الموانئ الأوروبية في حاجة إلى استثمار 80 مليار يورو لبلوغ التحول الطاقي    ف 5 يام ربح 37 مليار.. ماسك قرب يفوت بيزوس صاحب المركز الثاني على سلم الترفيحة    مع اقتراب افتتاح الاولمبياد. وزير داخلية فرانسا: خاص يقظة عالية راه وصلنا لمستوى عالي جدا من التهديد الارهابي    طقس الثلاثاء... أمطار ضعيفة مرتقبة بعدد من المناطق    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    أسترازينيكا كتعترف وتعويضات للمتضررين تقدر توصل للملايين.. وفيات وأمراض خطيرة بانت بعد لقاح كورونا!    معاقبة جامعة فرنسية بسبب تضامن طلابها مع فلسطين    بطولة اسبانيا: ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز على فالنسيا 4-2    الصين تتخذ تدابير لتعزيز تجارتها الرقمية    مطار الحسيمة يسجل زيادة في عدد المسافرين بنسبة 28%.. وهذه التفاصيل    يتقاضون أكثر من 100 مليون سنتيم شهريا.. ثلاثون برلمانيًا مغربيًا متهمون بتهم خطيرة    وفد حماس يدرس مقترح الهدنة.. والولايات المتحدة وبريطانيا تدعوانها لقبول "العرض السخي"    حريق مهول يلتهم سوق المتلاشيات بإنزكان    مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات صادمة لجنود مغاربة عادوا من سجون البوليساريو
تعرضوا للتعذيب دفاعا عن الوطن و”تنكرت” لهم الدولة ويعتصمون حاليا أمام البرلمان
نشر في المساء يوم 21 - 07 - 2011

عجز لسانهم عن وصف معاناتهم في مخيمات «الحمادة» في تندوف، جنوب غرب الجزائر. وحدها النظرات والدموع التي يذرفونها مع كل حكاية يروونها تختزل حجم المعاناة،
والأجسام التي نُحتت عليها خارطة جميع أنواع التعذيب الجسدي الذي مورس عليهم بعد سنوات من الأعمال الشاقة والعيش في زنازين كانوا «يقتسمونها» مع الجرذان والقمل والدود والجوع تقول كل شيء... الصبر هو العنوان الوحيد في «معركة» قد يخرج منها البعض «معطوبين» ويلقى آخرون حتفهم لينضافوا إلى الرؤوس المدفونين في مقابر جماعية. كان حلم العودة من مخيمات تندوف بالنسبة إلى المغاربة أسرى الحرب الأمل الوحيد الذي طالما طمحوا إلى تحقيقه. مضت سنوات طويلة وعانقوا أرض وطنهم، الذي انتظروا منه الشيء الكثير لينسوا ما احتفظت به ذاكراتهم من لحظات التعذيب والتنكيل هناك، بعد أن صارت أجسادهم أشبهَ ب«خارطة» رسمت عليها وسائل تعذيب «ملشيات» جبهة البوليساريو أبشع «اللوحات»، فمنهم من خرجوا سالمين ومنهم من خرجوا بعاهات مستديمة ومنهم من قُتلوا شنقا أمام الملأ، فيما آخرون ما زالوا في عداد المفقودين أو مجهولي المصير... «المساء» تنقل لكم قصصا وشهادات حية لأسرى حرب نجوا من الموت المحقق في مخيمات تندوف. ويواصلون اعتصامهم اليوم أمام البرلمان للمطالبة بإنصافهم.
لم يكن عبد الله سامر (ضابط الصف في القوات المسلحة الملكية) يظن، يوما، أنه سيعيش بقية حياته حرا طليقا ليروي معاناته في مخيمات تندوف بأعلى صوته، بعدما أُسِر في سنة 1980 فقضى 24 سنة في «الويلات والجحيم». يقول سامر إنه من الصعب سرد كل ما عانوه في المخيمات من أعمال شاقة وتعذيب وإهانة لكرامة الإنسان داخل المعتقل: «عشناها كلها ويل»، خاصة من 1975 إلى حدود سنة 1991، بعد توقيف إطلاق النار. ويحكي سامر أن الجنود الأسرى في مخيمات البوليساريو كانوا أسوأ من «العبيد» وقال «النملة خيرْ مْنّا».. فما يسود هناك هو الأعمال الشاقة 16 ساعة فأكثر بدون توقف وبدون أكل. فقد منعوا عليهم وجبة الفطور، أما الغذاء فلا تصلهم إلا في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال، وعادة ما تكون عبارة عن قليل من العدس بدون خبز، أما وجبة العشاء ف«حدّث ولا حرج»: قليل من الأرز، ويسمى محليا، «مارو» يتم طبخه في الماء العكر ويوزع ب«البالة والبرويطة»، وهذا جانب فقط مما يعيشه الأسير في مخيمات «العار». وبالنسبة إلى اللباس فيقول سامر إن «كل لون «يُمحى»، لكثرة الأوساخ وغياب النظافة، فالقمل يغزو رؤوسهم وأجسادهم، علاوة على كون الأسرى يعانون من قلة الماء الشروب، إذ تُوزَّع عليهم خمسة لترات فقط من الماء «العكر»، يسمى محليا «الماء الحار»، على مدار 24 ساعة. ولا تكفيهم حتى لهيب الحر ومتاعب الأعمال الشاقة...
ويتذكّر سامر مشهدا لم يستطع نسيانه، عندما أثار القمل غضبه فحاول التخلص منه بنزع ملابسه تم دفنها في الرمال، ليفاجأ وهو يرى القميص الذي غطاه القمل «يتحرك» وكأن «كائنا» كبيرا يقوم بتحريكه... ابتسم قليلا وواصل حديثه قائلا: «قد لا يتصور أحد كيف يعيش الأسير في المخيمات داخل زنازين ضيقة لا تسع الفرد الواحد»، مضيفا أن المعاناة الحقيقية التي يعيشها أسرى حرب لا تعد ولا تحصى. ويحكي قصة أحد الأسرى، يدعى «علي»، الذي كان يمارس مهنة التمريض في الميدان العسكري، وقد أمره أحد الانفصاليين في جبهة البوليساريو بتولي «مهمة» تنظيف الأسرى من القمل وغسل الملابس فقال له بالحرف «احرق بوك أشّلوحا.. راكوم عبد عندنا وراكم غير مخينزات»!.. ورفض الممرض أوامر عسكريي البوليساريو...
تنهمر الدموع من عين سامر وهو يسترجع المشهد المؤلم قائلا: «دفنوه حيا في صندوق إلى أن مات»، مضيفا أنه كان شاهدا على عدد من الوقائع المرعبة، وفي كل مرة يحس فيها أن نهايته قد اقتربت. وقد كان سامر شاهدا، أيضا، على قتل أحد الملازمين شنقا أمام أعين الأسرى، عندما حاول صديق له كان يعمل في مجال الطيران، الفرار واتهموه بأنه هو من ساعده على ذلك، فكان مصيره القتل شنقا... لم يكتفِ سامر بسرد هذه القصة الأليمة فقط، بل إن أحد زملائه أضرموا فيه النار وأحرقوه... في مركز يطلق عليه اسم «الرشيد»، يتم وضع كل أسير في زنزانة فردية لا تتجاوز مساحتها مترا واحدا لا يمكن تصوره. قال سمير: «ضاقْ بيا الحال مْع المينوط والباندا على العينين.. لا يمكن تحمل ذلك»...
محاولة الفرار مسألة حياة أو موت
بعد أن وصف سامر الأجواء التي كانوا يعيشونها في مخيمات البوليساريو، يحكي لنا عن تفاصيل المغامرة «المصيرية» التي قام بها رفقة مجموعة من الأسرى، حيث خططوا للخروج من مخيمات تندوف. يقول سامر إن ثلاثة مسؤولين من البوليساريو، يعرف الكل مدى قسوتهم وصلابة قلوبهم، انهالوا على رأسه بالضرب بعصا حديدية حتى سالت دماؤه واختمر الجرح، وفي ظل غياب النظافة والعناية والتطبيب، وجد الدود طريقه إلى الجرح.. فقط لأن سامر «تجرأ» على مخاطبتهم بالحرف «حنا مغاربة شادّينْ السلاح باش نْدافعو على بلادنا.. أنتوما مغاربة كتتفلّى عليكومْ الجزائر»..
تألم سامر وواصل كلامه عن حكايات وقصص لم تنته بعد، فتحدث عن المبادرات التي تقوم بها المنظمات الدولية والصليب الأحمر، إذ إن المشاريع التي تمولها هذه المنظمات غير الحكومية في الجزائر وتؤدي أجر اليد العاملة. يقول سامر «لمحابس هما اليد العاملة، اللي كتطلع المشروع في شهر فالتجويع والعصا». لكن الممولين الدوليين لم يكونوا على علم بأن التي تدفعها للجزائر مقابل دفعها للعامل لا يستفيدون منها، بل أكثر من ذلك هو أن هذه المنظمات في جهل تام عن أن اليد العاملة التي تستغلها الجزائر في أشغال البناء هي الأسرى. يقول سامر إن إحدى المسؤولات الأجنبيات تدعى «دانييل» صدمت عندما أخبروها بسرية بأن كل المشاريع التي تسهر على تمويلها هم من شيدوها يشتغلون ليل نهار دون أكل ودون شراب بل تحث الضغط والعصا والتعذيب والإهانة من خلال إجبار الأسرى على العمل دون ملابس.
أضف إلى ذلك أن التموين الغذائي الموجه إلى الأسر يتم تسخير هؤلاء الأسرى المغاربة من طرف قادة البوليساريو ومناصريه إلى سرقة ذلك والخطة التي يتم بهذا ذلك هو توزيعهم على شكل مجموعات كل حسب المهام الموكولة إليه ويشرف على كل مجموعة حارس من الموالين لجبهة البوليساريو لمراقبة السلع المسروقة. ويتم التنسيق مع المتواجدين على الحدود الجزائرية المغربية وبالضبط في منطقة أحفير ووجدة من أجل تسهيل العملية. وذلك بعيدا عن أعين المنظمات الدولية التي ترسل هذه الإعانات لفائدة الأسرى لكن عندما بلغ السيل الزبا، كما عبر عن ذلك سامر، قرر حوالي 130 أسيرا البوح لهذه المنظمات بالحقيقة فيما الحقيقة يقول مصدر ثاني عكس ذلك وهي أن البوليساريو التي تتظاهر بها جبهة البوليساريو، التي «تتاجر بأسرى الحرب وتلبس قناع البراءة»، ونجحت خطتهم لتكون هذه بالنسبة للأسرى بصيص أمل نحو التحرر من العبودية بعد الويلات التي عاشوها في مخيمات تندوف واستطرد سامر قائلا إن سيف الإسلاف القذافي حضر مع إحدى المنظمات غير الحكومية، معبرا عن ذلك المشهد بالقول «ملي شفنا سيف الإسلام قلبنا تكلع»، وبرر ذلك بتخوفهم من أن يكون الهدف من وراء زيارته لمخيمات تندوف هو الحديث عن جمهورية البوليساريو، ليتفق الأسرى فيما بينهم بمهاجمته إذا تحدث عن مناهضته للمغرب. قال سامر إنهم تفاجؤوا بالطريقة التي خاطبهم بها سيف الإسلام، وصفها سامر ب«الحكيمة» خاصة عندما أوضح أنه أتى من أجل طلب الإفراج عن الأسرى المغاربة. وأكد المصدر ذاته على أن ابن الزعيم الليبي لم يتحدث أبدا عن الجمهورية، التي انتظروا أن تكون من بين أولوياته إلا أنه اكتفى بوعدهم بالإفراج عن بقية المعتقلين والمسجونين في المخيمات، ومن تم أفرج عن سامر في الدفعة التي دخلت أرض الوطن سنة 2004.
«بتروا رجلي واتهموني بتوعية السجناء»
لم يستطع علي البالغ من العمر 70 سنة الحديث طويلا عن حالته، وكأنه لا زال يعيشها، يقول علي الذي قضى حوالي 24 سنة في مخيمات البوليساريو، إنه لم يتمكن من نسيان كل ما تعرض له من تعذيب لا يطاق وكأن الأحداث تعيد نفسها. يحكي علي أنه بعد علم المسؤولين في جبهة البوليساريو بأن بعض الأسرى يشكلون خطرا عليها، قامت بنقله مع حوالي 45 منهم إلى إحدى المراكز المعزولة، حيث «لا مجال للرحمة»، يضيف علي إنهم يُجردون من ملابسهم كاملة ك»رقيق القرون الجاهلية» ويُسخرون للأعمال الشاقة لساعات طوال، وتحث الضرب والعصا دون شرب الماء فيضطرون إلى شرب الماء العكر الممزوج بالغبار والطين، تذكر علي أن أحدا من حراس البوليساريو أمره بالتمدد على الأرض وأن يطأ عليه حوالي 500 عامل قال علي» اللي خايف كايوطا واللي ما خايف غير كيقيسني بشويا ويدوز بتخبية»، وأن السبب الذي دفعهم إلى ذلك هو كونهم شككوا في أن يكون علي يقوم بتوعية الأسرى، تم نقلوه مغطى الوجه وملفوف بغطاء رث ك«الميت» إلى مركز آخر عبارة عن حفرة عميقة يتم فيها وضع السجناء وتعذيبهم، والمعروف عن هذا المركز تمارس فيه شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وبعد أن أزالوا عنه الغطاء يقول علي إنه صدم عندما رأى أسلاكا كهربائية وخيوطا معدنية وحبالا ملطخة بالدماء ما يبرهن أنها تستعمل لتكبيل السجناء، وإعدامهم فأحس حينها بأن نهايته اقتربت، وآخر لحظات حياته، خاصة بعدما أصيب بالربو لقلة الأكسجين و»العفن والأوساخ والحشرات»، واستمر الوضع على ما هو عليه لمدة عامين داخل «الحفرة»، كما وصفها، قبل أن يتم تحويله إلى مركز آخر. بألم وحسرة تأسف علي الاستقبال الذي تلقوه من قبل الدولة المغربية التي قالوا عنها لم تعترف لهم بتضحياتهم دفاعا عن كرامة وطنهم واختزل كلامه بالقول «حنا راه الصحراء دافعنا عليها بدمنا وفالأخير حتى ولادنا فاش كنا أسرى ما حسنوا بهم».
استأصلوا عيني وهددوني بالقتل
في مخيمات «لحمادات» قضى أحمد الحمداوي سنوات وهو لم يتجاوز آنذاك ربيعه 20 عندما تم احتجازه في سنة 1987 لم يستطع أحمد مواصلة حديثه وسرد معاناته حتى أردف الدمع. يقول أحمد بمرارة «كواوني بالعافية وحيدو ليا عيني ليسرا بالموس» حرموه من عينه بعد محاولتين فاشلتين من الفرار من مخيمات تندوف، يقول أحمد إنهم حرموه من عينه بعدما كبلوا يديه ورجليه، لم يشعر أحمد حتى أزال عينه الاصطناعية ليرينا الدليل ومدى المعاناة والتعذيب الجسدي الذي تعرضوا له، والذي خلف لديهم تبعات لم تفارق الكثير منهم، بل حولت بعضهم إلى مرضى نفسيا. لم ينس أحمد محاولته الثالثة في الفرار من معتقل تندوف ومغامرته خاصة أنه تعرض للتهديد بالقتل إذا ما كرر المحاولة. إلا أنه نجا ب»أعجوبة» ودخل إلى وطنه سنة 2005.
إعدام ومقابر جماعية
لا تختلف معانا ة حميد عن بقية الأسرى، إلا أن درجة التعذيب هي المقياس. يحس حميد «المرهف الإحساس» وكأنه الوحيد الذي ذاق مرارة المعاناة وحرقة الفراق، قائلا «أنا داكشي اللي عشتوا معاشوا حتى واحد»، لم يشعر حميد بنفسه حتى «نزع» سرواله ليرينا التشوهات الجسدية التي خلفتها معتقلات تندوف، التي قضى فيها حوالي 25 سنة منذ 1979، ولم يبال بمن حوله تم أعاد ارتداءه، وبدأ يسرد ل«المساء» قصة حياته في مخيمات تندوف، وكيف بتروا أصابعه بعدما اتهموه بمحاولة الفرار والسرقة، تم جردوه من ملابسه وتركوه «كما خلق». بحرقة وإشارات عصبية، يقول حميد: «حشوما نجيو لبلادنا أمانشدو حتى تعويض. قطعوا أصابعه عندما رفض وأسيرين أخرين التصريح لإحدى الصحف التابعة للدول المعادية، يضيف حميد إنه على إثر ذلك تم نقلهم إلى مكان خاص لتخزين الأسلحة فبتروا أصابعه فيما كان مصير الأسيرين الآخرينالإعدام. مؤكدا أنه اكتشف بالصدفة مقابر جماعية دفن فيها عدد من الأسرى تحولت في نهاية المطاف إلى مؤسسات.
يواصل حميد كلامه بالقول إن العذاب الذي ذاقه في مخيمات «الحماداة» لا يمكن وصفه، فكل حدث يمر إلا ويترك ذكرى أليمة لا يمكن نسيانها، فويل لمن يقول «عاش الملك» ستكون نهايته مأساوية قال حميد «تجرأت على قولها فعلقوني من رجلي لساعات لدرجة أجبرت على شرب البول أثناء قضاء الحاجة» وقبل أن يعلقوه من رجليه ربطوه بسيارة رباعية الدفع وجروه لمسافة طويلة حتى تشوه جسده. استغرب حميد للطريقة التي «يهان» بها الأسرى المغاربة عن طريق وسائل إعلام مفبركة تقوم ببثها للأسرى في صورة مغايرة تماما لما هو في الواقع. وتُحرضهم على كره الوطن رغبة في استمالة الأسرى من أجل الانضمام إلى الجبهة عبر وسائل إعلام خصصت لهذا الغرض.
فيضان «لحمادات».. بداية الفرج
نظرا إلى كون «الحمادة» عبارة عن وديان جافة شهدت في الثمانينيات إعصارا مفاجئا لأول مرة في تاريخ المنطقة حمل معه جزءا كبيرا من مخيمات البوليساريو فلاذ أثناءها جنود الجبهة بالفرار في اتجاه المرتفع، تاركين وراءهم نساءهم وأبنائهم وسط السيول المخيفة لولا تدخل الأسرى المغاربة، لإنقاد من جرفته السيول، رغم أن الجزائريين طوقوا المكان، لخلف وراءه ضحايا لا تعد ولا تحصى. يحكي سامر الذي كان من بين «رجال الإنقاذ» أن عبد العزيز المراكشي عقد اجتماعا استعجاليا بعد انبهاره بتدخل الأسرى المغاربة. وأكد سامر على أن الزعيم الانفصالي للجبهة خاطب جنوده بالحرف «شوفو يا فضيمات (عبارة تحقيرية)، عنداكم تظنو على أنكم شديتو الجندي المغربي بالكلاشنيكوف». ومن تم أمرهم بعدم التعرض للجنود المغاربة قائلا: «من الآن فصاعدا خليوا عليكم الجندي المغربي في التقار حاجا وحدا اللي حاول يهرب ألا تلقاو عندو السلاح ما تشاوروا معايا فيه».

حلم العودة من تندوف.. مسلسل آخر من المعاناة
«كنا نفتخر بأنفسنا أبطال حرب» هكذا عبر سامر عن حكاية الإفراج عنهم والحلم باعتناق دفئ الأسرة من جديد الذي افتقدوه لسنوات، عادوا إلى المغرب نحو عاصمة الجنوب أكادير، تساءل سامر عن عدم التزام الدولة المغربية بالتعويضات التي وعدتهم بها بعد التضحية من أجل الوطن.
وبحسرة قال سامر «كنا فخورين باعتناقنا وطننا وأننا سنعيش «فوق فيكيك» لكن أملنا تحطم عندما وجدنا أنفسنا في الشارع». وأشار أنهم لم يلقوا من الوعود التي وعدتهم بها الدولة المغربية من التوفر على سكن والاستفادة من التعويضات عن سنوات الغربة والعذاب كاعتراف منها لهم بالتضحيات التي قدموها من أجل وطنهم، يضيف سامر إن منهم من قام بشراء منزل عن طريق الاقتراض في انتظار الحصول على التعويضات، من أجل بناء أسرة في سن متقدم لا يسمح بالتأجيل لأن «قطار الحياة لا ينتظر»، وهو يتنفس بشدة قائلا « حنا جينا من تندوف ألقينا راسنا في الشارع». و»الوعد اللي قطعناه بيناتنا غير الحبس ولا الموت واللا التعويضات».
وحسب شهادات هؤلاء الأسرى الذين اكتووا بنار جحيم مخيمات تندوف فإن معاناتهم وويلاتهم لم تنته بعد بالنسبة لهم ما داموا يقضون أياما وشهورا في العراء أمام البرلمان «ولا من يحرك ساكنا» فقرروا أن يظلوا حيثما هم إلى أن تسوى وضعيتهم ويُرفع عنهم الظلم، و «الحكرة» وأكدوا على أنه رغم ما يتعرضون له من مضايقات وإزعاج المنحرفين أو تدخلات الأمن لإخلاء المكان، إلا أن ذلك لن يغير قرارهم واكتفوا بالقول: «حنا مولفين لحفاري والقمل والوسخ في المخيمات». أما في المغرب «حنا كنباتوا في الزنقة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.