عيد العرش: وزير الداخلية يعقد لقاء عمل مع الولاة والعمال المسؤولين بالإدارة الترابية والمصالح المركزية للوزارة    "فوج السلطان أحمد المنصور الذهبي".. سليل الناظور أسامة بلهادي يؤدي القسم أمام جلالة الملك    سباق الذكاء الاصطناعي يدفع عمالقة التكنولوجيا إلى إنفاق 344 مليار دولار    رسوم ترامب الجمركية تُربك الاقتصاد العالمي وتُسقط البورصات وسط مخاوف دولية واسعة    نيابة نانتير الفرنسية تطالب بإحالة حكيمي على المحكمة الجنائية بتهمة الاغتصاب    تفوق مغربي لافت.. 24 تلميذا يجتازون بنجاح مباراة ولوج المدرسة متعددة التقنيات بباريس    تجربة السفر تختلف بين معبر مليلية وميناء بني انصار.. والأخير يحظى بالإشادة    في رحيل زياد الرّحْباني (1956-2025) سيرةُ الابْن الذي كَسَّر النَّاي .. ومَشَى    بلجيكا.. اطلاق نار على مراهق في مولنبيك    دراجة نارية مسرعة تصدم شخصين بطريق طنجة البالية وإصابة أحدهما خطيرة    الحدود المغربية الجزائرية في الخطاب الملكي    غزة.. ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 162 فلسطينيا بينهم 92 طفلا    ترامب يأمر بنشر غواصتين نوويتين ردا على تصريحات روسية "استفزازية"        المنتخب المغربي يدخل "الشان" بخبرة البطولات وطموح التتويج    أمين حارث يُقنع دي زيربي ويعزز حظوظه في البقاء مع مارسيليا    المغرب يتصدى لمحاولة تسييس الجزائر لاتفاقية "رامسار" للمناطق الرطبة    سعر الدولار يتراجع بعد بيانات ضعيفة    مديرية الأرصاد الجوية تحذر من موجة حر من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    تقدير فلسطيني للمساعدة الإنسانية والطبية العاجلة للشعب الفلسطيني، وخاصة ساكنة قطاع غزة    الجمارك المغربية تحبط محاولة تهريب أزيد من 54 ألف قرص مهلوس بباب سبتة    وزير العدل : لا قانون يلزم الموظفين بشهادة مغادرة البلاد    لقاء سياسي مرتقب بوزارة الداخلية لمناقشة المنظومة الانتخابية المقبلة        تتناول قضية الصحراء المغربية.. الكاتب الطنجاوي عبد الواحد استيتو يطلق أول رواية هجينة في العالم    "مكتب الفوسفاط" يخطط لزيادة إنتاج أسمدة "تي.إس.بي" إلى 7 ملايين طن نهاية 2025    المبعوث الأميركي ويتكوف يزور غزة وسط كارثة إنسانية    رشيد الوالي: فيلم «الطابع» تكريم للعمال المغاربة في مناجم فرنسا    المهرجان المتوسطي للناظور يختتم نسخته الحادية عشرة وسط حضور جماهيري غير مسبوق    عبد العلي النكاع فنان مغربي يبدع بإلهام في فن التصوير الفوتوغرافي الضوئي    بطولة العالم للألعاب المائية (سنغافورة 2025) .. الصيني تشين يحرز ذهبية ثانية في منافسات السباحة على الصدر    وثائق مزورة وأموال "النوار" .. فضائح ضريبية تنكشف في سوق العقار    مصدر رسمي: نسب ملء مؤسسات الإيواء تؤكد الدينامية السياحية بالمغرب    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    رئيس البنك الإفريقي للتنمية: المغرب بقيادة الملك محمد السادس يرسخ مكانته كقوة صاعدة في إفريقيا    الشيخات وجامعة ابن طفيل.. أين يكمن الخلل؟    فرنسا توقف استقبال فلسطينيين من غزة بعد رصد منشورات تحريضية لطالبة    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    الطعن في قرارات "فيفا" ممكن خارج سويسرا    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية البنين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إسبانيا تُزيل علمها بهدوء من جزيرتين قبالة سواحل الحسيمة    مجدلاني يشيد بالمساندة المغربية لغزة    أسامة العزوزي ينضم رسميا إلى نادي أوكسير الفرنسي    أربعة قتلى حصيلة سلسلة الغارات الإسرائيلية الخميس على لبنان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    ديواني: اعتماد الحافلات الكهربائية في المغرب يطرح تحديات متعددة    "غلوفو" توقع اتفاقا مع مجلس المنافسة وتعلن عن خطة دعم لعمال التوصيل    تحكيم المغرب خارج مونديال الفتيات    أوسيمهن ينضم لغلطة سراي بصفة نهائية مقابل 75 مليون أورو    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم        ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القابلات التقليديات ملائكة الرحمة

لكل امرأة من نساء المغرب سيما الأمهات منهن، قصة مع مولدتها أو المرأة التي تستنفر كل تركيزها لتمر عملية الولادة بسلام، ولكل فرد من أفراد هذا الوطن، حظ من لمسات هذه المرأة إبان عملية الوضع، كما أن لكل منا حيز في ذاكرته، يختزن نغمة رائعة انطلقت على لسان هذه المرأة وهي توقع عبر آذانها بالتكبير والتهليل على هويتنا الإسلامية، منذ صراخنا الأول بين يديها الشريفتين، يسميها البعض ب " الجدة" كما يلقبها البعض الآخر ب "الداية"، لكن يبقى اسم "القابلة" هو الاسم الأكثر شعبية لهذه المرأة التي يرجع لها الفضل، كل الفضل في خروجنا من ظلمات الأرحام إلى عالم نوراني تمتزج فيه الأفراح بالأقراح، كما ستظل "القابلة" عبر تدخلاتها المصيرية عند كل ولادة، المساهمة بامتياز في انتزاع ابتسامة الأمهات من عمق الألم، بهذا الخصوص جالسنا بعض "القابلات" التقليديات في مناطق مختلفة، لنعيد وإياهم سيناريوهات تدخلاتهن وطقوسهن أثناء عملية الوضع، كما غصنا إلى جانبهن في أحاسيسهن النبيلة التي لا يشعر بها إلا هن، بعد كل ولادة في آناء الليل وأطراف النهار. ""
"القابلة" ملاك من ملائكة الرحمان
على امتداد تاريخ البشرية، كان للقابلة وضع خاص، سواء داخل القبيلة أو المدينة، فقد وضعت هذه المرأة خدماتها رهن إشارة زبوناتها من الحوامل اللواتي أخذ "الوجع" يسري في أرحامهن ساعات قبل الولادة، فقد تنهض من سباتها العميق فور سماعها دقات متكررة على باب منزلها، ودون أن تعرف هوية الطارق تتوجه فورا إلى حيث عدتها، يقينا منها أن امرأة ما تلوك صراخها في عمق الليل من شدة المخاض، لهذا تسارع مهرولة لوأد المخاض وثني الجنين عن تلك الركلات التي يباشرها في جدار رحم الأم، هي المرأة المتمردة على منطق الزمان والمكان، إذ تعمل طيلة اليوم سواء في إعداد لوازم الوضع، أو أثناء الولادة، فالليل والنهار بالنسبة لها سواء، ولا ضير عندها أن تقضي يوما أو أكثر في خدمة الحوامل ريثما تترنم بصراخ "التيلاد" الفطري، وهو يعلن عن حياته في عالم الأحياء، لوازم الاشتغال بالنسبة للقابلة التقليدية بسيطة للغاية، إذ تقتصر في مجملها على مقص أو شفرة حلاقة، إضافة إلى قارورة زيت الزيتون وبعض القماش النقي أو بعضا من القطن إلى جانب إناء ماء ساخن، كما أن وصفتها الطبية التقليدية بدائية، حيث تعتمد على بعض الأعشاب لتسكين آلام المخاض أو إنعاش أجساد "النافسات" ببعض المقويات ك "المساخن" و"حب الرشاد"، وإذا كان هناك من مقابل نظير خدمات القابلة، فالأمر يختلف حسب مكانة أسرة "النافسة" داخل القبيلة أو المدينة، لكن يبقى "قالب السكر" وبعض الألبسة ودراهم معدودات" والله يرحم الوالدين"، أجر هذه المرأة التي لا يتردد البعض في وصفها بملاك من ملائكة الرحمان.
"القابلة" التي حطمت رقم المائتين في توليد النساء
عن عمر يناهز 74 سنة، لا تزال عائشة تضع خدماتها رهن إشارة الحوامل بقبيلة العمامرة التابعة لإقليم الجديدة، لقب "الشريفة" بالنسبة لها غيب عنها اسم "القابلة"، سيما أن بركتها حسب أهالي الدوار كثيرة وحاسمة خلال أمور الولادة، عندما دخلنا إلى فناء منزلها أو "خيمتها" كما يتداول أهل الدوار، وجدناها منهمكة في إعداد نار "الكانون" المتكون من "فراح" وقطعة معدنية دائرية على الأرجح أنها غطاء برميل البنزين، كانت عائشة ترمي بين فينة وأخرى بقطع "الروث" اليابس تحت "الكانون" لإعداد النار اللازمة، بينما وجهها الذي أفلح الزمن في رسم أخاديد عميقة في مساحته الدائرة، كان يتصبب عرقا، وبين فينة وأخرى كانت تنحني لتنفث مقدار فمها من الهواء في اتجاه النار التي أخذت تشتعل تدريجيا في قطع "الروث" وأغصان عروش العنب اليابس "الزبير"، سألنا عائشة عن أجواء الولادة في الدوار لتجيبنا وهي تحمل عجينة الخبز بكلتا يديها في اتجاه "الفراح"، قائلة " الحمد لله، باقين الناس كايولدو وللي تزاد في الدوار راه برزقو، الله يعطينا غير الصحة باش نديرو الخير"، أخذت عودا صغيرا مرميا على جانبها، وضعته في فمها مبللة إياه بريقها، ثم مسحته ب "دفينتها" لتحدث به ثقوبا على فطيرة الخبز الآخذة في الانتفاخ لتضيف قائلة " لقد شاخت عائشة، كما أن نور عينيها آخذ في الانطفاء، ولهذا فقد أصبحت أجد صعوبة في توليد نساء الدوار، آخر مرة باشرت فيها عملي كان حوالي ستة أشهر، ولكن منذ ذلك الحين أخذت في الامتناع عن التوليد، ولو أنني أرغب في ذلك (لوجه الله)، لكن خدمة من هذا النوع تتطلب القوة والتركيز، لأن مصير المرأة والجنين آنذاك يكون بين يدي القابلة، وبالنسبة لي فقد مارست مهنة "القابلة" حوالي 30 سنة، وطيلة هذه المدة لم تتعرض كل النساء اللواتي قابلتهن لأي مكروه، كما أن أبناءهن منذ أن كانوا أجنة إلى اليوم مازالوا كالخيول بالدوار"، توقفت عائشة عن البوح وجذبت عن شمالها قبضة يدها من الحطب وأودعتها تحت "الكانون" ثم أخذت تلك الصفيحة المعدنية الدائرية ووضعتها فوق "الفراح" مشكلة بذلك سقفا ل "الكانون" ثم وضعت فوقه "الروث" اليابس بعدما أضرمت في بعضه النار، وعن كيفية اشتغالها، استرسلت عائشة " اغلب الحالات التي ولّدت فيها النساء كانت ليلا، كما أن قربي منهن يجعلهن يسارعن في طلبي بعد أول شعور بالمخاض، لهذا فقد أكون على علم بعدد النساء اللواتي سيلدن خلال الأسبوع أو الشهر، لأنني "كانكون شادة ليهم الحساب"، وعندما تسارع إحداهن في طلبي أجمع عدتي وأتوجه مباشرة إلى منزلها، وأنا على يقين تام أنني لن أعود إلى منزلي إلا بعد يوم أو أكثر، اعتبارا لمدة المخاض التي قد تطول أو تقصر، فعندما أرى وجه المرأة الحامل مباشرة أعرف متى ستلد، فمن خلال خديها وكذا حاجبيها ولون عينيها، أخمن مسبقا فترة الوضع، لهذا أسارع إلى إعداد إناء ماء ساخن مع توفير "زيوفا ديال حياتي"،ثم المقص أو شفرة الحلاقة، كما آمر رب الأسرة بذبح ديك أو دجاجة قصد إعداده للطهي، ( إلى طاب قبل ما تولد كانعطيها تاكل منو مزيان باش يعاونها على الدفع، وإلى ولدت قبل ما يطيب كانعطيها تشرب لبلول ديالو)، أما بالنسبة للولادة، فالأمر يختلف من امرأة لأخرى، حسب قوة المرأة وبنيتها الجسدية، وكذا وضع الجنين داخل الرحم"، وعن الطرق التي تستعملها أثناء الوضع تتمم عائشة " أغلب النساء التي وضعن على يدي يشهدن لكم بكوني ولدتهن بمفردي، فمباشرة بعد خروج ماء الرحم "السقية"، أضغط بلطف على بطن الحامل بيدي اليسرى، متتبعة مسار الجنين، كما أن يدي اليمنى تكون مطلية بزيت الزيتون، قصد تسهيل عملية الخروج، وبين عملية التتبع باليسرى والجر باليد اليمنى، أطلب من المرأة عوض الصراخ الدفع بكل قواها، إن هي أرادت الخروج سالمة من هذه الولادة، وهنا يرجع الفضل للمرأة الحامل، لأن قوتها في الدفع مؤثر أولي في نجاح عملية الوضع، لكن ما إن يظهر رأس الجنين حتى أسارع إلى جذبه، وقبل أن أتبين جنسه، أسارع إلى قطع "المصرانة" بالمقص أو شفرة الحلاقة، مع عقدها، ساعتها أبشر المرأة بجنس المولود، ومباشرة بعد صراخه أردد على مسامعه آذان الصلاة، عندئذ أطلب من قريباتها المتحلقات حولي بجلب الماء الدافئ لغسل الجنين مما علق به من دم "النافسة" وكذا سائل الرحم، لكن تبقى العملية الصعبة أثناء الولادة، هو انتظار نزول " الخواط" لأن مكوثه داخل الرحم أكثر من اللازم قد يعرض المرأة لموت محقق"، كانت عائشة خلال حديثها إلينا تقلب بين لحظة وأخرى فطيرة الخبز لتختبر نضجها، وفي الوقت الذي اختنقنا فيه نتيجة الأدخنة المنبعثة من "الكانون" كانت عائشة تتلذذ بعملية الإعداد هاته، حيث ألفت المكوث أمام "الفراح" منذ أن كانت طفلة صغيرة، وبخصوص ذلك قالت عائشة، "هاذ الدخان والغبرة ديال الحطب هوما للي ضعفوا ليا الشوف، وكون عطاني الله ضو العينين من جديد، كون كملت 300 ولادة، ولكن الحمد لله ففي 30 عام ولدت أكثر من 200 امرأة ؟.
"قالب" السكر أجر "القابلة"
عندما نسيح بخيالنا ونحن في قمة انهماكنا، بخصوص جمع تلك الصور الخاصة بالولادة في البوادي، نتقاطع معا في رسم صورة واحدة قد تختلف في الفضاء لكن تتوحد في بعض التفاصيل الدقيقة، إذ غالبا ما نتصور المرأة الحامل في غرفة خافتة الضوء، تتألم من شدة المخاض، وهي شبه مستلقية على ظهرها، فيما رجلاها مطويتان قبالة "القابلة" أمام ضوء الشموع المتآكلة، بينما يدا المرأة الحامل تحكم قبضتها على حبل متدل من الأعلى، قصد الاستعانة به عند الضرورة، كما تقفز إلى أذهاننا، صورتها وهي تعض على منديل لتصريف صراخها وألمها عبر خيوطه المتماسكة، هذه الصور المتفرقة وإن كانت تبدو هلامية في اللاخيال، إلا أن بعضا منها أقرب إلى الحقيقة، ففي الدواوير النائية بالأطلس الكبير، التي لم يزحف إلي دورها ومداشرها الكهرباء بعد تستعين "القابلات" بضوء الشموع لإنجاح عملية الولادة، صفية (اسم مستعار) طلب منا ابنها عدم الكشف عن هويتها، فهي قابلة متميزة استطاعت رغم عقدها الخامس أن تولد أكثر من مائة وخمسين امرأة، إذ أن خدماتها تمتد إلى الدواوير المجاورة، ومن حسن حظ صفية كما قالت " ماعمر شي امرأة ما وقع ليها شي مشكل معايا، الأمور بإذن الله عندي ميسرة"، بالنسبةل (صفية) فدور القابلة جد هام خصوصا في منطقة نائية بالأطلس الكبير، إذ مع انعدام طرق معبدة إلى حيث المستوصف الذي يبعد عن الدوار بحوالي 15 كلم، يبرز دورها كطبيبة وممرضة في نفس الوقت، فهي تقتسم والقابلة عائشة نفس خطوات التكوين في درب توليد النساء، حيث كل منهن تكونت على يد والدتها، تقول صفية " تعلمت كيفية توليد النساء من والدتي رحمها الله، حيث كنت أرافقها إلى حيث الحوامل من نساء الدواوير وعمري 16 سنة، وكانت في بعض الأحيان تدفعني إلى توليد النساء بحضورها، حيث كانت تقول لي دائما ( بهذا الشي باش غادة تدخلي أبنتي للجنة)، وعندما رحلت إلى دار البقاء، أخذت مكانها ولله الحمد"، طريقة صفية في توليد النساء مختلفة بعض الشيء عن طريقة عائشة ولو أنها تتقاطع وإياها في بعض الأمور، إذ مباشرة بعد استدعائها لتوليد المرأة تطلب حبلا قصد تثبيته في سقف الغرفة، سيما إذا كان هذا السقف مشكلا من أعمدة متوازية، وإذا ما انعدمت الأعمدة في السقف، فإنها تصرف تفكيرها عن الحبل لتستعين بامرأتين يقومان بنفس الدور، كما تطلب من إحداهن جلب كيس بلاستيكي أو "خنشة" ذات خيوط من النيلون مع ما تيسر من التراب، حيث تضعه فوق الكيس أو "الخنشة"، تحت قدمي المرأة الحامل، وبخصوص هذه الطريقة تشرح صفية " وظيفة التراب فوق الكيس البلاستيكي هو أنه يمتص سائل الرحم وكذا الدماء التي تصرف مع عملية الولادة، إضافة إلى ذلك أضع فيه "الخواط" مع المصرانة (الحبل السري) وكذا الحجاب (غشاء الجنين)، لدفنه في مكان نائي بعد عملية الوضع، ولكي لا يتم أيضا استعماله لغرض السحر والشعوذة"، أما بخصوص طريقة صفية في توليد النساء، تجيب عن ذلك قائلة " مللي كاتطرطق "السقية" أذهن يدي بزيت الزيتون، ساعتها أتحسس رأس الجنين لأجذبه بلطف إلى حين خروجه، ومباشرة بعد ذلك كنحسب ربعة الصبعان بين البوط والمصرانة وديك الساعة كنقطع المصرانة بعدما كنعقدها، كنأذن فريضة الإسلام"، وعن أجر صفية على خدمتها ك "قابلة" أضافت "ليس هناك أجر محدد للقابلة، إذ أقوم بعملية التوليد مقابل (لبياض) فحسب، وهو عبارة عن (قالب السكر) وبعض المواد الغذائية كالزيت والحبوب وفي قليل من الأحيان قد تدس المرأة "النافسة" ما تيسر من المال في "قب جلبابي"، ومهما تقاضيت من ثمن يبقى الأجر وحده عند الله سبحانه".
"قابلة" بعيادة خاصة
من جانب آخر التقينا بمولدة مشهورة بمدينة الدار البيضاء، حيث تمتد تجربتها في توليد النساء إلى ما يزيد عن 12 سنة، إذ تضع عيادتها رهن إشارة الحوامل، اللواتي يتخوفن من الولادة بالمصحات والمستشفيات التي أصبحت أغلب الحوامل، لا تضعن فيها إلا عبر عمليات قيصرية، وهذا ما دفع فاطمة إلى زيارة هذه القابلة سيما أنها حجت إليها للمرة الثالثة على التوالي، قبل أن نلتقي القابلة، كانت عيادتها غاصة بالحوامل، فخلال أقل من خمسة دقائق، تمكنت من عد أزيد من عشر نساء كل منهن تنتظر مخاضها للمثول بين يدي القابلة، وفي الوقت الذي كنا ننتظر دخولها كانت أصوات بعض النساء تتردد بين حين وآخر وكأنهن يعلن عن مخاض مفاجئ، وبالرغم من تحمسنا لمقابلة هذه القابلة إلا أننا كدنا أن نعود بخفي حنين من عيادتها التي تنافس مستشفيات المملكة، سيما أنها رفضت البوح عن طبيعة عملها، قائلة " جاو عندي بزاف ديال الجرائد ولكن رفضت، حيث مابغيتش الشهرة، وحتى الراجل ديالي ماباغينيش نبان في الجورنال". وأمام إصرارنا انطلقت هذه القابلة في البوح، مسترسلة " لا أجد الوقت حتى لممارسة أموري الشخصية، فكما تلاحظ، فعدد الحوامل في هذا الوقت المبكر منذ الصباح في تزايد، وهذا راجع إلى طريقة عملنا في هذه العيادة، حيث نعتمد على أسلوب حديث يتقاطع شيئا مع ما هو سائد"، كانت هذه القابلة مستعجلة، سيما أن بعض اللواتي يشتغلن معها يخبرنها فرادى عن تطور حالات الحوامل، لكن وبالرغم من زحمة وقتها طلبنا رأيها في القابلات التقليديات لتجيبنا "نساء البوادي يختلفن عن نساء المدن في عدة أشياء، وقد انتبهت الدراسات الأمريكية إلى هذا الأمر، حيث خلال الشهر الأول من الحمل يطلب الطبيب من الحامل القيام ببعض التمارين البسيطة قصد تسهيل عملية الولادة فيما بعد، هذه التمارين في مجملها عبارة عن حركات عادية تقوم بها بعض النساء الحوامل في البوادي كالشروع في التصبين وهن جالسات القرفصاء، أو سقيهن من الوادي، وبعض الحركات الأخرى التي تبدو شاقة بالنسبة للمرأة في المدينة، وكما تلاحظون فأغلب الولادات في البوادي تمر بشكل طبيعي، حيث نادرا ما سمعنا أن المرأة في البادية خضعت لعملية قيصرية بمستشفى "الفيلاج" المدينة، وهنا يبرز دور القابلة، حيث تكون على علم بتوقيت ولادة المرأة، ولهذا تنصحها بالعمل بشكل طبيعي"، كانت صرخة امرأة في الغرفة المجاورة حاجزا أمامنا لمواصلة الحديث مع هذه القابلة التي تمتزج خدماتها بين ما هو حديث وتقليدي في عالم التوليد.
استطاعت أن تولّد نفسها بنفسها أكثر من 13 مرة
إن القابلات في المغرب، سيما التقليديات منهن، يحتفظن بموروث ثقافي موغل في القدم، خصوصا من حيث الجانب المتعلق بالتمريض وكذا التتبع الحثيث لحالة "النافسة" والجنين، إذ بعد عملية الوضع، تسهر القابلة على تحضير بعض الواجبات للمرأة ريثما يشتد عودها وتصبح قادرة على تدبير أمورها بنفسها، كما تعكف على تتبع حالة الجنين وتطور نموه مع مد المرأة "النافسة" ببعض النصائح الثمينة التي لا تنطلق إلا على ألسنة القابلات، في هذا الصدد تروي القابلة "السعدية" أجواء ما بعد الولادة قائلة " بالنسبة لنا في منطقة ولاد سعيد، نمنح المرأة "النافسة" مباشرة بعد الوضع وجبة غنية بالطاقة، حيث تتكون من البيض فقط إلى جانب حب الرشاد، كما نمنحها أيضا مرق الدجاج"؛ أما القابلة عائشة، تلك المرأة التي حاورناها قرب "الكانون" فتفضل إلى جانب مرق الدجاج أن تعد وجبة الفطائر المحشوة ب "المساخن" للمرأة "النافسة" قصد استرجاع قواها المبددة أثناء عملية الولادة، كما تفضل حسب تعبيرها منح بعض الفواكه كالعنب والتين والدلاح ل "النافسة" إن هي وضعت في فصل الصيف.
أما بخصوص الطقوس التي تباشرها القابلات على الجنين تضيف القابلة السعدية " في اليوم الثالث بعد عملية الولادة، أحمل الجنين قصد "تبخيره" ب "الشبة والحرمل" لطرد العين (وكانكحل ليه عينيه وحجبانه بالكحل" مع طلاء "بوطه" بالكحل أيضا.
وإذا كانت بعض النساء الحوامل تلجأ إلى القابلات لتوليدهن، فإن هناك عدة نساء بالمغرب تمكن من توليد أنفسهن بأنفسهن، مما يخلق مساحة واسعة للاندهاش، الأمر هنا ليس مزحة أو فكرة مستوحاة من تلك القصص المحفوظة في ذاكرة المغاربة، في هذا الإطار يقول محمد "بمنطقة زاكورة كانت هناك امرأة تدعى أم حمو، فبالإضافة إلى كونها "قابلة" متمرسة، إلا أنها لم تكن تستدعي القابلة عندما يتعلق الأمر بموعد ولادتها، حيث استطاعت أن تولد نفسها بنفسها في عدة مناسبات في مغامرة فريدة من نوعها، حوالي ثلاثة عشرة مرة، هذا الرقم هو عدد أبنائها، حيث لازالوا يتمتعون إلى الآن بصحة جيدة، وهو ما يدعوهم بعد كل ذكرى إلى الترحم عليها، حيث رحلت إلى الباري الأعلى منذ سنوات، وليست أم حمو وحدها من استطاعت أن تولد نفسها بنفسها، بل هناك امرأة أخرى تدعى الداودية بحي البركة بمدينة الدار البيضاء تمكنت هي الأخرى أن تولد نفسها حوالي عشر مرات، قس على ذلك بعض النساء المغمورات في القرى والمداشر اللواتي تقف صعوبة الطرق وضراوة التضاريس أمام وضعهن بالمستشفيات التي تضمن لهن على الأقل التمتع بصحة جيدة.
وفي غياب معطيات رسمية عن عدد القابلات التقليديات بالمغرب، وكذا عدد المواليد الذين خرجوا إلى الحياة بلمسات سحرية، من أيديهن، سيظل السواد الأعظم من المغاربة يعلنون صرخات الحياة وهم محملين على أكفهن التي هي في واقع الأمر أكف ملائكة الرحمان التي لا تقدر لمساتها بثمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.