جلالة الملك يوجه رسالة إلى المشاركين في الدورة 82 لمعهد القانون الدولي    رحيل الرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب المناضل عزيز المنبهي    فرنسا تستدعي السفير الأميركي بعد اتهامه ماكرون بعدم مكافحة معاداة السامية وتؤكد أن ادعاءاته غير مقبولة    ريال مدريد يواصل التألق بثلاثية نظيفة أمام أوفييدو    بعثة المنتخب المحلي تتوجه إلى أوغندا    مطار محمد الخامس: توقيف تركي يشكل موضوع أمر دولي بإلقاء القبض صادر عن طرف السلطات القضائية بألمانيا    سجن الناظور ينفي مزاعم تعذيب نزيل    إختتام مهرجان نجوم كناوة على إيقاع عروض فنية ساحرة    المغرب بحاجة إلى "عشرات العزوزي" .. والعالم لا يرحم المتأخرين    وداعًا لحقن الأنسولين؟.. تجارب واعدة تبشّر بعلاج نهائي لمرض السكري    الملك محمد السادس يبعث رسالة إلى زيلينسكي    موجة حر استثنائية تضرب إسبانيا وتتسبب في أكثر من ألف وفاة خلال غشت    الحسيمة.. حادث سير مروع يودي بحياة محمد البوشعيبي    بعد الهزيمة.. جمال بنصديق يتعهد بالعودة في أكتوبر ويكشف عن سبب الخسارة    العيناوي يؤكد الجاهزية لتمثيل المغرب    عادل الميلودي يدافع عن الريف ويرد بقوة على منتقدي العرس الباذخ    القناة الأمازيغية تواكب مهرجان الشاطئ السينمائي وتبرز إشعاع نادي سينما الريف بالناظور    حكمة العمران وفلسفة النجاح    السلطات المغربية تطرد ناشطتين أجنبيتين من مدينة العيون    سابقة علمية.. الدكتور المغربي يوسف العزوزي يخترع أول جهاز لتوجيه الخلايا داخل الدم    طفل بلجيكي من أصول مغربية يُشخص بمرض جيني نادر ليس له علاج    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    تبون خارج اللعبة .. أنباء الاغتيال والإقامة الجبرية تهز الجزائر    قال إن "لديه خبرة وغيرة لا توجد لدى منافسيه".. أسامة العمراني ينضاف لقائمة نخب تطوان الداعمة للحاج أبرون    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة "عالم الذكاء الاصطناعي.. الشرق الأوسط وإفريقيا" في فبراير القادم    الجنرال حرمو يؤشر على حركة انتقالية واسعة في صفوف قيادات الدرك الملكي بجهتي الناظور وطنجة    رغم قرار بالمنع.. دعوات متواصلة للاحتجاج بتاونات ضد تدهور البنية الصحية والتهميش    "كورفاتشي" ترفض رفع تذاكر الجيش    قتيلان بغارات إسرائيلية على اليمن    السدود المغربية تفقد 792 مليون متر مكعب بسبب الحرارة وتزايد الطلب    حتى لا نُبتلى باستعمار رقمي..    أزمة القمح العالمية تدق ناقوس الخطر والمغرب أمام تحديات صعبة لتأمين خبزه اليومي            المغرب ضيف شرف الدورة ال19 للمعرض الوطني للصناعة التقليدية ببنين    المغرب: فاتح شهر ربيع الأول لعام 1447ه غدا الاثنين وعيد المولد النبوي يوم 05 شتنبر المقبل    مقتل أزيد من 35 إرهابيا في ضربات جوية شمال شرق نيجيريا    ارتفاع ضحايا المجاعة في غزة إلى 289 شخصا بينهم 115 طفلا    المملكة المتحدة تتعهد تسريع النظر في طلبات اللجوء مع امتداد التظاهرات أمام فنادق الإيواء    جاكوب زوما: محاولة فصل المغرب عن صحرائه هو استهداف لوحدة إفريقيا وزمن البلقنة انتهى    ناشطات FEMEN يقفن عاريات أمام سفارة المغرب في برلين تضامنا مع ابتسام لشكر    الصحافة الكويتية تسلط الضوء على المبادرة الإنسانية السامية للملك محمد السادس لإغاثة سكان غزة    غوتيريش يرصد خروقات البوليساريو    موجة غلاء جديدة.. لحم العجل خارج متناول فئات واسعة        الجديدة تحتضن الدورة الأولى لمهرجان اليقطين احتفاء ب''ڭرعة دكالة''        أكثر من 126 جهة و100 متحدث في مؤتمر ومعرض إدارة المرافق الدولي بالرياض    تحذير من العلاجات المعجزة    أمريكا: تسجيل إصابة بمرض الطاعون وإخضاع المصاب للحجر الصحي    تغيير المنزل واغتراب الكتب    مقاربة فلسفية للتنوير والتراصف والمقاومة في السياق الحضاري    جدل واسع بعد الإعلان عن عودة شيرين عبد الوهاب لحسام حبيب    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات حاج (3): الطواف في مدار القلب للعودة إلى مركز الروح
نشر في هسبريس يوم 02 - 06 - 2025

الطواف حول الكعبة ليس مجرد حركة جسدية، ولا دورانًا فيزيائيًا حول بناء من حجر. هو، في جوهره، عودة إلى المركز؛ إلى النقطة التي انبثقت منها الروح أول مرة، إلى النور الأول، إلى البداية التي لا بداية لها. الكعبة ليست فقط قبلة الصلاة، بل رمزٌ للثبات وسط العاصفة، مركزٌ في عالمٍ متشظٍ، علامة على أن للكون محورًا، وأن في قلب الإنسان مركزًا يشبهها... يحتاج فقط إلى من يطوف.
منذ أن هبط الإنسان من جنة الطهارة الأولى، وهو يبحث عن مركز مفقود، عن توازن بين ما هو أرضي وما هو سماوي. والطواف يعيد تمثيل هذا التوازن، لا عبر كلمات ولا عبر أفكار؛ بل بفعل جسدي متكرّر يتجاوز العقل ويخاطب الروح. في كل دورة من السبع، يخفت صوت الذات قليلاً، ويعلو صوت الوجود. كأن الحاج يُفكّك نفسه قطعة قطعة، ويركّبها من جديد لا على صورته المعتادة، بل على صورة من يبحث عن الله. وقد قال تعالى:
﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج: 26]، إشارة إلى أن الطواف فعلٌ له قداسة التهيئة والتطهير.
الكعبة ثابتة، لا تتحرك. والإنسان هو من يدور. وهذه الحركة تكشف الكثير: من الذي يتغيّر؟ من الذي يبحث؟ من الذي لا يستقر؟ إنها لحظة إدراك عميقة أن الله هو الثابت، وأننا نحن من نضيع، نبتعد، نقترب، وندور باحثين عن المعنى. وفي هذا الدوران، تعود كل المسافات إلى الصفر، وتصبح كل الاتجاهات واحدة، وتكفّ الخطوط عن التمدد، لتتحول إلى دوائر. الدائرة، التي لا بداية لها ولا نهاية، تصبح رمزًا للحياة نفسها، للدين نفسه، للسرّ الذي لا يُفك.
الطواف هو نقيض التملك. في الأسواق نحن نسير بخط مستقيم نحو الشيء. في الطواف، لا نصل إلى شيء، بل نطوف حوله. نحن لا نمسك بالكعبة، ولا ندير لها ظهورنا، بل نُبقيها على يسارنا في حركة مقصودة مفعمة بالتوقير. وهذا في ذاته درس وجودي: أن ما هو مقدّس لا يُمتلك، ولا يُقبض عليه، بل يُطاف حوله بإجلال، بإيقاع، بتسليم.
ثمّة ما يشبه الإيقاع الكوني في الطواف. أجساد تسير بانحناءة خفيفة، كأنها تتحرك على نبض غير مسموع، في موجة جماعية، صامتة وصاخبة في آن. ومن يتأمل الطواف من الأعلى، يراه كنهر دائري حيّ، كنجم يدور حول قلب الضوء. ولعلّ أجمل ما في الطواف أنه يُذيب الفرد في الجماعة دون أن يُفقده فردانيته. الكل يدور، لكن لكلٍ دعاؤه، كلٌّ يحمل وجعه، سره، رجاءه. وكلهم يشتركون في الحركة، كما لو أن هذه الأرض لا تستقيم إلا إن دار الإنسان فيها لا حول ذاته، بل حول المعنى.
وفي لحظة ما، يدرك الطائف أن الكعبة لا تسكن الحجر؛ بل تسكن داخله. وأن هذا الدوران كان تذكيرًا بحقيقة بسيطة: أن القلب لا يستقر إلا إذا دار حول ما هو أثبت منه، وأسمى منه، وأقرب إليه من حبل الوريد.
كما قال الله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: 16]، و﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد: 4].
فالله، في كل اتجاه، والوجهة إليه ليست اتجاهًا مكانيًا، بل وجهة قلبية تتخذ الطواف وسيلة.
حينها، لا يعود الطواف فقط نسكًا، بل يصبح لغة، انتماءً إلى نظام أوسع، توقيعًا على عقد العودة، علامة على أنك بدأت المسير إلى ما لا يُدرَك بالعقل، بل يُذاق بالقلب.
الطواف ليس سبع دورات فحسب؛ بل هو سبع طبقات من الذات تتساقط، حتى يبقى الإنسان وجهًا لوجه مع مركزه، خفيفًا، صافيًا، قادرًا على أن يُعاد تشكيله في ضوء التجلي.
الطواف هو استجابة خفية لنداء سري قديم: أن أقبل. أن أدور. أن أعود.
ولعل من لم يطُف يومًا لا يعني أنه لم يزر مكة؛ بل ربما أنه لم يدُر حول معنى في حياته قط.
فليس كل من مشى قد طاف، وليس كل من دار قد عاد حقًا.
إن الطواف، في حقيقته، ليس حركة حول الكعبة؛ بل رجوع صامت إلى مركز الروح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.