يندرج في سياق المعني الذي ألمحنا إليه سابقا. فالمنطقة الشرقية من المغرب لها خصوصيات جغرافية ومجالية محضة ، ويمكن التأكيد في هذا الباب، أن هذه الظاهرة في طريقها إلى الانقراض برحيل عوادات شهيرات بتازة من غير أن تجد لها بديلا ، وذلك لسبب بسيط جدا ، ما يتعرض له المغرب من اكتساح إثر دخول الوسائط السمعية البصرية وسيطرة البرامج التحسيسية والتجميلية إن على مستوى المسلسلات والأفلام أوعلى صعيد ما تقدمه البرامج الإذاعية ارتباطا بالصحة العمومية ، حيث شرع وعي الناس يكبر عن قرب بمجال الطب والصيدلة وهو ما سيجعلهم يبتعدون شيئا فشيئا عن مثل هذه الممارسات.
ويرى الصحفي مصطفى الداحين من جهته أن في معظم البلدان النائية التي قام علماء السلالة بدراسة أحوال سكانها، كان المرض ، كاضطراب بيولوجي يؤثر على السير العادي لأجهزة الجسم ووظائفه، لا يرجع تفسيره باعتباره ناجما عن فيروس أو مكروب أو جرثومة معينة، بل إن البعض يذهب بعيدا في إرجاعه إلى فعل قوى طبيعية غيبية، في ظل هذا الفهم، يمكن لقبيلة أو أخرى ربط ذلك بارتكاب المصائب لبعض المحارم ، واقتراف المحظور عشائريا ، بينما تعزيه بعض الطوائف إلى التقصير في أداء بعض الالتزامات الدينية ، والإحجام عن القيام بما يرضي تلك القوى بشرية كانت أو طبيعية ، في ضوء ذلك، فالمرض يكون بمثابة عقاب للأشخاص الذين يسيئون استخدام إمكاناتهم الجسدية والروحية ، هنا تحديدا يخلص الباحث إلى سر الظاهرة، حيث تبرز بشكل جلي القواعد الأسطورية التي يتأسس عليها فعل =التعواد= المحكوم بتمثلات غيبية. يقول الباحث من المفارقات الصارخة إن الطب البدائي يعترف في الكثير من الأحيان بالأسباب الطبيعية والموضوعية لبعض الأمراض, ومع ذلك، فإن ما يقدمه كتفسير لها إنما ينبع من المعتقدات الخرافية أكثر مما ينتج عن التمحيص العقلي، والاستكانة إلى البعد العقلي والعلمي. ضمن هذه المعتقدات، يمكن إدراج شرب اللبن بعد أكل السمك يسبب البرص ... إلى غير ذلك.. 
يقول ليفي شتراوس احد البنيويين البارزين في الفكر المعاصر، إن ضمن أشكال الحياة التي نعيشها الآن ، نستخدم جزءا من طاقاتنا العقلية يقل عن الجزء الذي يستخدمه الشعب الذي نكتب عنه ، والذي نعتقد أنه يفكر بطريقة أسطورية.. هناك إذن أسباب كثيرة تؤكد ذلك في نظر علم الدلالة ، ولعل أهم ما يبدو جليا ضمن هذا الفهم صورة المعنى بالدرجة الأولى، فالتعود من عاد، يعود ,عيادة ، بمعنى زار، يزور، زيارة ، هو نوع من التطهير catarssis = بتعبير أرسطو ، أي عملية إجلاء لكل الأرواح الشريرة خارج الجسد في أفق تحصينه من القوى المدمرة والماحقة من قوى الشر الغاشمة ..
وبخصوص ارتباط الطب الشعبي بالخرافة يرى الباحث الاجتماعي ، كل مقاربة تنفلت من التناول العلمي الوضعي هي مقاربة تنتمي إلى الخرافة والشعوذة، وبالتالي فإن الأساطير والمعتقدات البدائية، ما هي إلا نتاجات ساذجة مرتبطة بتاريخ وبحقبة زمنية، لم تكن البشرية خلالها تعلم معالجة الأشياء ، ولم تكن قادرة على إيجاد حل لمتناقضات الواقع، ولهذا السبب ظلت تلجأ إلى حلها عبر حكايات واعتقادات تمتح من الخيال، حتى يتسنى لها تجاوز المتناقضات . ويضيف ، إلى حدود بداية القرن 20 كان من المستحيل التحدث عن التداوي بالأعشاب..مجرد الحديث عنه، يعني الخرافة، أي كل ممارسة شعبية لا علاقة لها بالعلم.
والواقع أن معظم الأساطير والمعتقدات الغيبية، حسب المتخصصين ، ترى في نشأتها حصانة قوية ضد قوى الشر ، التي تهد جسم البشر من غير رحمة أو شفقة، ومن اجل الحفاظ على حياته ، ابتدع الإنسان طرقا علاجية لطرد الميكروب خارج الجسد والانفلات من قبضة الأرواح الشريرة ، وتأسيسا على هذا الفهم، جاءت ظاهرة العوادات ، كأسلوب شعبي في العلاج، و تنبع في الغالب من خصوصية جغرافية ومجالية معينة. لذلك فإن التطبيب الشعبي في دول آسيا والصين ، ويمكن إدراج الوخز بالإبر في هذا السياق، ليس هو التطبيب في شمال إفريقيا. كما أن توظيف ثقافة التداوي بالاعشاب عند العرب له منحى التجارة أكثر منه التحليل والدراسة والتنسيب ، عكس ما هو عليه الأمر في الغرب مثلا، يتم التنسيب ومزج الأعشاب بشكل دقيق ومدروس .
قاصدو العوادية
من كل الطبقات
« هي ليست مصطفاة ولا هم يحزنون » يقول الباحث الاجتماعي عياد أبلال، ولا تتوفر على أية بركة إلاهية، كما أنها لا تتوفر على شيء من هذه الأقاويل، كل ما هناك إنها إنسانة تهتم بالمعيش اليومي ، كما هو الحال بالنسبة للباحثين عن الكنز ... فلا بركة ولا اصطفاء ولا هم يحزنون . ويمكن القول انه أيضا، لذلك نرى أنه من المحمود أن يلجأ البعض إلى هذه الممارسة في وسط تنعدم فيه كافة وسائل العلاج والمرافق الطبية .
أما العوادية ( ف..م) فحين علمت بأمر الكتابة عنها في جريدة وطنية، امتنعت عن الحديث ، أما بالنسبة لي ، فقد تعلمت من صمتها الشيء الكثير.
يقول ( ا ك) شيخ طاعن في السن ابن المنطقة « شوف ابني، أنا أنعود ، من شحال هدي ، عمري ما شفت الطبيب ، ولا ضربت يبرة (حقنة) » واضاف « داك الشي ديال الله ..ولي دار النية و الله ما يخيب ..»
= ف ت= أرملة تستحيي في البداية، تقول وهي تحجب فمها « أولاد اليوم ايبطلو علينا كلشي.. أنا بعد عندما تضيق بي الأرض ، انجي (أقدم) عندها » ، مشيرة إلى خيمة العوادة « الله ينفعنا ببركتها... شيالله ارجا ل البلاد ».
(م ع) رجل تعليم يقول : سال المجرب لا تسال الطبيب » لم أتردد كثيرا قبل المجيء إليها خاصة وان ابني ظل يساوره الغثيان مدة طويلة من غير معرفة سبب ذلك ،كنت كل مرة استحضر صيغة معينة للحديث الشريف « إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما ناوى» والمفارقة الغريبة أن ابني بات في وضع صحي جيد بعدما أخرجت العوادة من جوفه أو من معدته كمية من عجين الورق »..!.. 


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.