عن منشورات «العائدون للنشر والتوزيع»، في الأردن، صدر عمل نقدي للكاتب المغربي الحسين آيت بها بعنوان «الإبداع الروائي الجديد: قراءات في نماذج روائية»، في 135 صفحة تمتد على ستة فصول، بغلاف من تصميم لمى سخنيني، وتقديم الناقد والكاتب المغربي الدكتور عبد المالك أشهبون بمقدمة وصفت بالعميقة والمضيئة، لما تتضمنه من قراءة تأطيرية دقيقة لمسار الحسين آيت بها ومشروعه النقدي، ولما تحمله من إشارات فكرية وجمالية حول واقع الإبداع الروائي العربي المعاصر. يأتي العمل النقدي موزعاً على ستة فصول تشكل خريطة دقيقة لامتداداته المفاهيمية والجمالية، إذ يستهل بفصل حول التخييل التاريخي، قبل أن ينتقل إلى ملامح الإبداع الروائي الجديد وقراءته للواقع الاجتماعي، ثم يتوقف عند آليات التحليل النفسي في استنطاق البنى السردية، ويخصص فصلا ل «الموضوعاتية» باعتبارها مدخلا لفهم الخلفيات الدلالية، وفصلاً آخر لتقنيات السرد وما أحدثته من تحولات في بنية الرواية، ويختتم ب «محكي الذات» باعتباره شكلا تعبيريا يرسخ تحول الكتابة نحو مزيد من الحميمية والتجريب. يرى الدكتور عبد المالك أشهبون أن عنوان الكتاب نفسه «الإبداع الروائي الجديد» يختزل رهانات المشروع النقدي الذي يقترحه آيت بها، إذ يسعى من خلاله إلى مقاربة النصوص الروائية المعاصرة في ضوء تحولات التخييل وأسئلة التجديد، فالكتاب، كما يوضح في مقدمته، يجمع بين دفّتيه قراءات نقدية في متون سردية عربية متميزة، كتبها الحسين آيت بها بنفَسٍ بحثي متأن، محاولا أن يتلمس عبرها قضايا وإشكالات الكتابة الروائية في العالم العربي، وأن يرصد مساحات التفرد والتميز في النصوص المدروسة. ويشير أشهبون إلى أن الباحث اختطّ مسيرته النقدية بدأب وصبرٍ وأناة، واضعا نصب عينيه بناء مقاربة منهجية تتأسس على التحليل النصي الدقيق، دون أن تنفصل عن الرؤية الفكرية والثقافية الأوسع، ومن خلال عناوين الفصول الستة التي تؤطر الكتاب – من التخييل التاريخي إلى محكي الذات – يبدو، كما يقول، أن هناك خيطا ناظما يربط بين هذه الدراسات جميعا، هو السعي إلى الإجابة عن سؤال مركزي: ما هي حدود الإبداع والتخييل في الرواية العربية المعاصرة؟. كما يرى الناقد الدكتور عبدالمالك أشهبون، في ذات مقدمته، أن ما يميز هذا الكتاب عن كثير من الدراسات النقدية الراهنة هو الجمع بين بعدين أساسيين: أولها الانفتاح على نصوص روائية لها فرادة واضحة على مستوى الكتابة والإبداع، نصوص راكمت إشعاعاً أدبياً جعلها محط اهتمام القراء والنقاد على حد سواء، وثانيها اعتماد التأويل الثقافي للرواية، باعتباره مدخلاً لقراءة استراتيجيات الكتابة ورهانات التجديد، واستكشاف إمكانات التخييل كفضاء لإعادة بناء الوعي واللغة. ويضيف أشهبون بالتالي أن الكاتب الحسين آيت بها، بما يمتلكه من عدة نقدية وأكاديمية متينة، استطاع أن يقدم قراءات مغايرة تنفتح على النصوص دون أن تفرض عليها قوالب جاهزة، بل تسعى إلى الإنصات إلى لغتها الداخلية ورؤيتها للعالم، فهو لا يتعامل مع الرواية كمجرد بنية لغوية، بل كخطاب ثقافي واجتماعي، يعكس تحولات الذات والواقع العربيين في تفاعلهما مع الأسئلة الكونية الكبرى.كما يرى أن هذا الجهد النقدي يأتي في سياق توهج النقد المغربي خلال العقود الأخيرة. وفي هذا الأفق، يضع أشهبون تجربة الحسين آيت بها ضمن هذا الامتداد، باعتباره أحد الباحثين الشباب الذين يحملون هم التجديد النقدي، ويسعون إلى ترسيخ ثقافة نقدية جديدة في الجامعة المغربية وفي المشهد الأدبي العربي عموما، ليختم مقدمته بعبارات مشحونة بالأمل، متمنيا للباحث الحسين آيت بها أن يظل قلما نقديا مفعما بالحيوية والعطاء، وأن يواصل اجتهاده في الإسهام بتطوير الخطاب النقدي العربي، بما يضيفه من أسئلة ورؤى ومقاربات جديدة، باعتبار هذا الخطاب يضيء النصوص ويكشف عن مسالكها الخفية. وبدوره، لم يفت مؤلف الكتاب الحسين آيت بها توضيح رؤيته لماهية الرواية الجديدة، مؤكدا أن أساسها يقوم على الإدهاش ومناقشة مواضيع جديدة وغير مألوفة، مخالفة بذلك السائد والنمطي والمستهلك الذي ميز الرواية التقليدية، ويشير إلى أن الرواية الحديثة، في سعيها الدائم للبحث عن ذاتها، تموقع نفسها في وضع متغير يعكس اهتمامات الإنسان المعاصر وقضاياه، معتمدة تقنيات سردية مبتكرة مثل تعدد الأصوات، وتداخل الحكي، والتغريب الزماني والمكاني، إضافة إلى التركيز على قضايا إنسانية عميقة ودقيقة. ويركز الحسين آيت بها على وعي القارئ المعاصر، الذي أصبح ملما بالقضايا الاجتماعية والثقافية التي تهم الرأي العام، مشيرا إلى أن الرواية الجديدة مطالبة بأن تدهش القارئ، وتدفعه للتساؤل، ومساعدته على فهم واقعه المعاصر، ويرى أن الروايات التي تحظى بالاستحسان غالبا ما تعكس مراحل حاسمة في حياة الإنسان، وتقدم تجارب إنسانية عميقة ضمن سياق معين، لتصبح الرواية الحقيقية أثرا مستداما يبعث الأمل ويجعل من العيش والتعايش ممكنا، وتكون القراءة عندها مصدر حياة وتهذيب للذوق والوجدان. ويشير المؤلف إلى أن الكثير من الدراسات النقدية السابقة ركزت على مكونات العمل الروائي التقليدية من شخصيات وحوار وزمان ومكان، أو على أساليب تقديم المادة الحكائية مثل التخييل التاريخي والتجريب السردي، أو على موضوعات محورية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية، أما ما يميز هذا الكتاب فهو تأكيد هاجس التجريب والتجديد على مستوى الشكل والمضمون، حيث تبني الرواية العربية الجديدة عوالمها الخاصة، متحررة من القوالب التقليدية، مستحضرة الواقعي والتخييل في آن، ومنفتحة على جميع المقاربات. ومن منطلق هذه الرؤية، اعتمد الحسين آيت بها منهجية مرنة في دراسة المتون السردية، متجنبا القراءات التي لا تخدم أهدافه النقدية، ومركزا على التحليل المقطعي الجزئي للنصوص، مع الحفاظ على صلتها بسياقها الأدبي والتاريخي، والاستفادة من المرجعيات النقدية ذات الصلة، ويشير إلى أن اختيار الأعمال الأدبية يخضع لمعايير محددة، أهمها الأصالة والحداثة، مناقشة موضوعات وثيمات غير مألوفة، إثارة الجدل والنقاش بين النقاد، والقدرة على ترك أثر في القارئ. يستعرض الكتاب نماذج متنوعة من الإبداع الروائي العربي، بداية من البعد التاريخي والسياسي في رواية «ثورة الأيام الأربعة» للكاتب المغربي عبد الكريم جويطي، والبعد الواقعي الوجداني في رواية «أبواب الفجر» للكاتب المغربي مصطفى الورياغلي، وصولا إلى قراءة التاريخ المغربي في رواية «الملك يموت مرتين» للكاتب والمترجم المغربي أحمد الويزي، هذه الدراسات تبرز قدرة الرواية الجديدة على المزج بين التخييل التاريخي والواقع الاجتماعي، وطرح القضايا المعاصرة من خلال منظور إبداعي متجدد. وينتقل المؤلف بعد ذلك إلى قراءة الملامح التجريبية للرواية الجديدة، من خلال أعمال مثل «مطبخ الحب» كنموذج لرصد التغيير الاجتماعي وتثوير القيم، و»أتربة على أشجار الصبار» للروائي المغربي عبد الواحد كفيح، و»حين يزهر اللوز» للكاتب والروائي المغربي محمد أبو العلا، حيث تتجلى التجارب المسرحية الواقعية وعمق تحليل الشخصيات، كما يتناول الكتاب البعد النفسي في روايات مثل «الأطلسي التائه» و»رجال وكلاب» للكاتب المغربي مصطفى الغتيري، موضحا كيف أصبحت الرواية الحديثة فضاءً لاستكشاف الذات الداخلية والصراعات النفسية المعقدة. ويولي آيت بها اهتماما بالموضوعاتية في الرواية الجديدة، حيث يدرس الثيمات الموضوعاتية في رواية «دفاتر الوراق» للروائي الأردني جلال برجس، والثيمات النفسية والموضوعاتية في رواية «انجيرونا» للكاتبة المغربية ليلى مهيدرة، مبرزا تنوع القضايا التي تلتقطها الرواية، فيما يقدم على صعيد تقنيات السرد، قراءة متعمقة لأعمال مثل «مرايا» للقاص المغربي سعيد رضواني و»أوراق اللعب» للروائي المغربي حسن المددي، مع التركيز على تعدد الأصوات السردية في رواية «طائر أزرق... نادر يحلق معي» للكاتب المغربي يوسف فاضل. فضلا عن قراءته التجريب الروائي في «أبراج من ورق» لسعيد رضواني، يوضح كيف تعمل الرواية الجديدة على كسر القوالب التقليدية وتجريب أشكال سردية مبتكرة تتيح للكاتب توسيع أفق القراءة والتأويل، ليختتم المؤلف تحليله ب محكي الذات كنموذج للتجديد في السرد، مع قراءة في رواية «الحجر والبركة» للروائي المغربي عبد الرحيم جيران، و»ذيل الثعبان» للروائي والقاص المغربي عبد السميع بنصابر، إضافة إلى دراسة ملامح التجديد في الرواية المغربية من خلال رواية «روائح ديهيا» للروائي المغربي طارق بكاري. يزخر المسار الإبداعي للكاتب الحسين أيت بها بسلسلة من الإصدارات منها مجموعة قصصية بعنوان «النقش على الحجر» التي صدرت عن جامعة المبدعين المغاربة سنة 2019، تلتها روايته «هواجس الضياع» التي صدرت عن منشورات الدراويش ببلغاريا في السنة نفسها، قبل أن تعاد طباعتها في طبعة ثانية سنة 2020، كما أصدر دراسة نقدية موسومة ب «سرديات معاصرة» عن جامعة المبدعين المغاربة بالدار البيضاء سنة 2021، ليواصل مشروعه الروائي بإصدار رواية «دروب التيه» في طبعتها الأولى سنة 2023 عن جمعية عبور للثقافة والنشر.