بحضور فنانين ومبدعين ومثقفين من مختلف أنحاء العالم ، تسلم الفنان التشكيلي عمار شناعي أواخر الشهر الجاري بباريس ميدالية الأكاديمية الفرنسية للفنون والعلوم والآداب، التي تعد الأعرق في أوروبا والعالم ، إذ تم إحداثها سنة 1915. وأهدى شناعي هذا التتويج، الذي يعد اعترافا بمساره التشكيلي المتجدد، للمغرب الذي احتضنه وألهمه "بسحر طبيعته وعراقة حضارته ونوره الرباني الساطع الصافي". وقال شناعي إن هذه الجائزة من أهم الجوائز التي تلقاها في مساره الإبداعي مشيرا إلى أن تتويجه بباريس سيكون حافزا له ولكل الفنانين المغاربة على تطوير مهاراتهم وأساليبهم واستشراف مستقبل واعد لأن "لكل مجتهد نصيبا". وفي كلمة بالمناسبة، أبرز الناقد الجمالي الفرنسي كوتيري أن التشكيلي المغربي عمار شناعي بصم تجربته الفنية انطلاقا من 1994 وهو ينظم معارض كانت تحتفي بمحيطه في مسط رأسه بمدينة الخميسات. وأضاف كوتيري أن الفنان في طفولته كان شغوفا برسم المشاهد الجميلة، التي ينقلها من المجلات، والتذكارات البريدية (الكارت بوسطال)، "إنه حدس عفوي وعصامي في الآن نفسه لفنان رسم بدايته الفنية منذ شبابه الأول". وتوالت معارضه الفردية والجماعية بين سنتي 1994 و2005 أغلبها بمدينة الخميسات، لوحات تجسد المشاهد العمرانية والتراثية والوجوه الحالمة لشخوصه ولأحلامه الصغيرة والكبيرة، كما اشتغل على اليومي والموسمي من خلال الاحتفالات الفلكلورية والمواسم، "إنها روحه وروح مجتمعه التي منحها عطفا وحنانا من خلال تقنية تجمع فضاء اللوحة واللون معا". ورأى كوتيري إن شناعي واحدا من الفنانين الذين تماهوا مع الفن الفطري في معناه النبيل، حيث رسخ وجوده الروحي والصباغي انطلاقا من حماسته للطبيعة والحياة. وعلى المستوى الجمالي، نسج شناعي علاقات متميزة مع جمعيات وأشخاص خارج مدينته، إذ بدأ يشارك في معارض تقام بالمسرح الوطني محمد الخامس، أو برواق "النادرة " بالرباط تحت رعاية جمعيات معروفة أمثال جمعية رباط الفتح، أو نقابة الفنانين المغاربة، ما أعطاه زخما كبيرا، وشجعه نفتاح على المشاركة في معارض خارج المغرب (فرنسا وإسبانيا...). كلما تأمل المرء في ما أنجزه عمار شناعي المبتعد دوما عن لغط الفنانين وضوضائهم ازداد قناعة بأنه من تلك الفئة التي تجدد أسلوبها باستمرار، حيث يجعل من الفن أسلوب حياة. في الآونة الأخيرة تعاطى للصباغة عن طريق السكين ليقدم أعمالا خاصة كأنها سيمفونية ألوان. يتجه نحو التجريدي من خلال تبسيط أسلوبه، الذي ينطلق من الأشكال الهندسية، ويحتفظ في تقديمه فنيا الحشود التي تمر أمام البوابات والأقواس التراثية، علما أن أعماله تحتفي، أيضا، بالنافورات وفضاءات الأسواق. فلا غرو ان يختار المشرفون على أكاديمية الفنون والعلوم والآداب الفرنسية إحدى لوحاته لقوتها وتقنيتها وبساطتها في تناول الموضوع، الذي ترك انطباعا جميلا وسط هؤلاء النقاد، الذين أجمعوا على موهبته الفنية، ورصعوا مساره الفني بالميدالية الفضية، التي يتمنى كل فنان مهما بلغ من صيت عالمي أن تعزز شهاداته و دبلوماته. وقال كوتيري "على مستوى آخر يدعونا المبدع عمار شناعي إلى سبر أغوار عالم مختزل على نحو تشكيلي بليغ، حيث المشاهد مؤثثة عن طريق المآثر الواقعية والتخييلية معا للفعل الحركي والهندسة المرتبطة بالأشكال المحيلة على التراث اللامادي". عالم الفنان عالم فاتن تصويري يتقدم كخيط منسجم مع الاشكال والنغمات اللونية، كأنه يجعل من حس الفنان التشكيلي العميق والضمني مرجعا داخل مشهد الرسم المغربي المعاصر. من جهة أخرى، تحيل النغمات اللونية المحملة برمزية طبيعية على عالم صغير مستوحى من الطبيعة الداخلية للفنان التي بالفعل والقوة طبيعة الأثر، وطبيعة البعد الخفي والباطني للمعالم والألوان جوهر معيشه ومتخيله الجمالي. وفي ختام كلمته، قال الناقد الفني الفرنسي إن "الهدف من النقد ليس أن يكون الحكم على العمل جيدا أو رديئا، لكن مطلوب فيه أن يكون قراءة معمقة وجوهرية لثقافة ما" وزاد قوله إننا نركز في تقييم عمل ما على المبادئ الجمالية من أجل تحديد شخصية فنان أو معايير مجتمع، والفكرة التي تقود العمل". وخلص إلى أن "النقد رسالة وثقافة وفلسفة يستجيب لضرورة تقويم الكاتب أو الشاعر أو الفنان التشكيلي من خلال عطاءاته الأدبية او البصرية وما شابه".