ليس الموعد الزمني لاحتفالات عيد العرش وحده الذي تغير بين عهدي الملك الراحل الحسن الثاني والملك الحالي محمد السادس، بعد أن تحول من الثالث من شهر مارس أيام الحسن الثاني، إلى الثلاثين من شهر يوليوز حاليا، بل أيضا نوعية الأغاني التي تذاع في هذه المناسبة الوطنية. وإذا كانت الأغاني المسماة وطنية في عهد الملك الراحل كانت تذاع بشكل كثيف طيلة أيام الاحتفالات الرسمية بعيد العرش وحتى بعدها أيضا، حتى أنه يصعب حصر عددها وعناوينها ومطربيها، فإن وتيرة هذه الأغاني "الوطنية" خفت حدتها بشكل لافت في عهد العاهل الحالي. وكان الكثيرون يرون في تلك الأغاني التي كان يُحشد لها من طرف المسؤولين، أيام العهد المنقضي، وتبث على مدار الساعة واليوم في القنوات التلفزية الرسمية، تطبيلا وتزلفا للملك الراحل، فيما ابتهج البعض بتواري تلك الأغاني التي تمجد الملك والوطن أيام الملك محمد السادس، رغم عودة بعضها في السنوات الأخيرة. الصولة والصولجان ومن أول الأغاني المغربية التي اشتهرت في مثل هذه المناسبة الوطنية، أغنية "يا صاحب الصولة والصولجان" التي كتبها الشاعر محمد بن الراضي، ولحنها وأداها الموسيقار الكبير الراحل، أحمد شهبون، والمعروف فنيا بلقب أحمد البيضاوي، في أواخر الخمسينات، حيث كان حينها الحسن الثاني وليا للعهد. وظلت أغنية "يا صاحب الصولة والصولجان"، التي يرى البعض أنها أديت غداة استقلال المغرب، وعودة السلطان محمد الخامس من المنفى، راسخة في أذهان قطاع عريض من المغاربة، وظل يرددها مطربون بمختلف مشاربهم الفنية على مر السنين إلى يومنا هذا، لتعد بذلك إحدى الأغاني الخالدة في ريبرتوار الأغنية الوطنية بالمغرب. ويقول مطلع هذه الأغنية الشهيرة "يا صاحب الصولة والصولجان تمل بالملك وعش في أمان محصنا من عاديات الزمن في ظل خافقين أحمر قان وقلب شعبي دائم الخفقان من حبه المشفوع بالطوقان"، وهي أغنية كان الملك الراحل محمد الخامس أول من سمعها من أداء البيضاوي. ويحكي في هذا الصدد قيدوم الإذاعيين المغاربة، أنور حكيم، بأن أغنية "يا صاحب الصولة والصولجان" كان السلطان محمد الخامس أول من سمعها قبل الجمهور المغربي، مبرزا أنها أغنية مميزة لأن البيضاوي استثمر فيها تقنيات موسيقية عالية، منها استثمار آلة "الترومبيت" التي تُوظف عادة في الأغنية الغربية. وبعد أن نقشت أغنية البيضاوي في أذهان المغاربة، وانطبعت في مسار الطرب المغربي المناسباتي، طفقت موجة جديدة من الأغاني "الوطنية" تظهر على السطح، ومنها "يد الشعب" للفنانة بهيجة إدريس، و"ناديني يا ملكي" للمطرب الراحل إسماعيل أحمد، و"العهد وحنا معاك" لعبد الوهاب الدكالي، وآخرون. اختفاء ثم ظهور بعد اعتلاء الملك محمد السادس لعرش البلاد سنة 1999، عقب وفاة والده، انتظر البعض كيف سيتعاطى "العهد الجديد" مع الأغاني الوطنية التي غالبا ما تمدح المليك والبلاد، وهل يسير على نفس نهج والده الذي كان يُنعم على أصحاب تلك الأغاني، أم أنه سيضع قطيعة مع تلك السياسة الغنائية. ورغم أنه لم يرد أي قرار رسمي في هذا الصدد، إلا أن فُهم من طرف الكثيرين أن الملك الشاب حينها غير راض عن بث الأغاني الممجدة له بمناسبة عيد العرش، فانمحى هذا الصنف من الأغاني سريعا من القنوات التلفزية طيلة السنوات الأولى من حكم الملك محمد السادس. وبعد "اختفاء" دام بضع سنوات، عادت الأغاني الوطنية إلى الظهور من جديد في السنوات القليلة الأخيرة، منها "ملحمة المغرب المشرق"، لصاحبها الكويتي "مصعب العنزي"، والذي يلقبه البعض بسفير الأغنية المغربية، والتي ضمت أغاني عديدة شارك فيها: نعيمة سميح، ومحمود الإدريسي، وأسماء المنور، ونجاة اعتابو، ورشيدة طلال، ومطربون من جيل الشباب. وأثارت ملحمة العنزي، التي أذيعت العام الماضي بمناسبة الذكر الخامسة عشر لتربع الملك على عرش البلاد، جدلا واسعا حينها، بين من وجد "الأوبريت" بمستوى فني هزيل، وبأنها مجرد تجميع لمغنين وأغاني بدون لمسة فنية، بينما اعتبرها آخرون إنتاجا غنائيا ينضح بالإبداع. ومن الأغاني الأخرى التي صدرت حديثا بمناسبة عيد العرش بالمغرب الأغنية التي أداها الفنان المصري، هاني شاكر، بعنوان "نعم الملوك"، وذلك في الذكرى ال15 لوصول الملك إلى سدة الحكم، وهو العمل الذي تم تصويره في عدد من مدن البلاد، وأنتجته القناة الأولى، وشارك فيه تقنيون مغاربة. ومن أغاني عيد العرش الجديدة لهذا العام ما يعده مطربون مغاربة، بمناسبة حلول الذكرى 16 لعيد العرش، تحت عنوان "المغرب وطن الأوطان"، وشارك فيها كل من فاطمة الزهراء العروسي، ومريم بلمير، ونعيم هيثم، وحسن المغربي، وأمير علي، وغيرهم من المطربين الشباب.