عرف الموسم الدراسي الحالي، منذ انطلاقته في بداية شهر أكتوبر، ظروفا استثنائية، سواء على مستوى الاكتظاظ، حيث يفوق عدد المتعلمين في مستويات عدة الأربعين تلميذا، أو على مستوى الخصاص في أساتذة بعض المواد بالسلك الإعدادي والتأهيلي، قبل استدراك الأمر بتدبير الفائض والتكليفات. إلا أن المشكل، الذي أربك بعض الأسر وعددا من المدرسين، على حد سواء، يتعلق بتأخر التوصل بعدد من المقررات المدرسية في مواد وأسلاك تعليمية مختلفة، حيث لا يزال عدد من الآباء يبحثون عن مقررات معينة حسب الطلب، مع تسجيل عدم كفاية بعضها بالنظر إلى العدد الهائل من التلاميذ، لتحقيق انطلاقة سليمة لموسم دراسي يأتي في ظروف استثنائية. وفي السياق ذاته، لا بد من استحضار تزامن الدخول المدرسي مع توسيع دائرة التلقيح ضد فيروس "كورونا"، فضلا عن إجراء الانتخابات، واستمرار العمل بالبروتوكول الصحي المتجدد حسب الوضع الوبائي بالمغرب، دون نسيان تنفيذ احتجاجات وإضرابات من قبل هيئة التفتيش وأطر الأكاديميات، والاقتصار على المطبعات بالمغرب وعدم الاستعانة بالخارج. بعد جولة في عشرات المكتبات بمدينة سطات متقمصين دور أب يبحث عن أدوات وكتب مدرسية لأبنائه في السلك الابتدائي تارة، وفي السلكين الإعدادي والتأهيلي تارة أخرى، لاحظنا طوابير من آباء وأمهات ينتظرون دورهم للحصول، على الأقل، على مقرر أو مقررين لأبنائهم في انتظار الباقي. وقالت إحدى الأمهات، موجهة الخطاب إلى مكلفة بتسيير مكتبة بالأقواس بسطات، "وا أختي شوفي ليا واش جبتو مقرر الرائد ومرشدي للغة العربية إعدادي". فيما قالت أخرى: "قلبي ليا معاك على مقرر الرياضيات بالفرنسية للمستوى الرابع ابتدائي"، إلا أن إجابات المكلفة بالبيع كانت مخيبة للآمال. سوق الكتب المستعملة أمام عدم الفلاح في الحصول على المقررات الجديدة في المكتبات، توجه عدد من الآباء إلى زنقة "اللحيفية" وسط مدينة سطات، حيث ينتشر باعة الكتب المستعملة على الرصيف أو في حوانيت أعدت لهذا الغرض، إلا أن عملية البحث عن مقرر دراسي منعدم أصلا في السوق بالدارالبيضاء، يشبه التنقيب عن إبرة وسط القش، حيث غالبا ما يعود الآباء بخفي حنين. حسن أحد الآباء الذين التقيناهم، قال إن البحث عن المقررات خلال هذا الموسم أرهق الأسر بسطات، كما هي الحال بمدن أخرى، وطالب بالزيادة في طبع المقررات حسب عدد التلاميذ، والكف عن تغيير المقررات لسبب تافه كتغيير الغلاف أو ورقة أو ورقتين داخل المقرر، بهدف الربح التجاري، وهو ما يثقل كاهل الأسر كل سنة دراسية، وعدم استفادة الإخوة والأخوات من الكتب المستعملة، التي يحصلون عليها من أفراد عائلاتهم بالمجان أحيانا. فيما قال أحد باعة الكتب المستعملة بزنقة "اللحيفية"، فضل عدم الكشف عن هويته، إنه يمارس هذه الحرفة الموسمية كل سنة، إلى جانب عدد كبير من الباعة، الذين يساهمون في توفير المقررات، وتقصير مسافة المتاعب عن الأسر الفقيرة. وأضاف أنه يقتني الكتب القديمة ويعيد بيعها، حسب التوافق المسبق مع الزبائن على الثمن، مشيرا إلى أن ثمن الرائد في اللغة العربية للسنة الأولى إعدادي وصل 50 درهما، رغم أن ثمنه لا يتعدى في الطبعة الجديدة 25 درهما، فضلا عن انعدام مقررات أخرى "ما يمكنش تلقاها لا في الجديد ولا في القديم واخا تكون باغيها للدوا"، يقول البائع. "مليون محفظة" وبرنامج "تيسير" مصادر مسؤولة قالت إن المبادرة الملكية "مليون محفظة" وبرنامج الدعم "تيسير" ساهما بشكل كبير في التخفيف عن الأسر الفقيرة، خاصة بالعالم القروي، خلال الموسم الدراسي الحالي. وكشفت المصادر ذاتها أن المبادرة الملكية أحصت نحو 4 ملايين و701 ألف و432 تلميذا وتلميذة، استفادوا من مبادرة "مليون محفظة" برسم الموسم الدراسي 2021/2022، منهم مليونان و233 ألفا و650 محفظة مخصصة للإناث. وأضافت أن برنامج الدعم الاجتماعي لانطلاق الموسم الدراسي في ظروف مناسبة تعزز باستفادة ما يقارب مليونين و611 ألف تلميذ وتلميذة من برنامج الدعم المشروط وفق معايير محددة "تيسير"، منها مليون و227 ألفا و169 تلميذة. جمعية الكتبيين في تصريح لهسبريس، قال محمد لخويلي، وهو كتبي بمدينة سطات ورئيس الجمعية الوطنية للكتبيين بالمغرب، إن مشكل الخصاص يعيشه الكتبيون منذ القدم، مستدركا أن الأمر كان استثنائيا هذه السنة بحكم أن الناشرين حاولوا الاعتماد على المطبعات الوطنية، بخلاف السنوات السابقة التي كانوا يستعينون فيها بمطبعات بعض الدول، حيث يكون هناك توازن في توفير عدد المقررات المناسب نسبيا لعدد التلاميذ والتلميذات، دون سوء فهم في عدم قدرة المطبعات الوطنية على تغطية الخصاص. وأوضح لخويلي أن صعوبة توفير الكتب في الوقت المناسب من قبل المطبعات الوطنية قد تكون راجعة إلى تزامن ذلك مع الانتخابات، حيث إن الأحزاب كانت تحتاج هي الأخرى إلى طبع برامجها. وأضاف أن مشكل المقررات عاناه الكتبيون والزبائن على حد سواء، إلى درجة أن منهم من توجه إلى الدارالبيضاء للبحث عن المقررات دون جدوى، قبل أن يعود إلى الكتبي الذي يتعامل معه ويثق به. وأشار لخويلي إلى أن الكتبيين سيعقدون لقاء في المستقبل مع دور النشر لتوضيح عدد من الأمور ومناقشتها خدمة للجميع، مضيفا أن المكتبات بإقليم سطات حاولت منذ البداية توفير نسبة مهمة من المقررات، رغم أن الوضع كان "كارثيا". وأكد أن مشاكل الخصاص لا تزال مطروحة بشكل كبير على الصعيد الوطني. وأوضح لخويلي أن الكتب المستعملة كانت تلعب توازنا كبيرا في توفير المقررات الدراسية، إلا أن هذه السنة عرفت احتكارا لعدد من المقررات وبيعها بثمن يضاعف ثمنها الأصلي مرتين أو ثلاثا، وهو ما أدى إلى ما نعته ب"التبزنيس وابتزاز الأسر"، مقدما بعض الأمثلة عن مقررات لا يتجاوز سعرها 16 أو 20 درهما وبيعت ب 50 درهما، و150 درهما أحيانا، فضلا عن تدخل جهات أخرى لبيع الكتب دون تسميتها، وهو ما يتطلب تدخلا وتقنينا لإنهاء ما سماه ب"الفوضى العارمة" التي يعرفها كل موسم دراسي خلال بيع اللوازم الدراسية.