سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قُبَيل تولي موسكو رئاسة مجلس الأمن.. المغرب يتحدث لغة "المصالح" في سعيه لتحييد "الفيتو" الروسي عن معركة سحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة وإعادة هندسة مهام "المينورسو"
1. الرئيسية 2. تقارير قُبَيل تولي موسكو رئاسة مجلس الأمن.. المغرب يتحدث لغة "المصالح" في سعيه لتحييد "الفيتو" الروسي عن معركة سحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة وإعادة هندسة مهام "المينورسو" الصحيفة - خولة اجعيفري الجمعة 17 أكتوبر 2025 - 17:15 تعود موسكو إلى واجهة الأحداث في لحظة دقيقة من مسار النزاع حول الصحراء، ليس فقط من بوابة اللقاء الثنائي الذي جمع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو وما أظهرته من مؤشرات التقارب والدفء في العلاقات بين البلدين، بل أيضا من خلال تولّي روسيا رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال الشهر الجاري وهي محطة تُعيد طرح سؤال جوهري كيف يمكن ضمان حياد روسيا في ظرف تتقاطع فيه المصالح الكبرى وتتشابك الحسابات داخل مجلس الأمن بينما يمضي المغرب بخطى حثيثة نحو سحب الملف من اللجنة الرابعة وإعادة تعريف مهام "المينورسو"؟. ويأتي هذا، بعدما ضمن المغرب دعما صريحا من الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وحيادا إيجابيا من الصين، فيما يظل الموقف الروسي هو "المتغيّر المجهول" في معادلة القرار الأممي المقبلة فموسكو، التي تمتلك حق النقض (الفيتو)، لطالما تبنّت خطابا يُغلّف موقفها بالحياد لكنها في لحظات حاسمة آثرت الامتناع عن التصويت بدل الاصطفاف مع واشنطن أو باريس، كما حدث في تجديد مهام بعثة المينورسو في السنوات الأخيرة. وذلك الامتناع، وإن فُسِّر آنذاك كعلامة "حياد"، فإنه يعكس في العمق حرص روسيا على البقاء في منطقة رمادية تسمح لها بالمناورة بين حلفائها التقليديين، كالجزائر، وشركائها الاقتصاديين الجدد في المنطقة وفي مقدمتهم المغرب، فيما ومع ترؤسها لمجلس الأمن، يُتوقّع أن تمارس موسكو هذا التوازن بحذر أكبر خاصة في ظلّ الحرب الأوكرانية والعزلة الغربية التي تدفعها لتعزيز حضورها الدبلوماسي في أفريقيا. وزيارة بوريطة إلى موسكو جاءت في هذا التوقيت بدلالة واضحة، فالرباط تدرك أنّ الطريق إلى "تحييد روسيا" لا يمرّ عبر التصعيد بل عبر الانخراط في حوار مباشر مع الكرملين والدبلوماسية الروسية في نيويورك. وخلال اللقاء، دعا بوريطة الذي يزور موسكو نظيره لافروف إلى زيارة المغرب، مؤكّدا على الرغبة في "تطوير العلاقات التاريخية بين البلدين"، فيما وصف لافروف المملكة بأنها "شريك استراتيجي مهم في القارة الأفريقية" وهي لغة تُعبّر عن رغبة متبادلة في بناء توازن استراتيجي خارج أطر الاستقطاب التقليدي. وتدرك الرباط، أن ضمان حياد موسكو في قضية الصحراء لا يتحقق بالتصريحات، بل بتوسيع رقعة المصالح المشتركة سواء في الطاقة، الأمن الغذائي، التعاون في أفريقيا، ومواجهة الإرهاب في الساحل والتعاون الاقتصادي والتجاري وهي ملفات تعرف روسيا أن للمغرب فيها موقعا محوريا وأن أي توتر سياسي قد يُفقدها قناة موثوقة في شمال أفريقيا. والحياد الروسي في الدورة الحالية من مجلس الأمن لن يُقاس بالكلمات، بل بالفعل فالسؤال المركزي الذي يتداول اليوم داخل الدوائر الدبلوماسية في الرباط هو مدى احتمالية سماح موسكو بمرور قرار يغيّر وظائف المينورسو باتجاه الحل السياسي، دون أن تعتبره اصطفافا ضد الجزائر سيما بعد التصريحات الأخيرة لوزير الخارحية الروسي سيرغي لافروف وهو يعلن من موسكو، أن بلاده مستعدة للترحيب بمقترح الحكم الذاتي المغربي لإنهاء الصراع حول الصحراء، باعتباره أحد أوجه تقرير المصير المعتمدة من طرف الأممالمتحدة، إذا ما تم ذلك عبر اتفاق جميع الأطراف. أما المغرب، الذي نجح في تحييد الصين واستمالة الموقف البريطاني بعد سنوات من الفتور، يبدو واعيا بأن كسب روسيا يتطلب مقاربة "هادئة ومرنة"، تقوم على ثلاثة مستويات متكاملة هي التفاوض داخل الأروقة المغلقة لمجلس الأمن عبر بعثة المغرب في نيويورك، التي تضطلع بدور استباقي في صياغة مسودات القرارات ومناقشة المفردات التي قد تُثير اعتراضا روسيا، خصوصا تلك المتعلقة بإعادة هيكلة بعثة المينورسو لتواكب مسار الحكم الذاتي بدل منطق الاستفتاء، ثم استثمار الشراكات الاقتصادية والجيوسياسية فالمغرب اليوم من أبرز الشركاء الأفارقة لروسيا في مجالات الفوسفاط، الأمن الغذائي، ومكافحة التطرف في الساحل وهي ورقة تتيح للمغرب إعادة تعريف العلاقة من زاوية "الربح المشترك"، بدل المواجهة الدبلوماسية. ثم يأتي الضغط الدبلوماسي المتعدد الأطراف من خلال شبكة "أصدقاء الصحراء المغربية" في أفريقيا وأمريكا اللاتينية والعالم العربي، والتي تعمل على خلق إجماع دولي يجعل أي فيتو روسي محتمل مكلفًا سياسيًا لموسكو أكثر من كونه مفيدا. وتعمل الدبلوماسية المغربية اليوم وفق رؤية جديدة تجعل من "التحييد الفعّال" أداة مركزية في إدارة النزاع، فالمغرب لم يعد يسعى فقط لحشد الدعم، بل لضبط توازن المواقف الكبرى بحيث تتحول القوى المترددة كروسياوالصينإلى أطراف تفضل "عدم الإزعاج" بدل المواجهة. ويعتمد هذا النهج على مزيج من الأدوات الناعمة والصلبة بما فيها الدبلوماسية البرلمانية التي تشتغل ميدانيا في بروكسيل وستراسبورغ وموسكو لتوضيح المقاربة المغربية، والتحالفات داخل الاتحاد الأفريقي التي تسحب تدريجيا البساط من الجزائر في المنتديات القارية، والإشعاع الاقتصادي والثقافي المغربي في أفريقيا، الذي يجعل من الرباط شريكا لا يمكن تجاوزه في السياسات الجديدة تجاه القارة، ثم التواصل الدبلوماسي المتقدم الذي يعتمد على المعلومة، السرعة، والتنسيق بين الخارجية المغربية وبعثاتها، وخاصة في نيويورك وجنيف وموسكو. وفي هذا الإطار، يرى الخبير في العلاقات الدولية حسن بلوان أن لقاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره الروسي سيرغي لافروف للمرة الثالثة خلال أسابيع يوحي بأن المملكة "دخلت السرعة القصوى في ديناميكية الحل والحسم السلمي لقضية الصحراء". بلوان وفي تصريح خص به "الصحيفة" أوضح أنه رغم أهمية اللقاء اليوم الذي سيدفع بالعلاقات المغربية الروسية نحو آفاق سياسية ودبلوماسية واقتصادية جديدة في إطار الشراكة الاستراتيجية المعمقة، إلا أن المثير هذه المرة هو "استباق وزير الخارجية الروسي لقاء اليوم بمجموعة من التصريحات الايجابية تجاه المملكة المغربية باعتبارها شريكا استراتيجيا في منطقة الشمال الافريقي وكذلك الترحيب بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية". وشكلت تصريحات وزير الخارجية الروسي المخضرم -قبل يومين- حول قضية الصحراء تطورا لافتا بالنظر إلى المواقف الروسية السابقة التي لم تخرج عن الحياد السلبي او المنطقة الرمادية لسنوات وفق بلوان الذي اعتبر أن تصريحات وزير الخارجية الروسي كانت أقرب إلى الرؤية المغربية حول مقترح الحكم الذاتي مع اعتماده ثلاثة ركائز داعمة لموقف الرباط. وتتمثل هطه الركائز، أولا، في أن روسيا ترحب بمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لتسوية النزاع، وهذا تطور مهم في الموقف الروسي، ثم ثانيا في اعتبار روسيا مقترح الحكم الذاتي أحد اوجه تقرير المصير المعتمدة من طرف الأممالمتحدة وهذا تحول لافت وغير مسبوق، أما الركيزة الثالثة فهي الإشارة بشكل ضمني إلى ان الاستفتاء الذي تطالب به الجزائر والجبهة الانفصالية منذ عقود أصبح متجاوزا، وأن الواقع تغير لاحقا مما يوحي على تحول برغماتي لروسيا في التعاطي مع الملف. وتأتي هذه التصريحات، في سياق أممي ترأس فيه روسيا مجلس الأمن، فيما يعتبر الخبير في العلاقات الدولية أنه من المنتظر ان يصوت هذا الأخير على قرار يمكن أن يدخل القضية الى منعطف جديد ينتصر للشرعية المغربية، خاصة إذا استحضرنا حجم الدعم الدولي الذي يساند مقترح الحكم الذاتي المغربي كأساس واقعي ووحيد للحل داخل الدول دائمة العضوية في المجلس. ونبه بلوان ضمن تصريحه ل "الصحيفة"، أن الموقف الروسي الجديد لم يأت من فراغ إذا استحضرنا تطور العلاقات المغربية الروسية سياسيا واقتصاديا خلال العقد الأخير في إطار اتفاقية الشراكة العليا بين البلدين منذ 2016، بالاضافة إلى اقتناع الساسة الروس بأهمية الشراكة الاستراتيجية مع المغرب الذي نأى بنفسه عن التجاذبات الإقليمية والدولية وحافظ على مواقف متوازنة في ظل الحرب الأوكرانية. وشدد المتحدث، على أن تحركات الدبلوماسية المغربية المكثفة تجاه روسيا تستحضر الدور الذي يمكن ان تلعبه موسكو على المستوى الأممي خلال هذا الشهر الحاسم في مسار ملف الصحراء، إلا أنه -في نفس الوقت- من المستبعد حاليا أن تخرج روسيا بموقف داعم ومباشر للمغرب يضاهي مواقف باقي الدول الدائمة العضوية الثلاثة (الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وبريطانيا) حفاظا على التوازنات الإقليمية ومصالحها مع الجزائر وجنوب افريقيا الداعمين الأساسيين للانفصال، لكن ضمان المغرب لحياد روسيا وإعراضها عن استعمال حق النقض هو نصر محقق واختراق كبير يحسب للدبلوماسية المغربية بالنظر إلى المواقف الروسية السابقة. وفي المجمل، أبرز بلوان أنه بعد المواقف الروسية الايجابية الأخيرة من قضية الصحراء ضمن المغرب حسما أمميا للملف ومن المتوقع أن يصوت مجلس الأمن أواخر الشهر الجاري على قرار تاريخي يعيد تسمية وهيكلة البعثة الأممية انسجاما مع دينامية وحراك دولي يجمع على ضرورة طي هذا النزاع الذي عمر ما يناهز خمسين سنة، وذلك في ظل السيادة المغربية.