حسنا فعلت القناة الأولى المغربية، حين بادرت إلى تخصيص حلقة من برنامجها التلفزيوني الجديد « الشاهد » الذي يعده ويقدمه الزميلان محمد الضو السراج وشكيب بنعمر، للشهيد المهدي بنبركة.. هذا أمر لا جدال فيه، بل يصفق له عاليا، لمعانيه السياسية أو المهنية أو الحقوقية أوالإنسانية، لأن استعادة ذكرى رجل من طينة المهدي بنبركة، فيه وفاء لرجل خدم المغرب دولة ومجتمعا، بشكل لم يتحقق لغيره بذات القوة والصدق والوفاء والنزاهة. بل إن في الأمر رسالة مصالحة رسمية أخرى مع ذكراه، يأمل الكثير من المغاربة أن تكون بعضا من المقدمة لكشف الحقيقة كاملة عن مصير الرجل وكل الحيثيات المرتبطة بالجريمة السياسية الكبرى التي حيكت ضده يوم 29 أكتوبر 1965، والتي انتهت باغتياله بعد اختطافه في قلب باريس، وأيضا أن يعرف مكان دفنه حتى يترحم عليه المغاربة وفي مقدمتهم عائلته الصغيرة من زوجته وأبنائه. هذا كله أمر هام على أكثر من صعيد، لكن الظاهر أن تلفزتنا المغربية تؤمن كثيرا بالمثل المغربي الذي يقول : « حتى زين ما خطاتو لولة »، وتصر على أن تكون لها « لولة » حين يتعلق الأمر دوما بحركة جميلة ومهنية منها، خاصة حين يتعلق الأمر بالشهيد المهدي بنبركة. لقد أصر مهندسو البرمجة بزنقة البريهي بالرباط، على أن يمارسوا بعضا من « السادية » على انتظارات جمهور واسع من المشاهدين المغاربة لهذه الحلقة الهامة، وعادت حليمة إلى عاداتها القديمة زمن الراحل إدريس البصري ( حين وضع يده الأمنية على الإعلام )، حين أعلنت رسميا أن الحلقة ستبث يوم الثلاثاء في الساعة العاشرة و45 دقيقة، لكنها اختارت أن تمطط برامجها من خلال فيلم من أسوأ أفلام الكوميدي المصري عادل إمام، الذي بث أكثر من 10 مرات في ذات القناة، ولم تسمح بأن يطل الشهيد المغربي الكبير المهدي بنبركة على عموم المشاهدين سوى في الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا ( أي بتأخير دام 45 دقيقة كاملة، وعاشت المهنية والإحترافية )!!.. الأمر يفسر تفسيرين: الأول، أن الولادة كانت صعبة، أي ولادة برنامج عن المهدي بنبركة في تلفزة الرباط، وبالتالي أخد المخاض وقته حتى خرج المولود الجميل إلى الحياة السياسية والإعلامية والحقوقية المغربية. الثاني، أن الغاية كانت، عند بعضهم، خلق الملل عند الناس، وبالتالي تأخير الحلقة حتى ينام جزء هام من المشاهدين.. وفي كلتا التفسيرين، يظهر واضحا أن الشهيد المهدي لا يزال يخيف كل من يعتقدون أن كل صيحة هي عليهم. خاصة إذا ما استحضر المرء كيف احترم التوقيت في الحلقات الخاصة بالراحل عبد الكريم الخطيب، والأستاذ أحمد عصمان، واختلت ساعة البرمجة حين تعلق الأمر بالشهيد المهدي بنبركة.. وفي انتظار الجزء الثاني غدا الثلاثاء في الساعة العاشرة و45 دقيقة، سنرى هل ستستقيم ساعة دار البريهي، أم سيظل العبث هو العبث!!