تتحرك السيارة مغادرة الشوارع الرئيسية المحاذية لشاطئ مدينة الصويرة في اتجاه سيدي كاوكي، ومن أعلى قنطرة على وادي القصب، يلمح بصرك يمينا فنادق فخمة ويسارا قرية الديابات، فيصدمك حضور البداوة على بعد أمتار من فنادق عصرية فخمة، وتزداد صدمتك حين يقع بصرك على قطيع من المعز وحصان يردان من مياه ملوثة. وادي القصب، أو بتعبير أهل المنطقة "القصوب"، يتعرض على مستوى مدخل مدينة "موكادور" لهجوم المياه العادمة التي تفرغ فيه من "الصويرةالجديدة" التي أحدثت في تسعينات القرن الماضي على أنقاض دوار الغزوة، لكنها وقرية الديابات (على بعد كيلومترين) مازالتا تعيشان البداوة رغم انتمائهما للمجال الحضري. يقع كل هذا على مستوى نهر كان يعتبر فضاء للقصب الذي يشكل المادة الأولية لإنتاج السكر في عهد السعديين، ومكانا للاستجمام لأهل "موكادور"، وعليه أقيم سد "أزرار"(30 كيلومترا جنوبا مدينة "موكادور")، ما جعل سكان الصويرةالجديدة وقرية الديابات والجمعويين ونشطاء البيئة يدقون ناقوس الخطر. واستجابة لطلب السكان والجمعويين لتسليط الضوء على مشكلهم العويص، انتقل طاقم هسبريس إلى الصويرةالجديدة وقرية الديابات، ووقف على الوضع الكارثي الذي يواجهه وادي القصب، الذي كان فضاء بيئيا يقضي به أهل "موكادور" أوقاتا ممتعة، وشكل مصدرا لماء الشرب في الماضي. عبد الكبير ورين، من ساكنة الغزوة، قال لهسبريس: "أتذكر حين كنا أطفالا خلال تسعينات القرن الماضي نسبح بهذا النهر وأمهاتنا يغسلن الصوف والملابس، ومحيطه كله قصب وأشجار باسقة، ومياهه نظيفة، وبه هواء نقي". واضاف: "بعد إحداث المدينةالجديدة التي لم يتم ربطها بالشبكة الرئيسية للصرف الصحي، ما جعل الشركة العقارية تقذف المياه القذرة بوادي القصب، تحولت المنطقة إلى فضاء ملوث يسبب أضرارا عدة". وزاد: "أصبح خطر أضرار الحشرات التي تنشر بكثرة، كالبعوض، يحدق بالساكنة، والروائح الكريهة تعم سماء المنطقة وتهدد صحة الجميع، وخصوصا الأطفال الصغار الذين يعانون من أمراض عدة كضيف التنفس وأمراض الجلد". خديجة لبضر، رئيسة جمعية "إنقاذ حيوانات الصويرة ونباتها"، قالت من جهتها لهسبريس: "من بين المشاكل التي يعاني منها وادي القصب، صرف المياه العادمة، واستغلال مفرط للرمال يمس بالبيئة". وأضافت أن "وادي القصب يتعرض لجريمة بيئية بفعل المياه القذرة للصويرة الجديدة وقرية الديابات؛ إذ أضحى هذا النهر فضاء لانتشار مياه ملوثة وتحول إلى نهر للصرف الصحي". ولا تقتصر الآثار السلبية لهذه المعضلة على الروائح الكريهة، بل "تتسبب في الإسهال والإصابة بالحمى التيفية (Typhoid)، بالإضافة إلى الأمراض الصدرية والجلدية، لأن النهر يشكل موردا للمواشي كالأغنام والأبقار والخيول، ويتسرب إلى الفرشة المائية"، تقول لبضر. وتابعت المتحدثة قائلة: "لا تسلم الطيور هي الأخرى والحيوانات البرية، كالثعلب والخنزير البري، التي تعيش بالغابة، والطيور المهاجرة، من ضرر تلوث وادي القصوب، الذي يعتبر المصدر الوحيد لقطرة ماء تروي عطشها بسبب غياب مجاري الأنهار وندرة الآبار الجوفية بالمنطقة". المشكل بالبرلمان ولأن السيل بلغ الزبى، فإن تطهير السائل بالصويرةالجديدة ولج قبة البرلمان، حين وجه فريق العدالة والتنمية سؤالا كتابيا في جلسة يوم 29 دجنبر الماضي إلى وزير الطاقة والمعادن والبيئة، حول استئناف تجزئات هذا التجمع السكني "إفراغ مياهها العادمة في مجرى وادي القصب، وهو ما يشكل ضررا بيئيا على المحيط البيئي والبشري". وورد في السؤال أنه "رغم أن الشركة صاحبة المشروع وضعت ضمن مكونات المدينةالجديدة محطة لتصفية مياه الصرف الصحي، إلا أن هذا الوعد لم يتحقق منذ 14 سنة على تأسيس هذا التجمع السكني، واستمر توجيه المياه العادمة إلى مجرى وادي القصب الذي لم يعد يعرف جريانا للماء كاف لدفع هذه المياه إلى البحر". وتساءل الفريق المذكور حول "الإجراءات التي ستقوم بها الوزارة من أجل إخراج محطة التصفية الخاصة بالصويرةالجديدة، التي التزمت بها الشركة، إلى حيز الوجود، ورفع هذا الضرر الخطير على البيئة والإنسان"، وفق لغة هذه الوثيقة التي تتوفر هسبريس على نسخة منها. كل من التقت بهم هسبريس خلال جولتها بين أزقة الصويرةالجديدة وقرية الديابات أكدوا "الضرر الكبير الذي لحق بالإنسان والحجر والأشجار والحيوان"، وطالبوا ب"التعجيل بإحداث محطة لتصفية المياه العادمة ومعالجتها"، بعدما تحولت حياتهم إلى "جحيم لا يطاق". فالفرشة المائية والحيوانات تضررت، والحشرات غزت المنازل، والأمراض أنهكت الأجساد العليلة أصلا بفعل الإقصاء الاجتماعي، وكل هذا يتحول خلال فصل الصيف إلى حائل ضد مصدر من مصادر عيشهم حين يقل الإقبال على كراء المنازل بهذا التجمع السكني بسبب الروائح والحشرات، وفق تصريحات متطابقة. حل قريب هشام جباري، رئيس الجماعة الترابية الصويرة، قال خلال لقاء مع هسبريس إن "تلوث وادي القصب هو معضلة مطروحة على جدول أعمال المجلس الجماعي الذي يواكب هذا المشروع السكني ويعمل على إنجاحه لأنه يوفر سكنا اقتصاديا ومتوسطا". وأضاف أن "الجماعة واعية كل الوعي بمشكل الصرف الصحي لمدينة الصويرةالجديدة واتخذت مجموعة من التدابير، منها أنها وضعت رهن الإشارة عقارا اقتناه المجلس الجماعي من قطاع المياه والغابات لإحداث محطة لتصفية ومعاجلة المياه العادمة ووضع حد نهائي لهذه المعضلة". وتابع هشام جباري أن "مشكل العقار الذي سيحتضن المشروع استنزف من الجماعة، التي أدت ما عليها من واجبات، وقتا طويلا، والآن على الشركة أن تتدخل لإنجاز هذا الاستثمار". ونفى المتحدث أن يكون لصرف المياه القذرة أي أثر سلبي على البيئة، لأن "مدينة موكادور نظيفة ولا تعرف تلوثا يؤثر على جودة هوائها لتواجدها بين الغابة والبحر"، بحسب تعبير جباري. وأكد المسؤول الجماعي أن "الوقت حان لوضع حد للمشكل الذي يعاني منه سكان الصويرةالجديدة والديابات ووادي القصب للمحافظة على المحيط البيئي بشكل نهائي، من خلال إعادة استغلال المياه القذرة التي تصرف في النهر لسقي أراض مجاورة لمحطة التطهير التي ستخرج للوجود عما قريب"، على حد قوله. يذكر أن هسبريس اتصلت بإدارة وزارة البيئة بجهة مراكش أسفي، لكن تعذر عليها الحصول على أي معلومة بخصوص برنامجها حول مشكل تلوث وادي القصب.