إن اتجاه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نحو إقرار نظام الاقتراع باللائحة لانتخاب أجهزته التنفيذية خطوة لتجاوز عيوب نظام الاقتراع المعتمد في المؤتمر التاسع، والذي ساهم في تفتيت التنظيم عوض تقويته، وعمل على بلورة سيطرة فرد عوض المؤسسات، ولم يجعل للتوافقات سبيلا. وبدل بروز حزب المؤسسات هيمن شخص الكاتب الأول، وهي هيمنة ضربت في العمق الفكرة الاتحادية؛ التي لا يمكن أن تلخص في شخص مهما كان دوره في الهرم التنظيمي؛ لأن قوامها في تنوعها من حيث الرؤى. هذا التنوع لا يمكن احتواؤه من خلال فرد الزعيم؛ لأن جوهر الفكرة الاتحادية في عمقها الديمقراطي الحداثي تميل إلى ممارسة التعاقد كقيمة سياسية، وإعمال الديمقراطية كفعل يومي وممارسة داخلية؛ ولهذا عجز حكم الفرد عن تحقيق التحول المنشود. كلنا عاينا الحروب التنظيمية التي برزت إبان المؤتمر التاسع.. دخول الاتحاديين في حرب أهلية لم تتمكن معها شخصيات الصراع من تدبيره بطريقة ديمقراطية؛ وبسبب تباين الرؤى وسعي كل طرف إلى الهيمنة عن التنظيم بدون فكر، هاجسهم تحقيق نصر تنظيمي بدل ترجمة الفكرة الديمقراطية والقيم التقدمية كممارسة يومية. نمط الاقتراع لانتخاب الكاتب الأول أجج البعد الإقصائي، ما جعل الاتحاديين يدخلون في حرب وجودية وتنظيمية. ففوز لشكر اعتبره البعض وسيلة لتصفية حسابات الماضي بحس انتقامي؛ ما جعله كشخص عاجزا عن لعب دور الموحد؛ فاندلعت حرب قادة الطوائف الاتحادية. هذه الدوامة التنظيمية سحقت أصحاب الأفكار، فبرزت ظاهرة جهابذة التنظيم، ما ساهم في بروز ظواهر المسخ السياسي والانسداد المؤسساتي؛ في حين عجزت البنية الاتحادية عن توفير قنوات استقبال للجيل الجديد، وبات مقر العرعار معزولا عن القوات الشعبية الحقيقية. لتجاوز هذا الوضع يجب أن ينكب الاتحاديون والاتحاديات على تغيير نظام الانتخاب في اتجاه تمكين مختلف التعبيرات والحساسيات من التمثيل داخل الأجهزة، والدفع بقوة في طريق تقوية الحزب تنظيميا. كما يمكن أن يؤسس الإطار الذي على أساسه يمكن أن يتشكل إغراء للحركة الاتحادية من أجل العودة إلى مكانها الطبيعي، لبناء الحزب الاشتراكي الكبير؛ ولتتمكن بتكاثف الجهود من ترجمة الرسالة الاتحادية عبر توحيد كل مكوناتها، بعيدا عن واقع الاندماج الذي حصل، والذي هو في الحقيقة اندماج لشخص قادته أحلامه التنظيمية إلى تأسيس حزب، وبعد ولاية عاد إلى الاتحاد بدون قيمة مضافة سياسية أو انتخابية. هذا الاندماج ذو التكلفة السياسية والمالية لم يكن له عائد سياسي ولا انتخابي بل شوه فكرة الاندماج. وقبل الانكباب على إبراز خصائص الاقتراع باللائحة نرى من الضروري الإشارة إلى أن نمط الاقتراع هو أسلوب تقني لممارسة العملية الانتخابية، التي تمكن الشخص المنتخب من ولوج مؤسسة الحزب، (هذا لا يغني عن قيام القيادة الحالية بمكاشفة الاتحاديات والاتحاديين)؛ وهو بذلك نمط يمكن أن يوظف من أجل تعميق الديمقراطية الحزبية وتعميق الخيار الديمقراطي، ما ينتج تقوية المؤسسات التنظيمية في إطار تولي مهمته الأساسية في مواجهة جميع القضايا المطروحة عليه. وسنحاول هنا التركيز على أسلوب الاقتراع باللائحة، لما نرى فيه من مزايا يمكن أن تخرج الحزب من الوضع الحالي في اتجاه المأسسة ومواجهة كل مكامن الضعف التي أبانت عنها التجربة السابقة. 1- خصائص الاقتراع باللائحة * يقوم على التمثيل النسبي حسب قاعدة أكبر بقايا. * يقوم على عدم استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي (أي فوز أي مرشح بالأغلبية البسيطة /50+1)، وعلى توزيع المقاعد في دائرة انتخابية حسب النتائج التي تحصل عليها مختلف اللوائح المتنافسة. * يتم توزيع جميع المقاعد بشكل كامل. * يُلزِمُ مختلف اللوائح المشاركة بأن تضمن عددا من المرشحين يساوي عدد المقاعد المتبارى عليها. 2 - إيجابيات الاقتراع باللائحة: يقلل من السمة الفردية للانتخاب، إذ تغيب صورة الفرد ويظهر الحزب. وبغياب السمة الشخصية يبرز البرنامج، ما يجعل الحزب يقوم على أساس التدبير المؤسساتي عوض التدبير الفردي، وينتخب على أساس البرامج؛ ما يعطيه دفعة عبر تمهيد الطرق لبزوغ تيارات بشكل سلس، ويوفر الإطار المناسب لمعالجة الاختلاف داخل الحزب وداخل مختلف تياراته الفكرية والسياسية. غير أن هذا الطرح يجب أن يتم إنضاجه عبر فتح نقاش عميق بين جميع الاتحاديين، للمحافظة على وحدة الحزب. كما يمكن هذا الأسلوب من تفادي الصفات السلبية التي تظهر في الاقتراع الاسمي، مثل رمزية الشخص، ما يحول دون المؤسسة، إذ إن الاتحاد منذ إنشائه كانت شخصية الزعيم تطغى على قراراته، ما شكل عائقا أمام تحديد اختصاصات الكاتب الأول، المتمثلة بالأساس في كونه الممثل الرسمي للحزب والناطق الرسمي باسمه ومنسق أعماله، والمكلف بتدبير التفاوض مع الدولة ومع باقي الفرقاء السياسيين، واقتراح المرشحين باسم الحزب لشغل المناصب الحكومية والمناصب السامية المدنية بعد استشارة المكتب السياسي، كما أنه هو الرئيس المباشر للإدارة الحزبية، ويخول له الحق في التعيين والإقالة والتأديب في الوظائف في الإدارة الحزبية. ومن شأن هذا الأسلوب من الاقتراع إضفاء البعد التعاقدي، والذي سيمكن الحزب من المرور من الشرعية التاريخية للكاتب الأول إلى الشرعية التعاقدية. وقد أعطى المؤتمر الثامن بوادر ذلك في طريقة انتخاب الكاتب الأول للاتحاد، غير أن هذه الخطوات تستلزم الدفع بها في اتجاه تحوّل مهم يواكب التطورات التي عرفها المغرب، والتي باتت تفرض نفسها من خلال التحول من المشروعية التاريخية إلى المشروعية التعاقدية، أو التي تقتضي وضع مساطر ومقاييس مضبوطة لانتخاب أجهزته، تجنبه ما عاشه الحزب من أزمات في ماضيه القريب. وكما قال الكاتب الأول السابق عبد الواحد الراضي: "...في الماضي لم نختر عبد الرحيم بوعبيد، بل اختاره التاريخ. لكن هل كان لدينا بديل لعبد الرحيم ولليوسفي ولليازغي.. التاريخ هو من كان يختار، أما اليوم وغدا فنحن من سيتحمل المسؤولية وليس التاريخ؛ وذلك من خلال مساطر وضوابط تضمن وحدة الحزب ولا تجعل مناسبة اختيار قيادته فتنة أو تفرقة....حان وقت المنافسة الشريفة والعمل على تفادي الذاتية والنرجسية وتحصين حزبنا بوضع مساطر يتفق عليها الجميع...سنتمكن من أن نعيش في انسجام تام وأن نعمل ونبني، ليدخل الحزب في مرحلة عادية، خاصة أن العديد من المناضلين يشعرون بأننا نعيش حالة استثنائية". لقد أفرز نظام الدورتين بروز المنطق الرئاسي، الذي لا ينسجم مع مطلب الاتحاد في تحقيق النظام البرلماني على صعيد الدولة، وعليه انسجاما مع مطلبه أن يطبقه على بنيته التنظيمية الداخلية، لأنه بدأ يلخص في كاتبه الأول، الذي باتت له السيطرة المطلقة على البنية التنظيمية؛ ناهيك عن عدم احترام ضرورة فصل السلطات بين مؤسسة المكتب السياسي واللجنة الإدارية بعضوية رئيس اللجنة الإدارية في المكتب السياسي، الأمر الذي يجعل اللجنة الإدارية مؤسسة مباركة لقرارات الكاتب الأول عوض أن تكون مؤسسة للنقاش الجاد والفعال. هذه الأمور جعلت الأصوات الاتحادية مبحوحة وعاجزة عن تصريف أفكارها داخل المؤسسات الحزبية، ما أفرز انحباسا مؤسساتيا لم يجد معه الاتحاديات والاتحاديون سوى الفضاء الأزرق للتعبير عن غضبهم وكبتهم السياسي، وهو ما يشكل خطرا على الديمقراطية وتعددية الحساسيات داخل الاتحاد التي لطالما شكلت إغناء للظاهرة الاتحادية. إن الاقتراع باللائحة من شأنه إعادة الاعتبار للإشعاع الحزبي في المناطق النائية عبر تقوية النظام الجهوي للحزب، والتوزيع العادل للموارد المالية بشكل متساو عوض الاقتصار على الجهات المركز. هذا النمط من شأنه تبديد مخاوف الأحزاب التي نتقاسم معها القيم نفسها من أجل الاندماج في اتحاد اشتراكي كبير معتز بجميع أبنائه ومتطلع للمستقبل. * ولوج المؤسسات التقريرية للحزب ويبدد مخاوفها، ما يعطي دفعة لتأسيس حلم حزب اشتراكي كبير. 3- مواجهة السلبيات برزت فئة تدافع عن نمط الاقتراع الحالي ومتخوفة من سلبيات هذا النوع من أنماط الاقتراع، والمتمثلة بالأساس في: - مخاوف تفتيت الحزب . - يمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار المؤسسات الحزبية. - بروز تكتلات غير متجانسة تصعّب المهام التقريرية للحزب، ما قد يؤدي إلى تضارب في مقرراتها. ويبقى الرهان لمواجهة هاته السلبيات وضع ضوابط صارمة تحول دون تفتت الحزب وآليات توفر الاستقرار اللازم للمؤسسات التمثيلية، من خلال تحديد الفترة اللازمة لاشتغال المؤسسات التنظيمية دون أن تكون مهددة بالإقالة. أما مخاوف تكوين أغلبيات غير منسجمة فيمكن تجاوزها عبر تقوية مؤسسة الكاتب الأول، عبر تمكينه من اختصاصات تمكنه من تحقيق الانسجام بشكل يحول دون إمكانية عرقلة مشاريع الحزب. إن من شأن هذا النمط تقوية سلطة القيادة الحزبية بشكل يمكنها من الفعل والسير ببرنامجها الذي على أساسه تم انتخابها من طرف المؤتمرين بشكل يمكن من محاسبتها على أساس البرنامج الذي تم انتخابها على أساسه. *خبير في الأنظمة الانتخابية