أبى سليمان الريسوني إلا أن يجعل من صدر جريدة ” أخبار اليوم”، التي ورثها عن توفيق بوعشرين، بُوقاً للدعاية لعفيفات الأسرة، ومرتعا لحياكة الطهرانية ورتق بكارة ابنة أخيه هاجر، وكأنَّ لسان حاله يجترُّ المثل المغربي العامّي ” شكون يشهد ليك العروسة.. قالت ليهم أمي وأختي (وعمي) “. فسليمان الريسوني صار يفتي في القانون، بما يقرأ في رسائل الواتساب، وما يسمعه من دردشات مع دفاع الأطراف، وما تراكم له من فضائح عائلية وأسرية لدرجة أضحى معها من جهابذة القانون في الجرائم الماسة بالأخلاق العامة وفي الاعتداءات الجنسية التي يتورط فيها الأخلاّء والأصدقاء وذوات القربى. فسليمان الريسوني يؤاخذ على النيابة العامة، في افتتاحية تزكم الأنوف بروائحها النتّنة، أنها ليست خصما شريفا، وأنها لا تعادي من يعادي القانون، وأنها تجاوزت حدودها كطرف متساوٍ في المركز القانوني مع باقي أطراف الخصومة الجنائية، مُعيبا عليها (أي النيابة العامة) تقديمها لوثيقة الخبرة الطبية خارج الأجل، أو بحسب تعبيره في الرابع من شتنبر الجاري، والحال أنها سبق أن أحالت الملف برمته على المحكمة في الثاني من نفس الشهر! ولتنوير السيد سليمان الريسوني، علَّهُ يُراجع مصادره القانونية ومناهله التشريعية، فإن المشرع المغربي لا يُلزم قطعا النيابة العامة بأي أجل زمني، سواء أجل سقوط أو أجل تقادم، في كل ما يتعلق بالوثائق والمستندات والخبرات المحالة على هيئة المحكمة، بل إن هذه الأخيرة تكون ملزمة فقط بواجب مهني يفرض عليها “الإحالة الفورية” لتلك الوثائق فور التوصل بها، وذلك تحقيقا للسرعة والفعالية في إرساء العدالة. فالفقرة الرابعة من المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية تنص صراحة على أن وكيل الملك، وهو المختص في قضية هاجر الريسوني، يُحيل ما يتلقاه من محاضر وشكايات ووشايات وكل ما يتخذه من إجراءات بشأنها على المحكمة أو هيئات التحقيق، دونما تقييد للأجل، وذلك بخلاف ما فعله المشرع في كل ما يتعلق بإجراءات الطعون في مواجهة الأحكام والمقررات القضائية. فالمشرع المغربي، يعلم جيدا بأن أمد الحراسة النظرية المحدد قانونا قد لا يسعف الشرطة القضائية والنيابة العامة في الحصول على نتائج الخبرات الجينية والسمومية والوراثية وغيرها، التي قد تتطلب وقتا طويلا نسبيا، لذلك فقد فتح الباب أمام إمكانية الضم اللاحق لهذه الوثائق إلى ملف القضية من طرف النيابة العامة، مع تخويل جميع الأطراف صلاحية الاطلاع عليها. وتصويبا أيضا للثقافة التشريعية عند سليمان “القانوني”، وجب تذكيره بأن القاعدة القانونية تقول بأن ” الجنائي يجرًّ الجنحي”، بمعنى أن الاختصاص النوعي في الجنايات يشمل حتى الأوصاف الجنحية غير قابلة للتجزئة أو المترابطة، التي تتحقق فيها وحدة الموضوع وحدة الطرف، وهو ما نصت عليه صراحة المواد 255 و256 و257 من قانون المسطرة الجنائية. وتطبيقا لهذه المقتضيات القانونية، أسند المشرع المغربي النظر للمحكمة المختصة بالحكم في الفعل الأشد كلّما تعددت الجرائم واجتمعت في نفس الوقت. وبتعبير أكثر بساطة، حتى يفهم سليمان الريسوني، فإن محكمة الجنايات تكون هي المختصة بالبت في قضية المتابعين من أجل أفعال جنحية مرتبطة بالفعل الجنائي الأصلي، مثلما وقع في قضية الصحفي حميد المهداوي ومن معه. لكن المحكمة يمكنها تجزيء وفصل الجرائم متى كانت غير مترابطة، كأن يكون الفعل الأصلي مثلا جريمة قتل، والفعل الجنحي إدلاء ببيانات زائفة كما كان الحال في قضية شرطي مدينة الدارالبيضاء، الذي استدل بحالته سليمان الريسوني، كنوع من “البهرات” التي يراهن على نكهتها لتثبيت نظرية المؤامرة المفترضة ضد عائلته. وإمعانا أيضا في التوضيح، ينبغي أن يعلم سليمان الريسوني بأن النيابة العامة لا تُعادي ابنة أخيه هاجر أو غيرها من الأشخاص الذين يوجدون في وضعية خلاف مع القانون، لسبب بسيط وهو أن المشرع يُنزّه الادعاء عن العداء والانحياز! وقد يفاجئك هذا التصريح، لكنه صحيح. فالمادة 274 من قانون المسطرة الجنائية تنص صراحة على أنه ” لا يمكن تجريح قضاة النيابة العامة”. فالمشرع المغربي والعديد من التشريعات المقارنة المستوحاة من “النظام القضائي الجرماني” تسمح لأطراف الدعوى بتجريح قضاة التحقيق وقضاة الحكم، والمطالبة برفع أيديهم عن القضية إذا توافرت فيهم شروط محددة، لكنها في المقابل تستثني من التجريح قضاة النيابة العامة، لأن هذه القوانين تعتبر أن النيابة العامة تمثل المجتمع ككل، وليس فئة معينة في المجتمع، وبالتالي فإن المجتمع لا يمكنه أن يجرّح أو يخاصم نفسه. وزيادة في التنوير، نلفت انتباه سليمان الريسوني، ومن يهمس في أذنه، بأن الفصل الأول من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة أو اللاإنسانية أفردت تعريفا دقيقا لحالات التعذيب الجسدي أو العقلي، والتي لا يوجد من ضمنها إجراء الخبرة الطبية على شخص موضوع بحث قضائي ، كما لا يدخل تحت طائلتها أيضا العذاب الناجم عن تنفيذ جزاءات أو عقوبات مشروعة. فهاجر الريسوني تم نقلها إلى المستشفى للخضوع لفحص طبي، أشرف عليه بروفيسور متخصص في أمراض النساء والتوليد، وهو الفحص الذي جرى داخل مستشفى عمومي وليس في مكان سري أو في مؤسسة للإيداع، كما تم القيام به في ظروف تحفظ كرامة المعنية بالأمر، وبالتالي فكل من يراهن أو يحاول تقديم هذا الفحص على أنه تعذيب، فيجب عليه أن يبحث عن تشريع ونظام قضائي آخر غير الأنظمة القضائية المتعارف عليها دوليا. وبعيدا عن لغة القانون والتشريع، هناك مثل عربي/يمني شهير يقول ” دعِ الخبز لخبّازه”، أو بما معناه أترك المسائل القانونية وغيرها لذوي الاختصاص الذين يفهمون فيها، لأن “من يُقرّ بجهله يُظهره مرة واحدة جاهلا، ومن يحاول إخفاء جهله يظهره عدة مرات”، هكذا قال مثل هندي هذه المرة. وكل تشابه بين هذه الأمثلة وحالة سليمان الريسوني فهو من قبيل الصدفة.