قال الباحث المغربي في المسألة الدينية والجماعات الإسلامية، إدريس الكنبوري، إنه باستثناء جماعة العدل والإحسان، التي تظل لديها بعض التحفظات بخصوص المشاركة السياسية، فإن مختلف التوجهات الإسلامية الأخرى في المغرب تعمل في إطار احترام النظام الملكي ومؤسسة إمارة المؤمنين. وأضاف الكنبوري، في حوار طويل خص به جريدة "الصوت الآخر" الجزائرية، أن أولويات التيار الإسلامي الحاكم في المملكة، ممثلا في حزب العدالة والتنمية، هي بالدرجة الأولى الحصول على ثقة المؤسسة الملكية، لأنه "من الصعب على حزب سياسي بالبلاد أن يتولى السلطة دون أن يحظى بالثقة الملكية". ويشرح المحلل بأن ذلك سيجعل الحزب في مواجهة مباشرة مع المواطنين، لكون المؤسسة الملكية تتوفر على شرعية دينية وتاريخية عميقة الجذور، ولأن تدبير السلطة من دون المساندة الملكية سيضع العديد من العقبات أمام هذا التدبير، وهذا ما حصل مع حزب الاتحاد الاشتراكي، في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، عند ما تولى قيادة أول حكومة في تاريخه في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. الكنبوري أردف أن الأولوية الثانية لحزب "المصباح" هي تقوية مؤسسة إمارة المؤمنين، لأن تقوية هذه المؤسسة ستلعب دورا في التصدي لبعض الدعوات العلمانية، أو الرامية إلى المس بالهوية الدينية للمغرب، كما أن تقوية هذه المؤسسة يشكل في حد ذاته نوعا من الحماية للإسلاميين أنفسهم، في مواجهة التيارات "الفرانكفونية أو الاستئصالية"، بحسب رأيهم. وبخصوص طريقة تعامل النخب المغربية مع حكومة الإسلاميين، أوضح الباحث أنه يمكن اعتبار السنوات الماضية من تسيير حزب العدالة والتنمية للحكومة مرحلة اختبار، وانتظار، وتوقع لدى مختلف الأطراف في المغرب، حيث كانت في البداية حالة من التخوف والتوجس، خاصة في ما يتعلق مثلا بفئة رجال الأعمال والمستثمرين المغاربة والأجانب. واعتبر الكنبوري أن الاعتقاد الذي كان سائدا بأن "الإسلاميين سيكونون نسخة من الإسلاميين المتطرفين الذين حكموا في بلدان أخرى، وقادوا بلدانهم إلى حافة الإفلاس" قد تراجع، لأن "المدة التي مرت حتى اليوم أعادت نوعا من الطمأنينة إلى هذه الفئات، بعد أن أظهر العدالة والتنمية أنه حزب عادٍ، فقط يختلف عن باقي الأحزاب في بعض التفاصيل المرتبطة بالبرنامج الذي يؤمن به". الباحث المغربي استطرد أن "الذين يتخوفون من حزب العدالة والتنمية يتناسون هذه القاعدة، وينسون أنه واحد من أربع مكونات سياسية تشكل الحكومة الحالية، وبقاؤها متعلق ببقاء التحالف، كما أن البرنامج الحكومي الذي يطبقه الحزب اليوم لا علاقة له تماما بالبرنامج الذي تقدم به في الانتخابات، بل إن الحزب أحدث انقلابا بمائة وثمانين درجة عن برنامجه الانتخابي". ويشرح المتحدث "خاض الحزب الحملة الانتخابية دفاعا عن المواطنين في مواجهة الدولة، واليوم هو يخوض حملة للدفاع عن الدولة في مواجهة المواطنين، من خلال تبرير الزيادات في الأسعار، والانحناء أمام الفساد الذي جعل منه حصان طروادة في الانتخابات، بل والتصالح مع رموز الفساد التي كان هو نفسه من صنع لها تلك الصورة في الإعلام". وحول الفروقات بين الجيلين القديم والجديد للإسلاميين بالمغرب، قال الكنبوري إن "الجيل القديم نما في ظل الجلسات التربوية وفي ظل الخطاب الوعظي والإرشادي، وتشرب ثقافة الصحوة الإسلامية التي ولدت كعودة إلى الدين بعيدا عن السياسة بشكلها المباشر، وفي ظل خطاب كان يعتبر السياسة خادمة للدين، نظريا فقط" أما الجيل الجديد من إسلاميي المغرب، يردف المحلل المغربي في حواره مع "الصوت الآخر" الجزائرية، فقد "قلب هذه المعادلة، وجعل الدين خادما للسياسة، لذلك نرى حضورا للبراغماتية والنفعية، والطابع العلماني في التعاطي مع الشأن السياسي، وضمور الوازع الأخلاقي عندما يتعلق الأمر بوجود التنافي بين المبدأ والمصلحة"، مشيرا إلى أن هذا "مؤشر على كون الأحزاب والجماعات الإسلامية سوف تنتهي قريبا كظاهرة ارتبطت بنوع من القداسة في العقود الماضية".