طنجة.. سيارة تدهس "مقدّم" بعدما دفعه متشرد نحو الطريق    توقيع اتفاقية شراكة بين بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية لتعزيز الشمول المالي في القطاع الفلاحي المغربي    صواريخ إيران تُشرد 2000 عائلة إسرائيلية    كأس العالم للأندية.. الوداد الرياضي ينهزم أمام مانشستر سيتي    بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد    غامبيا تشيد بمصداقية الحكم الذاتي ودينامية التنمية بالصحراء    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    اتحاد تواركة إلى نهائي كأس التميز    تعاونيات إفريقية تستفيد من المغرب    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    نشرة إنذارية: طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة بعدد من المناطق    كومنولث دومينيكا تجدد تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء    الأمم المتحدة/الصحراء.. سيراليون تجدد تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية    بونو ينقذ الهلال من مقصلة الريال    المغرب أولًا .. ومن يرفع "راية إيران" يسقط في امتحان الوطنية    المغرب يستعد لإحصاء وطني جديد للماشية ويعد بشفافية دعم الكسابة    الأزهر يثمن "الكد والسعاية" المغربي    احتجاج جديد أمام البرلمان.. خريجو الجامعات يصعّدون ضد شروط الإقصاء في مباريات التعليم    بونو يحبط ريال مدريد ويمنح الهلال تعادلا ثمينا في كأس العالم للأندية    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    لقجع: المغرب ملتزم بجعل مونديال 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    بنعلي وقيوح يبحثان فرص تعزيز الربط القاري وتطوير الصناعات المرتبطة بالطاقات المتجددة والنقل البحري    نشرة إنذارية.. طقس حار وزخات رعدية مصحوبة ببرد وهبات رياح    فطيمة بن عزة: برامج السياحة تقصي الجهة الشرقية وتكرس معضلة البطالة    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    مباحثات رئيس مجلس النواب و"سيماك"    معرض باريس الجوي.. مزور: 150 شركة طيران تتوفر على وحدة إنتاج واحدة على الأقل بالمغرب    تفكيك شبكة دولية لتهريب السيارات المسروقة نحو المغرب عبر ميناء طنجة المتوسط    ثلاثة مغاربة ضمن قائمة أغلى عشرة لاعبين عرب بمونديال الأندية    مونديال الأندية.. الوداد يكشف عن التشكيلة الرسمية لمواجهة مانشستر سيتي    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    السعودية تُعلن فتح باب التقديم لتأشيرات العمرة لموسم 2025 بشروط جديدة وتسهيلات موسعة    إيران: سيطرنا على أجواء الأرض المحتلة اليوم وبداية نهاية أسطورة الدفاع للجيش الصهيوني    النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي تفقد الثقة في إصلاح النظام الأساسي    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    الدرك الملكي يحجز 8 أطنان من الشيرا    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    خامنئي: إيران "لن تستسلم أبدا" للضغوط    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    التصعيد الاسرائيلي – الإيراني.. تأكيد خليجي على ضرورة وقف إطلاق النار ودعم جهود السلام في المنطقة    جلالة الملك يهنئ رئيس السيشل بمناسبة العيد الوطني لبلاده    لقجع: الدعم الاجتماعي المباشر حلقة جديدة ضمن المبادرات الملكية الهادفة إلى صون كرامة المواطن    أردوغان: "نتنياهو تجاوز هتلر في جرائم الإبادة"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    "واتساب" ينفي نقل بيانات مستخدمين إلى إسرائيل    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مساهمة في مناقشه أطروحات المؤتمر الوطني التاسع لحزب التقدم والاشتراكية
نشر في بيان اليوم يوم 16 - 05 - 2014

تميز التجربة المغربية في الحراك الديمقراطي العربي والمغاربي
ينعقد المؤتمر الوطني التاسع لحزب التقدم والاشتراكية في ظل وضعية سياسية جديدة وطنيا وبعد تحولات كبرى في المنطقة العربية والمغاربية، وما ترتب عنها من تفاعلات اجتماعية وسياسية تسائل الحزب فكريا وسياسيا، وتدعوه إلى تحليلها واستخلاص الخلاصات الضرورية لبلورة خط سياسي يستوعب هذه التحولات ويواكبها، انطلاقا من قناعاته المبدئية وأدواته التحليلية، ومقاربته التي مكنتهّ،عبر تاريخه، من استيعاب حركة المجتمع والتاريخ والتأثير إيجابا في المنحى العام للتطور السياسي لبلدنا... إن الوضعية السياسية الجديدة تطرح سؤال مدى تحقق الشعارات المركزية للمؤتمر الوطني الثامن للحزب والتي لخصت برنامجه السياسي المرحلي وعلى رأسها شعار «التعاقد السياسي الجديد» لمغرب الجيل الجديد من الإصلاحات والممارسة السياسية السليمة...
لقد أدى التفاعل السريع والإيجابي مع الحراك العام (إقليميا ووطنيا) للمغرب بكل مكوناته، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، إلى بلورة دستور جديد متقدم أعتبره بمثابة تعاقد بين كل مكونات الأمة المغربية، وانتقلنا من تعاقد ضمني سماه الحزب في مرحلة سابقة ب «التوافق التاريخي»، والذي اعتبر المؤتمر الوطني الثامن أنه استنفذ مهامه، إلى تعاقد مكتوب تجسده الوثيقة الدستورية بعد حوار وطني ساهمت فيه كل القوى الفاعلة، سياسية ونقابية وجمعوية، تمخض عنه دستور ساهمت في بلورة توجهاته وصياغته كل مكونات الأمة وأقره الشعب المغربي بشبه إجماع، مما يجعل من الوثيقة الدستورية، في نظري، «تعاقدا سياسيا جديدا» تتضمن، إضافة إلى أهم المطالب الدستورية للحركة الديمقراطية والتقدمية ببلدنا، تحديدا متوافقا عليه للهوية الوطنية وترسيخا لمكاسب الشعب المغربي في مجال الديمقراطية والحريات، وضمانا للحقوق الأساسية للمواطن، والأوراش الإصلاحية الوطنية الكبرى، وتحديدا متقدما للممارسة السياسية، وهو ما يمكن اعتباره استجابة، نظريا، لأحدى أطروحات المؤتمر الوطني الثامن المتعلقة بضرورة حياة سياسية سليمة. غير أن الاستجابة «النظرية» لأهم أطروحات مؤتمرنا الثامن تفرض معارك سياسية متواصلة للانتقال من الإقرار المبدئي إلى الإقرار الفعلي في الحياة العامة، وهي المعارك التي يقوم فيها حزب التقدم والاشتراكية بدور فعال ورائد...
إن المهام المرحلية المطروحة على القوى الحية، وعلى حزب التقدم والاشتراكية، تتلخص في احترام هذا التعاقد السياسي الجديد الذي تتضمنه الوثيقة الدستورية، وتطبيق مضامينه الإيجابية والمتقدمة، سواء ما يتعلق منها بإتمام الوثيقة الدستورية عبر القوانين التنظيمية، أو ما يتعلق بالحقوق الأساسية، أو الإصلاحات الكبرى، أو إرساء حياة سياسية سليمة ضابطها الوحيد الدستور والقانون والمصالح العليا للوطن والشعب.
ويتعين على حزب التقدم والاشتراكية تحديدا العمل، في المرحلة الراهنة، على كل واجهات النضال السياسي وداخل المؤسسات الدستورية على تمكين أوسع الجماهير من الحقوق الأساسية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية من جهة وتعميق التوجه الاجتماعي في السياسات العمومية لإقرار الديمقراطية بمعناها الشمولي (سياسية، اجتماعية، ثقافية....) والعدالة الاجتماعية، والدفاع، من أي موقع يتواجد فيه، على مصالح الطبقات الكادحة وحقوقها وطموحاتها، ومواجهة كل الانحرافات، الواردة دائما، لإفراغ الوثيقة الدستورية من مضامينها المتقدمة، ومواجهة أي تشويه للحياة السياسية أو تبخيس للعمل السياسي الجدي والمسؤول.
ورغم ما تتضمنه الوثيقة الدستورية من حقوق للطبقات التي يدافع عليها الحزب فإن نضاله السياسي مرتبط وموجه بهويته الطبقية والفكرية والسياسية وأفقه الاشتراكي، مع التأكيد أن الصراع السياسي هو واجهة للصراع الطبقي وصراع مصالح طبقية وفئوية، وفي هذا الصراع هناك حاجة إلى حلفاء بناء على تحديد التناقض الرئيس والمهام المطروحة في كل مرحلة.
ولكون التحولات الهامة والتاريخية التي عرفتها بلادنا منذ المؤتمر الوطني الثامن مرتبطة بالحراك العام الذي عرفته المنطقة العربية والمغاربية وتمت في إطاره، كان لزاما على الوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني التاسع قراءة أسباب هذا الحراك ونتائجه ومساراته وأفقه، لموضعة وضعنا السياسي الوطني الجديد ومميزاته المرحلية، وموقع الحزب ودوره ومهامه، بارتباط مع هويته وبرنامجه، لترسيخ المكتسبات، وتطبيق مضامين الوثيقة الدستورية، وإقرار مجتمع الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة..
وتتضمن الوثيقة إضافة لذلك، تحليلا للوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحقوقي، ومقترحات الحزب وبدائله التقدمية. كما تبقى القضية الوطنية وما يرتبط بها من عمل دبلوماسي في صلب اهتمامات الحزب. وتحدد الوثيقة السياسية قراءة حزب التقدم و الاشتراكية للوضع الدولي ومواقفه من مجمل القضايا المطروحة على الساحة الدولية.
في هذه الورقة لن أورد مجمل التحاليل التي قدمتها الوثيقة السياسية التي أشاطرها، وبل أود تقديم بعض الإضافات على سبيل تأكيد المقاربة العامة للحزب من بعض القضايا التي عالجها مشروع الوثيقة السياسية.
التحولات الكبرى
في المجالين العربي والمغاربي
قدم مشروع الوثيقة السياسية تحليلا دقيقا لأسباب هذه التحولات ونتائجها ومساراتها المتمايزة، ومن خلاصات الوثيقة في هذا المجال أن مسارات الحراك رغم اختلافاتها فإن ما يجمع بينها هو التوق إلى الحرية والديمقراطية والكرامة، إن ما هو عام هو هذا الطموح الذي يتجسد في الخاص أي في كل بلد حسب خصوصياته.
وتورد الوثيقة نتائج هذا الحراك على المستوى السياسي وعلى مستوى الوعي الشعبي، ومن هذه النتائج التي أريد التوقف عندها ظهور تمايز داخل ما يسمى ب «الإسلام السياسي» بين توجهات تقبل بالعمل السياسي في إطار المشروعية الديمقراطية وأخرى نكوصية وإرهابية وإقصائية، ولا يمكن وضعها جميعا في نفس السلة والتعامل معها بذات الطريقة، ويمكن أن أضيف إلى النتائج التي أوردتها الوثيقة نتائج يمكن إدراجها ضمن مجال الفكر:
فعلى المستوى الفكري تنامت دعوات الحوار بين الإسلام والعلمانية، والإسلام السياسي المعتدل واليسار. ففي إطار مخاض التحولات، الذي مازال مستمرا، برزت مقاربتان متناقضتان، الأولى مقاربة إقصائية واستئصالية هي استمرار لما كان سائدا قبل الربيع الديمقراطي العربي والمغاربي، سواء من طرف متطرفي الإسلام السياسي الذين يعتبرون خصومهم العلمانيين واليساريين ملاحدة وخارج المجتمع الإسلامي أو من قبل المتطرفين من العلمانيين واليسار الذين يعتبرون كل ما ينتمي للإسلام السياسي رجعيا وظلاميا وخارج العصر الحديث، والثانية مقاربة توافقية تعتبر الإسلام السياسي واقعا لا يرتفع وفاعلا في الوضع الاجتماعي والسياسي، وهو ليس كلا منسجما، وأن من ضمنه تيارات قابلة للحوار والتوافق على القواعد العامة، أساسها الديمقراطية وحق الاختلاف، مع وجود توجه للبحث عن القواسم المشتركة بين الإسلام السياسي ذي النزعة الاحتجاجية والاصطفاف بجانب المستضعفين وبين اليسار بشكل خاص المعبر، مبدئيا، عن قضايا أوسع للجماهير...
هذا الحوار بدأت تشهده منتديات فكرية في بلدان مختلفة، وكلل بالنجاح على المستوى السياسي في تونس. وكان حزب التقدم والاشتراكية سباقا لهذه المقاربة من خلال تلاقي موضوعي حول قضايا سياسية مرحلية مع حزب العدالة والتنمية. وجدير بالذكر أن الحزب كان سباقا، بذكائه السياسي الجماعي وحسه التاريخي، حول قضايا أخرى مثل الموقف من الدين في ستينات القرن الماضي، والمسلسل الديمقراطي خلال السبعينات، والتوافق التاريخي خلال التسعينات، وقد أكد التاريخ صواب تحاليل الحزب ومواقفه رغم ردود الفعل المعادية في حينه، وتحمل الحزب معارك إيديولوجية وسياسية، حادة أحيانا، خاضها بكل اقتناع وبدون خضوع لأي إملاء فكري أو سياسي من خارجه. وعلى الحزب اليوم تعميق تفكيره بخصوص ظاهرة الإسلام السياسي عامة والتوجه المعتدل داخله بالخصوص، والسعي نحو حوار فكري واسع للتمكن من استيعاب أفضل، ومن قدرة أكبر على التأثير على مسار التطور الفكري والسياسي لدى الحركات الإسلامية كما تيارات اليسار والتوجه العلماني المعتدل.
التجربة المغربية بين العام والخاص
ضمن الإطار العام للحراك العربي والمغاربي، المحلل بتفصيل في مشروع الوثيقة وبارتباط مع هذا الحراك، حدثت التحولات الهامة التي عرفتها بلادنا في السنوات الثلاث الأخيرة. لم يشكل المغرب استثناء في هذا الحراك، فقد وصلت رياحه إلى الشارع المغربي، وكانت حركة 20 فبراير إحدى تعبيراته القوية، غير أن الحراك المغربي كان متميزا سواء من حيث شكله أو مضمونه أو مساره.
فقد تميز الحراك المغربي بطابعه السلمي وبشعاراته الإصلاحية، ولم يضع النظام السياسي، في المجمل، موضع سؤال، وعبرت مطالب الشارع عن الرغبة في الإصلاح، ورفع شعار «ارحل» في وجه الفساد السياسي والاقتصادي والمالي، والمطالبة بالديمقراطية، ودستور متقدم، والعدالة الاجتماعية والكرامة. وهي مطالب تقاطعت مع ما كانت تطرحه القوى السياسية الديمقراطية وكل القوى الإصلاحية، سياسية واجتماعية، ومع ما طالبت به الوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية من تعديلات دستورية، وجيل جديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإرساء حياة سياسية سليمة.
ورغم عدم أو ضعف تفاعل القوى السياسية الديمقراطية مع حركة الشارع على مستوى الشكل، فعلى مستوى المضمون كان التوجه العام هو دعم مطالب الإصلاح. هذا التفاعل الإيجابي مع مطالب الإصلاح بلغ مداه مع خطاب 9 مارس التاريخي لجلالة الملك، باعتباره معبرا عن إرادة الأمة جمعاء، وهو الخطاب الذي وجه المسار المغربي في اتجاه إيجابي وصنع تميزه، بل ريادته.
ففي الوقت الذي اختار فيه النظام التونسي السابق وأنظمة في المشرق العربي مواجهة حركة الشارع السلمية المطالبة بالتغيير والإصلاح بالقمع المسلح وإخراج الدبابات، أخرج ملك المغرب خطاب 9 مارس 2011 للتفاعل مع الحراك ومطالبه الرئيسية، متضمنا لورقة إصلاحية شاملة، وخارطة طريق للمسار المغربي. وانطلق بعد الخطاب حوار وطني واسع توج بدستور متوافق عليه وتمت بلورة مضامينه بشكل جماعي واعتمادا على المضامين المتقدمة للخطاب الملكي يوم 9 مارس، وتمت صياغته بمساهمة كل القوى الوطنية الفاعلة، سياسية ونقابية وجمعوية، وهي صيغة جديدة متميزة ومبتكرة قطعت مع صيغة الدساتير الممنوحة التي كان معمولا بها في السابق، وكانت تلك إشارة قوية للانتقال إلى توافق تاريخي جديد..
وتلت إقرار الدستور باستفتاء شعبي وبشبه إجماع انتخابات سابقة لأوانها، هي الأقل سوء في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية في المغرب، وبوأت حزب العدالة والتنمية المعارض صدارة النتائج، كدليل ملموس على تعبير النتائج، إجمالا، على حقيقة الخريطة السياسية للبلاد، وهو مؤشر آخر للتفاعل الإيجابي مع مطالب الإصلاح.
إن هذه التجربة السياسية المتميزة ساهمت بقوة في صناعة تميز المسار المغربي في إطار الحراك العربي والمغاربي، وهي تجربة نالت تتبعا وترحيبا دوليا قويا، بل اعتبرتها أوساط دولية عديدة تجربة رائدة جديرة بالاقتداء، في محيط إقليمي يطبعه، عموما، العنف واللاستقرار.
إن التجربة المغربية المتميزة ليست تجربة حزب أو ائتلاف حزبي بل تجربة وطنية جديرة بالدعم من طرف كل القوى الديمقراطية دون اعتبار لحساب الربح والخسارة الحزبي الضيق، لأن الوطن هو الرابح من نجاحها أولا ثم القوى الديمقراطية ومجموع الشعب. مع الإشارة إلى أن المعارضة البناءة والمسؤولة هي دعم غير مباشر ومن موقع آخر وإسهام في إنجاح تجربة لا معنى لها بدون معارضة ديمقراطية اقتراحيه، يقظة، واقفة في وجه أي إمكانية للانحراف الوارد دائما في العمل السياسي.غير أنه لا بد من التنبيه في ذات الآن إلى خطورة استحضار الحسابات الحزبية الصغيرة على حساب المصلحة الوطنية العظمى، وخطورة إفشال تجربة هي وطنية في نهاية المطاف، والخاسر في حالة فشلها هو الوطن برمته.
إن التجربة المغربية هي تجسيد خاص لما هو عام المتمثل في تحولات شاملة في المنطقة العربية والمغاربية، وفي إرادة التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. المغرب ليس استثناء ولا يمكن له أن يكون لأنه غير معزول عن محيطه العام والإقليمي، ولأن الإصلاح كان مطروحا بقوة كضرورة وطنية. وقد عبرت الوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية بوضوح عن ذلك عندما رفعت شعار «جيل جديد من الإصلاحات « ودققت مضامينه الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية...
فأطروحة الاستثناء المغربي بينت على لاواقعيتها وعن فشلها سابقا وخلال أحداث 16 ماي الإرهابية ... لقد كان حزب التقدم والاشتراكية قبل هذا الحادث الدموي ينبه إلى أن المغرب ليس بمنأى عن خطر الإرهاب بناء على تحليل استباقي وبعد نظر يميز الحزب منذ عقود، غير أن تنبيهات الحزب ووجهت بأطروحة الاستثناء المغربي، وحدثت الصدمة التي نبهت الجميع إلى تهافت هذه الأطروحة...
وإذا كان المغرب لا يشكل استثناء بالمنطقة فإنه يشكل تميزا في مساره السياسي، في الماضي والحاضر، وهذا أمر طبيعي وسمة ليست استثنائية ولا خاصية مطلقة لبلدنا، فمسارات التحولات الاجتماعية والسياسية متمايزة، بناء على المعطيات السياسية والسوسيولوجية والحضارية لكل بلد. ومعطياتنا الوطنية الخاصة أنتجت خصوصية وتميز تجربتنا الوطنية.
ومن أسباب تميز التجربة المغربية في الوضعية الراهنة ما راكمه المسار السياسي لبلدنا من تجارب، على رأسها انطلاق المسلسل الديمقراطي منذ سنة 1975، والاعتراف المبكر بالتعددية الحزبية بل ومنع الحزب الواحد منذ أول دستور للمملكة، ووجود حياة نقابية تعددية وفاعلة، وتعابير اجتماعية مختلفة ضمن حركة المجتمع المدني، وتعدد المنابر الإعلامية، ووجود تجارب انتخابية مهما كانت الخروقات والنواقص فإنها مكنت من تمثيلية قوى سياسية مختلفة في مجالس منتخبة محليا ووطنيا ومن المساهمة في تدبير الشأن العام المحلي ثم الوطني، ووجود مؤسسات دستورية نشيطة، رغم كل المآخذ، تحقق نجاحات، وإخفاقات تكون موضع نقاش وطني يؤدي إلى تحسين تدريجي لأدائها... إضافة إلى ذلك فثقافة الاحتجاج السلمي والمنظم ليست غريبة ولا مستجدة في الحياة العامة الوطنية. كل ذلك مكن، باستمرار، قوى المجتمع من التعبير عن نفسها بأشكال مختلفة، وتمكنت أحيانا من تحقيق مطالب ومكاسب لا يستهان بها، سياسية واجتماعية وثقافية، مما أدى إلى عدم بلوغ الاحتقان إلى مداه الأقصى، كما حدث في بلدان أخرى، وأدى إلى أن يكون المسار المغربي غير منفصل عما تراكم طيلة عقود من النضال السياسي والاجتماعي، بل استمرار، وإن بشكل نوعي، لمجموع التحولات الكمية التي حصلت طيلة عقود، وتم الإصلاح في إطار الاستمرارية والاستقرار.
والعنصر الأساسي الذي أدى إلى إصلاح بدون تكلفة كبرى على مستوى استقرار البلاد السياسي والاجتماعي، وجود إجماع على النظام السياسي المتمثل في الملكية رغم وجود مطالب إصلاحية على مستوى موقعها الدستوري، خاصة ما يتعلق بالصلاحيات التنفيذية، ووجود توجه متوافق عليه للسير في أفق الملكية البرلمانية.. غير أن جوهر النظام وأسسه الشرعية، والقناعة السائدة لكون الملكية موحدة للأمة وتعبيرا عن سيادتها وإرادتها العامة، لم يكن هو موضع سؤال جدي، سواء قبل 2011 أو بعده خلال مناقشة الإصلاحات الدستورية لبلورة الدستور الجديد... ينضاف إلى ذلك أن الملكية في المغرب عبر التاريخ تتجاوب، في اللحظات الحاسمة، مع إرادة الأمة، والتعديلات الدستورية لسنتي 1992 و1996 تعبر عن هذا المنحى للنظام الملكي في المغرب، وتأكد ذلك بشكل واضح في الخطاب الملكي في 9 مارس 2011.
كل هذه المعطيات غيبت شعار «إسقاط النظام» في الحراك المغربي، ما عدا استثناءات محدودة وغير ذات أهمية على مستوى التأثير على مسار الحراك ومسار التجربة، وحمت بلادنا من الانزلاق نحو الصراعات الدموية والأفق المجهول، مثلما حصل في بلدان أخرى، ومكنتها من مسار سلمي يضمن الاستقرار والإصلاح في الآن ذاته.
التجربة الحكومية الجديدة بين إرادة الإصلاح وعوائقه
أدت المعالجة الهادئة والمتبصرة لتأثيرات وتفاعلات الحراك العربي والمغاربي، خاصة المبادرة الملكية الحاسمة لكن أيضا انخراط قوى سياسية فاعلة في حراك ذي طبيعة سياسية من خلال التفاعل والترحيب بالمبادرة وإطلاق نقاش وحوار وطني حول محاور الإصلاح ساهم فيه حزب التقدم والاشتراكية بقوة (ملتقيات الربيع الديمقراطي)؛ أدت هذه المعالجة إلى الشروع، دون أي تبديد للزمن، في بلورة دستور توافقي، تلته انتخابات سابقة لأوانها وتشكيل حكومة يرأسها الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات تطبيقا لمقتضيات الدستور الجديد، وهو إنجاز ديمقراطي كبير.
ورغم أجواء الإصلاح فقد استمرت بعض الانحرافات والممارسات المخلة بنزاهة الانتخابات، بشكل أقل حدة من الماضي لكن بتأثير نسبي على النتائج التي عكست رغم ذلك، بالتقريب، حقيقة الخريطة السياسية. هذه الممارسات ليست مستساغة ضمن توجه، فرض نفسه، نحو ممارسة سياسية سليمة وسوية، وهو ما ينبغي الحرص على تجاوزه في الاستحقاقات المقبلة، ترسيخا لمسار الإصلاح، واحتراما للتعاقد الجديد التي عبرت عنه الوثيقة الدستورية.
ورغم النتائج غير المسبوقة التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية، فإن النظام الانتخابي لا يسمح بإحراز أغلبية حزبية مما فرض تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة الحزب المتصدر للنتائج الانتخابية وبمشاركة قوية لحزب التقدم والاشتراكية.
وتميزت التجربة الحكومية الجديدة بنفسها الإصلاحي القوي وبرنامج يرسخ المكتسبات ويطمح إلى إنجاز إصلاحات إستراتيجية، وانشغال جدي بالمسألة الاجتماعية، وجعل محاربة الفساد والريع ضمن الأولويات، وتأكيد على حسن تدبير المال العام، وبرامج قطاعية طموحة، وتوجه نحو ترسيخ الحكامة الجيدة والشفافية ومزيدا من التخليق للحياة العامة، مما جعله برنامجا يعكس، إجمالا، طموحات فئات واسعة من شعبنا وتعبيراته السياسية والاجتماعية، وخلق جوا من التفاؤل والأمل، وأعاد للعمل السياسي بعض المصداقية والجدوى بعد سيادة اليأس والنفور من العمل الحزبي والعزوف عن المشاركة بل الاهتمام بالحياة السياسية، وهو ما يعتبر، في حد ذاته، إنجازا نظرا لما شكله العزوف من مخاطر على مستقبل البلاد واستقرارها.
وبقدر ما شكل كل ذلك نقط قوة في المسار المغربي ضمن الحراك العام فقد برزت نقط ضعف لا يمكن تجاهلها، ومنها هشاشة التحالف الحكومي في النسخة الأولى وهو ما أدى إلى صعوبات في مرحلة لاحقة، وضعف تجربة التسيير لدى الطرف الأساسي في التحالف، وهو أمر طبيعي باعتبار تجربة الانتقال من المعارضة إلى تدبير الشأن العام، وكان لذلك تأثير على الأداء الحكومي في الشهور الأولى بالخصوص.
وينضاف إلى ذلك بطء الأداء الحكومي، والتردد في مواجهة بؤر الريع والفساد، لاعتبارات موضوعية منها طبيعة التحالف الحكومي نفسه، وقوة لوبيات المصالح التي واجهت بشراسة كل المبادرات الإصلاحية، خاصة تلك المرتبطة بالريع والفساد، لكن أيضا لاعتبارات ذاتية، ومنها ضعف الجرأة السياسية في مواجهة لوبيات المصالح بشكل عملي ملموس، من خلال تدابير وإجراءات، وذلك لأجل الحفاظ على توازنات تغلب الاستمرارية على التغيير في نهاية المطاف...
ورغم الهزة القوية التي عرفها التحالف الحكومي بخروج حزب الاستقلال من الأغلبية ودخول البلاد في أزمة سياسية كادت تشكل خطرا حقيقيا على التجربة وعلى المسار المغربي ككل، فقد تم تجاوز الأزمة بعد تبديد زمن سياسي ثمين، وتأخير أوراش إصلاحية، وخسارات اقتصادية أدى الشعب ثمنها، وذلك بفضل حرص جلالة الملك على التقيد بالضوابط الدستورية ومعالجة الأزمة بحكمة وتبصر، واستحضار مصالح بلدنا ونظامنا السياسي ومخاطر فشل أول تجربة بعد الدستور الجديد، سواء على مستوى الاستقرار السياسي كشرط ضروري لكل تنمية، أو على مستوى سمعة بلادنا الخارجية التي اكتسبتها بفضل أسلوبها المتميز، السلمي والهادئ، في التعامل مع الحراك الاجتماعي والسياسي العام.
لقد اعتبر حزب التقدم والاشتراكية في حينه أن النجاح في تجاوز الأزمة السياسية بإدماج حزب التجمع الوطني للأحرار، ضمن التحالف الحكومي، وتشكيل النسخة الثانية من حكومة «التناوب الديمقراطي» إنجاز سياسي هام لا بد من تقديره السليم، خاصة إذا استحضرنا الدعوات القوية لمراجعة المسار برمته والعودة إلى وضعية ما قبل 2011، الأمر الذي كان سيشكل انتكاسة حقيقية لمسار الانتقال الديمقراطي، بعد اختلال موازين القوى تأثرا بعوامل خارجية، وإعادة هيكلة بعض قوى الريع والفساد لنفسها، وخفوت صوت الشارع المطالب بالإصلاح، والفشل في تشكيل جبهة وطنية واسعة من قوى سياسية واجتماعية لضمان استمرار الإصلاح ومواجهة قوى الريع والفساد وتعبيراتها المختلفة في الحياة العامة.
غير أن النجاح في تجاوز الأزمة واستمرارية الحكومة القائمة ليس هدفا في حد ذاته، بل الهدف هو تنفيذ البرنامج الحكومي والحسم في الملفات الإصلاحية الكبرى المطروحة على البلاد (المقاصة، النظام الجبائي، العدالة، التقاعد، الجهوية الموسعة...) وإنجاز المخطط التشريعي، خاصة ما يتعلق بالقوانين التنظيمية المكملة للدستور، وإجراءات جدية في مجال محاربة الريع والفساد وانحرافات الإدارة والقضاء وكل مجالات الحياة العامة، وتحسين وضعية الجماهير الواسعة سواء على مستوى ضمان الخدمات الأساسية وتجويدها، أو على مستوى الرفع من القدرة الشرائية للمواطن المغربي عامة والفئات الفقيرة والكادحة على وجه الخصوص، كل ذلك يفرض مرور الأداء الحكومي إلى السرعة القصوى للتعويض، ولو نسبيا، عن الزمن الضائع خلال الأزمة الحكومية...
وعلى كل أطراف التحالف الحكومي الوعي بضغط الزمن وبمخاطر فشل هذه التجربة المتميزة في مسارنا السياسي، وهي مخاطر تتحدد في مصدرين أساسيين: مصدر الحكومة نفسها إذا فشلت في إنجاز برنامجها الإصلاحي ولمس المواطن ثمار هذا الإنجاز، ومخاطر من خارج الحكومة وتتمثل في لوبيات وشبكات الريع والفساد والقوى المنظمة المعبرة عنها بسعيها إلى إرباك الحكومة والتصدي لمبادراتها الإصلاحية، وإلى إفشالها في نهاية المطاف.
*عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.