«باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    ريال مدريد تخدم مصالح نصير مزراوي    السعوية.. أمطار غزيرة وسيول تتسبب في إغلاق المدارس بأنحاء المملكة    بركة يحصي مكاسب الاتفاق الاجتماعي ويقدم روايته حول "أزمة اللجنة التنفيذية"    آثار جانبية مميتة للقاح "أسترازينيكا".. فما هي أعراض الإصابة؟    عبد اللطيف حموشي يستقبل سفير جمهورية باكستان الإسلامية بالرباط    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    السفير محمد لخصاصي، القيادي الاتحادي وقيدوم المناضلين الاتحاديين .. أنوه بالمكتسبات ذات الطابع الاستراتيجي التي يسير حزبنا على هديها    لقجع "مطلوب" في مصر بسبب الشيبي    اختتام الوحدة الثالثة للدورة التكوينية للمدربين لنيل دبلوم "كاف برو"    الوداد يغلق باب الانخراط ببلوغه لرقم قياسي    ال"كاف" يقر بهزيمة اتحاد العاصمة الجزائري إيابا بثلاثية وتأهل نهضة بركان إلى النهائي لمواجهة الزمالك    نور الدين مفتاح يكتب: فن العيش بجوار الانتحاريين    إسطنبول.. وفد برلماني يؤكد موقف المغرب الراسخ من عدالة القضية الفلسطينية    صحف أمريكية تقاضي "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" بتهمة انتهاك حقوق الملكية    ميارة يثني على مخرجات الاتفاق الاجتماعي ويرفض اتهام الحكومة ب"شراء النقابات "    مسيرات نقابية في مختلف المدن المغربية لإحياء يوم العمال العالمي    الداخلة .. قطب تجاري ولوجستي لا محيد عنه في القارة الإفريقية    الإعلامي حميد سعدني يحل ضيفا على كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك    توافد 3,3 مليون سائح برسم الفصل الأول من سنة 2024    صفعة جديدة لتونس قيس سعيّد.. عقوبات ثقيلة من الوكالة العالمية للمنشطات على تونس    حكيمي يواجه فريقه السابق بروسيا دورتموند في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    دراسات مرتقبة لربط تطوان وطنجة بخط سككي لتعزيز المواصلات بالشمال    إدارة السجن المحلي بالناظور تنفي مزاعم تسبب التعنيف والإهمال في وفاة سجينين    حريق بمحل لبيع المفروشات بسوق كاسبراطا بطنجة يثير هلع التجار    تفاصيل البحث في تصوير تلميذة عارية بوزان    طائرة مغربية بطنجة تتعرض لحادث تصادم مع سرب طيور        الحكومة تعلن عن مشروع لصناعة أول طائرة مغربية بالكامل    منيب: "لا مانع من إلغاء عيد الأضحى بسبب الأوضاع الاقتصادية للمواطنين    بنسعيد: اختيار طنجة لإقامة اليوم العالمي للجاز يجسد قدرة وجودة المغرب على تنظيم التظاهرات الدولية الكبرى    فوزي الصقلي : المغرب بلد منفتح على العالمية    ارتفاع الحصيلة في قطاع غزة إلى 34568 قتيلا منذ اندلاع الحرب    فاتح ماي فكازا. بركان حاضرة بتونيها عند موخاريق وفلسطين جامعاهم مع نقابة الاموي والريسوني والراضي ما غابوش وضربة اخنوش ما خلاتش العمال يخرجو    مجلس المنافسة يرصد احتمال وجود تواطؤ في تحديد أسعار السردين ويحقق في الموضوع    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع وسط ترقب قرار للمركزي الأمريكي    النفط يتراجع ليوم ثالث بضغط من تزايد آمال التوصل لتهدئة في الشرق الأوسط    إسطنبول تشهد توقيفات في "عيد العمال"    "داعش" تتبنى مهاجمة مسجد بأفغانستان    وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    "الاتحاد المغربي للشغل": مكاسب الاتفاق الاجتماعي مقبولة ولن نقبل "الثالوث الملعون"    هل تستطيع فئران التجارب التلاعب بنتائج الاختبارات العلمية؟    جمعية طبية تنبه إلى التهاب قناة الأذن .. الأسباب والحلول    تطورات جديدة في مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا    في مواجهة الحتمية الجيوسياسية.. الاتحاد الأوروبي يختار التوسع    المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب    بعد 24 عاما على طرحها.. أغنية لعمرو دياب تفوز بجائزة "الأفضل" في القرن ال21    الشرطة تعتقل عشرات المحتجين المؤيدين لفلسطين في مداهمة لجامعة كولومبيا بنيويورك    رئيس جامعة عبد المالك السعدي يشارك بروما في فعاليات المنتدى الأكاديمي والعلمي    تساقطات مطرية في العديد من مناطق المملكة اليوم الأربعاء    حارة نجيب محفوظ .. معرض أبوظبي للكتاب يحتفي ب"عميد الرواية العربية"    بماذا اعترفت أسترازينيكا بشأن لقاحها المضاد لكورونا؟    الأمثال العامية بتطوان... (586)    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قداسة الملك، الحريم، الثروة و المقابر الجماعية .....طابوهات كسرها محمد السادس

أحيانا يتحول الحكم، في لحظة من التاريخ إلى قصة طويلة من .. التمرد، والعصيان.
ويمكن أن تكون خلاصة مثل هذه عنوانا لكل التمردات التي قام بها ملك المغرب ضد محرمات كانت تهيكل التفكير والسلوك السياسي، في قلب الملكية، التي توجد في قلب الدولة والنظام السياسي.
وقد كان الطابو، ومازال، يقدم نفسه على أساس أنه ضرورة مرجعية، حتمية ولا مندوحة عنها. غير أن الذي يتأكد الآن أن تكسير الطابو يعطي، أيضا، سلطة ويمنحها، كما قال الروائي دافيد هوميل.
- أولا، شخص الملك لم يعد مقدسا.
القداسة للملك
تحرير السياسة
من عباءة السماء..
وهي حكاية تدوم منذ أربعة عقود على الأقل. وقد بدأت مع الحسن الثاني، في نص الدستور. ففي الدستور الذي ورثه الملك محمد السادس، قبل تغييره في 2011، كان النص يقول، حرفيا في الفصل 23 « شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته».
وهناك من يعيد القداسة، أو التنصيص الدستوري عليها إلى ما قبل ذلك، أي إلى مسودة دستور 1908( النص ).
وللباحث الدكتور عباس بوغالم بحث مهم للغاية، يشير فيه إلى الإسقاطات المترتبة عن القداسة في المجال السياسي، وقد كتب الدكتور بوغالم يقول إن « الإرهاصات الأولى لتكريس قداسة شخص الملك بشكل قانوني ودستوري تعود إلى بداية القرن العشرين مع ظهور مشروع دستور1908، الذي نص في مادته 7 على أنه» يجب على كل أبناء السلطنة الطاعة للإمام الشريف والاحترام لذاته، لأنه وارث البركة الكريمة»، هذا التأكيد على ضرورة الطاعة والاحترام، لم يقف عند حدود شخص الملك، بل تم توسيعه ليشمل كافة أعضاء الأسرة الملكية بالنظر إلى انتمائها الشريفي، إذ نصت المادة 9 من نفس المشروع على أنه « يجب الاحترام لكل واحد من آحاد الأسرة السلطانية...» وهو ما دفع ، حسب الدكتور بوغالم دائما الأستاذ علال الفاسي إلى أن سجل تحفظه على بعض المفردات التي من خلالها سعى مشروع دستور 1908 إلى حفظ الموقع الاعتباري للسلطان، معتبرا أن مصطلح «وارث البركة الكريمة..» لا يتلاءم مع طبيعة الشخصية المغربية، وهو تعبير بعيد عن الثقافة السياسية الوطنية ومستورد من المشرق...وإلى ذلك جاء أول نص دستوري لما بعد الاستقلال لكي «يفرز مفهوما آخر، مستوردا هذه المرة من «الغرب»، إذ ولأول مرة سينبثق مفهوم جديد لم تعهده الأعراف والتقاليد الدستورية لممارسة الحكم في المغرب، ولم تحفل به مختلف الوثائق والمشاريع الدستورية التي عرفها المغرب، إنه مفهوم»القداسة» الذي تم استنساخه من المنظومات الدستورية الغربية.
وبالنظر إلى أن نص الدستور المغربي الأصلي كتب ابتداء باللغة الفرنسية، فقد اعتمد عبارة «مقدس»، وهي ترجمة لكلمةّ « sacre « ، دون الالتفات إلى أن دلالات هذا المفهوم تتجاوز بني البشر في إطار المنظومة الحضارية الإسلامية، وأن القداسة بنص القرآن من الصفات المطلقة لله وحده، والرسل هم المعصومون من الخطأ، أما البشر العاديون فينسحب عليهم قانون الصواب والخطأ.»
وكان الباحث على حق عند القول «الواقع أن الحمولة والدلالة المضفاه على مفهوم القداسة نصا وتأويلا في إطار الوثيقة الدستورية وعبر الممارسة السياسية المغربية، تجعلنا أبعد ما نكون عن مجرد مفهوم يكرس الاحترام والتوقير لشخص الملك، بل نحن إزاء مفهوم يفوق في تجلياته وانعكاساته كل ما تشير إليه بعض التفسيرات والتأويلات التي لا تتجاوز سقف الجانب الرمزي والروحي».
وهو ما يكشف طبيعة حجم الطابو الذي كسره الملك عندما أزال الطابع القدسي عن شخص الملك.
وقد كان من أهم المنجزات الدستورية التي جاء بها العهد الجديد هو إسقاط القداسة عن شخص الملك.
وقد روى المستشار المعتصم لأعضاء اللجنة المعنية بمتابعة التعديل الدستوري أن الملك قال له «القداسة لله وحده ولله العصمة وأنا ملك الوطن».
وهو الشيء الذي يعني إلغاء القداسة التي قننها الملك الراحل وحكم بها طوال أربعين سنة.
ومن المفيد أن نلح على أن رفع القداسة عن شخص الملك يجب ألا يربح رأسماله التيار الديني، لفائدة تأويله الخاص، بل التيار المدني الديموقراطي هو الذي عليه أن يحتفي بهكذا قرار. فهو خطوة نحو المزيد من الطابع المدني للثقافة السياسية المغربية والمؤسسات المنتجة لها.
نهاية الحريم:
عندما غامر الملك بعرشه
عندما تم إعلان عقد قران جلالة الملك بالأميرة للا سلمي، وعممت الصحافة الوطنية صورتها وكشفت جذورها البسيطة، كانت تلك في الواقع عملية إعلان نهاية الحريم في المحيط الملكي، وتكسير الطابو الآخر الذي ظل يرخي بظلاله على الحياة في القصور المغربية.
وقتها كتب هذا العبد الضعيف إلى ربه عن «ثورة حميمية»، la revolution intime، وهو ما يعني أن ظهور زوجة الملك ثورة في عمق الصورة التي ورثتها الملكية عن نفسها ونشرتها في العالم.
منذ عام 2002 بدأت مسيرة إحدى بنات الشعب المغربي، لتصبح أميرة، ثم لتحمل لقب السيدة الأولى بالمملكة بعد زواجها بملك البلاد.
سلمى البناني سليلة عائلة مغربية من مدينة فاس، منحدرة من فئة متوسطة، وتقطن في حي شعبي، اعتبرها الكثيرون خطوة فعلية على درب المرور إلى مغرب الحداثة .
وتابعنا الكتابات الصحافية التي تفاعلت بشكل إيجابي للغاية مع الموقف الملكي، ومع هذه الخطوة في حياة المملكة الشريفة، و كيف أن الصحافة العربية كتبت أن « كشف قصة لقاء ملك المغرب بالفتاة سلمى، أعطى بعدا إنسانيا أكبر لشخص الملك بطريقة غير مسبوقة في تاريخ المغرب وفي الذاكرة الجماعية والشعبية المغربية، وهو ما ساهم في إعادة أنسنة «قدسية شخص الملك».
و قالت العرب مثلا « ملك المغرب وعقيلته كسرا تقليدا جرى العمل به في المغرب منذ زمن بعيد، عبر تمكين زوجة الملك من القيام بدور فعال وبارز في الحياة العامة، إن هذه الخطوة أبهرت المغرب والمغاربة، وكانت المرة الأولى التي تحدث فيها الملك محمد السادس عن الأميرة للا سلمى هي بمناسبة حوار صحفي سنة 2002، وردا على سؤال بخصوص زواجه، قال ملك المغرب إنه التقى سلمى البناني سنة 1999، موضحا أنها ليست ابنة مصرفي كما تم الترويج لذلك، إنما هي ابنة أستاذ مقيم بمدينة فاس، ثم أكد أن الزواج لن يغير شيئا من عاداته، وأن الاحتفال بالزفاف سيكون كسائر الأزواج المغاربة، في جو الفرح والاحتفالية.» الزواج قد ظل الطابو فيها، هو عدم ظهور زوجات الملوك الذين تعاقبوا على الحكم.
والمهم في الزواج التاريخي هو أنه لم يكن حدثا عائليا أو رمزيا معزولا، بل تزامن مع انطلاق الفكر والعمل في قضية الأسرة المغربية ومدونتها، والتي تحققت فيها خطوات جبارة،،
وقد كانت إحدى الشخصيات على حق عندما أسرت لي وقتها، وعند الانقسام الحاد في البلاد حول قضية المرأة والرفع من حضورها وحقوقها ، أن «الملك لعب بعرشه في هذه القضية».
وقد دخلت الكاميرا إلى الداخل في القصور الملكية، ورأينا، في سياق القطع مع الحريم، ومع دونية المرأة، ومع الغرابة والفانظازم حول حياة الملكية، الصور العائلية، التي لم تكن الصحافة تفكر فيها أيام الحسن الثاني، تغطي الصحافة، هنا وفي الخارج.
محرمات التاريخ
وقضايا التعذيب
الانتهاكات الجسيمة التي كانت أسلوب حكم تحولت إلى مادة للمصالحة الوطنية.. والتغيب الرسمي والمتعمد لوجود ماض أسود للدولة في المغرب، صار موضوعا علنيا، ومادة دسمة لتاريخ جديد. قد تولى الضحايا، في جزء كبير منهم، مهمة العمل مع الملك محمد السادس لتكسير تلك الحلقة المفرغة والطابو، سواء المجازر الجماعية أو القبور الجماعية التي عرفتها المملكة، وتم النبش فيها وإعلان نتائج ذلك النبش في القصرالمكي.
وفي نظام مطبوع بالاستمرارية، ولا تشكل القطيعة فيها مسألة بدهية، يمكن أن نقدر الخطوة حق تقديرها.
على إثر انتهاء انتداب هيأة الإنصاف والمصالحة، في 30 نونبر 2005، رفع رئيسها المرحوم إدريس بنزكري إلى الملك، التقرير الختامي للهيأة، بشأن المهام التي أنيطت بها ، بمناسبة تنصيبها . و الحدث هو أنه بعد اطلاع جلالة الملك على مضمون هذا التقرير الختامي، الذي يأتي في أعقاب 23 شهرا من التحريات والتحقيقات الميدانية لكشف ماضي انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب من 1956 إلى 1999 ورد الاعتبار للضحايا وجبر الَأضرار وصيانة الذاكرة الوطنية وتحقيق المصالحة المجتمعية الشاملة، أصدر جلالة الملك توجيهاته السامية بنشره وإطلاع الرأي العام عليه.
وقد قدر لصاحب هذه السطور أن يجري حوارا مطولا مع المرحوم بن زكري قبيل النشر، وطالعني وقتها بما دار بينه وبين جلالة الملك، إذ قال له «خاص المغاربة يعرفوا الحقيقة».!! وهذا وحده كاف لكي يكشف عن عمق الوعي بأن القضية رهيبة وتتطلب الشجاعة لتكسير الطابو..
تكونت هيئة الإنصاف والمصالحة من رئيس وستة عشر عضوا، نصفهم من بين أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والنصف الآخر من خارجه، بما يؤمن تمثيل مشارب وتجارب وتخصصات متنوعة وموحدة المقاصد في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. وعند تنصيب رئيسها وأعضائها من طرف جلالة الملك بتاريخ 07 يناير 2004، ألقى خطابا منح الهيئة بعدا تاريخيا، حينما اعتبرها جلالته بمثابة لجنة للحقيقة والإنصاف والمصالحة.
تحليل الملفات المعروضة على الهيئة ذات الصلة بالأحداث الواقعة خلال سنوات 1965 و1981 و1984 و1990، والتحريات والدراسات التي أجرتها حول الموضوع من التوصل إلى الخلاصات التالية:
شهدت تلك الأحداث ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تمثلت أساسا في المس بالحق في الحياة لعدد من المواطنين من بينهم أطفال، ومن بينهم أيضا أشخاص لم تكن لهم أية مشاركة في تلك الأحداث؛
كانت تلك الانتهاكات نتيجة لعدم الالتزام بالمعايير والمبادئ الدولية في مجال حقوق الإنسان ذات الصلة بشروط وقيود استعمال القوة العمومية، ترتب عنه استعمال غير متناسب ومفرط لتلك القوة مما تسبب في حدوث وفيات؛
مكنت نتائج التحريات المجراة وكذا تحليل الوقائع المرتبطة بتلك الأحداث من الوقوف على قيام السلطات بإطلاق النار بالذخيرة الحية، في العديد من الحالات، وعدم اللجوء إلى استعمال وسائل أخرى تمكن من تفريق المظاهرات دون حدوث وفيات؛
يستفاد مما هو مثبت في مختلف السجلات والشهادات المتعلقة بالأحداث المعنية، أن العديد من الضحايا قد توفوا نتيجة إصابتهم بالرصاص على مستوى الجمجمة أو القفص الصدري أو البطن؛
سجلت الهيئة وجود عدد مهم من الأطفال من بين المتوفين، بعضهم لا يتجاوز العاشرة من العمر؛
قامت الأجهزة المتدخلة، في بعض الحالات، بإطلاق النار داخل المنازل من خلال نوافذ مفتوحة أو من خلال الأبواب، وأصابت أشخاصا من بينهم أطفال وشيوخ ونساء، بعضهم توفي جراء طلقات الرصاص. وتؤكد هذه الوقائع شهادات قدمت أمام الهيئة، كما تؤكدها سجلات حفظ الأموات التي أثبتت وقوع حالات سحب جثث من داخل المنازل؛
عند لجوئها إلى سحب جثث الضحايا الذين أصيبوا داخل منازلهم، حرمت الأجهزة المتدخلة عائلات المتوفين من معرفة الوجهة التي أخذت إليها وتم التستر على أماكن الدفن، بل إن السلطات رفضت إدراج المتوفين في سجلات الوفيات بالمصالح المختصة؛
إحجام السلطات عن تقديم العون والمساعدة لمواطنين مصابين بمن في ذلك أطفال توفوا نتيجة إطلاق الرصاص؛
سجلت الهيئة ممارسات صدرت عن السلطات في بعض الحالات تتعلق بعدم احترام الأموات وذلك بنقلهم مكدسين في شاحنات، بشكل لا يقيم وزنا لحرمتهم؛
وقفت الهيئة على أماكن دفن عدد كبير من ضحايا الأحداث الاجتماعية في حالات متعددة، وسجلت أن عمليات الدفن في هذه الحالات، رغم مراعاتها للطقوس الدينية المرعية وحدوثها في مقابر نظامية، قد تمت ليلا ودون إعلام العائلات ودون حضورها في أغلب الحالات المسجلة. وفي مناسبات أخرى، سجلت الهيئة حالات لم تحترم فيها هذه الطقوس، ولم يدفن فيها الضحايا بطريقة نظامية؛
تأكدت الهيئة في كل الحالات المتحرى بشأنها، من أن السلطات الأمنية لم تحط النيابة العامة علما بالوفيات وبعددها وبأسبابها، ما عدا في حالة واحدة. وهو ما جعل عمليات الدفن تجري دون علم النيابة العامة ودون قيام المصالح الطبية بالتشريح الذي يفرضه القانون. كما أن النيابة العامة لم تسع إلى فتح تحقيق بصدد الأحداث المذكورة، على الرغم من صدور بلاغات رسمية في شأنها، تقر بحدوث وفيات؛
تضمنت البلاغات الرسمية المنشورة عقب كل هذه الأحداث، ما عدا في حالة واحدة (الناظور 1984)، وبشكل منهجي، معلومات غير مطابقة للواقع عن عدد الوفيات وأسبابها.
وسبق أن لاحظ الباحث مصطفى صوليح، في مقال قيم أنه «ما بين عامي 2003 و 2008 تم العثور في مدن مغربية متعددة (الدار البيضاء ، فاس ، شيشاوة ، الراشيدية ، الناظور، الجديدة و السمارة ) على 10 قبور جماعية بعضها تواجدت مواقعها داخل أو بمحاذاة ثكنات للوقاية المدنية أو في مناطق عسكرية سابقة، و بعضها إما في حديقة عمومية أو في مدافن خصوصية أو عمومية . و تدل كل القرائن على أن هذه القبور حفرت بشكل مستعجل للتخلص من جثث قتلى سنوات من عهد الجمر و الرصاص يرجح أنها تنتمي للفترة من 1969 إلى 1996 . و من الأدلة على ذلك أنها عبارة عن حفر لا تبعد عن القشرة الأرضية إلا بمترين فأقل و تضيق أو تتسع بحسب عدد الضحايا المدفونين فيها، و هو العدد الذي يتراوح من 08 15 ضحية في القبر الجماعي بمدينة الجديدة إلى 81 ضحية في القبر الجماعي بمقر ثكنة الوقاية المدنية بمدينة الدار البيضاء ، و لا تتوفر بهذه المقابر أية لحود أو معازل بين المطمورين فيها و أن الأيدي من رفات بعض الضحايا كانت مكبلة بالأصفاد و أن من بينهم كما هو الحال، مثلا ، بالنسبة للقبر الجماعي بمدينة الناظور طفل عمره لا يتجاوز 14 سنة تعرفت عليه أسرته من خلال ما وجد بالقرب منه من كرات صغيرة زجاجية و معدنية كانت من أشهر لعب الأطفال الجماعية في المغرب و كان هو بالنسبة لأمه قد خرج في يوم عصيب من شهر يناير 1984 ليزاول هذه اللعبة فلم يعد» وهو ما يعطي قوة فعلية لموافقة الملك علي نشر الحقيقة حول الطابوالذي ظل العهد السابق يرفض الخوض فيه بقوة.
أين الثروة ؟
الحديث عن ثروة المغرب
ككل المغاربة
كل الأجيال في المغرب تعرف أن البلاد طورت حول الثروة خطابا بحدين: خطاب يسير به إلى اعتبارها عنوانا كبيرا للفساد، وبالتالي للشيطنة المطلقة للدولة، وشق يرى أن الثروة والاقتراب من الحديث عنها، هو في المحصلة طريق مواجهة مع النظام.
هذه الصورة، جعلت، بالفعل، من قضية الثروة طابو، ونقطة محرمة، وعملية الاقتراب منها تنشيطا سياسيا وعقليا للمعارضة الصريحة أو الضمنية.
الكتب التي قرأها جيل كامل من المغرب، كانت تتحدث عن الثروة والنظام السياسي كثنائية قاصمة للبلاد والعباد، وربطت الكثير منها، بمعطيات تصح حينا وتغلط حينا آخر، بين استمرار الاستبداد وبين الاغتناء.
الواضح أن الملك في الخطاب الذي تحدث فيه عن ثروة المغرب كان يدرك كل هذا.
وقد جاء في خطابه ما يفيد رؤيا واضحة للموضوع، قبل طرحة. فهو يقول في خطاب العرش: أتساءل باستغراب مثل جميع المغاربة أين هي الثروة؟
داعيا الملك محمد السادس إلى القيام بدراسة لقياس القيمة الإجمالية للمغرب ما بين 1999 و2013 .
وقال الملك، في الخطاب الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال15 لعيد العرش، والذي استمر حوالي 30 دقيقة، إنه «للوقوف على حقيقة الوضع، نوجه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بتعاون مع بنك المغرب، ومع المؤسسات الوطنية المعنية، وبتنسيق مع المؤسسات الدولية المختصة، للقيام بدارسة، لقياس القيمة الإجمالية للمغرب، ما بين 1999 و2013 ».
وأبرز الملك أن الهدف من هذه الدراسة ليس فقط إبراز قيمة الرأسمال غير المادي للمغرب، وإنما لضرورة اعتمادها كمعيار أساسي خلال وضع السياسات العمومية، وذلك لتعميم استفادة جميع المغاربة من ثروات وطنهم.
وقال الملك: «إننا نتطلع لأن تقدم هذه الدراسة تشخيصا موضوعيا للأوضاع، وتوصيات عملية للنهوض بها».
وحتى لا يبقى التقرير الختامي لهذه الدراسة حبرا على ورق، أو مادة للاستهلاك الإعلامي فقط، يضيف الملك، « قررنا أن يتم نشره على أوسع نطاق، داعين الحكومة والبرلمان، وكل المؤسسات المعنية، والقوى الحية للأمة للانكباب على دراسة التوصيات البناء التي يتضمنها، والعمل على تفعيلها».
وأوضح الملك أنه بما أن قياس الثروة غير المادية يعتبر آلية للمساعدة على اتخاذ القرار، «فإننا ندعو لأن يشمل الإحصاء العام للسكان، الذي سيتم القيام به خلال هذه السنة، المؤشرات المتعلقة بالرأسمال غير المادي للمغرب، بمختلف مكوناته».
وذكر الملك بأن النموذج التنموي المغربي بلغ درجة من النضج «تؤهلنا لاعتماد معايير متقدمة وأكثر دقة لتحديد جدوى السياسات العمومية والوقوف على درجة تأثيرها الملموس على حياة المواطنين»، مضيفا أن هذا الأمر هو ما أكده البنك الدولي الذي أبرز أن التنمية الإجمالية للمغرب شهدت خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا ملموسا وخاصة بفضل النمو الكبير لرأسماله غير المادي.
وشدد الملك على أن الرأسمال البشري غير المادي يعتبر من أحدث المعايير المعتمدة دوليا لقياس القيمة الإجمالية للدول والشركات، مشيرا إلى أن المعايير التي يعتمدها المختصون في المجالين الاقتصادي والمالي لقياس الثروة، شهدت عدة تطورات.
وأبرز الملك أن القيمة الإجمالية للدول كانت تقاس سابقا، حسب مواردها الطبيعية، ثم على أساس المعطيات المتعلقة بالناتج الداخلي الخام، الذي يعكس بدوره عيش المواطن.
وبعد ذلك، يضيف الملك، تم اعتماد مؤشرات التنمية البشرية، لمعرفة مستوى الرخاء لدى الشعوب، ومدى استفادتها من ثروات بلدانها، مبرزا أنه خلال تسعينات القرن الماضي، بدأ العمل باحتساب الرأسمال غير المادي كمكون علمي، منذ سنة 2005، من طرف البنك الدولي.
وقال الملك إن هذا المعيار يرتكز على احتساب المؤهلات التي لا يتم أخذها بعين الاعتبار من طرف المقاربات المالية التقليدية، مؤكدا أن الأمر يتعلق هنا بقياس الرصيد التاريخي والثقافي لأي بلد، إضافة إلى ما يتميز به من رأسمال بشري واجتماعي، والثقة والاستقرار، وجودة المؤسسات، والابتكار والبحث العلمي، والإبداع الثقافي والفني، وجودة الحياة والبيئة، وغيرها.
وأبرز الملك أن «الأمن والاستقرار مثلا هما أساس الإنتاج والثروة. والثقة والمصداقية هما تحفيز الاستثمار. إلا أن هذه المؤهلات لا يظهر لها أثر في القيمة الإجمالية للدول».
وذكر الملك بأنه سبق للبنك الدولي أن أنجز في 2005 و2010 دراستين لقياس الثروة الشاملة لحوالي 120 دولة، من بينها المغرب، «وقد تم تصنيف بلادنا في المراتب الأولى على الصعيد الإفريقي، وبفارق كبير عن بعض دول المنطقة».
غير أنني، يضيف الملك، بعد الاطلاع على الأرقام والإحصائيات، التي تتضمنها هاتان الدراستان، والتي تبرز تطور ثروة المغرب، أتساءل باستغراب مع المغاربة : أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟».
وخلص الملك إلى أن «الجواب على هذه الأسئلة لا يتطلب تحليلا عميقا: إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية».
الملك يسير في الشارع
تحرير الجسد الخاص من الجسد العام
استأثرت صور الملك وهو يقف أمام الضوء الأحمر، في شوارع المملكة بتأثير يكاد وقتها يصل إلى حد الرجة والعاصفة، ولذلك مبرراته في مقومات التحليل السلوكي الجماعي، وله، أيضا، مسوغاته في تحليل الفكر السياسي..، كما سبقنا إليها آخرون، غير أن الأساس في قراءة الحالة هو أن مقارنة خفية، (لا أحد يسلم من شاعرية المقارنة هنا) بين سلوك الملك الراحل وما أصر عليه دوما من بروتوكولية في تحركاته، وبين الملك محمد السادس كانت حاضرة، وبالإضافة إلى الطابع الإنساني (ملك متواضع) والطابع المفاهيمي ( الملك المواطن ) ، فإن الذاكرة المغربية كانت ترى نهاية تلاحم ظل قائما بين السر وبين الملك، حالة من التباعد بين فضاء الملك وفضاء التوارد العام للمواطنين.
في حالات عديدة تبين أن الملك يتحرر كثيرا في الصورة الخاصة التي يشرك فيها العموم ( وليس صورة العمومية الرسمية التي يشاركها مع اللامجسم وهوالدولة المهيبة)، فهو يظهر في كل مكان ممكن، شارع أو بحر أو جبل، ومناسبات عديدة، وفي السيارة وهو يقود وبجانبه صديقه (وهو شكل آخر من التحرر من بروتكولات الصرامة) أو فوق مركب للسباحة.. الخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.