كثيرون يكتبون، وكثيرون يغتنون، وكثيرون ضائعون وكثيرون واهمون يحرثون في السماء ويزرعون في الهواء. ففي الوقت الذي كان الكتاب شبيها بالسلعة المفقودة، وكان يرى الناس فيه مجمع الأسرار والسراج الذي ينير للغافلين والتائهين طريقهم للمشي إلى أهدافهم.. في ذاك الوقت الذي لم تكن الكتابة مجرد ادعاء أو «تسبيب الفقهاء» أو جسدا فارغا من أي روح.. في ذلك الوقت كان للكتابة معنى وكان للكاتب كلمة وصوت. لكن اليوم كل شيء نزل فجأة مثل مياه سد انفجر بغتة فعمت مياهه كل الجوانب وأخذت معها الصالح والطالح. هكذا صار فعل الكتابة. لقد عرف العالم انفجارا تكنولوجيا كونيا، فجاء الكتاب كالجراد وصارت الكتب في الأسواق مثل البطاطس والطماطم. في زمن التكنولوجيا هذا سقطت عيون الرقابة والغربلة، وبات كل من يعرف فقط حمل القلم كاتبا وصار للمثل الدارج «غير حمم فمك وقول أنا حداد» مكان في هذا الواقع المتفجر الذي اختلط فيه الكتاب الحقيقيون بأولئك المزورين، وصار واقع الكتاب سوقا تهيج وتموج ويعلو فيها غبار كثير، ولم يعد سهلا العثور على عمل إبداعي يهز القارئ. واقع الكتابة الغامض قد تطول فيه الطريق، بل قد تتفرق فيه طرق كثيرة. لكنه لحد الساعة لم يستطع أن يثمر ويعطي فاكهة. فهناك من وصل إلى كتابة عشرات الكتب في سنين قصيرة، وبسهولة كبيرة، ووزعها بطريقة أسهل. لكن للأسف بقيت الحروف باردة كالثلج. إذ لا أحد بقي في ذهنه حرف من تلك الكتب التي نبتت كالفطر. فماذا يعني هذا؟ شيء واحد، هو أن الجسد الذي بلا روح يكون كالصوت الذي يضيع في الصحراء. فمتى يعود للكاتب صوته؟ ومتى يعود لما يكتب روحه؟