قال الحسن البصري رحمه الله: (ما رأيت حقا أشبه بالباطل من الموت!). أستعير منه هذه الحكمة فأقول: ما رأيت حقا أشبه بالباطل من داعش! أو أقول بتغيير: ما رأيت باطلا أشبه بالحق من داعش!
من يستطيع أن ينكر علي ما أقول؟
فداعش كيان هلامي، لا شكل له مميز ولا لون معين، وعجينة طوع اليد يكيفها كل من هب ودب حسب رغبته وهواه. يحاربها (الديمقراطيون) من وراء البحار لتخليص البشرية من شرها المستطير الذي يهدد الحاضر والمستقبل ظاهرا، وفي الباطن يبتزون بها المغرمين بالسلطة الفارغة من معنى شريف، ويستنزل المستبدون في المنطقة رضى الغربيين بمنازلتها لتثبيت العروش التي اهتزت تحت أقدام الثوار، ويتبرأ منها الإسلاميون خشية أن يحشروا معها في قفص الاتهام.
1 فهي دولة الوحوش المتعطشة للدم الحرام، قاطعة الرؤوس، لا تعدم من يحشو عقلك وجيبك أيضا بالأدلة الدامغة على ما يصف!
2 وهي دولة تعيش خارج العصر، هي بالأفلام الوثائقية أشبه منها بالحقيقة الواقعة، لا تخطئ العين مظاهر ذلك!
3 وهي صنيعة أمريكا لتفتيت المفتت وتجزئة المجزأ، امريكا العظيمة والذكية التي امتلكت مخزونا كبيرا من الأسلحة تريد تجريبه، ولن تجد خيرا من أرض العرب وأجسادهم، تجرب نصفه بمساعدة الأنظمة الأشاوس في قتل الشعوب (الإرهابية والمتمردة)، فتثير بينهم العداوات التي لا تحتاج أصلا إلى الإثارة، ثم تبيعهم جميعا نصفه الآخر، ليقتتلوا به، ومن وراء ذلك تخطط لمستقبلها ومد سيطرتها واستنزاف ثروات المنطقة! أدلة ذلك لا ينكرها إلا مطموس البصيرة!
4 وهي صنيعة النظام السوري الدموي للقضاء على المقاومة، ألم تر إلى أنها لم تظهر إلا حين أحس النظام المجرم أن المقاومة على وشك الانتصار وتحرير سوريا من إجرامه؟ أضف إلى ذلك أنه يبرق إلى الغرب أنه يحارب الإرهاب.
والاستبداد مع الاستقرار وضمان أمن المصالح الغربية خير من الإرهاب الذي يقض مضجع الحبيبة ذات الغنج والكحل (إسرائيل)! من ينكر أن هذا هو لب السياسة الغربية العتيدة؟
5 وهي صنيعة الأنظمة العربية المستبدة خاصة أمراء الخليج المترفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، لجذب الشباب المتحمس لدينه، المقهور بالاستبداد والفقر والأمية والظلم الاجتماعي.
وقد أصبح عبئا ثقيلا على دوله، فدفعته إلى الخروج عليها لتتذرع بذلك للتخلص منه ومن شره عليها إذا بقي على أراضيها، أو للتخلص من خيره على أمته لو وجد من يحسن تربيته وتعليمه!!
وهذا تشخيص غير بعيد للسرطان الذي ينخر جسد الأمة طيلة عقود وعقود، فأين الجراح الذي يجرد مبضعه لاستئصال شأفة هذه الخبائث المزمنة؟
تأملت في هذا فوجدت الجراحين:
إما قومجيا يرى أن نقطة الانطلاق تكون من الجزمة، فالأمة ضعيفة والزمن زمن العمالقة، فلن يحفظها إلا أحذية غليظة وأيد خشنة، وفي إعلام مصر أمثلة صارخة تضع الجزمة على الرأس وتقبلها.
أو متدينا يرى نقطة الانطلاق اللحية المرسلة أشبارا والثوب المقصر ذراعا والدولة ستقيمها المعجزات الألهية وتحفظها.
أو شيوعيا يترحم على الاتحاد السوفتي ويرى أن لا أمل بعد انهياره، فصار انتهازيا ينهب المال العام نهب الثعالب.
أو ليبراليا يرى أن الذوبان في الغرب هو الحل ويردد مع المخمورين: (وداوني بالتي كانت هي الداء)!!
وبين هذا وأولئك ضاعت الأمة وشقيت بأبنائها:
مشيت إلى جعفر حقبة == فألفيته خادعاً يخلب
يجرّ العلاء إلى نفسه == وكلّ إلى حبله يجذب
فلو كان أمركم صادقا= لما ظل مقتولكم يسحب
6 وهي صنيعة الغرب لتدمير النموذج الناجح للإسلام السياسي في المنطقة: تركيا، ألم تر أنهم سمحوا لها بالتزود بأنواع الأسلحة المختلفة في عمليات مكشوفة في شمال العراق ووسطه، ثم اتجهت نحو المدينة المغمورة (كوباني أو عين العرب)؟ لم لا تتجه نحو بغداد معقل الديكتاتور الطائفي أو دمشق مصدر الشرور والقتل والدمار والإجرام؟ ألم يقصدوا إلى استدراج تركيا وجرها إلى مستنقع الفوضى المنتشرة في المنطقة لإلحاقها بالدولتين الفاشلتين: العراقوسوريا؟
ولكن دهاء أردوكان وإحساسه بالمسؤولية وإدراكه للغرض الخبيث، وخلو جسمه من جينات العرب الفاسدة، كل ذلك أفسد عليهم خطتهم الجهنمية ورد كيدهم في نحرهم!
إنه رئيس انتخبه الشعب التركي ليخدمهم ويخدم مصالح بلدهم تركيا، لم يرث منصب الرئاسة أبا عن جد، كما يرثه أمراء العرب أو رؤساؤهم الذين يتلقون الأمر من الغرب، فينفذونه على عجل مسرورين بغض النظر عن نتائجه الكارثية التي تنصب على الشعوب، ثم ينتظرون أمرا آخر على أحر من الجمر، لأنهم لا يسألون عما يفعلون.
7 وهي صنيعة الدولة الطائفية: إيران، التي تريد تشويه السنة ومد النفوذ في المنطقة، والتسويق للشيعة، فالمنطقة مقبلة على اجتثاث شأفة الاستبداد اليوم أو غدا، والغرب مخير للحفاظ على مصالحه في المنطقة بين الشيعة المتحضرين، أو السنة الذين لا يحسنون غير القتل والذبح وإرسال اللحى أشبارا وإسدال الشعور على الأكتاف، وتقليد آبائهم الأقدمين!
8 وهي دولة الموتورين من حزب البعث، وضباط الجيش العراقي المنحل، همهم الانتقام والثأر، ألم تبد الأيام أن الخليفة المزعوم أبا بكر البغدادي ضابط عراقي مرموق في عهد صدام حسين؟ ثم انضم إليهم المقهورون بالظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي والحالمون بأمجاد الماضي، والطامحون للمستقبل المشرق.
9 وهي دولة المظلومين والمقهورين وضحايا الاستبداد، تجد من يسوق حججا ناصعة تؤكد ما يزعم!
ولكنها مخترقة من قبل أمريكاوإيران والنظام السوري ودول الخليج، فكل يكيفها ويوجهها الوجهة التي تخدم مصلحته.
أين حقيقة داعش من هذا الركام من القراءات المتناقضة؟
حقا أني حائر، لا أدري أأصدق هذه أم تلك، ما دامت كل قراءة تحمل في طياتها حججها المقنعة؟ ولكن حيرتي زالت يوم عثرت على هذه الرسالة لداعشي، ساقته الأقدار إلى خوض المعركة المقدسة والتملي بطلعة الخليفة البهية. وهي غفل عن التاريخ، وأما الأسماء فقد حذفتها حفاظا على سلامة أصحابها أو حفاظا على سلامتي!
"بسم الله الرحمن الرحيم.
إلى الأخ أبي الفتح ...... السلام عليكم
وبعد: فمن أرض المعركة والجهاد أكتب إليكم، بين أزيز الطائرات والصواريخ في السماء وهدير الشاحنات والدبابات في الأرض، بين دعوات المجاهدين وصولاتهم وجولاتهم وخيانات العملاء، بين أمل عريض في المستقبل وبين يأس أعرض منه من هذا المستقبل!
كنت فيما مضى أسرح ناظري وعقلي في هذه الأرض العريضة الطويلة التي حررناها في ظرف وجيز، فأقول: ما المانع من تحرير شبه الجزيرة العربية كلها في وقت قياسي؟ أليس الله مالك الأرض معنا؟ ألم يك هدفنا تحرير أرضه وعبيده من الطاغوت؟ ألم يعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يمكنهم في الأرض؟ ألم نك أولئك المؤمنين الموعودين؟
ولكن حركات تعثر عليها عيناي هنا وهناك، وهمسات تلتقطها أذناي من هذا الفم أو ذاك تثير قلقي وارتيابي. فما معنى النكوص عن بغداد بعد ما أصبحت من قبضتنا قاب قوسين أو ادنى؟ وما معنى الاستماتة في غزو عين العرب وتدمير جزء كبير من معداتنا؟ وذات يوم سمعت أمرا صادرا إلى فرقة بالتوجه إلى مكان قريب من عين العرب تجد فيه السلاح الملقى من طرف التحالف؟! فتساءلت: أيحاربنا التحالف أم يساعدنا؟؟
أحيانا توسوس لي نفسي الأمارة بالسوء أن أتجرد من عقلي وديني، فأراقب هذه المخلوقات التي تريد إقامة الخلافة الراشدة، فأستبين ما أخجل من ذكره من هزل، وانتهازية، وتخلف وجمود، وحب للحياة وهروب من الموت، ولكن، والحق أقول، لا أعدم مظاهر أخرى تفيض شجاعة وبطولة وتضحيات وحماسا!! ولكن هل يكفي الحماس والإقدام لإقامة دولة قوية تزيل الدول المتطورة أو على الأقل تزاحمها على الصدارة؟
وأحيانا أراقب فأنتظر أن أرى الكاميرا والمنتج والمخرج ذلك أن مناظر مثيرة تتابع أمام ناظري وكأن أصحابها منهمكون في إعداد فيلم تاريخي!
أستفيق من هذا العبث، وأستغفر الله وأهرب إلى أحد المساجد للتطهر والتخلص من وساوس الشيطان.
ولا أكتمك أن الحلم الذي يراودني يوم انضممت إلى هذه الدولة غير الحلم الذي أحمله اليوم بعد أن أمضيت شهورا في الصفوف الأمامية والخلفية، ولكن نية المؤمن خير من عمله."