إعادة بناء مناطق زلزال الحوز.. الحكومة تعلن تقدم الأشغال وتراجع عدد الخيام إلى 47 فقط    لقاء عمل يجمع رئيس جماعة الداخلة بوفد من مدينة درو الفرنسية            مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بالحالة المدنية    مسيرة آيت بوكماز... عامل إقليم أزيلال يتعهد بالاستجابة لمطالب الساكنة في غضون 10 أيام    طنجة.. توقيف أحد نواب رئيس مقاطعة مغوغة بشبهة التزوير والسطو على أراض    بريطانيا تصفع مجددا الجزائر ودميتها البوليساريو: أي اتفاقيات تخص الصحراء لن تُبرم إلا مع المغرب    لطيفة رأفت تحيي جولة صيفية في مختلف جهات المملكة المغربية        مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    بتوجيهات من "حموشي".. صرف منحة استثنائية لفائدة أرامل ومتقاعدي الأمن الوطني    تعيينات جديدة في مناصب عليا بعدد من القطاعات الحكومية    المغرب يستقبل 8,9 ملايين سائح خلال النصف الأول لسنة 2025    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع أداء إيجابي    توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية بمراكش يشكل موضوع أمر دولي بإلقاء القبض    محاكمة إسكوبار الصحراء تتعثر بغياب لطيفة رأفت وشخصيات بارزة    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 55 ألفا و512 (بايتاس)    مكتبة بيت الحكمة بتطوان تستضيف الصديق معنينو، حسن طارق وفضيلة الوزاني    هولندا.. مسجد "بلال" بألكمار يوقف الإمام يوسف مصيبيح بعد زيارته لإسرائيل    تنفيذا للتعليمات السامية لجلالة الملك إعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق    الدولار يتراجع    المنتخب المغربي يعزز ريادته عربيا ويحافظ على موقعه عالميا في تصنيف "فيفا" الجديد        مقاييس التساقطات المطرية بالمغرب            سعد لمجرد يوضح بشأن تذاكر حفله المرتقب بالجديدة    اقتصاد هش وسياسات قاصرة.. مدون مغربي يبرز ورطة الجزائر بعد قرار ترامب الجمركي    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    عمر بلمير يكشف موعد طرح "ديالي"    الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة: الفساد يهدر الحقوق ويجهز على كرامة الإنسان    بنموسى يحذر من استغلال القضايا الديموغرافية ويدعو لتجريب "سياسات الغد"    نجاة الوافي: "سيوف العرب" يعيد إحياء أمجاد التاريخ العربي برؤية فنية احترافية    إنريكي: الظفر بكأس العالم للأندية هدفنا وديمبيلي الأحق بالكرة الذهبية    د.الحسن عبيابة: مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة بدون عنوان للمرحلة المقبلة    23 قتيلاً في قطاع غزة بينهم 8 أطفال    أكثر من 90 % من "ملاحظات المجتمع" على منصة إكس لا تُنشر    "ريمالد" تعتني بزراعة القنب الهندي    "أوكسفام": أربعة أثرياء في إفريقيا أغنى من نصف سكان القارة    دراسة ترصد أمراض البشر منذ 37 ألف عام وأقدم طاعون في التاريخ    هل ‬هو ‬الظلام ‬الذي ‬ينبثق ‬عنه ‬الفجر ‬الصادق ‬؟    خورخي فيلدا: الانتصار على الكونغو أعاد الثقة ل"لبؤات الأطلس" قبل مواجهة السنغال    أشرف حكيمي: الرحيل عن ريال مدريد لم يكن قراري    بعد ‬الإعلان ‬عن ‬نمو ‬اقتصادي ‬بنسبة ‬4.‬8 % ‬وتراجع ‬التضخم ‬    الإيطالي سينر والصربي ديوكوفيتش يتأهلان لنصف نهائي بطولة ويمبلدون لكرة المضرب    محكمة كورية جنوبية تصدر مذكرة توقيف جديدة في حق الرئيس السابق    تحطم مقاتلة تابعة لسلاح الجو الهندي ومصرع طياريها    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    مجزرة كروية في أمريكا .. الملكي يتهاوى أمام إعصار باريس    "غي -تا" تكشف عن ملامح عملها الفني الجديد "كروا غوج"    في سابقة طبية إفريقية.. المغرب يشهد أول عملية جراحية بتقنية "v-NOTES" لاستئصال الرحم    مازغان يطلق المطعم الموسمي الجديد    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية مجتمع كافر
نشر في هسبريس يوم 05 - 03 - 2018

أمر مؤسف جدا أن يحدث ذلك، هكذا أخبرني أحد الأصدقاء، فأجابته: وماذا حدث؟ ماذا سأحكي لك يا صديقي، كل يوم نرجع به آلاف الخطوات إلى الوراء.. لا أعرف ماذا حدث لنا نحن المغاربة، لماذا بدأنا نفقد كل ود بذواتنا، بأخلاقنا التي تربينا عليها، لقد تحولنا بقدرة ما لا أعرفها ولا أفهمها ولا أستصيغها إلى مجتمع كافر، كافر بتأدية الواجب.
بعد ذلك عرفت الحكاية، أمر بسيط جدا، صديقي حساس جدا، ومفرط في العاطفة اتجاه الأحداث ذات الطابع الإنساني.. كل ما في الأمر هو أن سيدة كانت على متن حافلة في رحلة من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة قلعة السراغنة، وطلبت من السائق عند الوصول إلى مدينتها إدخالها إلى المحطة؛ لأن الوقت كان بعد منتصف الليل، والنزول على قارعة الطريق فيه تهديد لحياتها وحياة ابنتها التي لا تتعدى ثلاث سنوات، لكن السائق رفض رفضا مطلقا وبرر رفضه بأن الطريق ما زالت أمامه طويلة للوصول إلى مدينة أخرى كانت هي نهاية الرحلة.
توسلت المرأة للسائق وقالت له: إن القانون يلزمك بالدخول إلى المحطة لمدة عشر دقائق، وبعد ذلك لك الحق في متابعة الرحلة؛ لكن السائق رد عليها: من أنت لتعطيني التعليمات، أنا سيد نفسي. أنا من يسوق الحافلة وأنا من يختار المكان الذي يناسبني لأقف فيها دون أي ضغط أو توجيه أو إزعاج من أحد.
وصلت الحافلة إلى المدينة، اقترب السائق من المحطة وطلب من السيدة أن تنزل، رفضت الأمر بشدة، وقالت له: ولو على جثثي، فرد عليها السائق: إذن، فلتتحملي تبعات إصرارك وعنادك الذي سيؤدي بك إلى ما لا يحمد عقباه، وفي اللحظة التي حاول الانطلاق، ارتمت السيدة وأمسكت مقود الحافلة بشدة، وهي تبكي وتصرخ، كانت تصرخ بشدة وتقول: هذا ظلم هذا ظلم، هل لأنني امرأة وليس هناك ظهر يسندني، تريد أن ترمي بي في الخلاء وتتركني، وبعد شد وجدب وتمسك المرأة بحقها، وجد السائق نفسه في مأزق واضطر وهو يسب ويلعن اليوم الذي أصبح سائقا للحافلات أن يغير من وجهة الحافلة ويدخل إلى المحطة وهو يوشك على الانفجار، لكن المفاجأة الكبرى، أنه بمجرد ما وصل، صرخ في وجه تلك السيدة قائلا: انزلي أيتها المتعوسة، وفي اللحظة التي بدأت تعد لوازمها استغل جيش من المسافرين معها الفرصة وبدؤوا يتهافتون على النزول.. استغرب السائق المشهد وقال وعلامات الغيض بادية عليه: "كنا في فيل فزادونا فيلة"، وصرخ فيهم: "ولماذا أيها الجبناء لم تعلنوا عن رغبتكم كما فعلت السيدة، يبدو أن المرأة أَكثر رجولة منكم".
هذا ما في الحكاية، فصديقي تأثر كثيرا من الحدث وتعاطف مع المرأة، لكنه لم يحرك ساكنا،- وظل هو وبقية المسافرين يتفرجون طوال الوقت في امرأة وابنتها في مواجهة هؤلاء الوحوش من "السائق ومساعده" وفي الأخير انتهزوا جميعا نضالها وجهدها وبكاءها وصراخها ونزلوا معها في المكان المفضل إليهم.
ألم أقل لكم إن صديقي شديد الحساسية، لم أراه يوما منفعلا بهذه الطريقة، إلى درجة أنه وصف هؤلاء المسافرين "بالكفار"، كان ينتظر من المسافرين أن يقوموا جميعا أو على الأقل نفر منهم لنجدة المرأة من قهر السائق و"جبروته" والوقوف معها ودعمها لأنها لم تطلب سوى حق مشروع، ما هذه الأنانية المفرطة؟ يقول صديقي، ما هذا الجبن؟ ما هذا الخواء الذي أصبح ينخرنا؟ يأكل من أرواحنا؟ هل، فعلا، ما زالت لنا أرواح؟ أيعقل أن تصرخ امرأة وتعيد الصراخ طوال الطريق ونحن نغلق آذاننا؟ أين كبرياء الرجل، بل حتى أين هو الرجل؟ أين الواجب؟ أين واجبنا نحن الأغلبية الصامتة عن الظلم البين؟ لماذا لم نفعل شيئا يحافظ على الأقل على ماء وجوهنا؟ فعلا، إنها مأساة حقيقية.. فعلا، لقد تحولنا إلى أكثر من قطيع، أصبحت أشك في كل شيء، أصبحت أشك في نفسي..
أصدقكم القول لقد تعاطفت كثيرا مع صديقي دون أن أحضر هذه الواقعة، ودعته وأنا أتساءل مع نفسي: ترى ماذا كنت سأفعل لو كنت مسافرا معهم في هذه الحافلة؟ بصراحة، سأفعل الشيء نفسه، سأتألم من الداخل، وسألعن سائق الشاحنة بداخلي، وسألعنه بكل اللغات، وسألعن الوقت التي لم تتح لي الفرصة لأكون مالكا لسيارة أسافر فيها لوحدي بعيدا عن قذارة المجتمع. في كل الأحوال، لن أساند هذه المرأة إن طلبت مني ذلك؛ لأن الأمر لا يعنيني، سواء من قريب أو من بعيد.
*كاتب وباحث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.