"زمن قياسي".. الجزائر تسحب سفيرها في مصر بعد يوم واحد من تسليم أوراق اعتماده    "لبؤات U17" يخسرن أمام زامبيا في تصفيات المونديال    إحباط محاولة تهريب 196 كيلوغراما من مخدر الشيرا بميناء طنجة    تسجيل حالة وفاة جديدة بكورونا و22 إصابة خلال الأسبوع الأول من يونيو    "فوكس" المتطرف يصر على تصعيد التوترات بين إسبانيا والمغرب بسبب مليلية        ظهور جثة لاعب كرة قدم من مرتيل بعد محاولة فاشلة للسباحة إلى سبتة    فرنسا.. مرشحة تبلغ من العمر 9 سنوات تجتاز امتحانات البكالوريا    الحج 2024: خمسة آلاف طبيب يقدمون الرعاية الصحية للحجاج عبر 183 منشأة    مطالب بصرف الدعم الاجتماعي قبل عيد الأضحى    الPPS: جوانب إيجابية في حصيلة الحكومة لا تبرر ادعاءها المتعالي بإنجاز كل شيء وبشكل غير مسبوق    حكيمي يتفوق على صلاح في سباق "الأغلى"    وفاة سجين أغمي عليه لحظة تنظيفه مجرى للصرف الصحي بسجن الأوداية.. ومندوبية "التامك" تعلق    تفاصيل اعتذار زياش والنصيري للمدرب وليد الركراكي    السعودية تعلن جاهزية منظومتها الصحية لموسم الحج    سي إن إن: خلية أمريكية بإسرائيل ساهمت في "تحرير 4 رهائن" بغزة... وحماس: 210 شهداء في العملية    الفنان خالد بدوي يستحضر فلسطين في المهرجان الدولي للعود في تطوان    أربع أندية أوروبية تتنافس على نجم البطولة المغربية        الأمن يشن الحرب على مروجي "الماحيا"    خبراء برنامج "نخرجو ليها ديريكت": المغرب مقبل على أغلى عيد أضحى في تاريخه بسبب ارتفاع الأسعار    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    السلاح المغربي المتطور يغري الرئيس التونسي قيس سعيد    22 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" (النشرة الأسبوعية)    الإيسيسكو تستضيف أمسية فنية للاحتفاء بمدينة شوشا عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024    بعد منعها من الغناء بتونس.. نادي الفنانين يكرم أسماء لزرق    الباحثة أمينة الطنجي تحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا بتطوان    استئناف المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي سيتم في الأيام المقبلة    بووانو: ما قامت به الحكومة ليس إصلاحا للمقاصة بل زيادة في الأسعار فقط    وفاة الفقيه الدستوري عبد الرزاق مولاي رشيد    الأمم المتحدة تقرر إدراج جيش الاحتلال الإسرائيلي على "قائمة العار"    بنعبد الله: حكام الجزائر يُغَذُّون العداء والكراهية ضد كل ما هو مغربي مؤسساتيا وشعبيا    مراكش.. كمين يطيح بعميد شرطة في حالة تلبس بتلقي رشوة    وزارة الأوقاف: عيد الأضحى يوم الإثنين 17 يونيو 2024    مشروع مبتكر .. اطلاق أول مشروع مبتكر الالواح الشمسية العائمة بسد طنجة المتوسط    أداء "روبوتات الدردشة" كأداة تعليمية يسائل الفرص والعقبات    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة: "متى يحل عهد أفريقيا" لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    رئيس الأرجنتين يتجنب "ممثل فلسطين"    السلطات الدنماركية توقف رجلاً اعتدى على رئيسة الوزراء في كوبنهاغن    لاغارد: مصاعب ترتبط بكبح التضخم    بنكيران مهاجما وهبي..لا نريد أن تصبح فنادقنا أوكارا للدعارة والفجور وإشاعة الفاحشة    كأس أوروبا 2024: كوبارسي ويورنتي وغارسيا خارج القائمة النهائية لمنتخب اسبانيا    كيوسك السبت | المغرب سيشرع رسميا في إنتاج الغاز المسال مطلع 2025    بطولة إنجلترا: فاردي يمدد عقده مع ليستر سيتي    ارتفاع مؤشر أسعار الأصول العقارية بنسبة 0,8 في المائة برسم الفصل الأول من 2024    الأشعري في قصص "الخميس".. كاتب حاذق وماهر في صنع الألاعيب السردية    بن كيران يدعو إلى حل حزب الأصالة والمعاصرة    المخابرات المغربية تفكك لغز تحركات شخص خطير في إسبانيا    إدارة الرجاء تلعب ورقة المال للفوز بالبطولة        تصفيات كأس العالم 2026: المغرب يتجاوز عقبة زامبيا بصعوبة ويواجه الكونغو الثلاثاء المقبل بكينشاسا    الأمثال العامية بتطوان... (619)    وفاة أول مصاب بشري بفيروس "اتش 5 ان 2"    دراسة: السكتة القلبية المفاجئة قد تكون مرتبطة بمشروبات الطاقة    افتتاح فعاليات الدورة المائوية لمهرجان حب الملوك    فيتامين لا    الدكتورة العباسي حنان اخصائية المعدة والجهاز الهضمي تفتتح بالجديدة عيادة قرب مدارة طريق مراكش    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية مجتمع كافر
نشر في هسبريس يوم 05 - 03 - 2018

أمر مؤسف جدا أن يحدث ذلك، هكذا أخبرني أحد الأصدقاء، فأجابته: وماذا حدث؟ ماذا سأحكي لك يا صديقي، كل يوم نرجع به آلاف الخطوات إلى الوراء.. لا أعرف ماذا حدث لنا نحن المغاربة، لماذا بدأنا نفقد كل ود بذواتنا، بأخلاقنا التي تربينا عليها، لقد تحولنا بقدرة ما لا أعرفها ولا أفهمها ولا أستصيغها إلى مجتمع كافر، كافر بتأدية الواجب.
بعد ذلك عرفت الحكاية، أمر بسيط جدا، صديقي حساس جدا، ومفرط في العاطفة اتجاه الأحداث ذات الطابع الإنساني.. كل ما في الأمر هو أن سيدة كانت على متن حافلة في رحلة من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة قلعة السراغنة، وطلبت من السائق عند الوصول إلى مدينتها إدخالها إلى المحطة؛ لأن الوقت كان بعد منتصف الليل، والنزول على قارعة الطريق فيه تهديد لحياتها وحياة ابنتها التي لا تتعدى ثلاث سنوات، لكن السائق رفض رفضا مطلقا وبرر رفضه بأن الطريق ما زالت أمامه طويلة للوصول إلى مدينة أخرى كانت هي نهاية الرحلة.
توسلت المرأة للسائق وقالت له: إن القانون يلزمك بالدخول إلى المحطة لمدة عشر دقائق، وبعد ذلك لك الحق في متابعة الرحلة؛ لكن السائق رد عليها: من أنت لتعطيني التعليمات، أنا سيد نفسي. أنا من يسوق الحافلة وأنا من يختار المكان الذي يناسبني لأقف فيها دون أي ضغط أو توجيه أو إزعاج من أحد.
وصلت الحافلة إلى المدينة، اقترب السائق من المحطة وطلب من السيدة أن تنزل، رفضت الأمر بشدة، وقالت له: ولو على جثثي، فرد عليها السائق: إذن، فلتتحملي تبعات إصرارك وعنادك الذي سيؤدي بك إلى ما لا يحمد عقباه، وفي اللحظة التي حاول الانطلاق، ارتمت السيدة وأمسكت مقود الحافلة بشدة، وهي تبكي وتصرخ، كانت تصرخ بشدة وتقول: هذا ظلم هذا ظلم، هل لأنني امرأة وليس هناك ظهر يسندني، تريد أن ترمي بي في الخلاء وتتركني، وبعد شد وجدب وتمسك المرأة بحقها، وجد السائق نفسه في مأزق واضطر وهو يسب ويلعن اليوم الذي أصبح سائقا للحافلات أن يغير من وجهة الحافلة ويدخل إلى المحطة وهو يوشك على الانفجار، لكن المفاجأة الكبرى، أنه بمجرد ما وصل، صرخ في وجه تلك السيدة قائلا: انزلي أيتها المتعوسة، وفي اللحظة التي بدأت تعد لوازمها استغل جيش من المسافرين معها الفرصة وبدؤوا يتهافتون على النزول.. استغرب السائق المشهد وقال وعلامات الغيض بادية عليه: "كنا في فيل فزادونا فيلة"، وصرخ فيهم: "ولماذا أيها الجبناء لم تعلنوا عن رغبتكم كما فعلت السيدة، يبدو أن المرأة أَكثر رجولة منكم".
هذا ما في الحكاية، فصديقي تأثر كثيرا من الحدث وتعاطف مع المرأة، لكنه لم يحرك ساكنا،- وظل هو وبقية المسافرين يتفرجون طوال الوقت في امرأة وابنتها في مواجهة هؤلاء الوحوش من "السائق ومساعده" وفي الأخير انتهزوا جميعا نضالها وجهدها وبكاءها وصراخها ونزلوا معها في المكان المفضل إليهم.
ألم أقل لكم إن صديقي شديد الحساسية، لم أراه يوما منفعلا بهذه الطريقة، إلى درجة أنه وصف هؤلاء المسافرين "بالكفار"، كان ينتظر من المسافرين أن يقوموا جميعا أو على الأقل نفر منهم لنجدة المرأة من قهر السائق و"جبروته" والوقوف معها ودعمها لأنها لم تطلب سوى حق مشروع، ما هذه الأنانية المفرطة؟ يقول صديقي، ما هذا الجبن؟ ما هذا الخواء الذي أصبح ينخرنا؟ يأكل من أرواحنا؟ هل، فعلا، ما زالت لنا أرواح؟ أيعقل أن تصرخ امرأة وتعيد الصراخ طوال الطريق ونحن نغلق آذاننا؟ أين كبرياء الرجل، بل حتى أين هو الرجل؟ أين الواجب؟ أين واجبنا نحن الأغلبية الصامتة عن الظلم البين؟ لماذا لم نفعل شيئا يحافظ على الأقل على ماء وجوهنا؟ فعلا، إنها مأساة حقيقية.. فعلا، لقد تحولنا إلى أكثر من قطيع، أصبحت أشك في كل شيء، أصبحت أشك في نفسي..
أصدقكم القول لقد تعاطفت كثيرا مع صديقي دون أن أحضر هذه الواقعة، ودعته وأنا أتساءل مع نفسي: ترى ماذا كنت سأفعل لو كنت مسافرا معهم في هذه الحافلة؟ بصراحة، سأفعل الشيء نفسه، سأتألم من الداخل، وسألعن سائق الشاحنة بداخلي، وسألعنه بكل اللغات، وسألعن الوقت التي لم تتح لي الفرصة لأكون مالكا لسيارة أسافر فيها لوحدي بعيدا عن قذارة المجتمع. في كل الأحوال، لن أساند هذه المرأة إن طلبت مني ذلك؛ لأن الأمر لا يعنيني، سواء من قريب أو من بعيد.
*كاتب وباحث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.