افتتاح المعهد العالي للعلوم الأمنية بمدينة إفران    في مباراة ضعيفة.. التعادل السلبي (0-0) يحسم موقعة المغرب وعمان في الجولة الثانية من دور المجموعات بكأس العرب    كأس العرب -قطر 2025- (الجولة 2 المجموعة 2).. المنتخب المغربي يتعادل أمام نظيره العماني (0-0)    الفيفا يمنح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جائزة السلام    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة: المصادقة على إحداث "شركة المنشآت الرياضية لطنجة"    قبل انطلاق كان 2025 .. الصحة تعتمد آلية وطنية لتعزيز التغطية الصحية        مجلس المنافسة يقوم بعمليات تفتيش مفاجئة لدى 5 فاعلين في سوق أعلاف الدواجن    مراجعة مدونة الأسرة..    مؤسسة محمد الخامس للتضامن تنظم حملة طبية – جراحية كبرى بالسمارة    "الفيلسوف ابن ساعته"    رعب في الطائرة    أيُّ ديمقراطية نُؤسِّسُ..؟    هولندا تدعم سيادة المغرب على صحرائه: الحكم الذاتي هو الحل الأكثر واقعية    الهيئة الوطنية للنزاهة تلغي طلب العروض لإنجاز خريطة مخاطر الفساد في قطاع الصحة وتدعو لتدخل تشريعي عاجل    اعتصام جزئي داخل مستشفى محمد السادس بأجدير للاسبوع الرابع    هولندا.. محاكمة مغربي متهم بقتل شخص طعنا : انا مختل عقليا ولست ارهابيا    لفتيت ينفي تدخل الإدارة في انتخابات 2021 ويدعو إلى تخليق الحياة السياسية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تنهي الأسبوع بارتفاع    تعيين أربعة مدراء جدد على رأس مطارات مراكش وطنجة وفاس وأكادير    الاجتماع رفيع المستوى المغرب–إسبانيا.. تجسيد جديد لمتانة الشراكة الثنائية (منتدى)    محكمة الاستئناف بمراكش تُنصف كاتب وملحن أغنية "إنتي باغية واحد"    "ورشات الأطلس" بمهرجان مراكش تعلن عن متوجي الدورة السابعة    مدير "يوروفيجن" يتوقع مقاطعة خمس دول للمسابقة بسبب مشاركة إسرائيل    هذا هو أصغر لاعب شطرنج مدرج في تصنيف الاتحاد الدولي للعبة    اسم وهوية جديدان لمدرسة خليل جبران    الحكومة تمدد وقف استيفاء رسوم استيراد الأبقار والجمال لضبط الأسعار    "أمريكا أولا"… ترامب يعلن استراتيجية تركز على تعزيز الهيمنة في أمريكا اللاتينية وتحول عن التركيز عن آسيا    نتفلكس تقترب من أكبر صفقة لشراء استوديوهات وارنر وخدمة "HBO Max"    بوريطة: مغالطات "الاستفتاء" انتهت .. والحكم الذاتي يُنفَّذ دون وصاية دولية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ميسي يثير الغموض مجددا بشأن مشاركته في كأس العالم 2026    الغلوسي: مسؤولون فاسدون استغلوا مواقع القرار للسطو على أموال برنامج "مراكش الحاضرة المتجددة"    خلال 20 عاما.. واشنطن تحذر من خطر "محو" الحضارة الأوروبية    ماكرون يصف الحكم على صحافي فرنسي في الجزائر بأنه "ظالم"    سعر النحاس يقفز لمستوى قياسي وسط تفاؤل التوقعات ومخاوف الإمدادات    قصيدةٌ لِتاوْنات المعْشوقة.. على إيقاع الطّقْطُوقة!    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تقرير: واحد من كل ثلاثة فرنسيين مسلمين يقول إنه يعاني من التمييز    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة            مونديال 2026.. أنظار العالم تتجه نحو واشنطن لمتابعة عملية سحب القرعة    ترقب مغربي لما ستسفر عنه قرعة مونديال 2026 اليوم بواشنطن    استقرار أسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأمريكية    كيوسك الجمعة | 72% من المغاربة يتصدقون بأموالهم لفائدة الجمعيات أو للأشخاص المحتاجين    النيجيري ويليام تروست-إيكونغ يعلن اعتزاله الدولي    "المثمر" يواكب الزيتون بمكناس .. والمنصات التطبيقية تزيد مردودية الجَني    لمياء الزايدي .. الصوت الذي يأسر القلوب ويخطف الأنفاس    مبادرة "Be Proactive" تعزّز الوقاية من حساسية الأسنان في عيادات المغرب    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة: الأسود والسمكة
نشر في بيان اليوم يوم 18 - 12 - 2011

كنت قد جلست خلفها ونحن نتابع مبدعا يغزل كلماته موئلا لضياعه، ويغازل بها أطياف متاهته، وجْهُهَا إليه وشَعْرُها الأسود اللامع إلي، كان فوق المنصة يئن مشتعلا، ثم يتطاير دخانا أسود فيملأ الجو حنينا وغربة وأسى، وكنت خلفها ألملم دهشتي وأحاول عبثا ركوب أرجوحة كلماته الجريحة فتعلق نظرتي بصهيل شعرها الجامح الموغل في سواده، ثم تتدحرج الذات في سفح السواد المتماوج.
بين كلماته النازفة والتماع الشعر الأسود الجارح كان مركبي المتهالك يفقد أشرعته مع آخر شعاعِ سرابٍ لإطلالة خضراء.
أمضي في الأزرق اللامتناهي، وأنا أستنجد صارخا بالأسود، الأسود الأصيل الشامخ، الأسود المتعالي في كبريائه ودلاله، الأسود في جبروته وغوايته.
ظللت متأرجحا بين أدخنة المنصة وعواء الأسود المخيف بداخلي، قامت فجأة واتجهت نحو الباب: طلعة أربعينية تحتفي بنفسها في زهو بالغ، وتشرع أبوابها للريح بلا تحفّظ، قامة قصيرة وجمال صارم مهيب، بشرة بيضاء ونظرة بعيدة تخترق كثافة الوجود، حذاء جلدي يصَّاعد لمنتصف الساقين، «روب» أسود منحسر فوق الركبتين، يضم فخدين مشدودين ومشعَّين كفضة صقيلة، ويتدثر بمعطف أسود طويل ومشرع للهبوب.. أخذتني دوخةُ أسودٍ عاتية فخرجت بدوري، رأيتها تعب من سيجارتها بنهم وهي تقتعد كرسيا خشبيا أمام أحدهم، ورأيت غمامتين حزينتين تحطان على عينيها الدامعتين، فقرأت عناوين فجائع لا تحتمل، حاولت جاهدا تسلق جدران حيائي كي أطل على ارتباكي أمام توهجها فازددت ارتباكا.
كنت أسير بجانبها ونحن ننزل في شارع يفضي إلى شاطئ خريفي هائج، اشتبكنا في دردشة حول سؤال الكتابة فوجدتها تزفر لهيب اغتراب حارق، دنوت منها وقد وضعَتْ هذه المرة نظارات سوداء حجبت عني الغمامتين الحزينتين وعناوين الفجائع.
قالت:
- لماذا يُعطَى النقابيون التفرّغ ويُحْرَمُ منه الأدباء؟
ظللتُ واجما، أو مدثّرا انجرافي الهائل بوجوم مصطنع.
قالت أيضا:
- قراءاتي فرنسية في الأغلب، لكنني أفضل ألمي مسكوبا في فناجين عربية.
(صمتت قليلا ثم أضافت) لأنني أحب اللغة العربية..
صوتها دافئ وموجع كأنها تجلبه من غور عميق، تتمازج فيه بحة حزن مع شغف ظاهر بالاكتشاف ومراودة الحرائق من جديد، كان الأسود يجللها ببهائه ويجعلها ناذرة كبشارة، وعميقة كلوعة أم، وتائهة كقبلة مسروقة..
نظرت إلي لأول مرة بإمعان ثم قالت:
- الكتابة معاناة حقيقية.. أريد أن أتفرغ، ولكن هذا الوطن لا يساعد.
كنت حينها ضائعا تماما ومنخطفا في متاهات الأسود الموحش، تقلَّصتُ، تضاءلتُ كثيرا قبل أن أتشكَّل من جديد كائنا هوائيا صرفا، ومع ذلك كان ثمة تماوج أسود لعين يسحبني في خدر لا يقاوم إلى العمق أكثر.
أوشكت على البكاء، وحاولت أن أهرب دون أن أستطيع، جلسنا حول مائدة بمطعم تقليدي ضمَّنا بحفاوة بالغة، حاولت أن أتشاغل عنها بأشياء تافهة، لكنني لم أستطع الفكاك من الأسود الساحر الذي صار يحتلُّني عن آخري دون أدنى مقاومة، رأيتها منتعشة وراقصة بعنفوان كسمكة سلمون أُعِيدَتْ إلى حوضها الأصلي، كانت تغوص وترقص، تزهو وتزداد سوادا وغموضا، صارت غاوية ومخيفة، صارت وجعا أكابده بلا توقف، صارت كلمة حارقة تستهلكني تماما، حينها قالت صديقتها بعفوية ماكرة:
- لا أريد أن أصير سمكة..
لا يهمني ما تعنيه، غير أنني لم أعرف لحظتها هل تحولت صيادا شرسا تجننه شهوة السواد، أم أنني مصطاد في شبكة سوداء لا ترحم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.