زيادة إنتاج نفط "أوبك+" تنعش آمال المغرب في تخفيف فاتورة الطاقة    تحرير مغاربة مختطفين في الساحل يعيد الجدل حول السلامة بعمق إفريقيا    أمريكا تسلح أوكرانيا بمال اسكندينافيا    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    وصول المساعدات المغربية إلى مخازن في مدينة دير البلح وسط غزة    صحيفة إسبانية: هذه المدينة المغربية تنافس موناكو كوجهة لعشاق السيارات الفاخرة    غياب توضيحات رسمية حول تسعيرة الطاكسيات بالحسيمة يُربك القطاع ويفتح الباب أمام الاستغلال    إيقاف مروج كوكايين بحوزته 11 غراما في إمزورن بعد عملية ترصد محكمة    حادثة مأساوية بين المعازيز والخميسات تودي بحياة سائق طاكسي وأفراد من عائلته    بلاغ رسمي ينهي الجدل.. الأوقاف تكشف حيثيات إعفاء رئيس المجلس العلمي وتستنكر "التشكيك"    إسرائيل تسمح بدخول السلع التجارية جزئيا إلى غزة    قيوح: المغرب جعل من التعاون مع الدول غير الساحلية وخاصة في إفريقيا أولوية استراتيجية في سياسته التعاونية    توقيف قائد بعمالة مراكش للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    الدورة السادسة عشرة من معرض الفرس للجدیدة سلسلة من الندوات حول العنایة بالخیل والتراث الفروسي    فتيات المغرب تكتسحن الجزائر ويحجزن مقعدا لهن في "أفروباسكيط 2025"    من المعرفة إلى السفر… تجارة الخدمات الصينية تحلق عالياً مع ارتفاع ملحوظ في الصادرات    عملية مرحبا.. إطلاق حملة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج تحت شعار "التعمير والإسكان في خدمة مغاربة العالم"    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    رضا سليم يعود للجيش الملكى على سبيل الإعارة    دراسة: الحر يؤثر على الصحة العقلية للإنسان    الأوقاف تكشف سبب إعفائها رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك    المغرب ‬يسير ‬نحو ‬جيل ‬جديد ‬من ‬برامج ‬التنمية ‬المجالية.. ‬نهاية ‬زمن ‬الفوارق ‬وتفاوت ‬السرعات    مندوبية ‬التخطيط ‬تكشف: ‬وضعية ‬سوق ‬الشغل ‬لازالت ‬تعاني ‬من ‬آثار ‬الجفاف    تراجع نسبة ملء السدود بالمغرب إلى 35.3%    الموهبة الكبيرة وزان يوقع عقدًا جديدًا مع أياكس بعد رفض ريال مدريد التعاقد معه    "منتخب U20" يستعد لكأس العالم    خواطر تسر الخاطر    كفالة مالية تصل إلى 15 ألف دولار للحصول على تأشيرة أمريكا    "سورف إكسبو" لركوب الأمواج في دورته الرابعة أكتوبر المقبل    22 شهرا من الإبادة.. الجيش الإسرائيلي يقتل 20 فلسطينيا في غزة فجر الثلاثاء    تارودانت… 14 مليون درهم لتأهيل المواقع السياحية بأسكاون وتيسليت    الريسوني: تخلف وزارة الأوقاف سحيق لأنه مقدس وله حراسه.. وتخلف الدولة يسمى "الانتقال الديمقراطي"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    كاميرات مراقبة صينية في سبتة ومليلية تثير الجدل في إسبانيا    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    المغرب ومالي ينجحان في تحرير 4 سائقين مغاربة اختطفتهم "داعش" في بوركينا فاسو    بعد أيام من تركيبه.. مجهولون يخربون رادارا حديثا لرصد المخالفات المرورية    وَانْ تُو تْرِي دِيرِي عَقْلك يَا لاَنجِيرِي!    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    اليابان تسجل "درجات حرارة قياسية"    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات مقاربة الظاهرة الدينية بالمغرب (2/2)
نشر في المساء يوم 17 - 06 - 2010

يتجسد المسار الثالث في رصد طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة، حيث يسجل حضور تيارين: أولهما يدعو إلى الفصل بينهما وثانيهما يدعو إلى تكاملهما، وأصبحت التمايزات السياسية في المغرب مؤسسة على الانتماء إلى هذا التيار أو ذاك.
يطالب التيار الأول بتبني الخيار العلماني على اعتبار أنه لا يمكن أن تكون هناك دولة ديمقراطية وحداثية في غياب الخيار العلماني. وبتعبير آخر، هناك مساءلة للخطاب الرسمي الذي يتحدث عن مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي، بحيث لا يمكن أن يتحقق في الواقع إلا بالفصل بين الدين والسياسة، على اعتبار أن الحداثة بمفهومها العام، كما طبقت في الغرب، تأسست على الفصل بين الدين والسياسة، وهذا الطرح يحتاج إلى بعض التوضيح، وذلك بالتمييز بين مستويين أساسيين: مستوى العلاقة بين الدين والدولة ومستوى العلاقة بين الدين والسياسة.
هناك خلط بين المستويين في الخطاب المتداول، سواء كان إعلاميا أو سياسيا أو كان رسميا أو غير رسمي. أحيانا نتحدث عن علاقة الدين بالدولة كأننا نتحدث عن علاقة الدين بالسياسة، في حين أن المستويين متمايزان، فعلاقة الدين بالدول شيء وعلاقة الدين بالسياسة شيء آخر، عندما نتحدث عن علاقة الدين بالدولة نتحدث عن الدولة كمؤسسة، بمعنى أن الدولة ككيان تتشكل من ثالوث: هناك شعب وإقليم وسلطة سياسية، لذلك لا يمكن وصف دولة بكونها «علمانية» أو غير علمانية، فالوصف يطال السلطة السياسية كمكون من مكونات الدولة ولا يطال الدولة نفسها، ففي بريطانيا، على سبيل المثال، الملك هو رئيس الكنيسة الأنجليكانية ولا أحد يعتبر بريطانيا دولة «دينية».
عندما نتحدث عن العلمانية، فإننا نتحدث عن تدبير معين للعلاقة بين الدين والسياسية من قبل السلطة السياسية الحاكمة. وبتعبير آخر، نتحدث عن آليات تدبير تقيم نوعا من التمايز بين الدين والسياسية. غير أنه على مستوى العلاقة بين الدين والدولة، فكل الدول تظل مستحضرة للدين باعتباره جزءا من الموروث الحضاري والثقافي لأي شعب. وهذا ما يفسر إصرار بعض حكومات دول الاتحاد الأوربي، رغم طابعها العلماني، كبولونيا وإسبانيا، على تضمين دستور الاتحاد الأوربي ما يفيد بأن دول هذا الاتحاد ذات طابع مسيحي.
إذا كان بالإمكان الفصل بين الدين والسياسة، فإنه لا يمكن الفصل بين الدين والدولة، لكون الدين مرتبط بالمجتمع وليس مرتبطا بالسلطة السياسية، وتصبح وظيفة السلطة السياسية في الدول الديمقراطية هي حماية الحريات الدينية وتدبير الاختلاف الديني.
إن «السياسة» ليست «كيانا» أو «مؤسسة»، وإنما هي ممارسة وآلية للتدبير. وفي هذا الإطار، يمكن أن نفصل بين الدين والسياسة، فالحزب السياسي، على سبيل المثال، تكمن وظيفته في تسطير برامج لإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط فيها المجتمع، وليس مطلوبا منه أن يعلم الناس كيفية الوضوء أو كيفية الصلاة، فهناك جمعيات أخرى تقوم بهذا الدور. من هذا المنظور، يمكن أن نتصور هذا الفصل، فالذين يدعون إلى الفصل أحيانا لا يميزون بين هذين المستويين: مستوى الفصل بين الدين والدولة، ومستوى الفصل بين الدين والسياسة. وفي المغرب على الأقل، هناك اتفاق على صيغة هي أن يجمع الملك في شخصه كأمير للمؤمنين بين الدين والسياسة، وفي الوقت نفسه يمنع الفاعلون السياسيون من التدخل في الشأن الديني، كما يمنع الفاعلون الدينيون من التدخل في الشأن السياسي، غير أن هذه الصيغة تطرح العديد من الإشكالات على مستوى الممارسة. وبصرف النظر عن تلك الإشكالات، هناك توافق على توجه عام عنوانه العريض رفض تأسيس الأحزاب الدينية. وبتعبير آخر، فالأحزاب السياسية عليها أن تهتم بصياغة برامج تساهم في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وأن تترك أمور الدين لهيئات مختصة بذلك.
في هذا الإطار، تثار تساؤلات حول إمكانية الإشارة إلى المرجعية الإسلامية بالنسبة إلى الأحزاب السياسية، هل يمكن أن يسمح لحزب سياسي في المغرب بأن يعتبر نفسه حزبا ذا مرجعية إسلامية؟ ذلك أن الإحالة على المرجعية الإسلامية من قبل حزب معين تفيد بأن الأحزاب الأخرى ليست ذات مرجعية إسلامية. وهذا الأمر يدفع تلك الأحزاب إلى إبداء تحفظات، منها أن هناك ثوابت مشتركة متوافق عليها وهي: الإسلام والملكية الدستورية والوحدة الترابية. ومادام لا ينبغي أن يسمح لحزب بتأسيس مشروعيته على الدفاع عن المؤسسة الملكية أو الدفاع عن الوحدة الترابية، فإنه لا ينبغي أن يسمح لحزب بتأسيس مشروعيته على الدفاع عن الإسلام على اعتبار أن كل الأحزاب تقتسم المرجعية الإسلامية، لأن الإسلام ثابت من ثوابت الدولة في المغرب.
يهتم المسار الرابع بتبيان العلاقة بين الدين والعنف، فهناك من يعتبر أن الإسلام بتعاليمه يشكل مصدرا لإنتاج قيم التعصب المفضية إلى العنف. ومن هنا تأتي الدعوة إلى إعادة النظر في مناهج التربية والتعليم في أفق «تهذيب» الدين وفق النموذج الذي صاغته الإدارة الأمريكية في عهد «بوش» والذي يروم خلق إسلام «ليبرالي». ولقد اكتشف الغرب مؤخرا «مزايا» الإسلام الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين. فمادامت مراهنة الغرب على العلمانيين قد فشلت، فإن المراهنة على «عينة» من الإسلاميين أصبحت تفرض نفسها بقوة. هناك الآن اهتمام في مراكز الدراسات الغربية بتقييم مسار تجربة الإخوان المسلمين، حيث أصبحت (أي التجربة) تبدو لهذا الغرب رمزا لإسلام ليبرالي مرغوب فيه.
إن الذين يتحدثون عن علاقة الدين بالعنف هم، في الغالب، يرفضون التمييز بين مكونات الحقل الديني بدعوى أنه لا يوجد فاعل ديني معتدل وآخر غير معتدل، بل هناك توزيع للأدوار ليس إلا، غير أن هذا التصور «الاختزالي» للفاعلين الدينيين يقفز على عمق التناقضات التي تخترقهم، سواء بشكل أفقي أو بشكل عمودي.
يتكون الحقل الديني على المستوى التنظيمي من ثلاثة فاعلين أساسيين:
هناك أولا الفاعل «الصوفي» بتنظيماته وتصوراته. ومعلوم أن الجسم الصوفي في المغرب يتكون من اتجاهين: اتجاه أول بمرجعية مشرقية ذات سند «قادري»، واتجاه ثان بمرجعية مغربية ذات سند «شاذلي»، والاتجاهان معا منخرطان في الاستراتيجيا الدينية للدولة.
هناك ثانيا الفاعل «الإسلامي» بالمواصفات التي تشكلت مع تأسيس حركة الإخوان المسلمين من قبل حسن البنا سنة 1928، حيث هناك ثلاثة اتجاهات تكون جسم الإسلام السياسي المغربي: اتجاه أول يمثل «الإسلاموية المندمجة» من خلال حركة «التوحيد والإصلاح»، واتجاه ثان يجسد «الإسلاموية الاحتجاجية» من خلال «جماعة العدل والإحسان»، واتجاه ثالث يعبر عن «الإسلاموية النخبوية» من خلال «حركة البديل الحضاري» و«الحركة من أجل الأمة».
وهناك ثالثا الفاعل «السلفي»، حيث يمكن الحديث عن اتجاهين: الاتجاه «السلفي التقليدي» والاتجاه «السلفي الجهادي»، حيث تصر بعض الجهات على طمس التباينات الموجودة بينهما. وبصرف النظر عن ذلك، فإن الربط بين الدين والعنف يتأسس انطلاقا من الإحالة على الاتجاه «السلفي الجهادي»، ف«السلفية الجهادية» هي إيديولوجيا لا تؤمن باللجوء إلى العنف كضرورة سياسية، وإنما تؤمن باللجوء إلى الجهاد أو القتال كعقيدة دينية.
إن هذا المسار الذي يربط بين الدين والعنف يخلط، في الواقع، بين مكونات الحقل الديني ولا يميز بين الفاعل «السلفي» والفاعل «الإسلامي» والفاعل «الصوفي»، كما أنه يدعو إلى الاستئصال، وبتعبير آخر، يريد محاربة التطرف بتطرف مضاد، على اعتبار أن الاستئصال هو نوع من التطرف، فرموز هذا المسار تعيد إنتاج المنطق نفسه الذي تحاربه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.