سائقو سيارات نقل البضائع بامزورن يؤسسون مكتبهم النقابي    الملك محمد السادس يتلقى رسالة خطية من الملك سلمان بن عبد العزيز    وقفة احتجاجية بالرباط للمطالبة بإعادة فتح معبري رفح وكرم أبو سالم لإغاثة غزة    تفاصيل اختيار الكاف لحكم مباراة بركان والزمالك    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    المغرب التطواني ينهزم أمام مضيفه نهضة بركان    بوروسيا دورتموند يكرر فوزه على "سان جيرمان" وييلغ نهائي عصبة الأبطال للمرة الثالثة    الملف المطلبي يدفع التنسيق النقابي لقطاع الصحة إلى تفعيل إضراب وطني    طقس الأربعاء.. موجة حر تصل 44 درجة تضرب عدة مناطق مغربية    جماعة الحسيمة تصادق على 20 نقطة في دورة ماي 2024    "الكاف" يعين صافرة سنغالية لقيادة مباراة نهضة بركان والزمالك المصري    وزير الثقافة المالي يشيد بجهود جلالة الملك الداعمة لإشعاع الثقافة الإفريقية    توقيف شخصين بأكادير للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات الصلبة    الرباط.. تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام التنموي في دورتها الثانية    توقعات لهبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    انطلاق تكوين أساتذة مادة الأمازيغية في السلك الابتدائي بجهة الشمال    باريس سان جيرمان يخطط للتعاقد مع نجم المنتخب المغربي    الداخلية تفتح باب الترشح لخلافة بودريقة في رئاسة مرس السلطان    بنموسى يكشف عن مصير الأساتذة الموقوفين    رئيس روسيا يأمر بمناورات نووية    قتلى وجرحى في هجوم بالصين    الجزائر تعاقب إسبانيا وتوظف ورقتها الضاغطة    بوريطة يستقبل وزير خارجية مملكة البحرين    مجلس المستشارين يناقش حصيلة الحكومة    الاتحاد الآسيوي يوقف حمد الله 3 مباريات    إدارة إشبيلية تحتفي بالمدرب الركراكي    القرطاس تضرب فتيزنيت باش البوليس يسيطرو على مسلح نشر الرعب فالمديمة    وكالة تنمية اقاليم الشمال تعقد مجلسها الإداري ال12    نصف ساكنة السجون المغربية شباب.. وعدد المعتقلين يتجاوز 102 ألفا    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    المغرب يقتحم الحدود الممنوعة في صناعة السلاح الفتاك    تداولات الافتتاح في بورصة الدار البيضاء    "غارديان" تكشف مستجدات زياش وتشيلسي    مطار أكادير المسيرة…ارتفاع بنسبة 23 في المائة في حركة النقل الجوي    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    "التقدم والاشتراكية" ينتقد حصيلة الحكومة في النصف الأول من ولايتها    وزير الصحة يعلن تسجيل أزيد من 32 ألف حالة مرض سل في المغرب    متلازمة رومهيلد .. مشاكل في القلب تحدث بسبب تراكم الغازات    مناسبة لتأكيد تمسك الأمة بمبدأ الوفاء للعرش العلوي المجيد.. الذكرى الواحدة والعشرون لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    "حماس": 54 شهيدا خلال 24 ساعة في غزة    غلاء ثمن دواء سرطان الثدي يسائل الحكومة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    احتفاء المهرجان الدولي مسرح وثقافات بسنته ال 20 : كوميديا موسيقية ومسرح أمازيغي وعودة مسرح الحي، لتتويج هذا الاحتفاء    تقرير رسمي: معدل الاكتظاظ بالسجون يبلغ 159% والسجناء قدموا 5153 شكاية خلال 2023    بمناسبة شهر التراث: ندوة في موضوع "دور الرواية في تثمين المواقع التراثية بالقصر الكبير"    تارودانت ربيع المسرح في نسخته الثانية يكرم نزهة الركراكي    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    الأمم المتحدة تحذر من أن مخزونها من الوقود يكفي ليوم واحد فقط في غزة    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    الأمثال العامية بتطوان... (589)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسين مجدوبي في مجموعته القصصية «الوصية السابعة» يرسم بأدوات التاريخ والمخيال رؤية المهاجر لاسبانيا
نشر في شمال بوست يوم 12 - 06 - 2016

تحجز المجموعة القصصية «الوصية السابعة» لمؤلفها الإعلامي د. حسين مجدوبي، الصادرة عن منشورات السليكي في المغرب، موقعها داخل خريطة التجارب السردية والحكائية المغربية المغتربة في المهجر الإسباني.
وتشيد المجموعة القصصية، متنها الحكائي على عوالم حكائية تنفرد بؤرة كل واحدة منها بقصة من القصص السبع، وهي:»الوصية السابعة»، و «البائع المتجول» و»لعبة الوردة» و»سابعتهم شقراء» ثم «لماذا لا تصلي؟» ف»الحجاب المسيحي» وأخيرا «واستعاد البحر قربانه».
وتصير الذات الساردة التي تتموقع داخل تفاصيل الحكي القصصي بتموقعات ظاهرة ومهيمنة مرة، وخفية مرة أخرى، تحكمها خطط القص، واقتضاءات البؤر الحكائية، مشتركا أوليا بين القصص السبع المشكلة لمتن المجموعة. ويرافق الذات الساردة في اجتياح قمرة الحكي، موضوع الهجرة الذي يعتبر بدوره بؤرة حكائية مشتركة ومهيمنة على الفصول القصصية السبعة.
ويمارس المكان الواقعي والمتخيل في النص الحكائي سلطته في خلق مسالك الحكي، بل وثيمته المهنية التي تتراوح مرة بين موضوع الهجرة كقضية فيزيائية ملموسة، وبين الاغتراب وهي حالة نفسية كانت تركب رجال ونساء مجدوبي القصصية خلال مواقف المواجهة ابان رحلة البحث عن مصائر منفلتة. فالمجموعة القصصية تعيد تركيب عناصر المسلك المهجري نحو اسبانيا، منها: البحر، والقارب، والمطاردة، والحلم، والاخفاق، والاندماج ،والوثائق والذات والهوية، والديمقراطية،والرؤية، والتاريخ وغيرها. وكانت لوحة الغلاف الموقعة بريشة الفنانة التشكيلية نادية بولعيش معبرة رمزيا عن هذه الانشغالات.
الزمن الواقعي الذي تدور فيه هذه المجموعة القصصية هو «اسبانيا ما قبل الأزمة الاقتصادية» التي بدأت بشكل واضح في العام 2008 وتعكس انشغالات واقعية للمهاجرين خلال هذه الفترة، وإن كانت تستمر إلى الوقت الراهن على المستوى النفسي وعلى مستوى الرؤى.
معالم هذا المسلك المهجري ببؤرها هاته هي التي تملي القدر الحكائي على السارد، وهي معالم طريق تنبعث في التجارب الحكائية الممارسة في المهجر الإسباني، وتكاد تخص التجارب الإبداعية التي تناولت رحلة الهجرة إلى اسبانيا، تولد انشغالات نفسية وثقافية مغايرة لتلك التي تحفل بها تجارب قصصية أو سردية تبلورت في جغرافيات مهجرية أخرى، مثل فرنسا أو هولندا أو بلجيكا أو ايطاليا على سبيل المثال لا الحصر، وإن كانت تشترك معها في انشغالات مشابهة، وتبرز بشكل لافت مع القصة السادسة «الحجاب المسيحي» وتتطرق إلى محن المرأة المهاجرة وخاصة المحجبة، ويسخر فيها من تناقضات مجتمع الاستقبال برؤاه المتعالية خلال تعاطيه مع ملف من هذه الطينة.
وينقلنا هذا المقطع في الصفحة 102 إلى آتون هذا التناقض الذي يندد به سرديا الكاتب، حيث تلجأ احدى شخصيات المجموعة وهي امرأة محجبة عانت من رؤية الاستهزاء التي يشملها بها إسبان المدينة التي تقيم بين ظهرانيها، فتلجا إلى شراء زي الراهبات، وهو مثيل الحجاب لدى المسيحيين وترتديه فتقوم بجولة في مؤسسات المدينة لاختبار رد الفعل: « ... قالت في نفسها سوف أجرب الحجاب المسيحي. وبدأت تطوف على كل الإدارات بما فيها الحكومية الاكثر تشددا في الإجراءات الأمنية. وفجأة وجدت الابتسامة تعلو شفاه الجميع. الحراس يعطلون سكانير لكي تمر « الأخت « والموظفون في مختلف الإدارات يتسارعون لخدمتها تبركا بها...... تعحبت من هذه التصرفات، غيروا من تصرفهم، وقالت متعجلة ساخرة: ماذا لو علموا بالحقيقة وانهم يتبركون بمسلمة؟».
معضلة تأويل قيم الآخر وثقافته، يعالجها مجدوبي في وجه، مع قصة المحجبة التي ارتدت زي راهبة لاختبار ردود الفعل، وفي وجه آخر يرصدها لدى الشخوص الوافدين، أي المهاجرين، عبر تفاعلاتهم اليومية الحياتية، ويضعنا في صلب معضلة تأويل القيم، ويلمح إلى أن تدبيرها قد يكون المخرج لتجاوز آفات «الاستبداد القيمي» والذي يعطل في الدرجة الأولى مداخل الاندماج. وقد جاء في الصفحة 27 في قصة «البائع المتجول» الذي يدق الأبواب لعرض سلعه نص يوحي بالوجه الثاني من مظهر تأويل القيم:«في الطابق السابع، اختار المنزل الواقع على يمينه تيمنا بأصحاب الميمنة، فهم أحسن من أصحاب الميسرة حسب القرآن. ربما سيغير رأيه لو علم ان اليسار هو الذي يدافع عن حقوق المهاجرين في اسبانيا وليس أصحاب اليمين».. ولعل الخصوصية السردية في هذا المتن القصصي لصاحب «الوصية السابعة» لا تقف عند مسلك الهجرة، بل ترتوي أيضا من النسق الثقافي والإبداعي الذي تحضنه هذه الجغرافيا، مدار أحداث وأفعال شخوص المجموعة. فنجد مجدوبي يستثمر كثيرا لتطويع مقاصده الحكائية، أسلوبا وصفيا معتمدا في المدرسة السردية في أمريكا اللاتينية، والتي تتكئ كثيرا على الريبورتاج. ويغتني هذا الخيار الأسلوبي لدى الكاتب، من ممارسته اليومية باعتباره صحافيا وإعلاميا.
أسلوب السرد في هذه المجموعة يشيد ملامحه لبلوغ مقاصده التخيلية على استدعاء إيحاءات أسطورية، ومجاراة مفارقات الواقع منبع دراميتها. ولعل هذا المقطع الحكائي يلقي بنا في معتركيها: «هدير البحر بأمواجه كان أشبه بموسيقى تصويرية مصاحبة لمراسيم وطقوس حفل تقديم قرابين بشرية لإله البحر، غير رؤوف، إنه بوسيدون إله البحر عند الإغريق القدامى. مجيد مسلم مثل الآلاف من الضحايا، فجبروت بوسيدون يمتد الى رعايا آلهة اخرى بدون طلب ترخيص».
وتصير هنا الأسطورة خطة بلاغية تقتلع من القارئ دهشة سردية في قصة «واستعاد البحر قربانه» التي تحمل ملامح رواية أكثر منها قصة.
وتختفي المجموعة القصصية في التاريخ احتفاء، فهي رؤية ومضمون تتناوبان على منح تجل سردي لهذا المكون، بل ويصير منبع المفارقات التي تشعل الدارما في الحكي. ويمنحنا هذا المقطع القصصي الذي يصير فيه التاريخ أداة بلاغية، وهي من القصة الثانية « البائع المتجول» فرصة اختبارها. جاء فيها: « .... هذه المرة الطرد من الأندلس لا يحتاج الى ايزابيلا الكاثوليكية، فيكفي تطبيق بعض بنود قانون الأجانب على المهاجر الذي لا يحترم مستحقات كل شهر للضمان الاجتماعي».
ويمضي السارد ممعنا في اقتياد التاريخ نحو تفخيخ العبارات بالمفارقة منبع الدراما، ويعمق بعدها الأسلوبي حينما يجعلها مكلفة ببعث السخرية، فيقول: «الضمان الاجتماعي يفرض على المهاجر المسلم زواجا كاثوليكيا إذا أراد البقاء في أرض الكاثوليك باسبانيا».
وثمة مأساة إنسانية تبلغ أوجها. نضجُها يتبلور على إيقاع رحلة الاستنزاف التي يقع في شراكها المطاردون لحلمهم، تستنزف الجسد، والأحاسيس والهوية التي تبقى بحسب تلميحات السارد النصية أقسى الاستنزافات. يقول في القصة الأخيرة:»واستعاد البحر قربانه» الصفحة 116:
«في بعض المرات يختلج في نفسه شعور بالعار عندما يحس أنه اختلس هوية صديقه الحميم، يشعر انه اغتال صديقه الحميم مرتين، الأولى عندما عجز عن إنقاذه من الغرق والثانية بتقمص شخصيته. كلما فكر في هذا يشعر بالاختناق وانه يغرق في البحر».
وعلى العموم، تفتح «الوصية السابعة» لحسين مجدوبي، وهي باكورته السردية الإبداعية، مسالك متنوعة في دروب التأويل السردي والقصصي، لتجربة إبداعية تركن نفسها في مرآب الكتابات المهجرية في اسبانيا. وتعزز هذه التجربة مساعي توثيق رحلة الاغتراب والهجرة في اسبانيا تخيليا وسرديا.
حسين مجدوبي: «الوصية السابعة»
سليكي أخوين، طنجة 2016
125 صفحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.