بساطة خطاب الإسلام السياسي لا توازيها سوى نزاهة الناشطين الإسلامويين وعذريتهم السياسية (لم نجربهم بعد... أما هؤلاء الاشتراكيون فقد جربناهم و خذلونا، هكذا يخاطبك رجل الشارع غير المثقف أو نصف المتعلم ) أو هكذا ترى الجماهير في النموذج الأصولي، يخاف الله ويلتزم بشرعه (كذا)، وهنا تلتبس السياسة بالمرجعية ونوازعها الداخلية والنفسية بالأساس، تجربة المشرق تختلف عن وصفات المغرب في انتقاله الديمقراطي، وللأسف فقد أصبح الاتحاديون في المغرب، مثلا، بعد تجربة التناوب، نماذج للتسلق والانتهازية والوصولية واستغلال النفوذ والإثراء غير المشروع. وقد خيل إليهم لفترة أنهم وصلوا إلى السلطة، ودائما باسم اليسار والاتحاد الاشتراكي، فذابوا في طيفها كما يذوب السكر عبر الماء، في وقت كان فيه اليسار حاملا لقيم العدالة والنزاهة والشفافية، وهي نفس القيم التي يحملها أصوليو العدالة والتنمية حاليا وكذا أصوليو مصر ومحمد مرسي وعموم أحزاب الإسلام السياسي، يكفي أن نشرح (بالتشديد) جزءا كبيرا من المعارضة حاليا (وليس كلها) التي نزلت إلى الشارع ضد مرسي لنلمس أنها تتشكل من لصوص وانتهازيين وناهبي أموال الشعب المصري ومستغلي نفوذ وفاسدين من رموز النظام السابق، وفيهم للأسف كثير من اليساريين المستفيدين من الريع الاجتماعي أو الثقافي. هذا لا يعد دفاعا عن تجربة محمد مرسي وأخطائه المتعددة التي يعود إلى التاريخ المنصف وحده أن يحكم عليها، ولكنه واقع غرائبي في وضوح الشمس والقمر... طبعا، سينتصر العسكر مرة أخرى وينصب واحدا منه أو على الأقل رئيسا مدنيا بدون صلاحيات حقيقية أو فعلية ليخلو الجو أمام رموز النظام السابق، وقد تنصرم السنون ليقذف الوضع كائنا ملهما يورث ابنه فتعود الجمهورية الوراثية ما لم تقم انتفاضة جديدة ضد رئيس مصر وعائلته وأخرى ضدا على التوريث كما جرى في ثورة 25 يناير (ضربت مصر -كما لا يخفى- الرقم القياسي في عدد الثورات / 1881/ 1919/ 1923/ 1952/2011). هذه الدائرة المغلقة تتطلب، في واقع الأمر، تواتر الانتفاضات والثورات في كل مرة لولا أن سوء حظ الشعب المصري كون بلده يواجه كيانا متربصا غاصبا (إسرائيل)، وهو يوجد في ملتقى القارتين الإفريقية والآسيوية والبحر المتوسط وأوربا عبر القناة المعلومة... المقارنة بين الأزمنة والأمكنة نسبية بالطبع، والأوضاع مفتوحة على جميع الاحتمالات. لكن المثير في أمر الدول العربية، سواء تلك التي تمتعت بربيعها المنعش أو الدموي أو الأخرى التي احتوته واستبقته، أن الأنظمة الملكية التي كانت إلى عهد قريب مستهدفة بالثورات والانقلابات والمؤامرات والتحولات المفجعة أصبحت تحسد على استقرارها وأمنها عموما (لعلمكم، فالجزائر تقلد المغرب في كل شيء، وقد فشلت طبعا في خلق مخزن جزائري إلى حد الآن!!). وهنا تكتمل المفارقة، إذ لا يمكن فقط تفسير الأمر بهيمنة الفكر المحافظ على الشعوب المعنية، بل أيضا بالعودة إلى نوع من الشرعية السياسية التي قبلها المحكومون عن طواعية عبر غياب بدائل حقيقية، وفي هذا إقرار بواقع قائم طالما تجاهله الكثيرون في تقييمهم، سواء لفشل اليسار أو نجاح الأصوليين والأنظمة على حد سواء (في مجتمعاتنا فقط دون سائر المجتمعات الديمقراطية أو السائرة نحوها، تطرح المفارقة أيضا بين أصولي نزيه وليبرالي لص مفترس أو يساري انتهازي، فمن نختار يا ترى ومن نرفض؟؟). هذه أصلا أنظمة ملكية وراثية لا غبار عليها، لكن الخلاف يكمن في مدى تحولها أو تحويلها إلى ملكيات دستورية ديمقراطية... فضلا عن كون الشعوب المعنية رغم مستوى الوعي السياسي المتواضع تتدبر جيدا ما حصل هنا وهناك من حروب أهلية دموية (الجزائر - سوريا - ليبيا - العراق...) أتت على الأخضر واليابس... في انتظار الأسوإ أو الأفضل الذي قد يأتي من أرض الكنانة، نقول بوضوح لقد سطا العسكر على لحظة ديمقراطية بمصر مهما بلغ الانتقاد والسخط على التجربة الإخوانية، ونعرف أن الجيش في مصر ليس مؤسسة عسكرية فحسب بل هو يجمع ويحتكر مؤسسات اقتصادية واجتماعية ومدنية أيضا، ويرجح ألا تنتقل عدوى حركة "تمرد" إلى المغرب بسبب العوامل التي ذكرتها حول الشرعية، وأيضا اعتبارا لما يمكن وصفه بمساحة الجوع والمعيش اليومي والانفجار السكاني (مشكلة حقيقية في مصر) بين هذا القطر وذاك... فهل نردد مع أحد المبدعين اللبنانيين مرة أخرى: وخلف كل قيصر يموت يولد قيصر جديد؟؟