مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي يقرر توسيع العمليات العسكرية في غزة    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    ولاية أمن طنجة توضح حقيقة "اختطاف الأطفال" وتوقف ناشرة الفيديو الزائف    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    وهبي مدرب المنتخب لأقل من 20 سنة.. "نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية"    أذربيجان: صاحبة الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    ريال مدريد ينجو من ريمونتادا سيلتا فيغو    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    اتهامات بالمحاباة والإقصاء تُفجّر جدل مباراة داخلية بمكتب الاستثمار الفلاحي للوكوس    تطوان تحتضن النسخة 16 من الأيام التجارية الجهوية لتعزيز الانفتاح والدينامية الاقتصادية بشمال المملكة    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    ملتقى بالقدس يشيد بجهود الملك    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    الدوري الألماني.. بايرن ميونخ يضمن اللقب ال34 في تاريخه بعد تعادل منافسه ليفركوزن    تحالف مغربي-صيني يفوز بعقد إنشاء نفق السكك الفائقة السرعة في قلب العاصمة الرباط    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    المغرب يتصدر قائمة مورّدي الأسمدة إلى الأرجنتين متفوقًا على قوى اقتصادية كبرى    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    "البيجيدي" يؤكد انخراطه إلى جانب المعارضة في ملتمس "الرقابة" ضد حكومة أخنوش    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    الخيط الناظم في لعبة بنكيران في البحث عن التفاوض مع الدولة: الهجوم على «تازة قبل غزة».. وإيمانويل ماكرون ودونالد ترامب!    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    إسبانيا: تحديد أسباب انقطاع الكهرباء يتطلب "عدة أيام"    الناخب الوطني يعلن عن تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة لمواجهة نيجيريا    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    مصادر جزائرية: النيجر تتراجع عن استكمال دراسات أنبوب الغاز العابر للصحراء    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    "الأونروا": الحصار الإسرائيلي الشامل يدفع غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة    توقيف 17 شخصا على خلفية أعمال شغب بمحيط مباراة الوداد والجيش الملكي    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن صحافة الافتتاحيات ونهاية الصحافة ومصادر تمويلها
كتاب «هل يجب تصديق الصحافيين؟» الذي يرصد مستقبل الصحافة الورقية
نشر في المساء يوم 04 - 10 - 2009

باستقواء سلطة الإنترنت، صدرت في أكثر من مكان إشارات حمراء تنبه إلى الخطر الذي أصبح يهدد صحافة الورق، وبأن القارئ بدأ يهجر ما أسماه هيغل ب«صلاة الصباح المقدسة» ( قراءة الجرائد)، إلى التزحلق مجانا على مواقع أكثر رحابة وأكثر ثراء. ساهمت الثورة الرقمية بالكاد في دمقرطة الخبر، لكنها تسببت في نفس الوقت في ابتذاله بإخضاعه لسلطة الزوال والاندثار فور انبثاقه. وهكذا وجد الصحافي والقارئ نفسيهما في زمن جديد، رديف للموت، يلغي فيه الخبر الخبر، الحدث الحدث المضاد، وشرع الصحافيون يشتغلون ليس تبعا لنظام «بلوغ» وحسب، بل حسب تقنية «التويتير»: إرسال أخبار فورية تبدو مباشرة على موقع الجريدة أو الأسبوعية، ومع ذلك فإنه من السابق لأوانه إعلان وفاة صحافة الورق.
إلى جانب ثورة الإنترنت، واجه الصحافيون على أرضية الميدان وفي أمكنة بركانية ( لبنان، فلسطين، الجزائر، العراق، البوسنة، رواندا، الشيشان...) الاختطاف، التقتيل، والتهديد. والقائمة مروعة ومرعبة في هذا الباب. ومع ذلك، لم تمت صحافة الورق ولا توقف الصحافيون عن أداء مهامهم المهنية. وفي ممارسة الصحافي، لم تكن الطريق دائما معبدة بسجادات الترحاب: إن لم يفلت الصحافي من الفوهة الصامتة لقناص انسحب إلى الظل لرمي رصاصته يتعرض لمطرقة القاضي التي تنزل أحكاما قاسية بالغرامة أو الحبس. وسجل الأحكام التي طالت الصحافيين في أكثر من مكان حافل بالمحاكمات السريالية أو العبثية. وبالرغم من هذه المشقات والمحن، غالبا ما يشوب علاقة الصحافي بالقارئ نوع من الحيطة والتبرم. لا يثق القارئ مائة في المائة فيما يكتبه أو يدافع عنه الصحافي. في المخيال العام، تبقى صورة الصحافي لصيقة بصورة شخص متعود على فتح ملفات تفوح منها روائح عفنة، أو صورة شخص ينتعش في الأوحال. صورة مختزلة طبعا، لا تفي بروح ولا بحرص الصحافي على الكشف عن الحقيقة وركوب المخاطر. هذا لا يعني أن بعض الصحافيين لم يقعوا في زلات ولا «فبركوا» الحدث أو موهوا الحقيقة. وعليه فالسؤال الذي يطرحه المؤلف الجماعي «هل يجب تصديق الصحافيين؟»، الصادر منذ أسبوع عن منشورات «مورديكيس» في 167 صفحة، والموقع من طرف سيرج جولي، جان فرانسوا كان، إيدوي بلينيل، سؤال في غاية الأهمية، لأنه يطرح بدءا أخلاق المهنة وتصورات القارئ تجاه عمل الصحافي، ثم لأنه شهادة جماعية حية لثلاثة فاعلين إعلاميين رئيسيين فرنسيين، أثروا منذ الثلاثة عقود الأخيرة في الخبر، طريقة معالجته، وتحليله وتمريره.
والكتاب عبارة عن سلسلة لقاءات أجراها الصحافي فيليب غافي، أحد المؤسسين لجريدة «ليبيراسيون»، مع كل واحد منهم.
لم تجهز الثورة الرقمية على الصحافة الورقية
في التقديم، يشير فيليب غافي إلى أن الشك حق والحيطة تصرف حيوي، فكل سلطة كيفما كانت تنزع إلى الاستنفاذ، في حالة ما لم تعارضها سلطة مضادة. وعليه تشكل وسائل الإعلام سلطة مضادة، وضامنا لحرية الرأي، وحرية التعبير والإخبار. هل يعني ذلك أنها نافذة؟ صحيح أن أغلبية من الفرنسيين تنظر للصحافيين وكأنهم طبقة نافذة، ومع ذلك فإن سلطة الصحافيين ليست بالمطلقة، لأن دولة الحق تؤطرها، عن طريق قوانين تناهض التشهير والاعتداء على الحياة الشخصية والتحريض على العنصرية والمس بالكرامة الإنسانية. وتختلف هذه القوانين من بلد إلى آخر. ففيما تنتهك الصحافة البريطانية وبطلاقة الحياة الشخصية للأفراد، تتبرم الصحافة الفرنسية من هذا السلوك التشنيعي. إذ لمدة سنوات لم تتكلم الصحافة الفرنسية عن مازارين، ابنة الرئيس فرانسوا ميتران. لكن هذا الوضع، اليوم، في طور تطور سريع، ثم هناك مراقبة القارئ، فهو غير مضطر، في حالة تذمره، إلى متابعة شراء جريدته المفضلة. لكن الضغط الذي يمارسه القراء الفرنسيون سلاح ذو حدين: يمكنهم أن يتبرموا من جريدة ما، مثلما هم قادرون على الاتباع الأعمى. كما أن الضغط الذي تمارسه لوبيات تابعة لجاليات تحكمها نزعات الهوية الضيقة ( يهود، مسلمون، كاثوليكيون، سود، شواذ، نساء، الخ.)، تضع الصحافي في نظام من الحرية المشروطة.
إن وقفنا عند تقلص الإشهار، ارتفاع أثمنة مصاريف الطبع، وتأثير اللوبي النقابي التابع للكونفدرالية العامة للعمل، نلمس الصعوبات التي تعاني منها بعض الجرائد مثل «لبيراسيون»، «لوموند»، «ليمانيتي»، «لوفيغارو». ويتحدث فيليب غافي عن بداية «اختفاء القراء». وحسب استبيان أجراه معهد سوفريس لصالح جريدة «لاكروا» فإن 74 في المائة من الفرنسيين يتابعون الأخبار عبر الصحافة، من راديو، تلفيزيون، أنترنت، باهتمام كبير، فيما يعتقد 61 في المائة بأن الصحافيين ليسوا مستقلين تجاه ضغط الأحزاب السياسية وضغط السلطة. ستة أشخاص من بين عشرة يشككون في استقلالية الصحافة تجاه سلطة المال. كما أن بعض المجموعات القوية مثل بويغ، لاغاردير، داسو، بولوري وغيرها من المجموعات الصناعية المقربة من الرئيس ساكوزي، تستحوذ على الصحافة وتشكل إمبراطورية للخبر.
من هنا أحقية السؤال: «هل يجب تصديق الصحافيين؟». سؤال سهل-ممتنع، لأنه يفضي إلى قضايا وتساؤلات أخرى عالجها الصحافيون الثلاثة الذين يتقاسمون قيما علمانية ومثلا أعلى لصحافة تعددية، مستقلة، مع ميل إلى خلخلة الأفكار بأسلوب ومعالجة بلا مواربة ولا مراوغة.
كان سيرج جولي، المؤسس إلى جانب جان بول سارتر، لجريدة «ليبراسيون»، أول من أجاب عن السؤال، مذكرا بالدراسة التي خصصها سيمون لايس لجورج أوروييل، صاحب رواية «1984»، وخاصة للفقرة التي يتطرق فيها هذا الأخير لرسائله التي تتحدث عن تغطيته لحرب إسبانيا، والتي عاين فيها معارك طاحنة لم تأت على ذكرها الصحافة، كما أنه تواجد في أمكنة كتبت عنها الصحافة لتصفها بأنها كانت مسرحا لمعارك دامية، غير أنه لم يشاهدها على الإطلاق. وخلص أوروييل إلى نتيجة أن المعسكرين، الفرانكوي والجمهوري، سربا أخبارا كاذبة لأسباب أيديولوجية، وبأن الصحافة حاكت هذه الأخبار بشكل مشوه. مثال آخر أتى على ذكره سيرج جولي هو شهادة الصحافي جان-بيار كوديرييه، المؤسس لجريدة «تيليغرام دو بريست». كان هذا الأخير الصحافي الوحيد المتواجد في قرية غرنيكا الباسكية لما دكتها عن آخرها وحدة من الطيران الألماني. حرر كوديرييه في الحين برقية عاجلة يشير فيها إلى هول الكارثة. لكن البلاغ لم ينشر لأن الحكومة التي كان يرأسها آنذاك الاشتراكي ليون بلوم كانت ضد تدخل فرنسا في الحرب. كانت وكالة هافاس آنذاك تحت إمرة السلطات الفرنسية، وأي خبر كان لا بد من أن يخضع للرقابة. «كانت الرقابة جزءا من الأعراف الجمهورية. كانت رقابة مؤسساتية وفي نفس الوقت رقابة ذاتية». يذكر جولي بهاتين الواقعتين لرمزيتهما البالغة قبل أن يقدم اقتراحا للإجابة عن السؤال: «الكثير من الصحافيين لا ينظرون إلى ما وراء الأشياء، بل يقومون بعمل إخباري لا غير. الجديد هو أن الجميع يتواصل حول كل الأشياء. من هنا حاجتنا اليوم إلى الصحافيين لتقديم طريقة مغايرة للتواصل ولتوصيل الخبر. ثمة فرق بين سيلان الخبر على الأثير والمعالجة المتأنية المكتوبة التي تتوفر نسبيا على الوقت لتعميق الخبر، إنارته ومنحه كثافة دلالية. يلاحظ جولي أن الخبر ترك مكانه اليوم للرأي وأن ثمة سوقا للرأي نما بقوة في المشهد الفرنسي. ويضيف فيما يخص الإنترنت أن الأمر لا يتعلق فحسب بانقلاب، بل بهزة أرضية، شبيهة بما أحدثه ابتكار المطبعة أو السينما. الإعلام ليس مهددا، بل عليه أن يغير بالكامل طرق اشتغاله وعمله.
الفكر الأوحد هو الخطر الذي يهدد الصحافة اليوم
عن نفس السؤال يشير جان فرانسوا كان، المؤسس لجريدة «ليفينومان دي جودي» ثم «ماريان»، والنائب البرلماني اليوم، إلى أن الجواب صعب، وبأنه لمدة 47 سنة من العمل الصحافي، عرف صحافة تتوافق اليوم مع الصورة الكاريكاتورية التي يقدمها اليوم أصحاب التيار العالم- ثالثي الذي يمثله أشخاص أمثال سيرج حليمي، وإيناسيو راموني. ويأتي جان-فرانسوا كان على ذكر بعض المحطات الرئيسية لمساره والتي تخبرنا عن حال الصحافة آنذاك: عام 1961 كان متواجدا في قلب المظاهرة التي نظمها الجزائريون لدعم جبهة التحرير، والتي انتهت بمجزرة حقيقية. لما عاد إلى جريدة «باري-بريس»، التي كان يعمل بها بعد معاينته للكارثة، لم يكترث أحد بالرواية التي قدمها عن الأحداث. اعتقل من اعتقل من الصحافيين والمحققين الفوتوغرافيين وفي الغد تحدثت الصحافة عن ثلاثة قتلى، فيما هنأت بعض الجرائد مثل «الفيغارو»، «فرانس سوار»، «باري بريس»، «لورور» السلطات الأمنية. حتى جريدة «لوموند» و«لاكروا» أشارتا فقط إلى الصيغة الرسمية. وحدها جرائد «ليبيراسيون»، «ليمانيتي»، «تيموانياج كريتيان»، «إيسبري» أشارت إلى حقيقة المجزرة. أما الراديو والتليفزيون فحافظا على صمت كثيف. ولما أشار بعض الصحافيين الأمريكيين إلى وقوع مجزرة في باريس وأن جثث المتظاهرين تطفو على نهر السين، رد التلفيزيون الفرنسي بأن هذه الأخبار من صنيع مغالطين. «لا يمكننا اليوم تصور رقابة من هذا القبيل». كما كان شاهدا عام 1962 على أحداث ميترو شارون التي ذهب ضحيتها 9 أشخاص. وعاين تدخلات رجال الأمن ضد المتظاهرين وعمليات الضرب لقصد القتل، ولما عاد إلى الجريدة لم يهتم أحد بشهادته،. فتوجه إلى رئيس القسم السياسي لاستفساره واقتراح مقالة-روبورتاج في الموضوع، لكنه وجد هذا الأخير ينقل بالتليفون الصيغة الرسمية لوزارة الداخلية، كما كان يمليها عليه أحد المسؤولين !!. ثم يذكر بالرقابة التي مارستها عليه أسبوعية «ليكسبريس» لما التحق بها كمحقق صحافي. في أحد الروبورتاجات التي أنجزها في الفيتنام، أشار إلى أن القوات الأمريكية قد تخسر الحرب، لكن المجلة حذفت هذه الفقرة. بنظرته الضيقة، اعتبر جان جاك سيرفان شريبير، صاحب «ليكسبريس»، أن أمريكا لن تخسر يوما الحرب. «تصوروا معي أن جان جاك سيرفان شريبر، صاحب «التحدي الأمريكي»، الرجل الحداثي، كان وقتها المرجع في مادة الصحافة الحرة». ثم يشير إلى الحرب بين العرب وإسرائيل قائلا: «خلال حرب 67 كل ما كان يجانب الخطاب الإسرائيلي يشطب عليه». قضية أخرى تخص قضية «مجوهرات جيسكار ديستان»: خلال برنامج على القناة الفرنسية الثانية طلب من المشاركين عدم الإشارة إلى القضية. «هل نثق إذن بالصحافيين؟». «عشت صحافة وزمنا لم يكن فيه الصحافيون محط ثقة. بعض الجرائد فقط تنتهي بالبوح بالحقيقة، فيما البقية تتلاعب بها وتشوهها. يعتبر جان-فرانسوا كان أن الوضع اليوم عرف تغيرا ملحوظا: «تتوفر فرنسا على مزيد من الحرية أكثر من توفرها على الجرائد». ويقف جان-فرانسوا كان عند خطر الفكر الأوحد الذي يهدد الصحافة، بحيث ينزع الصحافيون وبكل حرية إلى تفكير موحد.
في نظر جان-فرانسوا كان، فإن 70% من الصحافيين السياسيين يفكرون بطريقة متشابهة. الصحافي في جريدة «ليبيراسيون» لا يجرؤ على مهاجمة نظيره في «لوفيغارو». يشتغلون كما لو كانوا من نفس الطبقة. يتناقلون عن بعضهم نفس الجمل. في مواضع الأمن، الهجرة، الفن، ثمة آراء مختلفة حقا، لكن في موضوع روسيا، الكوسوفو، أفغانستان، إصلاح الدستور، التجارة، النموذج الاقتصادي، فهم يتموقعون 100% على نفس الخط. الفكر هنا في وضعية انحصار.
إن الصحافيين يسيرون في الاتجاه المعاكس للفرنسيين. من الممكن أن تكون الأيديولوجية الصحافية على حق والفرنسيون على خطأ. الصحافة مفصولة ومنفصلة عن حقائق الرأي العام. لما يكتب الصحافيون أن أغنية كارلا بروني عقيلة ساركوزي عمل رائع، يكون رد فعل الجمهور عدم إقباله على اقتناء هذه الأسطوانة. مجدت الصحافة وبشكل مبالغ فيه الكتاب المشترك الذي كتبه هويلبيك وبيرنار-هنري ليفي، «أعداء علنيون»، لكن لا أحد من القراء اشترى الكتاب. الصحافة الفرنسية صحافة افتتاحيات وليست صحافة تحقيقات. غير أنها قامت بخطوات وإنجازات هامة في هذا الباب.
أما إيدوي بلينيل، أحد المؤسسين لموقع «ميديابار»، والذي عمل مديرا لهيئة تحرير جريدة «لوموند»، فيعتبر أنه يجب وضع الثقة في الصحافيين إن هم لبوا الشرط الديمقراطي الذي يبرر وجودهم. توجد الصحافة لأن الديمقراطية بحاجة إلى أخبار صادقة. يخطئ من يعتقد أن الصحافة تتلخص في الرأي، في وجهة النظر، في التعليق، والافتتاحية. إنها ممارسة في متناول جميع المواطنين وليس امتيازا يخص الصحافيين فقط. مع انبثاق الثورة الرقمية، فإن المواطنين ليسوا بحاجة إلى وساطة الصحافيين للتعبير عن آرائهم ومواقفهم. إننا نعيش ولادة الإعلام الشخصي، التشاركي، ليعبر كل واحد عن مواقفه في المجال الاجتماعي. ليس المواطن بحاجة إلى الصحافي. يقلق هذا الوضع بعض الصحافيين. «أعتبر شخصيا أنه خبر سار وإيجابي. وفي هذا عودة إلى قلب المهنة: الإخبار، التحقيق، النزول إلى أرض الواقع». يعتبر بلينيل أن الصراع من أجل استقلالية الصحافة له علاقة حميمية برهان المواطنة.
في مهنة الصحافة أهم شيء نبيعه هو الثقة
لا يتفق بلينيل مع الفكرة القائلة إن القراء يحتاطون من الصحافيين. لكن على النقيض، وبناء على تجربته الشخصية، يعتبر أنه لما تفتقر جريدة ما إلى ثقة قرائها، ولما تخطئ الموعد مع متطلبات هذا الجمهور، فإن هذه الثقة تهتز. وينعت بلينيل خاصية فرنسية سلبية، ألا وهي الحلف الذي قوض من الداخل الديمقراطية والذي عقدته الصحافة الحكومية مع الصحافة الصناعية. النتيجة هي انبثاق لصحافة رهينة بالسلطة. لا يتعلق الأمر بمسألة سياسية فحسب، بل ثمة رهان اقتصادي. «في مهنتنا، أهم شيء نبيعه هو الثقة. ولكي نحظى بثقة الجمهور، يجب أن يكون هذا الأخير واثقا من استقلاليتنا». وينتقد بلينيل بشكل عنيف في هذا الإطار، التوجه السلطوي ومحاولة تركيع الصحافة كما ينهجها نيكولا ساركوزي. ويستغرب صاحب موقع «ميديابار» من غياب ردود فعل الصحافيين، كما لو كانوا قد استسلموا لسلطة الأمير المطلقة. الأزمات الثلاث التي نعيشها اليوم، الأزمة الديمقراطية، الاقتصادية والصناعية، تستلزم منا عملية بناء راديكالية لحرية الصحافة، شروطها، أدواتها. ثمة رابطة تجمع ما بين الثقافة الديمقراطية والثقافة الصحافية. في عرض الحديث مع هؤلاء الفاعلين الثلاثة، طرحت أسئلة لصيقة بالعمل الصحافي، تجاوزاته، مصادره، طرق توظيفه وتوجيهه، مثل الحياة الخاصة والشخصية للمسؤولين السياسيين، سلطة صحافة البيبول، تلاعب الاستعلامات بالخبر، حماية مصادر الخبر الخ... وإن اختلفت الآراء فإنها تصب كلها في رغبة ضمان استقلالية الصحافة عن سلطة الإمبراطوريات الصناعية، التجارية أو البنكية حفاظا على قداسة المهنة ونزاهة الخبر وشرفه في زمن يسعى فيه كل فرد إلى ابتكار بنوكه الإعلامية الشخصية والخاصة وتمرير أخبار تفتقر أحيانا إلى الجد والمصداقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.