ربما يعتبر قرار مجلس الأمن الدولي 2285 الذي صدر الجمعة، أحد أكثر القرارات التي حظيت بمتابعة خاصة في تاريخ النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. فبعد أن كانت قرارات مجلس الأمن بخصوص النزاع تمر بصورة آلية، بدون صعوبات تذكر، فإن قرار هذه السنة، والذي كان مسبوقا بتوتر غير مسبوق في العلاقات بين المغرب والأمين العام، كان يؤشر على أن تكون كواليس مجلس الأمن موضوع مواجهات ومفاوضات دبلوماسية شديدة التعقيد والخطورة. ويمكن القول إن المغرب استطاع تجاوز منعطف صعب في تاريخ النزاع، بل أكثر من ذلك استطاع تحييد ملفات شكلت في السنوات الأخيرة حصان طروادة بالنسبة لخصوم الوحدة الترابية، وعلى رأسهم الجزائر وجبهة البوليساريو، هذه الملفات تمثلت بصورة رئيسية في: - وضعية حقوق الإنسان وتوسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبتها. - تدبير واستغلال ثروات الصحراء ومدى استفادة الساكنة المحلية منها. - إسقاط الحكم الذاتي بالتقادم. هذه المواضيع كلها استطاع المغرب، بمعية حلفائه وبصفة خاصة فرنسا، أن يضعها في الإطار الذي يخدم رؤيته للنزاع، وأقنع مجلس الأمن بزاوية معالجة هذه القضايا دون الوقوع في فخ الدعاية لأطروحة البوليساريو ومن ورائها الجزائر. قرار مجلس الأمن تضمن نقاطا إيجابية نوعية بالنسبة للمغرب، كما تضمن أخرى يمكن تصنيفها بأنها سلبية. أولا: النقط الإيجابية بالنسبة للمغرب: - لم يعكس قرار مجلس الأمن اللهجة واللغة التي خط بها الأمين العام تقريره لمجلس الأمن، وهو ما يعني أن أعضاء مجلس الأمن وضعوا التقرير في سياقه المتمثل في التوتر الكبير الذي تعرفه العلاقة بين المغرب والأمين العام. - إعادة التذكير بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي- ولو بعدم ذكرها بالاسم- وتأطير جهود التسوية التي تعمل عليها الأممالمتحدة بقرارات مجلس الأمن منذ 2008، وهو ما يعني استمرار القناعة بصعوبة تنظيم الاستفتاء، وأن الحكم الذاتي مقترح جدي وذو مصداقية وأرضية ممكنة لإيجاد تسوية للنزاع. - وصف جهود المغرب لإيجاد تسوية بالجدية وذات المصداقية. - الإشادة بدور المجلس الوطني لحقوق الإنسان عبر لجانه الجهوية في كل من العيون والداخلة، وبتعاون المغرب مع المنظمات الدولية ذات الصلة؛ بحيث لم يكن هناك أي انتقاد للمغرب على هذا المستوى، علما أن الجزائر وجبهة البوليساريو ركزتا، في السنوات الأخيرة، على موضوع حقوق الإنسان، بل إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تقدمت السنة الماضية بمقترح توسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة وضعية حقوق الإنسان، هذا ما يشكل نكسة كبيرة لدى الجزائر والبوليساريو. - تجاهل القرار لما ضمنه بان كي مون في تقريره بخصوص موضوع الثروات، خاصة ما جاء في الصيغة الأخيرة لتقريره؛ حيث كان كي مون قد أكد على "أن المعلومات المتاحة تشير إلى أن أبناء الصحراء الغربية لا يزالون يواجهون التمييز في التمتع بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية "، أو ما أشار إليه في النسخة الأولى من التقرير من زحف للفقر على ساكنة المنطقة التي لا تستفيد من الاستثمارات التي تعرفها المنطقة. هذا التجاهل من قبل مجلس الأمن يعتبر انتكاسة أخرى لأعداء الوحدة الترابية ممن راهنوا على موضوع حقوق الإنسان والثروات في السنوات القليلة الماضية، وذلك بهدف محاصرة المقترح المغربي للحكم الذاتي. ثانيا: النقط السلبية في القرار: - الترحيب بمؤتمر للمانحين بخصوص الوضعية في مخيمات تيندوف دون الوقوف على أسباب تلك الوضعية الإنسانية الكارثية، وإن كان موضوع المساعدات الإنسانية للمحتجزين في المخيمات لا يطرح أي إشكال، بل يمكن للمغرب أن يساهم أو يتحمل الجزء الأكبر منها، مادام الأمر يتعلق بجزء من مواطنيه، فإن هذا المؤتمر يمكن أن يتم استغلاله في الدعاية لأطروحة الانفصال باستثمار البعد الإنساني لوضعية المخيمات، علما أن تقارير دولية شاهدة على تلاعب قيادة البوليساريو في المساعدات الإنسانية. - عدم جدية مجلس الأمن في تحمل مسؤوليته بخصوص إحصاء اللاجئين وتطبيق اتفاقية جنيف ذات الصلة، والاكتفاء، في صيغة القرار، بطلب "تسجيل" اللاجئين، وهو ما يتناقض جوهريا مع أية دعوة إلى مؤتمر للمانحين، إذ لا يمكن للدول المانحة التعامل مع جهة ترفض إحصاء اللاجئين، وهو المطلب الذي كرره المغرب دائما، وواجهته الجزائر وجبهة البوليساريو بالرفض، وهو ما يضعهما في حالة تناقض، فهما تطالبان باستفتاء لتقرير المصير، في الوقت الذي تتخوفان فيه من انكشاف حقيقة الأرقام التي تقدمانها حول الأعداد الحقيقية لسكان المخيمات. - تشبث مجلس الأمن ببعثة المينورسو بكامل مكوناتها؛ أي بما فيها المكون المدني الذي كان موضوع تقليص في شهر مارس الماضي بقرار من المغرب، علما أن التشبث بالمكون المدني يحيل بصفة مباشرة على المهمة الرئيسية لبعثة المينورسو، والتي كانت تتمثل في تنظيم الاستفتاء. فمجلس الأمن يحافظ على ازدواجية اللغة بخصوص تعاطيه مع النزاع المفتعل في الصحراء، فمن جهة يشيد بالحكم الذاتي ويقر بأنه حل جدي وواقعي وذو مصداقية، ويحيل دائما على القرارات التي تلت وضع المغرب لمقترح الحكم الذاتي، ومن جهة أخرى يتشبث بالمكون المدني وببعثته للصحراء التي تشكلت في سياق مختلف عما عرفته المنطقة منذ 2007، وهو ما يحيط قرارات مجلس الأمن بعدم الجدية والواقعية في بحث سبل حقيقية لحل النزاع. - وضع المغرب تحت الضغط عبر تحديد مهلة 90 يوما لعودة المكون المدني للبعثة، هذه النقطة عرفت مباحثات ومفاوضات طويلة في كواليس مجلس الأمن، إذ إن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت تسعى من خلال مشروع القرار الذي تقدمت به إلى إجبار المغرب على العودة الفورية لهذا المكون، وفي الصيغة الأولى للقرار انتقل الأمر إلى أجل 120 يوما، ليتم تقليصه في الصيغة النهائية للقرار إلى 90 يوما، والأمر الأكثر صعوبة في هذا الجانب هو أن المجلس أوكل الأمر للأمين العام الذي يوجد في خصومة مزمنة مع المغرب.