الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، مناسبة لإبراز رؤية المغرب (أخنوش)    وزارة الفلاحة تخفف قيود ذبح إناث الأغنام والماعز    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    إسبانيا وإيطاليا ترسلان دعما بحريا لمساعدة أسطول الصمود    الرئيس الصيني يشارك في احتفالات الذكرى السبعين لتأسيس منطقة شينجيانغ    "أشبال الأطلس" يطمحون لتحقيق إنجاز عالمي جديد في مونديال ال(شيلي 2025) لأقل من 20 سنة..    المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للصحة بالمضيق الفنيدق يطلق بيان استنكاري حاد حول تدهور الأوضاع الصحية    توقيف متورطين في تعنيف واحتجاز قاصر داخل سيارة بقلعة السراغنة..    المغرب والإمارات يرفعان مستوى التنسيق الأمني لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة    تراجع رسمي ب65% في تزويج الطفلات.. و"ائتلاف دنيا" يحذر من زواج الفاتحة    تراجع أسعار النفط بعدما سجلت أعلى مستوياتها في 7 أسابيع    الجامعة تكشف عن تعيينات حكام الجولة الثالثة من البطولة الاحترافية            جامعة أرباب محطات الوقود تقاطع اجتماع وزارة الطاقة وتلوّح بإضراب وطني    القضاء الفرنسي يدين الرئيس السابق ساركوزي بالتواطؤ في قضية التمويل الليبي    بينهم 11 بمجزرة.. إسرائيل تقتل 19 فلسطينيا بقطاع غزة الخميس    "ملف" كيش لوداية.. هيئات تعلن تأسيس لجنة تضامن وتدعو لوقفة احتجاجية بتمارة بسبب "القمع" والاعتقالات        مساءلة وزير التربية الوطنية حول "تعثرات" مشروع مدارس الريادة        حموشي يجري زيارة عمل إلى الإمارات العربية المتحدة    اجتماع يواكب مبادرة المغرب للساحل    المغرب يعلن بمونتريال خططاً لمضاعفة طاقة مطاراته إلى 80 مليون مسافر بحلول 2030    بطولة فرنسا.. توقيف مدرب مرسيليا دي تزيربي مباراة واحدة        نيويورك.. أخنوش يتباحث مع رئيسة المفوضية الأوروبية    زيدان: السياحة المستدامة تشكل "فرصة واعدة" لبناء نموذج اقتصادي مغربي أكثر صلابة    إطلاق اتفاقية متعددة الأطراف بالرباط لمكافحة المنشطات في المجال الرياضي    إصابة نحو 50 إسرائيلياً في هجوم بطائرة بمسيّرة يمنيّة على إيلات    قيوح يحشد لتمكين المغرب من مقعد دائم بمجلس المنظمة العالمية للطيران    زامبيا تجدد تأكيد دعمها لسيادة المغرب على صحرائه    بابوا غينيا الجديدة تجدد تأكيد دعمها لمغربية الصحراء، ولسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، وللمخطط المغربي للحكم الذاتي    طنجة.. أزمة الصرف الصحي ومياه الأمطار تُهدد منطقة "أوف شور بلازا" ودعوات عاجلة لوالي الجهة للتدخل    إسبانيا ترسل سفينة لإنقاذ رعاياها بعد استهداف "أسطول الصمود" قبالة اليونان والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي يدينان الهجمات            عمر عزيمان يتوج بالجائزة الدولية "ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم"    "لامورا..الحب في زمن الحرب" للمخرج الراحل محمد اسماعيل يدخل سباق القاعات السينمائية    TV5MONDE تحتفي بالفرنكوفونية المغربية في سهرة ثقافية خاصة    مهرجان "عيطة بلادي" يكشف تفاصيل نسخته الأولى في الدار البيضاء    الصراع مستمر بين المغرب وإسبانيا على استضافة نهائي مونديال 2030    سناء العلوي… من تكريم وزان إلى لجنة تحكيم سلا    قراءة في مسرحية «عيشه ومش عيشه»: «الوجود الإنساني لا يفهم إلا في ضوء تناقضاته»    6 روايات عن العائلة إلى المرحلة النهائية من جائزة "بوكر"    مؤسسة الدوحة للأفلام تسلط الضوء على الأصوات الفلسطينية في مهرجان الدوحة السينمائي    منظمة الصحة العالمية: لا علاقة مؤكدة بين الباراسيتامول والتوحد        دراسة: تلوث الهواء قد يضر ببصر الأطفال    سفيرة المغرب في فرنسا سميرة سيطايل بالكوفية الفلسطينية وفي بيت سفيرة فلسطين في باريس.. بعد اعتراف الرئيس الفرنسي بدولة فلسطين    دراسة: غثيان الحمل الشديد يرفع خطر الإصابة بأمراض نفسية            المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة (دراسة)    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الطريق إلى مكة
نشر في بيان اليوم يوم 06 - 08 - 2014


مشاهدات في بادية الخليج
اليومية27
حل الفسحة جاءني طالب يشكو إليَّ زميله ..
يا أستاذ ..! الوِرِعْ ذا يبغا يذبحني ..
استغربت وقلت له : يذبحك ..؟ هل أنت متأكد من أنه يريد أن يذبحك ..؟
إلاَّ مِتأكدْ يا أستاذ.. يقول الطالب
يريد ذبحك بسكين أم بغيره .. ؟ سألته
لم يتقبل الطالب جوابي .. فكلانا لم يفهم قصد الآخر.. مسكت بيده واتجهنا إلى الإدارة .. ما إن أخبرت المدير بما قاله الطالب عن عملية الذبح هذه حتى ضحك وقال لي :
الذبح عندنا معناه الضرب يا أستاذ .. يذبحه يعني يضربه ..
نعم لقد فهمت حينئذ بأن بعض المصطلحات العربية المدفونة في القواميس قد تعني شيئا ولكنها في الاستعمال العادي واليومي عند بعض الناس والأقوام قد تعني شيئا آخر.
كانت لي مع كلمة الذبح هذه قصة أخرى في يوم آخر وفي نفس المدرسة ومع نفس الطلبة .. لكني هذه المرة كنت قد تعودت على سماعها.
وأنا داخل القسم كالعادة و بعد أن كنا قد ألفنا وتعودنا على جو الصحراء وبدأنا نستأنس بالعمل في هذه الديار كانت الحوامة أيْ « الهيلوكبتير « تحوم حول القرية على علو قريب من الأرض كان صوتها قويا ومزعجا.. ولما صارت الحوامة تحوم فوق المدرسة بحيث أصبحنا نرى بوضوح رُباَّنها .. خرج التلاميذ من أقسامهم في وقت واحد حاملين حقائبهم المدرسية وهم يصرخون.
صدام حَ يذبحنا.. صدام حَ يذبحنا ..
ركب الطلابُ سياراتهم وانطلقوا مغادرين ونحن نستغرب من تصرفهم هذا .. لكن الأساتذة السعوديين كانوا يقدرون موقف طلابهم هؤلاء نظرا للخوف الذي كانوا يعانون منه مذ غزت جنود صدام دولة الكويت .
من يومها ولا تزال تهديدات صدام حسين للخليجيين بدمارهم وخراب بيوتهم قائمة .. حتى الإعلام الرسمي المحلي والإقليمي والدولي ساهم في زرع كل هذا الخوف في نفوس المواطنين صغارا وكبارا .
نعم .. لقد ترك بعض المواطنين يومئذ بيوتهم في الدمام وفي الرياض وفي بعض المدن الأخرى خصوصا تلك التي كانت قريبة حدودها من العراق أو الكويت وهاجروا إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة بل واشترى كثير منهم اللباس الواقي ضد أسلحة الدمار النووية خوفا من وعيد صدام الذي كان يزداد حدة بازدياد ضغط الحلفاء عليه .
.....
في هذا الجو الرمضاني كنا نتناول فطورنا في ساحة خارج الحرم كانت الساحة أقرب لسوق الليل .. وفي الأسفل كانت عدة حمامات بعضها خاص بالرجال وبعضها خاص بالنساء .
ما هي إلا لحظة حتى رأينا مجموعة من النساء والفتيات السود وبعض الرجال من أولئك واللواتي تعشن بدون هوية وبدون أوراق تثبت هويتهم في مكة المكرمة .. كانوا يتحدثون بصوت عال وهم بلا شك يتحدثون عن حادثة وقعت تحت أعينهم في حمامات النساء إلى أن جاءت سيدة مصرية جلست بالقرب منا وهي تحكي لنا ما وقع :
لقد دخل رجلان متخفيان وهما يرتديان العباءة النسوية السوداء إلى حمامات النساء.. كانا يترصدان سيدة قصد الانفراد بها في داخل المرحاض .. ليسرقا ما في حوزتها من دهب ومجوهرات ويهربان وسط حشد النساء .. لكن من خلال طريقة عدْوهما تبين للنساء أخيرا أنهما رجلان .
طبعا في المواسم تكثر السرقات من طرف هؤلاء
« الْبِدُونْ» وغيرهم في داخل الحرم فما بالك بخارجه !؟ رغم أن العقوبة شديدة لكن شدتها لا تمنع من الظلم والعدوان حتى ولو في داخل البيت الحرام .
هؤلاء البدون رجالا ونساء ليست لهم طريقة للعيش إلا بالتسول أو السرقة أو طرق أخرى غير مشروعة وما أكثرها ! خصوصا بالنسبة للنساء .. فتجد المرأة أو الفتاة منهن صغيرة السن وهي حبلى أو وهي تحمل على ظهرها أو في ذراعها رضيعا بريئا حكمت عليه الظروف بالقرب من الحرم بأن يكون لقيطا . ....
الأستاذ حاتم يعزمنا على الفطور في هذا اليوم من شهر رمضان في مدينته الطائف التي تمتاز بهواء عليل .. أما فاكهتها فيا أ الله.. ما ألذها ! .
خرجنا عصرا لنتنزه في جبل « الهَدَا «الذي توجد به القردة الضخمة والكثيرة العدد .. كانت القردة عبارة عن جماعات يقودها زعيمهم .. وتسمى عندهم « سَعْدان» .
أحد المنازل تبدو بعيدة منا وقد سيجت بسياج حديدي كهربائي حتى يمنع القردة من الهجوم على المنزل .
كانت القردة قبل غروب الشمس تصطف جانب الطريق لتتسول المارة .
هناك من يرمي لها الخبز أو الفاكهة .. كما كانت بعض القردة تهجم بغثة على أصحاب السيارات ..
لما يصل وقت الغروب ترى القردة تغادر جماعات في وقت واحد وهم يتبعون القائد .. بينما الأنثى تحمل رضيعها على ظهرها تماما كما تفعل النساء وتغادر ..
نزلت من السيارة وأنا أتابع هذه الهجرة الجماعية للقرود بهذا النظام المدروس.. كنت أحمل خبزا في يدي رميت به إلى قرد صغير كان يتبع أمه .. فإذا به يصرخ صرخة قوية وهو يظن أني رميته بحجرة..
توقف سرب القردة مكانه والتفتوا نحو الصرخة .. كان الأستاذ حاتم ينصحني بالابتعاد وكذلك أسرة أسيوية كانت تتابع المشهد وهي تصرخ في وجهي خوفا عليَّ من أذى القردة.
بدأت أتراجع في هدوء .. اعتقدت بأني نجوت من الخطر المحدِق بي .. فوليت وجهي صوب السيارة إذا بي أسمع صراخ السيدة الأسيوية يزداد وهي تحذرني لألتفت خلفي وأجد القرْدة الأم الضخمة وهي مصرة على الهجوم عليَّ .. انحنيت أرضا لأرفع حجرة أدافع بها عن نفسي فتوقفت القِرْدة مكانها وهي تكشر عن أنيابها .. بدأت أبتعد عنها شيئا فشيئا إلى الخلف إلى أن لذت بالنجاة من بطشها ..
عادت القردة إلى مجموعتها التي كانت تتابع المشهد من جهتها.. ثم نزلت المجموعة المنحدر ليصعدوا الجبل الذي كان يبدو عاليا أمامنا .
....
وأنا جالس أشرب كأس شاي مع زميلي (م ج) الذي يشاركني نفس الغرفة ونتجاذب أطراف الحديث في كثير من الأمور التي تخصنا هنا وهناك .. إذا بالعم مصطفى المصري الجنسية يطرق باب الغرفة . فتحت له الباب لأجد رفقته رجل قدمه لي على أنه مغربي.. وأنه يعمل سائقا لشاحنة كبيرة هنا بالمملكة
كانت الفرحة كبيرة بالنسبة لنا .. هذه أول مرة نصادف فيها مغربيا خارج مكة .. أيضا كانت الفرحة مضاعفة بالنسبة للزائر المغربي .. فرحة لا توصف .
شربنا كأس شاي .. ثم خرجت معه لنكمل حديثنا بالمطعم لأن زميلي (م ج) تعود أن ينام باكرا بينما أنا تعودت على السهر.
كان الزائر المغربي يعمل سابقا في العراق سائقا حافلةً للركاب كانت في ملكيته.. وبعد الذي حصل في العراق بعد عاصفة الصحراء.. جاء للعمل في السعودية رغم أن البون شاسع في دخله الشهري بين الهنا والهناك كما يقول .
كان دخله في العراق أحسن بكثير .. لكن ظروف عائلته المادية هي التي أجبرته على البقاء للعمل في السعودية مدة قصيرة ثم يعود إلى بلده المغرب ..
بينما نحن في حديث إذا به يطلب مني طلبا يخص إحدى العائلات المغربية من مراكش مدينتي الأم .. وكانت هذه هي المفاجأة الأولى بالنسبة لي.. أما المفاجأة الثانية كانت لما علمت بأن الأسرة التي طلب مني أن نقدم لها أنا وباقي وزملائي الأساتذة خدمة إنسانية أعرفها .
فالرجل المحتاج لمساعدتنا هو وزوجته وطفليه أخ فتاة كانت تدرس معي في المرحلة الابتدائية بمدرسة العبدلاوية قرب المسجد الكبير بباب دكالة .. وكان اسمها زهرة ..
لقد التقى هذا السائق بعُمر أخ زهرة وزوجته صدفة في ساحة الحرم وهما في حزن وغم وورطة لا يعرفان كيف يخرجان منهما سالمين.
كان عمر خياطا للملابس التقليدية بدوار العسكر وكان دخله من مهنته محترما.. تعرفا على رجل سعودي يسكن المدينة المنورة هو وزوجته عن طريق أحد الأقارب فضايفه وزوجته في منزل والديه .
وبعد تعرف الضيف السعودي وزوجته على عائلة الخياط عمر .. اقترح عليه الأول العمل عنده في معرضه لبيع السيارات في المدينة المنورة وأكثر من ذلك يساعده على استقدام زوجته وطفليه ليعيشوا معه هناك .
لم يتحمس عمر للموضوع كثيرا لكن زوجته كانت تشجعه بل وتؤنبه على تماطله وتهاونه في قبول هذه الفرصة دون تفكير .. خصوصا أن الرجل غني وعنده معرضين آخرين لبيع السيارات بكل من جدة والرياض .. أكثر من ذلك خطبت زوجةُ الضيف إحدى أخوات عمر لابنهما الغائب .. ففرحت الأسرة كثيرا واعتبرت التعرف على هذه الأسرة السعودية هبة من السماء .
سافر عمر إلى المدينة المنورة واشتغل في معرض السيارات كما أن ضيفه وفى بوعده وساعده على استقدام زوجته وطفليه بسهولة بل أكثر من ذلك هو الذي أدى عليهم مصاريف الطائرة ومنحهم شقة للسكن في إحدى عماراته .
لكن وبمجرد وصول زوجة عمر التي كانت شقراء آية في الجمال كما وصفها لي المغربي بدأ صاحبنا السعودي يكشف عن نفسه وسريرته.. لقد بدا طامعا في زوجة عمر.. هذه الأخيرة عرفت لكن بعد فوات الأوان لماذا كان هذا الرجل متحمسا لاستقدامها مع طفليها قرب زوجها .
لم تصمت الزوجة على المغازلة والإشارات التي تأتيها من كفيل زوجها فحكت له عن مزاعم الذي أصبحت بين مخالبه.. ومنذ ذلك اليوم بدا الزوج عمر خائفا من الذهاب إلى العمل وترك زوجته وحدها في المنزل
اتجه عمر إلى القنصلية وطلب منهم أن يساعدوه على ترحيل زوجته وطفليه لكن لا أحد منهم كان بمقدوره أن يقدم له أية مساعدة، على اعتبار أن عمر جاء للعمل بطرق قانونية وبعقد بينه وبين كفيله .. وأن مثل هذه التدخلات قد تتطور إلى مشكلات ديبلوماسية ذلك أنها تسيء إلى سمعة العلاقة بين البلدين الشقيقين .
فما كان من السائق إلا أن نبه عمر لأخذ حذره وصيانة عرض زوجته التي أصبحت تذرف الدموع خصوصا أنها من كانت تشجع زوجها ليبتعد عن مهنة الخياطة ويقدم على عمل ظنت أنه سيغير حياتهم إلى نعيم لم يكن في الحسبان.. إلا أنها أخيرا عرفت بأنها هي رأس كل هذه المشاكل التي لحقت بها وبزوجها وبطفليهما.
نعم لقد كان حريا بزوجة عمر أن تردد المثل العربي الذي موطنه هذه الديار :
« على نفسها جَنتْ براقشُ «


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.