في حوار مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، عزا الباحثان كنزة أفساهي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة "بوردو" الفرنسية باحثة بمركز "ايميل دوركايم"، وخالد منى، أستاذ الأنثربولوجيا بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، استمرار الاحتقان بالريف لأزيد من ثمانية أشهر إلى انعدام ديمقراطية حقيقية محلية بالمنطقة، وإلى عودة فاعلين محليين عرفوا بقيادة معارك سياسية نيابة عن الساكنة إلى الواجهة منذ مقتل السماك، محسن فكري، كنخب دخلت في صدام مع الدولة، إلى جانب تواطؤ منتخبين مع الدولة، وغياب مؤسسات الوساطة، الأمر الذي صعب، على حد زعمهما، من مهمة الدولة في إخماد الأزمة، وقيادة المفاوضات مع الساكنة. واعتبر الباحثان مصرع محسن فكري في حاوية قمامة بمثابة "الزناد" الذي أجج غضب ساكنة الريف، للخروج إلى الشارع للدفاع عن مطالبها، والمطالبة بتنمية اقتصادية بالإقليم، مؤكديْن أن الإشكال الحقيقي في منطقة الريف لا يكمن في جوهره في تأخر الدولة في إنجاز مشروع "منارة المتوسط"، بل في انعدام رغبة الدولة في إجراء مصالحة مع المنطقة، كما أن المشاريع التي تم اطلاقها لا تلبي الانتظارات الحقيقية لساكنة المنطقة التي تعاني من تفشي الهجرة السرية، والأنشطة المحظورة، إلى جانب عدم إشراكها في المشاريع التي يتم إطلاقها. وعلاقة بالدور الذي يلعبه تاريخ منطقة الريف المعروفة بالنضال في تأجيج الاحتقان، قال الباحثان إن المنطقة ترتبط في المخيال الشعبي ب"المنطقة المتمردة الخارجة عن القانون"، كما أن المؤسسات التعليمية لا تدرس بشكل كاف تاريخ حرب الريف، والثورات الصامتة لسنوات 1958-1959-1984، دون نسيان أن قصة الريف تلوكها الألسن شفهيا، وهي المعطيات التي تم استثمارها لإعطاء قوة أكثر للحراك الذي تشهده المنطقة حاليا، وهو ما يفسر مطالبة قادة الحراك السكان بأداء اليمين على المصاحف بعدم خيانة الريف. وحول أسباب قيادة عدد من الشباب للحراك الدائرة رحاه بالمنطقة، أكد الباحثان، كنزة أفساهي وخالد منى، أن شباب المنطقة يعاني من البطالة، وانعدام التكوين، وانسداد الأفق؛ إذ تعاني الحسيمة من غياب ملحقات جامعية لاستقبال الطلبة لاستكمال دراستهم الجامعية العليا، كما أن النساء يعانين أيضا من التهميش؛ حيث يضطررن إلى العمل خارج البيوت في جمع الخشب، وجلب المياه، والرعي، والاشتغال في الضيعات الفلاحية وأنشطة التهريب. وأشار الباحثان، وهما يسلطان الضوء على الأسباب الحقيقية وراء حرك "الريف"، إلى أن المنطقة لم تستفد من المشاريع الاستثمارية التي أطلقها الملك محمد السادس بجهة طنجةتطوان؛ حيث لازال الريف، والمناطق المحيطة به، يعيش على عائدات التهريب، وهو ما أذكى الإحساس بالإحباط واليأس في نفوس الساكنة، إضافة إلى تفشي ظاهرة الهجرة السرية بالحسيمة، واعتماد أغلبية السكان على التحويلات المالية من ذويهم المقيمين بالخارج، وعدم استفادة المدينة من "الدينامية" التي تعرفها جهة طنجةتطوان. وعزا الباحثان بجامعة "بوردو" ومولاي اسماعيل بمكناس فشل الدولة في إخماد أزمة الريف إلى الأثر النفسي العميق الذي خلفه مقتل السماك محسن فكري في نفسية ساكنة المنطقة، إلى جانب اتهام الدولة للسكان ب"الانفصال" وبتلقي الأموال من الخارج، فضلا عن إصرارهم على سلمية احتجاجاتهم، مما أكسبهم تعاطفا كبيرا في عموم مناطق المغرب، إضافة إلى الغموض الذي يلف المقاربة السياسية للدولة مع الحراك. وأكد المتحدثان أن التحقيقات التي تباشرها كل من المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية والمفتشية العامة للمالية بخصوص مشروع منارة "المتوسط" قد تشكل تهدئة للوضع، وبإمكانها الاسهام في منع الحراك من استعادة زخمه، لكن يتعين على الدولة احترام حقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين، في أفق استعادة الثقة بين الدولة والمواطنين، خصوصا أن القمع الذي شهدته المنطقة يوم عيد الفطر ظل في الذاكرة الجماعية للسكان. حراك الريف، بحسب كنزة أفساهي وخالد منى أسهم في تفكيك العديد من الصور النمطية التي ألصقت بسكان الريف، من قبل الحضور القوي للمرأة الريفية في الحراك، والسلمية التي أبان عنها السكان في مظاهراتهم، الأمر الذي يحتم على الدولة اليوم ضرورة تكريس ممارسة ديمقراطية سليمة، واستعادة قنوات الحوار بين الدولة والمواطنين، كسبيل وحيد لإنهاء هذه الأزمة.