وضعت مباريات كأس الأمم الإفريقية 2025 البنية التحتية لمدينة طنجة تحت مجهر الاختبار، حيث كشفت الأيام الأولى للبطولة عن ضغط مروري حاد ضاعف زمن التنقلات وغير إيقاع الحياة اليومية في عاصمة البوغاز، لا سيما على المحاور الاستراتيجية المؤدية إلى الملعب الكبير. وتشير بيانات ميدانية رصدت حركة السير خلال إحدى مباريات دور المجموعات، إلى تحول جذري في انسيابية المرور، إذ قفز معدل زمن الرحلة بين وسط المدينة ومحيط الملعب من 18 دقيقة في الأيام العادية إلى نحو 55 دقيقة في الساعات الأربع التي تسبق صافرة البداية. ويعكس هذا الفارق الزمني الكبير، الذي يتجاوز نسبة 200 بالمئة، حجم التحدي الذي تواجهه الشبكة الطرقية الحضرية، حيث هوت سرعة السير على محور طريق الرباط الحيوي إلى ما بين 8 و10 كيلومترات في الساعة، في وقت تتجاوز فيه عادة 30 كيلومترا خارج أوقات الذروة. ويعود هذا الاختناق جزئيا إلى الطبيعة الجغرافية والزمنية للحدث، حيث يستقبل ملعب طنجة الكبير، بسعته البالغة 75 ألف متفرج، تدفقات بشرية هائلة في نوافذ زمنية ضيقة، تتزامن غالبا مع أوقات الذروة الاعتيادية للسكان، مما يضع شبكة الطرق محدودة الاستيعاب أمام طلب يفوق قدرتها التشغيلية. وتفاقم أزمة مواقف السيارات من حدة المشهد، إذ يقف العرض المتوفر عند حاجز 7500 سيارة في الموقف الرئيسي، في مواجهة طلب يتراوح بين 10 آلاف و13 ألف مركبة خلال المباريات الكبرى. ويضطر هذا العجز السائقين إلى قضاء ما بين 20 و30 دقيقة للبحث عن مكان للركن في محيط القرية الرياضية، ما يحول الطرق المجاورة إلى مواقف عشوائية تزيد من شلل الحركة. ولم تنجح الحلول البديلة، المتمثلة في الحافلات المكوكية المجانية، في فك العزلة المرورية بشكل كامل. ورغم ربطها نقاطا استراتيجية كالميناء ومحطة القطار بالملعب، إلا أن نقاط التجميع نفسها تحولت إلى بؤر ازدحام، حيث سجل زمن انتظار الصعود للحافلات 35 دقيقة في بعض المواقع، وسط تباطؤ في حركة السير بالمحاور المؤدية إليها. وتمتد ذروة الضغط لما بعد صافرة النهاية، حيث تتطلب مغادرة الجماهير وقتا طويلا لاستعادة المدينة سيولتها. وتشير التقديرات إلى أن الشبكة الطرقية احتاجت ما بين 90 و100 دقيقة لاستيعاب موجة المغادرة واسترجاع 70 بالمئة من انسيابيتها المعتادة، مما يبقي الأحياء المحيطة بالملعب تحت وطأة الزحام لساعات متأخرة. وفي حين نجح النقل السككي في امتصاص جزء من تدفقات الجماهير القادمة من خارج المدينة عبر برنامج قطارات خاص، يظل التحدي الأكبر محصورا في تدبير الحركة الداخلية، مما يجعل من تجربة "كان 2025" درسا ميدانيا حول ضرورة مواءمة التخطيط الحضري مع متطلبات الأحداث الرياضية الكبرى.