لم يتكلم محمد السادس عن جيل زد بالتصريح ولا بالتلميح، لكنه قال في خطابه دون أن يسمي الأشياء، "من أراد تغيير المغرب بالقوة فبيننا القانون"، وهي حكمة أبلغ من حكمة الصمت الذهبية. فمن أراد من قائد البلاد أن يرد على أشباح غير مكتملة النضج فهو واهم. أذكر حين كنت تلميذا ثم طالبا ثم موظفا أني كنت أنخرط في أشكال كثيرة من النضال، الشوارع، الشعارات، الكتابات، النقابات، لكن حين نضجت، اكتشفت أني كنت أدافع عن مصالحي فقط، ولم يكن الشعب المغربي الفقير المقهور المظلوم هو الذي كان يعنيني. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على هؤلاء الشباب الذين يدّعون الدفاع عن الشعب المغربي، وهم مجرد مشاريع موظفين يصنعون كل هذا الضجيج من أجل تأمين مستقبلهم، فلا تغرنّكم شعارات التغيير الجدري في الصحة والتعليم وطرد أخنوش وحكومته ووقف تنمية البلاد وتوزيع الناتج الداخلي على الفقراء والمساكين والطلبة، فإن هذا الكلام لا ينطق به الناضجون فبالأحرى العاقلون. كنت متعاطفا مع هذا الجيل قبل أن يتحول إلى حزب شبح، يطالب بكل شيء والآن وليس غدا، حزب أكثر خبثا حتى من الألوان السياسية التي تحفر القبر للمغرب بطرق ملتوية، لأن هذه الألوان ناضجة على مستوى زمنية المطالب ونوعيتها، فما انخرط فيه المغرب من أوراش انطلقت وتكاد تكتمل لا تناقشه، لكنها تُزايد سياسيا على النوايا البعيدة. كيف يمكن التراجع عن تنظيم كأس العالم وبنياتُه التحتية شبه مكتملة لا ينقصها سوى ملعب الحسن الثاني ببنسليمان؟ كم بقي في عمر حكومة أخنوش حتى نعتبر رحيله ورحيلها مسألة حياة أو موت؟ "أخنوش دار للي دار وللي عطى الله عطاه" يجب التفكير في مغرب ما بعد الحكومة الثلاثية، والاستعداد لانتخاب حكومة على المقاس الاجتماعي، ولنقل حكومة شيوعية كما يظهر في مطالب هؤلاء الأطفال. ما معنى أن تتكلف الدولة بكل شيء، وتؤدي عن الجميع، الصحة والتعليم والسكن ودعم كل المواد من سكر وزيت وغاز وحليب وخبز وشاي والقائمة طويلة؟ أليس هذا نظاما اشتراكيا متطرفا أو شيوعيا مثل النظام الكوبي أو الشمال كوري أو غيره؟ أليس نظام جيراننا اشتراكيا؟ ألم يخلق أجيالا من الكسالى و"المعاكيز"؟ حتى أن الجزائر تستورد اليد العاملة من الخارج لتنجز مشاريعها، ماذا أفادها توزيع ما يتبقى من ريع البترول والغاز على شعبها، بشكل مهين للكرامة، تترجمه عشرات الكيلومترات من الصفوف، لم نعرفها في المغرب سوى في عام البون؟ لا يمكن لهذا الجيل أن يحظى باحترام المغاربة إلا إذا عبر عن نضج سياسي اجتماعي وعن منطق مقبول في المطالب حتى لا تبدو مثل بكاء غير منتهٍ لصبي مدلل يطلب المستحيل. أو إذا حلل ما يتوصل به عبر الإنترنيت واستوعب ما وراء سطوره قبل تصديقه، وأن يتبين من هؤلاء الذين يقررون الاحتجاجات والمقاطعات والمطالب، هل هم مغاربة أولا أم أجانب، وقد سمعنا أن الجزائر ستحول مليارات دعم جمهوريتها الوهمية إلى حرب واسعة على المغرب عبر الإنترنيت. هل هي جهة سياسية معارضة من داخل المغرب أم من خارجه؟ هل يكون لونها إخوانيا أم قومجيا أم شيوعيا أم ماذا؟ جيل الإنترنيت هذا منقاد ببلاهة عمياء، لا يناقش ولا يحلل، وكأن ما يأتيه عبر الشاشة وحي مقدس منزل لا خلاف فيه. جيل تنقصه المعرفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لم يجرب حتى معنى تسيير أسرة ورعايتها. وقد تبين والله أعلم أن أعداء المغرب اكتشفوا أخطر ثغرة يمكن بها تدمير بلادنا، وهي الشباب. لاحظوا أن هذه الفئة لا تحتكم إلى منطق ولا نظام ولا تحضر، وهي بذلك أسهل مِمّا يمكن اقتياده لتنفيذ مخططاتها. حين يخرج عشرات الآلاف من الشباب من الملاعب لينخرطوا دون سبب في التدمير والاعتداء على الناس، أليس بالإمكان اصطيادهم وتوجيههم ضد بلادهم؟ والمبررات والأعذار وأشكال التغرير لا حصر لها. إن لهذا الجيل مزية واحدة، هي الاستمرار في الضغط على الفساد حتى هزمه ومحوه وإراحتنا من مصيبته، أما الأشياء الأخرى فمجرد مزايدات إلكترونية.