حقوق الإنسان والمواطنة بين الأسس الفلسفية والتحولات التاريخية    المديرية العامة للضرائب تصدر نسخة 2026 من المدونة العامة للضرائب    العام الجديد 2026 يحل بنيوزيلندا    المكتب الوطني للمطارات .. حماس كأس إفريقيا للأمم يغمر مطارات المملكة    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. نجاح كبير للمنتخبات المغاربية    كأس إفريقيا.. صحف تونسية تصف أداء "نسور قرطاج" أمام تنزانيا ب "الباهت" و"غير المقنع"    نقابة نتقد تعطيل مخرجات المجلس الإداري لوكالة التنمية الاجتماعية وتحذر من تقليص دورها    نمو الاقتصاد المغربي يسجل التباطؤ    المغرب يستقبل سنة 2026 بأمطار وزخات رعدية وثلوج على المرتفعات    رحم الله زمنا جميلا لم ينقض بالهم والحزن    وفاة الممثل "أيزيا ويتلوك جونيور" عن 71 عاما    ارتفاع "الكوليسترول الضار" يحمل مخاطر عديدة    التهراوي: نموذج المجموعات الصحية الترابية سجل مؤشرات إيجابية على العديد من المستويات    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    شغيلة جماعة أولاد أكناو تحتج ببني ملال وتلوّح بالتصعيد بسبب تجميد المستحقات    حصيلة نظام الدعم الاجتماعي المباشر بلغت 49 مليار درهم (فتاح)    كان 2025 .. طنجة ملتقى الحماس الإفريقي    الدنمارك أول دولة أوروبية تتوقف عن توصيل الرسائل الورقية    "المعاملة بالمثل".. مالي وبوركينا فاسو تفرضان حظرا على سفر مواطني الولايات المتحدة    مراكش.. إصدار أحكام جديدة تصل لست سنوات في حق متابعين على خلفية احتجاجات "جيل زد"    أسعار النفط تتجه لتسجيل تراجع بأكثر من 15 في المائة سنة 2025    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    تقرير: تراجع وفيات الأطفال وارتفاع الالتحاق بالتعليم المبكر في الصين        سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس        كأس إفريقيا للأمم تغير "صناعة اللعب"    وقف تنفيذ حكم إرجاع 38 مطروداً ومطرودة إلى عملهم بفندق أفانتي    قطاع المحاماة بفيدرالية اليسار الديمقراطي يعلن رفضه لمشروع قانون مهنة المحاماة ويحذر من المساس باستقلالية الدفاع    دياز يخطف أنظار الإعلام الإسباني ويقود أسود الأطلس للتألق في كان المغرب    المغرب يترأس مجلس إدارة معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة    سرقة القرن في ألمانيا.. 30 مليون يورو تختفي من خزائن بنك    كأس الأمم الأفريقية.. مباراة شكلية للجزائر ضد غينيا الإستوائية ومواجهة مصيرية للسودان    الجديدة 10 أشهر حبسا نافذا في حق يوتوبر بالجديدة    ارتفاع أسعار الإنتاج الصناعي بالمغرب خلال نونبر 2025 رغم تراجع بعض القطاعات    أنفوغرافيك | لأول مرة تتجاوز حاجز 300 مليون دولار.. مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو    ألمانيا وفرنسا تؤجلان القتال الجوي    إسرائيل تهدّد بتعليق عمل منظمات    صنع في المغرب .. من شعار رمزي إلى قوة اقتصادية عالمية    قتيل وثلاثة جرحى في حادث إطلاق نار وسط كندا    إطلاق حملة واسعة لتشجير المؤسسات التعليمية بإقليم الفحص-أنجرة    ‬السيادة الديموقراطية…. ‬بين التدخل الخارجي ‬والفساد الداخلي!‬‬‬‬‬    قانون التعليم العالي الجديد: بين فقدان الاستقلالية، وتهميش الأستاذ، وتسليع المعرفة    21 فنانا مغربيا يعرضون مشاعرهم وذاكرتهم في «ذبذبات داخلية» بالدار البيضاء    باحثون فلسطينيون ومغاربة يقاربون الأبعاد الروحية والإنسانية لأوقاف أهل المغرب في القدس    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات من حياة الشعيبية طلال.. 8- عقدة التعلم
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 17 - 05 - 2020

لعل الكتابة عن سيرة فنانة ذات ريادة زمنية وريادة فنية،اختلف الناس في أمرها، لشخصها وشخصيتها وإنجازاتها التي ذاع صيتها في الآفاق، حتى أصبحت المعارض العامة الدولية تخطب ودها وتتمنى أن تحتضن لوحاتها العجيبة ، تقتضي اعتماد مصادر ومراجع وطنية أو دولية موثوق بها، غير أنه، للأمانة، لا نتوفر سوى على مصدر واحد ووحيد غير مستقل وغير محايد، ألا وهو ابنها الفنان الحسين طلال، الذي لا يقدم إلا ما يلوكه مرارا وتكرارا عن سيرة الشعيبية لوسائل الإعلام أو بعض الباحثين، من غير إضافات مميزة أو إضاءات مثيرة تسعف في الوقوف على هويتها، منجزها التشكيلي وخصوصياتها الجمالية وإسهاماتها في الحركة التشكيلية العالمية.
سنحاول في هاته الحلقات تسليط الضوء-قدر الإمكان- على مسار الشعيبية الذاكرة الفردية، الذاكرة الجمعية ترحما عليها، واعترافا بأياديها البيضاء في سبيل جعل راية المغرب خفاقة في المحافل العالمية، وإسهاماتها في إثراء المكتبة الفنية الوطنية والدولية.
تعود الشعيبية مساء إلى ابنها الحسين. تتبادل معه أطراف الحديث ثم تقوم لإعداد الأكل، وبينما هما يتحلقان حول مائدة خشبية صغيرة على ضوء شمعة خافت متراقص، تحكي له – بتلهف وتشويق- عن العز الذي تراه نهارَها بأمّ عينيها ، عن العالم الحالم الجميل، حيث اللوحات الزيتية تباع بأموال طائلة.
عندما آنستْ الشعيبية في الحسين اقتناعا وميولا واهتماما بالغا بمجال الرسم والتشكيل، وفرت له أسباب الدرس والتحصيل، وفي الحادية عشرة من العمر، وجد ذاته في الرسم بالبيت والمدرسة.وكانت أستاذته الفرنسية لمادة الرسم لا تكف عن حثه باستمرار على مزيد من الرسم، وتوجيهه بشكل صحيح..و يكبر الشاب الحسين رساما أكاديميا متعلما مثقفا، يقطع مع مجتمع الفقروالجهل والأمية، ولا ينتابه أي إحساس بنقص.
لم تنس الشعيبية مركّب النقص الذي ترسّب في لاشعورها مذ طفولتها، حيث لم تتعلم بالكُتّاب القرآني/المسيد ولا بمدرسة أكاديمية ولا بمعهد ولا حتى من أحد. كان يُنادَى عليها في صغرها “المهبولة/الهبيلة”، تهيم بأرض اشتوكة لا تلوي على شيء. لم تتعلم القراءة والكتابة على عهدها، نظرا للفقر والعقلية المحافظة بالوسط الاجتماعي، حيث المرأة قابعة بين أربعة جدران في المنزل مستذلة، معطلة الفكر واليد والأحاسيس، لا يُترك لها سوى هامشٍ ضيق للإنجاب والطبخ والغسيل..
لازمت عقدةُ التعلم الشعيبيةَ أينما حلت وارتحلت.فهي لم تلج عالم الرسم والتشكيل عن دراسة وتحصيل وأُسسٍ أكاديمية، ولكنّما عن موهبة وعصامية وتدرّج في إخراج طاقتها الإبداعية الكامنة، وترجمة ذاكرتها البصرية إلى منجزات تعبيرية تلقائية.
كانت الشعيبية في حوارات معها، تُعقِّب: “وانت أشنو قلت آ القاري()ة. كما لا تفارقها لازمتُها عند كل توضيح أو استفسار”وياعنو” بدل يعني.. لم تتخلص من عقدة التعلم حتى ولو أنها ركبت تحديات عاتية جعلت منها سيدة من سيدات المجتمع. ومع سماعها أن من لم يتعلم في الصغر هان في الكبر، وأن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر، وأن التعلم في الكبر كالنقش على الماء، إلا أن ذلك لم يثبّط عزيمتها ولم يحد من طموحها، فقامت تستأجر معلما لتلقينها الفرنسية مرتين في الأسبوع لكنْ عبثا.والطريف أن المعلم نسي الفرنسية وتَعلم هو عاميتها ولكنتَها البدوية.
ويُروى عن الشعيبية أنها لم تكن تتأخر في تقديم المساعدة المادية من واجبات شهرية ومستلزمات لأبناء أهلها من أجل التعلم، حتى لايكون لديهم في يوم من الأيام شعور بالنقص.
كان لابد للشعيبية أن تتعلم، أن تمتلك اللغة الفرنسية تحديدا.ففي خدمتها في البيوت الفرنسية، كانت تجد نفسها عاجزة عن التحدث بها. وحتى بعد أن دانت لها الدنيا، وجاءتها الشهرة والاعتراف بمنجزاتها، كانت أعجز من أن تخلق جسر التواصل مع زوار معارضها.فكان مطروحا عليها إذن وبشدة، أن تتعلم اللغة الفرنسية لأنها لغة عصرها الراقية، لتحقق تواصلا سليما يُسعف في إيصال أفكارها ومشاعرها الدفينة للآخر،ومعرفة واستيعاب ما يعبر عنه هذا الأخير تُجاهها وحُيال منجزها التعبيري.
ومما يسعد الشعيبية، أن موران غارسيا ذات الصيت الذائع في عالم الكتابة والتأليف والتصوير، تقدمت إليها ذات يوم، تتمنى عليها أن تضع لكِتاب لها تحت عنوان”الحناء نبتة الجنة”، مقدمةً من بنات أفكارها وأسلوبها العفوي،فمكّنتها من هذا الشرف، الذي في حد ذاته يحررها من عقدة الأمية.
وكتبت فاطمة المرنيسي وهي عالمة اجتماع عن الشعيبية قائلة في ما يشبه الرسالة، التي لن تقرأها أبداً الشعيبية: “..عندما سألتك ذات يوم: “لماذا تحدثينني دوما عن التعليم؟ إنك تتدبرين أمرك أفضل من العديد من أساتذة الجامعة…”، جاء جوابك مضيئا أكثر مما يستطيعه بحث طويل: “ألح على التعليم لأن الأمية جرح. ينبغي إعداد مغرب لا تكون فيه أية امرأة جريحة. فحتى عندما نلاقي النجاح، فإن هذا الجرح لا يندمل أبدا”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.