كشفت أزمة المغاربة المعتمرين العالقين بمطار جدة عن مظاهر اختلال كثيرة صار من الضروري اليوم التعاطي معها بقدر كبير من الجدية والصرامة. للأسف، تم التعامل مع هذه الأزمة بمقاربة اختزالية، سواء بإلقاء المسؤولية كاملة على ممثل الخطوط الملكية للطيران في المملكة العربية السعودية، أو بالتعلل بالضغط الشديد الذي يعرفه مطار جدة لاسيما في أيام عيد الفطر. ومع أن هذه التعليلات لها تقديرها الخاص في فهم جوانب من هذه المشكلة، إلا أنها ليست أمرا طارئا، فمنسوب المعتمرين المتدفقين على المملكة العربية السعودية في شهر رمضان يعرف تزايدا مطردا، وشيء طبيعي أن يتم وضع هذا المعطى بعين الاعتبار في برمجة الرحلات، وشيء طبيعي أيضا أن يحصل تأخير في بعض الرحلات، لكن، المفارقة، هي أن مطار جدة عرف حالتين مختلفتين من علوق المغاربة المعتمرين: حالة تأخرت فيها الرحلة حوالي ستة وثلاثين ساعة عن موعد الإقلاع، وهو وقت استثنائي لا يعرف له مثيل إلا عند حصول إضرابات تشل حركة الطيران، وحالة تأخر وكالة أسفار بالقنيطرة عن توفير النقل لأكثر من خمسين معتمرا مغربيا إلى مطار جدة، مما نتج عنه تضييع موعد الرحلة، والعلوق بمطار جدة حتى الساعة دون بروز أي حل في الأفق. حالتان متناقضتان تماما، الأولى تأخرت الرحلة بسبب تأخر إقلاع الطائرة، والثانية بسبب إقلاع الطائرة في وقتها وتأخر الركاب عن موعد الرحلة. لكن هذا التناقض يزول بصفة كلية، حين نعرف أن الطائرة الأولى تنتمي إلى أسطول الخطوط الملكية المغربية، والثانية تنتمي إلى شركة القطرية للطيران. فهل يمكن أن نتصور أن تتحمل الخطوط الملكية للطيران وحدها الضغط الذي تعرفه حركة الطيران في مطار جدة وتتأخر ستة وثلاثين ساعة، في حين تحتفظ شركة أخرى كالقطرية بنفس مواعيد رحلاتها؟ إن الجواب عن هذا السؤال يكشف جانبا من جوانب الأزمة التي ينبغي العكوف على إيجاد حل عميق لها، فالتعامل التمييزي مع شركات الطيران، إن افترضنا صحة هذا التعليل، خاصة في الظروف التي يعرفها مطار جدة أيام عيد الفطر، يكشف عن وجود عطب آخر، يتجاوز شركة الطيران، ويمتد إلى الدبلوماسية المغربية، والدور الذي يفترض أن تقوم به في حماية المواطنين المغاربة وإعادة الاعتبار لهم والتدخل لمنع التعامل التمييزي معهم كما ولو كانوا مواطنين من الدرجة الثانية. ينبغي أن نكون صرحاء، فليست هذه هي المرة الأولى التي تقع فيها هذه المشاكل، وعدد المغاربة الذين يقصدون العمرة في تزايد مطرد خاصة في شهر رمضان، ثم إن موسم الحج على الأبواب، ينبغي أن نقر بأن هذا الملف كبير، يتحمل مسؤوليته أكثر من طرف، فتتحمل وزارة الأوقاف مسؤولية منح الترخيص لوكالات الأسفار، وتتحمل فيه شركة الخطوط الملكية المغربية مسؤولية المحافظة على مصداقيتها والدفاع باستماتة عن زبنائها، وتتحمل فيه وزارة النقل مسؤوليتها في مراقبة هذه الشركة واتخاذ ما يلزم من قرارات لمنع حدوث مثل هذه الكوارث، وتتحمل فيه وكالات الأسفار مسؤوليتها في الوفاء بالتعهدات التي تقطعها مع زبنائها وذلك بتوفير كل الخدمات الضرورية وفي الوقت المناسب ووضعها تحت طائلة سحب الرخصة في حالة الإخلال بالالتزامات المتعهد بها، كما تتحمل فيه سفارة المغرب في المملكة العربية السعودية مسؤولية التدخل لمنع أي تعامل تمييزي يفضي إلى تحميل المغاربة المعتمرين أو الحجاج معاناة أيام أو ساعات من العلوق في مطار جدة. المفارقة المؤلمة، إنه في اللحظة التي كان ينتظر من سفارة المغرب في المملكة العربية السعودية التدخل العاجل لمساعدة أكثر من خمسين مغربيا معتمرا وتمكينهم من الرجوع إلى بلدهم، يتفضل محسن سعودي، بتحمل مسؤولية إيواء خمسة عشر مسنا منهم في الفندق، ومساعدتهم على الرجوع إلى بلدهم مع تحمل نفقات سفرهم. هذا السلوك النبيل من جهة مواطن سعودي تألم لوضعية مسنين، لم يقابل للأسف بأي سلوك شبيه من الجهة الممثلين الدبلوماسيين المغاربة في السعودية، والذين لم يظهر لهم اي أثر في المشكلة التي يعاني منا هذا الفوج العالق. يبدو أن ملف العمرة والحج، صار يستوجب أن يحاط بعناية خاصة، وأن تفرد له المقاربة الشاملة المندمجة التي تؤطره، وأن تستحدث له البنية المؤسساتية الممثلة لكل المتدخلين، حتى يتحمل كل طرف مسؤوليته في هذا الاتجاه، وتوفر للمغاربة الشروط التي تضمن لهم أداء مناسك العبادة في احسن الأحوال. نتمنى، ونحن على مشارف موسم الحج، أن تتخذ كل الإجراءات الضرورية لإحاطة مناسك العبادة بكل ما يلزم من العناية حتى لا نشوش على الصفاء الروحي للمعتمرين والحجاج، وحتى لا نساهم في تحويل هذا الرصيد الذي كان يفترض أن يساهم في الرفع من منسوب القيم لدى العديد من الأسر إلى عامل احتجاج وتذمر من كل ما له علاقة بالوطن.