إذا كان رفض ترشيح حماد القباج سيفتح نقاشا من الناحية القانونية حول موانع الترشيح ودرجة سريانها على حالة السلفي الداعية والذي تبقى للقضاء صلاحية فحص الحجج التي بنى عليها والي مراكش - أسفي قراره بالمنع، فإن قرار منع السلفي حماد القباج من الترشح يحمل مجموعة من الرسائل السياسية إلى أطراف متعددة: الرسالة الأولى إلى حزب العدالة والتنمية وجناحه الدعوي حركة التوحيد والإصلاح، مفادها أن الدولة تفصل بين حدود مجال الدعوة ومجال السياسة، وأن هناك خطوطا حمراء لا يُمكن للدعوي أن يتجاوزها بنقل الخطاب إلى المجال الانتخابي والعمل البرلماني؛ فالدولة ترسم الحدود بين المجالين السياسي الحزبي والدعوي. الرسالة الثانية إلى قيادات حزب العدالة والتنمية، وعلى رأسها السيد عبد الإله بنكيران، مفادها أنه يجني نتائج خطابه المستعمل طيلة الخمس سنوات الماضية والذي قسم المجتمع إلى علمانيين وإسلاميين؛ فالتصدي لترشح السلفي القباج بدأ في جمعيات المجتمع المدني، ولم يكن من الممكن أن تحدث هذه المرافعة ضد السلفي حماد القباج لولا خطاب بنكيران وبعض قيادات العدالة والتنمية الذي يذهب في اتجاه إحداث شرخ متصارع في المجتمع من نتائجه الجمعيات التي اجتهدت في البحث عن كل ما يمنع السلفي القباج من الترشح، فالقباج يكون بذلك ضحية خطاب العدالة والتنمية قبل خطابه. الرسالة الثالثة، توجه السلطات المغربية بمنع ترشح السلفي القباج إشارة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية مضمونها أن الدولة المغربية هي التي تتخذ قرار وتوقيت وطريقة الإدماج وليس الولاياتالمتحدةالأمريكية عبر نافذة العدالة والتنمية؛ فالدولة انتبهت إلى أن العدالة والتنمية لم يتخذ خيار ترشيح السلفي القباج إلا بعد الضغط الأمريكي على قيادات العدالة والتنمية. وبذلك، فحماد القباج يكون ضحية صفقة أمريكية مع العدالة والتنمية المغربي انتبهت إليها الدولة. ويبدو أن الحجج التي قدّمها والي مراكش - أسفي للمنع تُشير إلى مقتضيات أكبر من موانع الترشيح الواردة في القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجلس النواب؛ وهي، في جميع الحالات، يبقى النظر فيها للقضاء. إن الأمر واضح بأنه "حرب" في الإستراتيجيات بين السلطات العمومية وبين حزب العدالة والتنمية. لاعبو هذه الحرب إلى حد الآن هما: نبيل بنعبد الله وحماد القباج. ولا أعتقد أن هذه "الحرب" ستمتد إلى باقي السلفيين الذين سيترشحون في أحزاب أخرى؛ لثلاثة أسباب: الأول هو أن الأحزاب الأخرى كالاستقلال لا يحيط بها خطر الدعوي، فهي تفصل بين السياسي والدعوي. ويكمن السبب الثاني في أن تلك الأحزاب الأخرى لا تتلقى ضغوطات من أمريكا لإدماج السلفيين. ويرتبط السبب الثالث بالسلفيين أنفسهم ما دامت الدولة هي التي قرّرت إدماجهم بقرار سياديّ داخليّ، وبناء على مراجعات قدّمها هؤلاء السلفيون. لذلك، يبدو أن منع ترشح السلفي حماد القباج فيه جانب يتعلق بخطابات الشخص؛ ولكن الجانب الأكبر مرتبط بما يريده حزب العدالة والتنمية بالقباج داخل البرلمان. *رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات