بعد خيباته المتراكمة .. النظام الجزائري يفتح جبهة جديدة ضد الإمارات    في خطوة رمزية خاصة .. الRNI يطلق مسار الإنجازات من الداخلة    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    برشلونة يهزم بلد الوليد    منتخب "U20" يستعد لهزم نيجيريا    العثور على ستيني جثة هامدة داخل خزان مائي بإقليم شفشاون    إسرائيل تستدعي آلاف جنود الاحتياط استعدادا لتوسيع هجومها في قطاع غزة    من الداخلة.. أوجار: وحدة التراب الوطني أولوية لا تقبل المساومة والمغرب يقترب من الحسم النهائي لقضية الصحراء    الوداد يظفر بالكلاسيكو أمام الجيش    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    الناظور.. توقيف شخص متورط في الاتجار في المخدرات وارتكاب حادثة سير مميتة وتسهيل فرار مبحوث عنه من سيارة إسعاف    حقيقة "اختفاء" تلميذين بالبيضاء    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    البكاري: تطور الحقوق والحريات بالمغرب دائما مهدد لأن بنية النظام السياسية "قمعية"    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    أمسية احتفائية بالشاعر عبد الله زريقة    نزهة الوافي غاضبة من ابن كيران: لا يليق برئيس حكومة سابق التهكم على الرئيس الفرنسي    52 ألفا و495 شهيدا في قطاع غزة حصيلة الإبادة الإسرائيلية منذ بدء الحرب    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 63 عالميا في جاهزية البنيات المعرفية وسط تحديات تشريعية وصناعية    قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    تفاصيل زيارة الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت وترؤسها لحفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وغالوديت    المغرب يبدأ تصنيع وتجميع هياكل طائراته F-16 في الدار البيضاء    ابنة الناظور حنان الخضر تعود بعد سنوات من الغياب.. وتمسح ماضيها من إنستغرام    حادث مروع في ألمانيا.. ثمانية جرحى بعد دهس جماعي وسط المدينة    العد التنازلي بدأ .. سعد لمجرد في مواجهة مصيره مجددا أمام القضاء الفرنسي    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    الإمارات وعبث النظام الجزائري: من يصنع القرار ومن يختبئ خلف الشعارات؟    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حليفي: مجتمعنا في حاجة إلى مثقف عضوي وليس إلى مثقف لا يتجاوز عقله الورقة البيضاء
قال إن كتابة الرواية مثل تجربة الحب لا يمكن أن يحياها الإنسان إلا لذاته
نشر في المساء يوم 19 - 01 - 2013

في هذا الحوار يقول الكاتب والناقد و"الرحالة" شعيب حليفي إن الرواية المغربية لم تنفتح، بعد، على أشكال جديدة تُوّسِّع من أفقها وتعطي للذات والتاريخ مسارات مغايرة. كما أنه ينبه إلى أن
نقد المُجاملات بات طاغيا، ومن ثم فهو ينشغل بنصوص أسماء معينة أو بالأعمال الروائية المشرقية، في حين يغض الطرف عن أخرى، ومن ضمنها تجارب الشباب. وبخصوص اهتمام الجامعة بالرواية يقول حليفي إنها لم تعد مهتمة بها لسببين رئيسين: أولا، خوف المؤطرين من التكرار والاجترار. وثانيا، نظام ما يسمى بالإصلاح الجامعي الذي خلق ارتباكا لدى الجميع. أما عن المثقف المغربي فيقول إنه ليس كالمثقفين في دول باذخة، وكشف بأن تجربة التناوب خلفت أعطابا وردمت الروح المتوثبة عند المثقف، ومن ثم فعودته إلى الساحة تحتاج إلى وقت.
- هل ترى أن الرواية المغربية استطاعت أن تؤسس لنفسها مسارا خاصا بها، وتخلق تميزها ضمن مسارات الرواية العربية؟ أم أنها لا تزال تعيش تحت معطف الشرق؟
ما من شك في أن الرواية المغربية قد عرفت، لأسباب موضوعية، تطورا مهما في العقدين الأخيرين، ممّا أكسبها هوية ثقافية مميزة، من خلال نصوص ذات قيمة فنية عالية. وهي لا تخلق لنفسها مسارا خاصا بقدر ما تستكمل التجربة الروائية العربية الموسومة بالتنوع والتجديد. ولا أعتقدُ أن روائيا، مغربيا كان أم غير مغربي، يكتب تحت المعطف المشرقي.فالمسألة كانت في البدايات الأولى، وهو أمر مشروع، يُمكن أن نرجعه إلى التفاعل الثقافي وسلطة المرجع الثقافي والحضاري المشرقي... أما الآن، فإنّ الاجتهادات الجمالية والدلالية توجد في كل البلدان العربية، وخير دليل على ذلك الحضور المتنوع للنصوص الروائية في الجوائز العربية، وفي قوائم منشورات دور النشر العربية الكبرى وفي المجلات أيضا.
- كيف تنظر إلى تعامل النقد مع الإنتاج الروائي المغربي بالخصوص؟ هل ترى أنه أنصفها من خلال قراءات معمقة أم أنه لم يخرج عن إطار المجاملات الخفيفة التي لا تسهم في خلخلة واقعها والدفع بها إلى التطور؟
النقد الروائي المغربي، عموما، في جانب منه أنصفَ الرواية المغربية، خصوصا مع أسماء مؤسسة للنقد الروائي بالمغرب من أمثال أحمد اليبوري ومحمد برادة وغيرهما. مُقابل ذلك فإن فئة أخرى من النقاد المغاربة أجحفوا حق الكثير من التجارب الروائية المغربية، ولم يُنصفوا نصوصا مهمة. وأعتقد أن نقد المُجاملات يطغى على ما كنا نريده لنقدنا الروائي. نصوص كثيرة قرأتُها في الخمس سنوات الأخيرة لشباب من الروائيين لم يتكلم عنها أحد ولم يستدع أحد أصحابها للحديث معهم والإنصات إليهم وكيف يفكرون في السرد.. مقابل ذلك نجد بعض النقاد ممن يحتفلون، مِرارا وتكرارا، بنصوص ذات مستوى فني أقل من المتوسط، مغربية كانت أو عربية.
هناك كذلك مُفارقة تتجلى في انكباب النقد المغربي على الأعمال الروائية المشرقية في مقابل التجاهل التام للرواية المغربية من قِبَل النقد الروائي العربي.
- كثير من قراء الرواية المغربية يرون أن كتابها، رغم الكم الذي ينتجونه في هذا الباب، يبقون رهيني سيرهم الذاتية؟ كيف ترى ذلك؟
هذا الأمر لا يخص الرواية المغربية وحدها، فالرواية جنس تعبيري يُغري بالحديث عن الذات وعن التجارب الأقرب إلى النفس. وكتابة الرواية مثل تجربة الحب لا يمكن أن يحياها الإنسان إلا لذاته وليس لغيره.
هناك بالفعل، في الرواية المغربية، ميل أكثر للكتابة عن الذات والتاريخ الاجتماعي..حتى إن النصوص معها تبدو سيرا ذاتية أو سجلات اجتماعية وتاريخية عن مرحلة من المراحل.. وهو أمر لا أرى فيه انتقاصا إذا ما كانت النصوص ذات أبعاد جمالية ودلالية عالية بلغتها الروائية التي تميز الكاتب عن أساليب غيره.
الرواية المغربية لم تنفتح، بعد، على أشكال جديدة تُوّسِّع من أفقها وتعطي للذات والتاريخ مسارات مغايرة. أذكر هنا المحكي البوليسي والخيال العلمي وغيرهما.
- في كتاباتك التجأت إلى منطقتك الشاوية كفضاء وكشخوص وحكايات وتاريخ... لماذا هذا الاختيار؟ أهو حب في الأسطرة أم ماذا؟
لو لم تكن الشاوية ما كنتُ سأكون بشرا، ولو لم تكن الشاوية ما كنتُ كاتبا... وقد اقتنعتُ مؤخرا بأنني لا أعرف الكتابة في شيء آخر إلا عنها. والإبداع هو ما يحررني وما يُعبر عن هويتي ووجداني.. وإذا كان هكذا فإنه يعكس الطينة التي شكّلته.
لا أستطيع تخيل العالم بدون هذا الفضاء الذي أرى أنه هبط من السماء. لذلك فإن ما يراه البعض أسطرة، هو عندي حقائق نُدوِّنها حتى نتحرر ونحيا حياتنا وحيوات غيرنا من أهالينا الذين لم يجدوا من يستمع إليهم.
- تكتب الرواية وتُدَرس تاريخها وتقنيات كتابتها، كما أنك ناقد متخصص في السرد. إلى أي حد يستفيد الروائي فيك من الناقد؟
قد أرى العكس في المسألة. الروائي هو الذي يوجه الناقد.. ولولا كتابتي للرواية ما اشتغلتُ بالنقد الروائي.
لديّ فصل منهجي بينهما، فالنقد مرتبط أولا بالعمل مع الطلبة على مستوى المحاضرات أو البحوث في الإجازة والماستر وأطاريح الدكتوراة، ثم في المشاركات العلمية والثقافية والمجلات. أما الإبداع فهو شخصي أجد فيه تلك الحرية التي أفتقدها ناقدا أو باحثا. والروائي لا يُجرِّبُ الوصفات النقدية أو يشتغل لأجل اختبارها، لأن ذلك يقتل الإبداع ويحوله مفتعلا وميكانيكيا فاقدا نسغ الأدبية والرومانيسك. لكن الحقيقة أن الإبداع الروائي له وعيه النقدي الذي هو غير وعي الناقد. والإبداع أيضا متبوع وليس بتابع..لأن النقد يجدد أدواته من الحقول المعرفية الأخرى ومن جوهر الإبداع المُجدد.
- أنت أيضا إلى جانب كتابة الرواية، تكتب في أدب الرحلة. ترى أي سحر جعلك تطارد خطواتك؟ ثم ماذا أضاف لك ذلك على مستوى تطوير أفق الكتابة عندك؟
كتبتُ نصوصا روائية كانت آخرها رواية «أنا أيضا، تخمينات مُهملة»، ثم بعد ذلك كتبتُ «لا أحد يستطيع القفز فوق ظله»، والذي هو تجربة في كتابة مذكرات روائية، تلاهما كتاب عن رحلاتي إلى عدد من الدول وأسميته «أسفار لا تخشى الخيال»...إنه اقتناع مني بأن كتابة الرواية تحتاج إلى البحث عن أشكال وملاذات للقول واختبار الخيال في سياقات متعددة.
في «أسفار لا تخشى الخيال» لم أكتب أسفارا تنتمي إلى الإطار الكلاسيكي للرحلة، ولكنني كتبتُ رواية رحلية أو هي رحلة روائية، فتحتُ من خلالها قناة أخرى للتخييل والقول النفسي الذي ينطلق من حافة الواقع إلى خزائن النفس وخيالاتها.
- أمام التقدم التكنولوجي وسيطرة الصورة وانفتاح العالم، ألا ترى أنه لم يعد هناك من دافع لكتابة رحلاتنا؟
التقدم الشامل هو الذي أوحى للروائيين بالعودة إلى الكتابة في الرحلات والانفتاح على تحول جذري ومهم في جنس وُجِدَ منذ بداية الكتابة والإبداع، وارتبط بكل فئات المجتمع وحقول المعرفة.. أما اليوم فإن هذه «الرحلة» بكل تاريخها تُعلن انحيازها الصريح إلى التخييل وتخلصه شيئا فشيئا من بعض تقاليدها وشروطها وصفاتها.
في هذا السياق، أحب التذكير بأننا سنعقد ندوة بمدينة طنجة في منتصف شهر فبراير حول موضوع «الروائي رحالة». فقد وجدنا أن عددا من الروائيين يلجؤون إلى تدوين أسفارهم بنَفَسٍ روائي، منذ هيكل إلى عبد السلام العجيلي إلى عبد الكريم غلاب وخليل النعيمي وأحمد المديني وعلي بدر وأمجد ناصر وخيري شلبي ويوسف المحيميد وسعد القرش وحسونة المصباحي وعبد الله سالم بازوير...
*نرى أيضا أنك تهتم بكثير من الشخوص التي قليلا ما أولاها المؤرخون الاهتمام الكافي كمصطفى الأزموري مثلا؟ لماذا وأنت ابن قرن التكنولوجيا تمتد عيونك إلى الماضي؟ ما العلاقة بين ذاكرتك وكتاباتك؟
*** الذاكرة طريق بلا بداية ولا نهاية، ومنها نعبُرُ إلى الهوية. كل كاتب (وربما كل إنسان في هذه الأرض) يبحث عن هويته بطريقة من الطرق، ليُنمّيها ويُطورها أو يُحرّفها ويُدمرها.
الكثير من الأعلام والأماكن والحوادث تُمثل في تاريخنا رموزا قوية وضوءا قادرا على إمدادنا بحافز ما... إننا في اللحظة الراهنة، وربما في لحظات سابقة، نحيا في أرض بها ثقوب سوداء تطلع لنا منها قيم وسلوكات وخطابات تشجع على العبث واليأس. في تاريخنا – كما في تاريخ الإنسانية – مواقف تسندنا في لحظات الضعف والمحنة مثل هذه.
وقد ذكرتَ نموذجا واحدا من نماذج كثيرة، هو مصطفى الأزموري، ابن الشعب، الذي تجول في الأراضي الأمريكية في النصف الأول من القرن السادس عشر، إلى ابن الشمس المستكشف الذي ما زالت حتى اليوم قبائل زوني تحتفل به «قديسا» ومغامرا مبدعا.
إن الاعتراف بشخصيات تنتمي إلى هويتنا التاريخية والحضارية هو اعتراف بذواتنا وعقلنا الذي نريده أن يفكر ويسأل، كما نريد لوجداننا أن يُنصت وينبض.
- من جانب آخر، نرى في هذا الزمن تدفق الكتابة لدرجة صار الكتاب يتناسلون بكثرة، فهل هذا مؤشر على تطور الأدب أم أنه مؤشر على إفلاسه؟
أرى أنه حكم لا يستند على أسس. الكتاب في المغرب قلة قليلة جدا، والأدب مثل قطار مِرآوي شفاف، يركبه من يشاء، لكن الكاتب الحقيقي الموهوب هو من يجد مكانه في هذا السفر المجازي ويستطيع أن يخلق مع المدة قطاره الخاص.
صحيح، أحيانا تُضجرنا أصوات نشاز سرعان ما تتراجع وتختفي.. وهذا حال الأدب على مر العصور. ولا يدعو الأمر بتاتا إلى الخوف من إفلاس القول الذي عمره بعمر الإنسانية.
- إضافة إلى كتاباتك الإبداعية والنقدية، نجدك مشغولا بالكتابة عن الحركة النقابية، حيث أصدرتَ مجموعة من الكتب في هذا الباب. فلماذا هذا الاهتمام بهذا الجانب الذي ينظر إليه كثير من المغاربة ب«عين ناقصة»؟
المثقف في المغرب غير المثقف في هولندا أو سويسرا أو في جزيرة من الجزر الباذخة. نحن هنا أبناء فكر عبد الكريم الخطابي والمهدي بنبركة ونوبير الأموي؛ أبناء قيم الفلاحين والثوار والشهداء والكثير من البسطاء.أريد أن أقول إن مهمة المثقف مركبة ومتعددة وواجهاته ليس الخيال أو الجامعة أو قاعات الندوات والمؤتمرات، ولكن أيضا المجتمع بين فئاته وتنظيماته. وأعتبر أن تجربة ال«سي دي تي» مدرسة أتمنى لو أستطيع أن أدونها روائيا.
مجتمعنا في حاجة إلى مثقف عضوي، كما كان الشاعر شاعر القبيلة، المُنافح عنها، يُشعل قلوبهم فخرا وحماسة ويحرر وجدانهم من الخوف والضعف... واليوم لا أرى وجودا للمثقف الذي يجعل عقله ومشاعره لا يتجاوزان مساحة الورقة البيضاء التي يكتب عليها.المبدع الحقيقي هو من يجعل كل شبر من هذه الأرض وكل قلب من قلوب شعبنا صفحة له يكتب عليها ما نحس به جميعا.
- أسستم مرصدا للثقافة، فأين وصل؟ وهل لا تزالون ترون أن وجوده مازال ضروريا؟
المرصد المغربي للثقافة تجربة ثقافية ونضالية جاءت استجابة لشرط ضروري في مرحلة أهانت فيها الدولة عبر وزارة الثقافة آنذاك المثقف المغربي، وهو أمر كان وما زال متجسدا في عدد من مظاهر التهميش والتحقير. لكنهم في تلك المرحلة استطاعوا الجهر بذلك على لسان وزير ينتمي إلى جسم المثقفين وكأنهم يريدون الإمعان في تأكيد مواقفهم الثابتة من المثقف.
وقد جاء المرصد لحظتئذ جوابا وسؤالا. وأعتقد أننا ما زلنا في حاجة إلى تجميع جهودنا لمواجهة الأسوأ في حياتنا الثقافية والتعليمية والاجتماعية بشكل عام.
نحن المراصدة جاهزون وقادمون، دائما للانتفاض ضد كل تدبير أخرق يمس حرية الكاتب والكتابة.
- هل ترى أن المثقف المغربي في زمن الحراك العربي غيَّرَ مفاهيمه وأعاد تشحيم أخرى من أجل انطلاقة جديدة، أم تراه مازال في «سبع نومات»؟
لديَ تحليلٌ، كنتُ أدافع عنه وما أزال. تجربة التناوب خلفت بعض الأعطاب، منها أن دور المثقف بعدما كان منخرطا، آملا بصوته النقدي، تمكنت تجربة التناوب، خلال انحرافها المنهجي الأول سنة 2002، من ردم تلك الروح المتوثبة، مما جعل المثقف يفقد الإحساس بجدوى مبادراته وانخراطه. قد تتطلب عودة المثقف إلى ساحاته بعض الوقت أو إلى حدث كبير.
هذا من حيث المواقف الفعلية والمباشرة؛ أما من حيث الكتابة، فأرى أن المثقف المغربي يساهم بإبداعه في نقد المجتمع والأفكار والذهنيات. وأمثل لهذا بالزجل والرواية والقصة والمسرح.
- وماذا عن المختبرات وإطارات القصة وغيرها؟ ما الذي يمكن أن تضيفه للأدب المغربي؟
نبحثُ باستمرار، عن قنوات للعمل الثقافي والبحث العلمي. وقد أسسنا منذ 1993، بعد التحاقنا، نحن مجموعة من الشباب، للتدريس بالجامعة، مختبر السرديات.. ومن خلاله اشتغلنا مع الباحثين والنقاد والطلبة، وما نزال ضمن مشروع علمي أعتقد أنه يخدم البحث العلمي والأدب المغربي.
في مُختبرنا نعقدُ لقاءات علمية مع الباحثين والنقاد حول قضايا محددة، ونصدر كتبا جماعية وفردية في أفق إصدار مجلتنا «سرود». كما نشتغل خارج الكلية في فضاءات مفتوحة مع أدباء ومثقفين من مختلف الحساسيات الأدبية والفنية والفكرية.
- نرى أنك من المساهمين في البحث عن آفاق جديدة، كما هو الحال مع معرض الكتب المستعملة. فما هو الهدف من إقامة معارض للكتاب في أحياء شعبية؟ في وقت فتح آخرون باب التكنولوجيا وأخذوا ينشرون كل شيء هناك؟
العمل الجمعوي هو الواجهة الأخرى التي نشتغل من خلالها ثقافيا، ومن بين ما نحرص عليه تنظيم أنشطة ثقافية وسط أحياء شعبية يشارك فيها المثقفون المؤمنون بهذا النوع من العمل الصعب والممتع، ومعارض للكتاب، ولقاءات مفتوحة في الهواء الطلق في مواضيع من صميم الهامش والمنسي. السنة الماضية تحدثنا خلال أربع ساعات عن سعيدة المنبهي وعبد اللطيف زروال وإبداعهما الشعري..كما أننا ننصتُ إلى أدباء شباب يحررون أصواتهم المعتقلة، ويبوحون بأسرار قولهم الذي يشِعُّ في الساحات العمومية حرّا طليقا.

لم تعد الجامعة مهتمة ببحوث الرواية المغربية
- على مستوى البحوث الجامعية، كيف تعاملت مع الرواية المغربية؟ هل هناك إقبال عليها؟ وهل هناك إضافات نوعية في هذا المجال؟ أم أن الاجترار يبقى السمة الطاغية كما كان في السابق؟
لم تعد الجامعة مهتمة، كما كانت من قبل، بأطاريح وبحوث في الرواية المغربية لسببين رئيسين: أولا، خوف المؤطرين من التكرار والاجترار، فالأستاذ الباحث لا يشرف على طالب ما لم يكن قادرا على تقديم إضافة جديدة للتراكم المهم الذي حققته البحوث الأكاديمية، وكان رافدا مغذيا للنقد الروائي.ثانيا، نظام ما يسمى بالإصلاح الجامعي، والذي خلق ارتباكا لدى الجميع..
ومعَ ذلك فنحن، هنا بالدار البيضاء، نشتغل بالتأطير ضمن تكوين للدكتوراة بعنوان «تحليل الخطاب السردي»، وأعتقدُ أن ثماره ستكون جيدة، إضافة إلى ما يبذله الأساتذة الباحثون في جامعات أكادير ومراكش والجديدة والمحمدية والرباط والقنيطرة وفاس ومكناس وتطوان..فانتعاش السرد المغربي يؤثر إيجابا على المشاريع النقدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.