كيف نبذت أمريكا أشهر رجالاتها في القرن العشرين؟

هوارد هيوز..

«لا تدعه يبقيك مستيقظا طوال الليل لأن اللغز لن تستطيع حله والأسئلة لن تجد لها أجوبة»، لكن في «أسرار غامضة طبعت التاريخ» نقوم بالإحياء الدرامي الدقيق لتلك الأسرار
التي ألهمت الخبراء وأثارت اهتمامهم وأذهلتهم لقرون وعقود وجعلت من شخصياتها أساطير في الذاكرة. سوف نقوم بكشف حقيقة بعض الشخصيات الأسطورية من خلال اكتشاف أدلة ونظريات جديدة.
بطل محتفى به.. متعصب سيء السمعة.. البعض يعتبرونه وطينا والبعض الآخر يرونه خائنا.. شخص غامض ومتكلف في الحياة ورب أسرة لثلاث عائلات سرية.. حقائق مروعة في ما يخص أشهر شخصيات القرن العشرين فضحت الرجل الخفي الذي يقبع خلف الشهرة تشارلز ليندبرغ الحقيقي.. بعد 80 عاما من رحلته الشهيرة نكتشف عقلية الرجل القابع خلف الأسطورة.
نيويورك -باريس..
كان تشارلز ليندبرغ في الخامسة والعشرين من عمره فحسب عندما أصبح أكثرَ رجال العالم شهرة، لقد كان أول رجل يُحلّق وحيدا من نيويورك إلى باريس، وكان رد فعل العالم لا مثيل له، هذا الطيار الشاب، غير المعروف نسيبا أصبح، بين عشية وضحاها، شخصية شهيرة عالميا، بكل معنى الكلمة. كيف حقق ليندبرغ حلمه؟
انضمّ إلى سلك جوي ك»بلهوان»، ثم طوّر مهارته في الطيران في في سلاح الجيش الجوي. في العام 1926 سارع إلى العمل لحساب خدمة البريد الجوي الحديثة، كان 31 طيارا من بين 40 يتعرضون لحوادث ويموتون في مواجهة الأحوال الجوية.. لكن تشارلز كان ينجو من الخطر، مما أكسبه لقب المحظوظ والطيار الأحمق.. لقد فقد السيطرة على طائرته أربع مرات وهي على وشك الاصطدام.. كان يقف على جناحها ويقفز مستخدما مظلته!..
أقنعه عمله في توصيل البريدي الجوي أنه يملك القوة والمعرفة الكافية للاشتراك في سباق بدون توقف من نيويورك إلى باريس. ففي العام 1927 قام المليونير ريموند أورتيغ بعرض 25 ألف دولار لأول شخص يُحلّق بشكل متواصل بدون انقطاع بين المدينتين وكان متقينا من الفوز.. كان منافسوه يعتزمون قيادة طائرة ذات محركات عدّ طاقم يتكون من رجلين على الأقل، لكنه هو قرر الطيران بطائرة ذات محرك ووحيدا، وهو ما اعتبره الكثيرون قرار ا مرادفا للانتحار، لأنه من المستحيل بقاء رجل خلف لوحة التحكم لمدة 33 ساعة..
أعد تقييما علميا لكل ما سيحتاجه وقرر أن الراديو حمل زائد وكذلك مؤشر الوقود، لذا سيتتبع استهلاك الوقود بواسطته ساعته. قرر التخلص من مظلته التي أنقذت حياته أربع مرات، لأن حمولتها تساوي 9 كليوغرامات والحمولة الخفيفة ستمسح له بحمل وقود أكثر يخزنه خلف المحرك مباشرة..
تعرّض عدد من المنافسين لحوادث وهم يحاولون التحليق بطائرات ذات الحمولة الزائدة، وقتل أربعة أشخاص..
في 20 ماي عام 1927 استغل فرصته.. كان بالكاد قد نام لمدة 3 ساعات وأقلع من نيويورك صوب، باريس التي وصل إليها ووجد 150 ألفَ شخص في استقباله..
عاد إلى نيويورك حيث حضر 4 ملايين شخص أكبرَ استعراض في التاريخ احتفاء بنصره وخاض جولة نصر حول أمريكا لمدة ثلاثة شهور وتمكن 30 مليون أمريكي من رأؤيته مباشرة في وقت كان التعداد السكني 120 مليون نسمة.
سرعان ما أصبحت الشهرة مريرة الطعم لتشارلز، بعد أن حاول الانعزال فشعر بإحباط الصحافة والعامة الذين لم يسمحوا له. وازداد اهتمام الصحافة به بعد أن تزوج من آن مورو، ابنة خبير مالي ثري، في احتفال خاص فطاردتهما الصحافة. لكن تشارلز نجح في إخفاء موضوع ولادة طفله الأول الذي لم تعلم به الصحافة إلا بعد مرور أسبوع ونصف، وحظي الطفل بتغطية إعلامية لم يحظ بها حينها أبناء العائلات الملكية أنفسُهم..
لجأ تشارلز إلى عزل عائلته في ضيعة من الصحافة والفضوليين، لكن الأسرة الصغيرة ستعرف مأساة حين اختُطِف الرضيع، ذو العشرين شهرا، في مارس عام 1932، وطالب مختطفوه آلَ ليندبرغ بفدية 50 ألف دولار دفعها تشارلز، لكن الصغير لم يعد ليعثر سائق شاحنة صدفة على جثته، بعد أميال من الضيعة، متحللة..
عُرِف أن الرضيع توفي نتيجة ضربة على الرأس ليلة اختطافه وبعد سنتين ألقي القبض على
قاتله.
دامت المحاكمة ستة أسابيع وحضر ليندبرغ كل الجلسات وكتم مشاعره كأب. حين رزق بطفل ثان هاجر إلى إنجلترا رفقة عائلته، حيث رزق بأربعة أطفال آخرين..
إعجابه بالنازية
عندما وصل تشارلز ليندبرغ إلى إنجلترا كانت ألمانيا النازية آخذة في الصعود ودفعه إعجابه بهتلر إلى الانخراط في الحياة السياسة وكانت النتائج كارثية. لقد بدأت متابعه عام 1936 عندما طلب منه مسؤول أمريكي زيارة ألمانيا لتقييم قوة ألمانيا الجوية الآخذة في الصعود.. زار المصانع وحلّق بآخر طراز وجمع كمّاً هائلا من المعلومات الاستخبارية عن ألمانيا وتكررت زيارته لألمانيا إلى غاية 1938، وتعاطف مع هتلر في ضمان نقاء العرق الألماني، وتسلمَ من ألمانيا أعلى وسام وقبله.
آمن بأن ألمانيا أقوى من أن تهزَم وقرر أن يلعب دورا سياسيا أكبر وأن يمنع أمريكا من المشاركة في الحرب وغادر منفاه ليثير تحديا ضد الرئيس فرانكلين روزفلت، الذي كان يحظى بشعبية كبيرة، ورد هذا الأخير بأنْ أمر بمراقبة مكالماته في حين نعته أنصار الرئيس ب»الطيار النازي».
في العام 1941 ألقى تشارلز لنيدبرغ خطابا قضى على سمعته إلى الأبد. فعلى حد قوله في الخطاب، هناك 3 مجموعات تقود أمريكا إلى الحرب، حيث لام حكومة رزفلت والبريطانيين ويهود أمريكا، ثم تابع قائلا إن اليهود يملكون تأثيرا أكبر من غيرهم في الأفلام والصحافة والإذاعة والحكومة..
يؤكد المحللون أن ما فعله هو القو،ل بلهجة تنسجم مع التآمر، إن اليهود يتلاعبون بباقي الشعب الأمريكي. وبالنسبة إلى العديدين فإن تشارلز ليندبرغ يردد أصداء دعاية هتلر، لكنهم يجزمون أنه لم يكن نازيا، فقط كان أن اليهود ليسوا من العرق الأبيض بالكامل ولا أمريكيين بالكامل. كان يرى أن لليهود مخططاتهم الخاصة.
أثار الخطاب غضبا عاتيا ونُشِرت مقالات تدين الخطاب وشعر تشارلز ليندبرغ بالصدمة وقال لأصدقاءه: «إنهم لم يسمعوا بقية الخطاب»..
أمريكا تنبذ بطلها
تحوّلَ ليندبرغ من بطل إلى شخص منبوذ، ورغم ذلك، لم يعتذر أبدا عن إعجابه بألمانيا النازية حتى بعد أن أصبحت جرائمها واضحة.. وعندما أخبر وزير الحرب الأمريكي برغبته في المشاركة في الحرب قوبل ذلك بالرفض.. لم يثنه منعه في المشاركة في الخدمة العسكرية، إذ سرعان ما عثر على طريقة.. توجه إلى المحيط الهادي كمتعهد حربٍ ودرّب العديد من الطيارين العسكريين في المحافظة على الوقود لزيادة مدة تحليقهم، كما شارك في مهامات قتالية ونجح.
الحياة المزدوجة
كان تشارلز ليندبرغ يصر على الظهور كزوج وأب مخلص أمام العامة، وبعد عقود من موته (في سنة 1974) ظهرت الدلائل الأولى لتشوه تلك الصورة المثالية. في العام 2003 تقدمت ديرك وأسترد وديفيد هاسمر بادّعاءات مثيرة مفادها أنه كان على علاقة بوالدتهم بريجيتا من عام 1957 إلى 1974 وأصروا على أنهم والدهم وأنه كان يتردد عليهم ثلاث مرات في العام في منزلهم الكائن بميونخ في ألمانيا وأنهم كانوا يعرفونه بأنه رجل أعمال أمريكي اسمه كارو كنت، وأنهم لم يعرفوا حقيقة والدهم إلا بعد وفاة والدتهم عام 2001..
أظهر الحمض النووي أن هو الوالد البيولوجي، لكن حقائق صادمة أخرى ستظهر وتكشف أنه كانت لتشارلز ليندبرغ حياة سرية أخرى، وشكّل الأمر صدمة لأبنائه الشرعيين من آن مورو..
لقد أخفى عائلة في أوربا لعقود، فقد كشفت 100 رسالة احتفظ بها ديرك هاسمر بخط والده تحتوي على تفاصيل مروّعة.
لقد كان على علاقة مع سكرتيرته الألمانية فاليسكا حين كان يعمل في ألمانيا متسشارا لخطوط جوية، ثم أقام علاقة مع صديقتها بريجيتا وأخرى مع شقيقة بريجيا ماريتا وأنجب 7 أطفال من عشيقاته، وقد بذل جهدا مضنيّا لإبقاء الأمر سرا والتزمت نساؤه الصمت.
اعتقد باحثون أن ذلك يوافق معتقداته الإيدلويجية، حيث كان يحث أطفاله على إنجاب أطفال عديدين سينقلون، لا محالة، جيناً متفوقا إلى أجيال لاحقة.
الموت وحيدا
أصبح تشارلز ليندبرغ من حماة البيئة المتحمسين، تحرر من أوهامه من العلم وندم على إيمانه بتفوق البيض وقال إنه يفضل أن يكون لديه طائر على أن تكون لديه طائرة..
اختار قضاء أيامه الأخيرة في جزير «ماو» النائية في هاواي واختار موقع دفنه في محمية شارك في تأسيسها.. وهو على فراش الموت وضع شروطا لجنازته، حيث ارتدى ملابس بدون أزار أو سحابات وبدون حذاء ووُضع في تابوت مصنوع من الخشب.
لم تُغَطّ صحيفة كبرى أو محطة تلفزيونية حدث وفاته ووصل أول صحافي إلى الجزيرة بعد أن تفرق المكلومون، واعُتبر ذلك أعظمَ انتصارات تشارلز على الإعلام.. في العام 2001 توفيت زوجته وخلافا للتوقعات لم تدفن إلى جانبه وحافظت عائلته على سرية الترتيبات وظل تشارزر وحيدا في الطرف البعيد من أمريكا..