حكاية وفاء: أودع امرؤ القيس لدى السموأل دروع أجداده الملوك – وهم من بني آكل المرار – وقد اشتهرت لدى العرب بأسماء: الفضفاضة، الضافية، المحصنة، الخريق، وأم الذيول. ولما مات هذا الشاعر، وهو في مسعاه لدى قيصر الروم لاستعادة ملك أبيه؛ رغب ملك كندة في الدروع، وألح على السموأل في طلبها. ما كان من أوفى أوفياء العرب إلا أن رفض طلبه؛ مقسماً ألا يسلمها لغير ورثة الشاعر. وحتى حينما حوصر حصنُه، وأُتي بابنه أسيراً، مهدداً بالذبح إن لم يسلم الدروع؛ أطل السموأل على ملك كندة من أعلى الحصن مكرراً رفضه: "ما كنت لأخفر ذمامي، وأبطل وفائي؛ فاصنع ما شئت" فذبح الملك ابنه وهو ينظر. صمد حصن "الأبلق الفرد" في وجه المحاصرين، وعاد الطامع خائباً. وتنتهي الحكاية بورثة امرئ القيس، وهم يتسلمون دروعه سالمة؛ وبالسموأل وهو ينشد: وفيتُ بأدرع الكندي إني ** إذا ما خان أقوامٌ وفيتُ وجرى لدى العرب: "أوفى من السموأل" وما حمت قطر دروع العرب: هم كذلك، وإن اختلفنا معهم، وإن ألقوا بالقضية الفلسطينية في أحضان غير آمنة؛ لها حساباتها الإقليمية. ولا نختلف في كونهم خط الدفاع العربي الأخير في مواجهة المشروع الأمريكي الكبير؛ وإن اتخذ له – تخذيلاً – اسم مشروع إسرائيل، ثم إسرائيل الكبرى ثانية؛ التي قطعت أشواطاً في الهيمنة على المنطقة العربية برمتها؛ حتى خارج الخرائط التوراتية. وكما نتتبع جميعاً لم يعد "نتنياهو" يتحفظ في الحديث عن هذا؛ ملقياً في وجه العالم بأشلاء الدولة الفلسطينية، حقيقةً ومجازاً. وحتى السقوط العربي المهذب – حفظاً لماء الوجه – المعبر عنه بالتطبيع، لم يعد يثير فيه أي هاجس؛ ولسان حاله: الهزيمة تجب ما قبلها؛ وبعبارة أخرى: لا تطبيع مع الهزيمة. وما أقساه من جناس، بين التطبيع والتضبيع. درس قطر: أفضت إحدى قصائدي الغزية الأخيرة إلى القول، مخاطباً العرب: وما أنتم إلا خراف لتُسَمَّنْ ** فهل يرعوي ضبع ذاق اللحم منا كان هذا قبل الغارة على دروع العرب في حصن أمراء آل ثاني؛ وإن شئتم قبل عقر ناقة البسوس، التي أعقبها اقتتال مزمن بين بكر وتغلب. عُقِرت غزة وفلسطين ولبنان وسوريا واليمن.. واليوم قطر؛ وحيثما تحرك "لسان العرب"؛ ولم تُرَكَّب جملة حماس واحدة تعادل: ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلين لا أضع وزر هذا على قطر، إلا إذا أدخلنا في حوزتها قاعدة العديد الأمريكية، واعتبرناها إمارية؛ وما هي كذلك، وما هي في حوزتها إلا جغرافيا فقط؛ أما الهوى والعتاد فيها فأمريكي صهيوني. وكأن أبناء السموأل الآخرين باغتوه فوق الحصن وطعنوه. هنا كل الدرس للعرب: لا أكثر أمناً مفترضاً – قبل – من قطر: أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، أنفقت عليها الإمارة من حر مالها ما يزيد عن عشرة مليارات دولار. هذا الأمان، الشاكي الصواريخ، جعل منها ركحاً للتفاوض، ارتسمت به مراراً الأقدام الهمجية لقادة إسرائيل المفاوضين؛ مدنيين وعسكريين. نعم هي قطر، لكنها أيضاً "دولة الجزيرة"، حتى ليعجز المرء عن الحسم في من يكسب الآخر قوة: القناة أم الدولة. وما كان لقناة عربية أن تكون لها كل هذه الصولة العالمية؛ لولا أسهمها في النفط والغاز والعديد والبيت الأبيض؛ وحتى في تل أبيب. وغير بعيد ما لحق من مالها نتنياهو نفسه؛ ولعل الموضوع قيد القضاء الإسرائيلي. هي قطر صانعة البيت الأبيض الطائر، الذي كلفها ميزانية دولة صغيرة: طائرة رئاسية لم تُفَض أغشيتها البلاستيكية بعد، حيث هي رابضة بواشنطن. وهي قطر التي سُمح لها أن تستضيف قادة حماس وأسرهم، وحتى صناعتهم لحربهم بغزة. هي ذي قطر التي تشبه "السكين السويسرية" الصالحة لكل شيء. ورغم كل هذا هوجمت، من فوق، من تحت، من برج، من خندق، من بحر، أم من قفر.. الله أعلم. إن لم يُجِب درس قطر كل ما قبله من ثقة في عش الأفاعي، فلا خير في قادة العرب. وكل المصطلحات السياسية – الواعدة – التي تتردد على أفواههم، علاقة بهذا العش، كاذبة. ولَقتلُنا صدقاً، أفضل من إحيائنا كذباً.