عاشت منطقة تزارين، بإقليم زاكورة، كباقي المناطق الأخرى بجهات المغرب، احتفالات دينية بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، إذ تشهد جل الأضرحة والزوايا الموجودة بالمنطقة توافد عدد من الزوار من كل حدب وصوب، للتبرك بكرامة أولياء الله الصالحين والتوسل إليهم لقضاء الحوائج وتفريج الكرب، من خلال الدعاء بجانب القبور وتقديم الهدايا. زيارة الزوايا والأضرحة تعتبر ظاهرة سائدة وعادة راسخة في عمق المجتمع المحلي على اختلاف طبقاته، نظرا إلى تجذر إيمانه بطقوس وعادات صوفية يمارسها كما مارسها الأجداد طمعا في التقرب إلى الله عزل وجل والى الولي الصالح "المدفون" في هذه الزاوية أو تلك، وهو ما أكده عدد من المنتسبين إلى هذه الأضرحة والزوايا، الذين ذكروا أنها استمدت أصولها من الكتاب والسنة والمذهب المالكي، مع اعتبار إسهاماتها الفكرية والروحية عبر الوطن. وساهمت الزوايا الصوفية بمنطقة تزارين على الخصوص، والجنوب الشرقي عموما، بدوري أساسي في تعزيز التراث الإسلامي، إذ كانت تؤدي أدوارا ووظائف دينية واجتماعية وسياسية كبيرة، وساهمت بشكل كبير في الحفاظ على الهوية المحلية الأمازيغية والإسلامية للمجتمع المحلي، ولعبت دورا علميا من خلال تدريسها القرآن الكريم، ومختلف العلوم الشرعية، وتكوين الأئمة والإطارات الدينية للمجتمع. وتتوفر منطقة تزارين على ما يزيد عن سبعة عشرة زاوية وضريحا، وتختلف شهرة هذه الزاوية عن تلك، حسب الأساطير والحكايات المنسوجة عنها؛ منها زوايا لها مكانة كبيرة وتتمتع بشهرة وطنية، ويأتي الناس إليها من مختلف الربوع من أجل التبرك، وأخرى لا تتعدى شهرتها حدود المكان الذي تتواجد به. ومن بين الزوايا التي تستقبل سنويا وفودا من الزوار: مولاي بوعزة، ايت سيدي علي، سيدي عبد الرحمان، سيدي عمرو، سيدي ايت بن حقي، حسب ما أكده مولاي إبراهيم عزيز، أحد منتسبي زاوية مولاي بوعزة. طقوس غريبة يحرص عدد من المواطنين بمختلف مناطق تزارين والنواحي على زيارة الأضرحة والزوايا من وقت إلى آخر، خصوصا في مثل هذه المناسبة الدينية (المولد النبوي الشريف). إلا أن ما يثير انتباه العديد من المتتبعين لموضوع هذه الزوايا والأضرحة بعض من الطقوس الغريبة والعجيبة التي لازالت تمارس في وقتنا الحالي، والتي يعتبرونها مجرد "خدع" لكسب عطف الغافلين والجهلاء. ومن بين هذه الطقوس إيهام الناس بعدم جواز ذبح بقرة دون ذبح خروف تقدمه قبائل ايت عطا كهدية لشرفاء الزاوية، وإدخال "قصعة" كسكس من الحجم الكبير من نافذة صغيرة، وإمكانية فقدان البصر كل من شاهدها وهي تدخل، مع دخول وخروج النساء العوانس من نافذة صغيرة لقضاء حوائجهن... "كلها طقوس لا يمكن للعاقل تصديقها"، يقول احمد اوصالح، الباحث في تاريخ الزوايا الصوفية بالجنوب الشرقي. وفي هذا الإطار يؤكد اوصالح، في تصريح لهسبريس، أن أغلب هذه الطقوس غير واقعية، ولا تعدو أن تكون مجرد "حيل" لجذب الزوار إلى هذه الزوايا والحفاظ على مكانتها بين الزوايا الأخرى، وزاد: "لا يمكن تبخيس دور هذه الزوايا في الأمن الروحي للمواطنين، لكننا لن نؤمن بكونها تستطيع القيام بأمور لا يصدقها العقل". وشدد المتحدث على أن بعض الطقوس تدخل ضمن "الممارسات التي يمكن تقسيمها إلى تعبدية وفنية"، مواصلا بأن "الممارسات التعبدية مرتبطة بأداء طقوس دينية عند ضريح هذا الوالي الصالح أو ذلك، كقراءة القرآن والدعاء وطلب البركة والمساعدة"، ومشيرا إلى أن "الممارسات الفنية أنواع من الإنشاد الديني والذكر والأمداح". الزوايا وقدرتها على العلاج هل يمكن للوالي الصالح المدفون في هذه الزاوية أو تلك أن يقضي حوائج المتوسلين إليه؟ بهذا السؤال بدأ عبد الصمد احميش، الباحث في التراث المحلي، والمنحدر من ضواحي تنجداد، حديثه مع جريدة هسبريس الإلكترونية، مؤكدا أن "الزوايا لها مكانة هامة في الاستقرار النفسي والطمأنينة الروحية التي تولد للمرء توازنا في علاقته مع ربه ونفسه ومجتمعه"، وموضحا أنها "لا تستطيع الإجابة على كل التساؤلات التي تتعلق بالشفاء والعلاج والأرزاق". وأضاف المتحدث أن "الزوايا مثلها مثل أي مؤسسات تقليدية أخرى قد تساعد على تقديم بعض الإجابات التي قد لا تكون شافية، بقدر ما تخفف من أوجاع من يعانون من مشاكل صحية"، مشيرا إلى أن "بعض المواطنين من الجيل الحالي في الجنوب الشرقي يعتقدون أن البركة موجودة في ضريح هذا الوالي الصالح أو ذاك"، ومؤكدا "أن هذه المعتقدات الشعبية تنتقل من جيل إلى آخر". وذكر احميش أن الدولة "لها يد في انتشار هذه المعتقدات والخرافات، وليس من صالحها توعية الناس بما هو صحيح وما هو خطأ"، متهما وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعدم الرغبة في تطوير الشأن الديني وحمايته من الدخلاء وبعض الشبهات، مثل الطقوس التي تمارس في هذه الزوايا، من ذبح الأبقار وشرب دمائها، وغيرها من الأمور التي ينهي الدين الإسلامي والقرآن الكريم الناس عن القيام بها. الزوايا..ثقافة الانتماء لحسن بوعدين، رئيس المجلس العلمي المحلي لتنغير، أوضح في اتصال هاتفي بجريدة هسبريس الإلكترونية أن الزوايا اضطلعت منذ تأسيسها عبر تاريخ المغرب بأدوار متعددة ومتنوعة، "تتمثل في الدعوة إلى الله وتعزيز ثقافة الانتماء إلى هذا الدين"، مشيرا إلى أن "الزوايا عملت على العناية بتحفيظ القرآن الكريم والحديث الشريف وعلوم شرعية أخرى كالفقه وأصوله وغيرها"، وفق تعبيره. وذكر المسؤول ذاته أن أدوار الزوايا الاجتماعية تجلت في الإشراف على تدبير شؤون الجماعات وبذر بذور القيم والأخلاق في أوصالها، وزاد: "هذا يعد واقعا عمليا وتنزيلا للوظيفة المشار إليها سلفا، إذ حرصت مؤسسة الزاوية على إشاعة روح التعاون والتكافل والتآزر بين الناس، وإصلاح ذات البين وإطعام وإيواء عابر السبيل والإشراف على قضايا الجماعة؛ كما عملت على زرع قيم المواطنة والذود عن حياض الوطن وخرجت فقهاء وعلماء مجاهدين ضربوا بسهم وافر في الدفاع عن الوطن ووحدته".