انعقاد مجلس الحكومة الخميس المقبل    المغرب والسعودية يوقعان "مذكرة تفاهم" لمكافحة التصحر وحماية النظم البيئية الغابوية (فيديو)    رويترز.. طهران تطلب من قطر والسعودية وسلطنة عُمان التدخل لدى ترامب للضغط على إسرائيل للموافقة على وقف فوري لإطلاق النار    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية ورياح بأقاليم الجهة الشرقية    435 من نزلاء المؤسسات السجنية اجتازوا بنجاح الدورة العادية لامتحانات باكالوريا 2025    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    إسبانيا تفشل عملية تهريب 13 سيارة مسروقة نحو المغرب    جراحات جبل "طوبقال" القديمة    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    هكذا أعلنت بنما دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي وحيد لقضية الصحراء        بلاغ هام من وزارة الأوقاف للراغبين في أداء مناسك الحج    غزة.. الدفاع المدني يعلن مقتل 20 فلسطينيا على الأقل بنيران إسرائيلية قرب مركز لتوزيع المساعدات    بنما: مبادرة الحكم الذاتي تمثل الحل الواقعي الوحيد لقضية الصحراء    العصبة الاحترافية تعلن عن مواعيد مباريات نصف نهائي كأس العرش    سبتة المحتلة تسجّل دخول 87 مهاجرا سريّا في غضون 15 يوما    وفاة طفلة مغربية إثر صعقة كهربائية داخل لعبة هوائية بمهرجان في إسبانيا (فيديو)    قميص الوداد يحصد وصافة الأفضل عالميا    أسبوع الفرس .. تنظيم الدورة الأربعين من 5 إلى 13 يوليوز المقبل بالرباط    حزب الكتاب يعبر عن إدانته القوية ورفضه القاطع لما يتعرض له الشعب الإيراني من عدوان صهيوني غاشم    في أول لقاء مع جمهوره المغربي.. ديستانكت يكشف ألبومه العالمي وسط تفاعل صاخب        "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    اعتداء وعنف بفاس.. توقيف شخص والتحقيق جارٍ لتوقيف شقيقه    الذهب يقترب من أعلى مستوياته في شهرين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الأسبوع بأداء سلبي    الهند تعلن العثور على الصندوق الأسود الثاني للطائرة المنكوبة    رسميا.. لا مباراة لبرشلونة في المغرب هذا الصيف لهذا السبب    الخطوط الملكية المغربية تضيف 700 ألف مقعد لخدمة الجالية.. الناظور من المدن المستفيدة    نقابة للتعليم العالي تعلن عن الإضراب وتحتج أمام الوزارة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الإثنين    تحت الرعاية الملكية.. بن جرير تحتضن الدورة الخامسة للمناظرة الوطنية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني    بناصر رفيق: المرأة التجمعية شريك أساسي في بناء مغرب الديمقراطية والتنمية    تطوان: تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد    الرجاء يؤجل انطلاق تداريب الفريق الأول استعدادا للموسم المقبل    تضامنا مع غزة… وقفات احتجاجية تطالب بكسر الحصار ووقف الإبادة    النفط يرتفع في ظل تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    إيران تعلن إعدام "جاسوس" عمل لصالح الموساد الإسرائيلي        الاتحاد الدولي لكرة القدم يرد على المشككين في "الموندياليتو"        ألكسندر دوغين: إسرائيل قد تلجأ إلى "خيار شمشون" وتستخدم السلاح النووي    8 قتلى في إسرائيل وإصابة 287 آخرين ووسائل إعلام عبرية تتحدث عن دمار هائل في تل أبيب الكبرى    "نقاش الأحرار" يحط الرحال بسوس    توتنهام الإنجليزي يضم المهاجم الفرنسي ماتيس تيل بشكل نهائي    حملات تضليل رقمية تستهدف حموشي.. وتُراهن على النصاب هشام جيراندو    المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة يحتفي بشخصيات بارزة من عالم الفن السابع    بعد غيابه لقرن من الزمان.. كزناية تحتضن مهرجان التبوريدة    ريدوان وبيتبول يبدعان في أغنية مونديال الأندية    فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    فرينش مونتانا يشعل حفل افتتاح مونديال الأندية بأمريكا بإطلالة بقميص المنتخب المغربي بخريطة المغرب كاملة    إيران تقصف معهد وايزمان الإسرائيلي للعلوم    ماذا يفعل تحطُّم الطائرة بجسم الإنسان؟    قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرشوة.. الداء والدواء
نشر في المساء يوم 02 - 02 - 2010

حقيقة صادمة تلك التي فجرها رئيس «الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة» حين صرح بأن هذه الهيئة لم تتلق، خلال السنة الفارطة، سوى ستين شكاية لا تتوفر في أغلبها قرائن لتحال على القضاء. وبطبيعة الحال، فهذا رقم هزيل يعكس عدم تواصل الهيئة مع الناس وعدم اقتناعهم بجدواها، كما أنه لا يتناسب مع استفحال ظاهرة الرشوة في مختلف الإدارات، ولا يساير الشعارات المرفوعة والبرامج المسطرة، خاصة وأن المغرب يوجد ضمن الدول الأكثر تضررا من الرشوة، مما يؤكد أن ورش محاربة الرشوة ربما لم يفتح بعد، وأن النظام الوطني للنزاهة عجز عن لعب دور حاسم في محاربة هذه الآفة. وخير مثال أن المغرب ما يزال يحتل مرتبة غير مشرفة في لائحة الدول التي تنخرها الرشوة وتنشرها سنويا ترانسبرانسي أنترناسيونال. وتكفي الإشارة إلى أنه فقد في العقد الأخير 44 رتبة، حيث انتقل من المركز 45 سنة 1999 إلى المركز 89 سنة 2009.
كما أن وضعية المغرب عرفت، في السنوات الأخيرة، تدهورا مقلقا، مما يثير الكثير من الأسئلة حول التداعيات السلبية لهذا الترتيب على الاقتصاد والمجتمع والمواطنين، لأن تنامي الرشوة عائق خطير أمام محاولات الإصلاح وتعبير عن ضعف مؤسسات المراقبة وعدم فعالية النصوص التشريعية والحملات التحسيسية وغياب القضاء المستقل.
وكعادتها، تكتفي الحكومة، عند كل انتكاسة، بإبداء الانزعاج وتقديم الوعود والتعهد بالعمل على مواجهة الظاهرة دون جدوى. وكمثال فقط، نأخذ رد فعل خالد الناصري، الناطق باسم الحكومة، بعد صدور تقرير 2008، حيث قال إن هذا التراجع «عنصر إزعاج بالنسبة إلى الحكومة» وإنه «عار بكل ما في الكلمة من معنى»، مضيفا أن محاربة الرشوة «تشكل أولوية لدى الحكومة، لأن تخليق الحياة العامة يعتبر من أهم هواجسها». وإن الحكومة «تأخذ نتائج التقرير بعين الاعتبار وبالأهمية التي يستحقها». وعن الإرادة السياسية المفترضة للمضي قدما في محاربة الرشوة، أكد الناصري أنه «ليس هناك من يجادل فيها»، موضحا أن «إجراءات وترتيبات جرى وضعها، وكان آخرها الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة». وبخصوص الأسباب التي أدت إلى تراجع المغرب، أوضح الناصري أن السبب يرجع إلى «بعض التراخي»، مؤكدا أن «المتابعة اليومية قائمة، لكنها تحتاج إلى نفس جديد وإلى الرفع من وتيرة محاربة الرشوة، بوضع مزيد من الإجراءات الرادعة، وتخليق الحياة العامة في المؤسسات العمومية وفي كل مناحي الحياة الإدارية والاقتصادية والاجتماعية»، معتبرا أن «موضوع محاربة الرشوة يتطلب مشاركة كل الأطراف والجهات المعنية، وليس الحكومة وحدها». كلام عام وفضفاض يستحق الشفقة قبل النقد!!!
إن استفحال الرشوة مؤشر على فشل الحكومات المتعاقبة وعجزها عن التصدي لهذه الآفة التي تنخر البلاد، ففي عهد حكومة اليوسفي، بدأ الاهتمام الجدي بالموضوع وتكلف به آنذاك أحمد الحليمي تحت عنوان «تخليق الحياة العامة» وتم إصدار ميثاق حسن التدبير. لكن توالي الأيام أثبت للمراقبين أن شعار محاربة الرشوة كذبته الوقائع العملية.. وحين عينت حكومة جطو، شرعت في تفعيل خطة العمل من أجل تخليق الحياة العامة ومحاربة الرشوة، وهي الخطة التي تعهدت بوضعها بعدما تخلت عن وضع قانون شامل لمحاربة الرشوة وتخليق الحياة العامة وعوضته باتخاذ إجراءات فورية في هذا المجال. وكان من ضمن الحلول إحداث جهاز مستقل تحت اسم «الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة»، مكلفة بتتبع وتنفيذ السياسات الوقائية وتقييم الإجراءات الكفيلة بمواجهة الرشوة، والغريب أن هذه المؤسسة لم تر النور إلا في غشت 2008 رغم أن مرسوم تأسيسها صدر في مارس 2007.
وحتى بعد مجيء حكومة عباس الفاسي، بقي الحديث عن تفشي الرشوة في أجهزة الدولة وفي القطاع الخاص متواصلا، ولم يبق الموضوع حكرا على المعارضة والصحافة فقط، بل صار جزءا من الخطاب الرسمي للدولة، حيث أعلن الملك محمد السادس في أكثر من خطاب عن الحاجة إلى محاربة الرشوة والفساد والريع.
لقد قدمت الهيئة كأنها قفزة نوعية في مجال التصدي لآفة الرشوة التي أصبحت ظاهرة منتشرة في عدة مجالات، ولم تأبه الحكومة، حينذاك، للتحفظات التي أبداها المهتمون عن هذه الهيئة ونظام اشتغالها وصلاحياتها وضعف الوسائل الممنوحة لها وصبغتها الاستشارية وتبعيتها للوزير الأول رغم أنه كان يمكن إحداث هيئة مستقلة كليا توكل إليها وظيفة التقصي وتحريك المتابعة القضائية، ويعترف لها بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، على غرار بعض الدول المتقدمة مثل بريطانيا.. بل راهن البعض، مقابل كل تلك النقائص، على مصداقية رئيسها المعروف كفاعل ضد الرشوة منذ مدة، متناسين أن المهم هو آليات اشتغال الهيئة وليس شخص رئيسها مهما كانت مصداقيته، ومدى جدية برامجها وفعالية تواصلها وقوة السلطات المخولة لها، وهو ما فشلت فيه بامتياز من خلال نتائجها المتواضعة. وهذا ما أكده رئيس الهيئة على هامش الدورة الرابعة للجمع العام العادي للهيئة حين قال إن الهيئة قوة معنوية واقتراحية لا تملك صلاحيات تقريرية وتنفيذية ذاتية، بل ترتكز في تفعيل مقترحاتها على الصلاحيات التقريرية والتنفيذية لشركائها من حكومة وإدارة وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين.
وهذا درس ينضاف إلى الفشل الذي طال مؤسسات مشابهة، مثل ديوان المظالم ومجلس المنافسة وغيرهما من المجالس الاستشارية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الفعل والنجاح، ولا تحظى بثقة الرأي العام لأنها فاقدة للاستقلالية والصلاحيات والإمكانيات.
إن النجاح في محاربة الرشوة يتطلب إرادة سياسية حقيقية لا تميز بين صغار المرتشين وكبارهم، بل تبدأ بالكبار أولا ليكونوا قدوة لغيرهم، ويتطلب سلطة قضائية مستقلة وحريصة على تنفيذ القانون دون تمييز أو تباطؤ، ويتطلب برلمانا يقظا ومراقبا لكل المؤسسات والشخصيات، ويتطلب إصلاحا إداريا حقيقيا حريصا على تخليق الحياة العامة ومكافحة كل أنواع الفساد وترسيخ الشفافية في تدبير الصفقات العمومية واعتماد مبادئ الحكامة الجيدة وترشيد تدبير المال العام وتحسين فعالية توظيف الموارد وتقوية نهج الشراكة بين الإدارة والقطاع العمومي وفق منظور متوازن وشفاف يقوم على المسؤولية وجودة الأداء ونجاعته في إطار منظومة قانونية حديثة ومتجانسة وإجراءات زجرية ورادعة، ويتطلب سياسة تحسيسية وتواصلية في الإعلام والمدرسة وباقي الفضاءات العمومية لأن التشريعات والقوانين وحدها غير كافية لاحتواء هذه الآفة.
لنجرب هذا الدواء قبل فوات الأوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.