عبد النباوي : التشريع المغربي التحق بنظام العقوبات البديلة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    صحيفة أجنبية: المغرب يعد الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    وزير الدفاع الباكستاني: التوتر مع الهند قد يؤدي إلى حرب نووية    الجزائر تواصل مطاردة المثقفين.. فرنسا تتلقى مذكرتي توقيف دوليتين ضد كمال داود    بعد هزم تونس.. منتخب "أشبال الأطلس" يتأهل إلى ربع نهائي "الكان"    تُهرّب الحشيش من شمال المغرب.. إسبانيا تُطيح بشبكة إجرامية في الجنوب    "العفو الدولية": تهجير إسرائيل فلسطينيي غزة "جريمة ضد الإنسانية"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    توقيف مواطنين فرنسيين من أصول مغربية يشتبه تورطهما في قضية تتعلق بالسكر العلني وارتكاب حادثة سير بدنية مع جنحة الفرار    الأطرالصحية ونقابة الجامعة الوطنية للصحة بعمالة المضيق الفنيدق تضع يدها على ملف ساخن وتستنكر تعطيل خدمات تقويم البصر بمصحة النهاري بمرتيل    تعليمات جديدة من لفتيت للأمن والولاة: لا تساهل مع السياقة الاستعراضية والدراجات المعدلة    محاكمة زيان.. النيابة العامة تطالب بتشديد عقوبة السجن 5 سنوات الصادرة ضده    ملاحظة نقدية من طرف ألفونس ويلهانز حول جان بول سارتر والعقل الجدلي    ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    أبو الأسود الدؤلي    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    يومه الخميس، الذكرى 22 لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    "قانون بنعيسى" يُقصي الصحافيين من تغطية دورة جماعة أصيلة ويثير الجدل    الخطوط الملكية المغربية و"المبنى رقم 1 الجديد" في مطار JFK بنيويورك يبرمان شراكة استراتيجية لتعزيز تجربة المسافرين    سانشيز يُشيد بدور المغرب في استعادة الكهرباء بعد الانهيار "غير المسبوق" لشبكة التوزيع بإسبانيا    ديزي دروس يكتسح "الطوندونس" المغربي بآخر أعماله الفنية    من إنتاج شركة "Monafrique": المخرجة فاطمة بوبكدي تحصد جائزة وطنية عن مسلسل "إيليس ن ووشن"    إسبانيا تمول محطة تحلية عملاقة بالمغرب ب340 مليون يورو    من هي النقابة التي اتهمها وزير العدل بالكذب وقرر عدم استقبالها؟    التوأمة التربوية بين الرباط وباكو .. جسر لتعزيز الحوار الثقافي والمحافظة على التراث    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    بركة: نعيش سنة الحسم النهائي للوحدة الترابية للمملكة    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على كافة المستويات.. وخطابها "مستفز" ومخالف للواقع    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    الزمالك المصري يقيل المدرب بيسيرو    المغرب يحتفي باليوم العالمي لشجرة الأركان كرافعة للتخفيف من آثار التغيرات المناخية    اختتام الدورة الأولى للمنتدى الدولي للصناعة والخدمات بجهة أكادير    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    بركة: إحداث 52 ألف فرصة شغل بقطاع البناء والأشغال العمومية    لامين يامال يقدم وعدًا إلى جماهير برشلونة بعد الإقصاء من دوري أبطال أوروبا    500 مليون دولار خسائر مطار صنعاء    الكرادلة يبدأون عصر الأربعاء أعمال المجمع المغلق لانتخاب بابا جديد    دكاترة الصحة يذكرون بمطالب عالقة    "كوكا كولا" تغيّر ملصقات عبواتها بعد اتهامها بتضليل المستهلكين    قمة دوري الأبطال تستنفر أمن باريس    صيحة قوية للفاعل الجمعوي افرير عبد العزيز عن وضعية ملاعب القرب بحي العامرية بعين الشق لالدارالبيضاء    بايدن يتهم ترامب باسترضاء روسيا    فليك يتهم الحكم بإقصاء برشلونة ويُخاطب لاعبيه قبل الكلاسيكو    دافيد فراتيزي: اقتربت من فقدان الوعي بعد هدفي في شباك برشلونة    انتر ميلان يتغلب على برشلونة ويمر إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    القوات المسلحة الملكية: ندوة بالرباط تسلط الضوء على المساهمة الاستراتيجية للمغرب خلال الحرب العالمية الثانية    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    السياحة الريفية في الصين... هروب من صخب المدن نحو سحر القرى الهادئة    من النزاع إلى التسوية.. جماعة الجديدة تعتمد خيار المصالحة لتسوية غرامات شركة النظافة التي تتجاوز 300 مليون سنتيم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهر الحق- بقلم رشيد سودو
نشر في التجديد يوم 08 - 09 - 2009

إن الصيام الذي يحفر في قلب العبد ليصل به إلى نبع الإخلاص ((يدع طعامه وشرابه من أجلي)) فيتفجر ماء نقيا صافيا يطهر أعمال العباد من شوائب الرياء وينعشها، فتسري فيها الحياة بعد ما كانت في عداد الأموات، لأن الإخلاص هو روح العمل وقائده وسائقه على حد تعبير ابن القيم الجوزية، و (الأعمال صور قائمة وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها) كما في حكم ابن عطاء الله؛ إن هذا الصيام بفعله هذا يقيم الناس إلى جانب الحق ويقوي استمساكهم به، ويبتعد بهم عن الباطل ويُبَغّضه لهم. فالإخلاص يطهر النفس من حظوظها وأنانياتها ويسوقها سوقا إلى ساحة العدل والإنصاف، فتعطي كل ذي حق حقه ولو على حساب مصالحها الذاتية أو مصالح أحبابها وأقربائها ((اعدلوا هو أقرب للتقوى)). وهذا واحد من تجليات التقوى التي يساهم الصيام في إظهارها وترسيخها في العباد..
وعندما تتفتح بصيرة العبد بالإخلاص والتقوى ويتمسك بالحق، يتحرر أول ما يتحرر من الأهواء، وما يترتب عليها من تلون وتقلب وتذبذب مما يجعل الأعمال بلا أساس يثبتها، ولا وجهة تحفظها من الضياع. والجميل في هذا الأمر هو أن العبد يصير مهموما بتحري الحق في كل شيء وعند كل إنسان مهما كانت طبيعة علاقاته به، سواء كانت علاقات وفاق وتفاهم أو علاقات تنافر وتخاصم..
والصيام يترجم اهتمام العبد بالحق إلى سياسة أرقى لكشف الحجب النفسية الذاتية عنه، ويعلمه كيف يحتاط له مع نفسه وعند احتكاكه بالآخرين. فمع نفسه يتربى على ترك حظوظها ولو كانت فيها حقوقها.. ففي الصحيح: ((فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم)) وفي هذا إسقاط للنفس الأمارة بالسوء وإلغاء لها، وإظهار للنفس المطمئنة وانتصار لها وللحق الذي لا تفارقه ولا يفارقها.. وعند الاحتكاك بالآخرين يجد العبد الصائم نفسه ممنوعة عن الافتراء على الحق ومأمورة أكثر منها خارج الصيام، بالتزام العدل على الأقل ففي الصحيح: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).
وبالصيام وما يتقدمه خلال السنة من شعائر تعبدية وما يتخلله منها أثناء حضوره وما يجيء بعد رحيله، يمد العباد بثقافة طلب الحق ولا شيء غير الحق والتمسك به والانتصار له بحق ولو على حساب حظوظ الأنفس.. قال الحارث المحاسبي في رسالة المسترشدين: ((وتواضع للحق واخضع له)) وعلق عليه الشيخ أبو غدة بما أظهره أنه كان ثقافة سائدة في المجتمع الإسلامي، فقال: ((كما هو شأن المؤمنين الصالحين،فإنهم إذا عرفوا الحق سارعوا إليه، وإذا كشفوا الباطل في نفوسهم تنكروا له وعدلوا عنه)) وذكر بعض الأمثلة على ذلك:
وقع لعمر بن عبيد أنه قال في مسألة رأيا فأخطأ فيه، فناقشه واصل بن عطاء (وكانت بينهما عداوة) فتبين لعمرو بن عبيد خطؤه في تلك المسألة، فرجع فيها إلى الحق قائلا: ما بيني وبين الحق عداوة. والقول قولك، وأشهد من حضر أني تارك ما كنت عليه..
وفي ترجمة (عبيد الله بن الحسن العنبري) المتوفى سنة 168 ه ، أحد سادات أهل البصرة وفقهائها وعلمائها وكان قاضيا؛ قال عبد الرحمن بن مهدي تلميذه: كنا في جنازة فسألته عن مسألة فغلط فيها، فقلت له وأنا يومئذ حدث : أصلحك الله ليس هكذا، القول فيها كذا وكذا، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: صدقت يا غلام، إذا أرجع إلى قولك وأنا صاغر، لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل)).
والمتتبع لكتب التراجم ومناظرات العلماء فيما بينهم، يجدها زاخرة بما يقوم دليلا قاطعا على أن الاجتماع الحضاري الإسلامي كان قائما على ثقافة الانتصار للحق في وجه الباطل، وتكون فرحته بإصابة الحق ولو جاء عن طريق عدوهم أكبر وأعظم من مما يحملون من بغض لعدوهم، فكيف يكون فرحهم بالحق إذا أجراه الله على ألسنة أحبابهم وإخوانهم أو على الأقل من ليس عدوا لهم، يكون طبعا فرحا عظيما دون أن يخرج بهم إلى البطر والاستعلاء الاستكباري المخالف للحق. فهم يفرحون للحق بحق أي في حدود ما يسمح به الحق..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.