المغرب مطالب بحماية إفريقيا من مخاطر الإرهاب بحكم مسؤوليته التاريخية و الروحية و كفائتة الأمنية، مطالب بحمايتها من مخاطر التهديدات الإرهابية التي تأكد أنها وباء العصر الحديث الذي لا ينفع معه لا حقنة البليسلين ولا المضادات الحيوية و لا التكنولوجية العالية للمختبرات العلمية و مراكز بحوث الصيدلة، وباء أخطر وأفتك من الفيروسات و الميكروبات البيولوجية القاتلة التي لا ترحم الكائنات الحية، إنه وباء الفكرة المسمومة المتنطعة العمياء الجاهلة المتعصبة لمذهب وفكر استطاع المغرب طيلة قرون طويلة الوقوف في وجه و حمى و حافظ على شمال إفريقيا و جنوب الصحراء الكبرى من مخاطره ودعم استقرار إفريقيا من شمالها إلى أدغال أواسطها؛ لقد ارتبط الإرهاب خلال العشرية الأخيرة بالخصوص بجدع ( la souche ) تنظيم القاعدة الإرهابي الذي انشطر و فرخ مجموعة من الأسباط التي رعت رايتها بأسماء مختلفة و موارد بشرية من مختلف الأعراق و الجنسيات على مساحات جغرافية مختلفة، قاسمهم المشترك سفك الدماء و القتل و الاحتجاز والخطف و السطو، ولم تبقى الدوافع كما هي النتائج، محصورة في البعد الديني فقط، لم يبقى الحديث اليوم ،عندما تهدد هذه التنظيمات الإرهابية، يتطرق إلى فلسطين و القدس التي اتخذها بن لادن إحدى مطياته لتمرير إيديولوجيته الدموية، إضافة إلى الترهات الأخرى، و عند التدقيق و المقارنة بين خطاب هذه الجماعات وتحركاتها على الأرض، ترصد عدم توازي الخطاب مع الحركية، فمثلا على مستوى تنظيم القاعدة بشمال افريقيا و الصحراء الكبرى، الملاحظ عدم تناغم ( harmonisation ) بين مجال و نوعية تدخلها و مطالبها وما تسعى إليه على الأرض، و بين ما بايعت عليه تنظيم القاعدة الأم، وما قامت عليه هذه الأخيرة من أهداف كإخراج الأمريكان من جزيرة العرب، فهل شمال إفريقيا محتلة من قبل الأمريكان؟، وأين القدس من كل ذلك ما علاقة قضية القدس التي تعتبرها القاعدة من أولويتها، ما علاقتها بشمال مالي؟. وغير ذلك من المبررات التي أطلقها تنظيم بن لادن الأم عندما أعطى الضوء الأخضر لانضمام الجماعات الجزائرية المسلحة تحت أجنحتها باسم البيعة، و واقع الحال أن ما يجمع فرع القاعدة بشمال افريقيا و التنظيم الأم المجهول المقر و القيادة و الهيكلة، هو الجانب الشكلي ليس إلا و المتمثل في إجبار الرجال على إطلاق اللحية و النساء على لباس البرقع و اعتناق المذهب الوهابي المقاتل و لكن على مستوى المضمون و الأجندة و المحاور الأساسية للعمل المسلح الإرهابي تجده يخضع لميكانيزمات منطقة شمال افريقيا و تعقد أنسجتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و العرقية والجغرافية و كذلك لأجندات دول مختلفة، أي أن تحركات القاعدة بشمال إفريقيا هو على الأقل جيو سياسي أكثر منه عقائدي ديني. نفس الشيء أسفل جنوب الصحراء الكبرى بنيجيريا مع جماعة بوكو حرام التي أدخلت نيجريا و هي من أكبر الدول الاسلامية سكانا و ثروات معدنية و حضورا إفريقيا و دوليا ، أدخلتها في أتون القتل و السبي للمسحيين النيجيريين و الخطف للأوربيين و تفجير آبار البترول، و الأسباب مباشرة ذات صبغة عقائدية دينية و أسباب غير مباشرة تتعدى الدوافع الدينية تهدف إلى زعزعت الاستقرار و نشر الفوضى الجيو سياسية بالمنطقة، نفس الأمر مع حركة الشباب الصومالية التي كانت في البداية تقاتل داخل الصومال بشكل دموي كذلك المشرعن من قبل الدوافع ظاهريا دينية عقائدية وهابية المذهب لكن على الأرض و إضافة إلى أطراف أخرى تعمل على عرقلة حركة الملاحة البحرية بالقرن الإفريقي الرابط بين بحر العرب و البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس الرابط بالبحر الأبيض المتوسط أهم و أقدم طريق بحري تجاري و عسكري في تاريخ البشرية، بل إن حركة الشباب الصومالية اليوم تهدد الاستقرار الجيو سياسي لشرق افريقيا كما حدث مؤخرا بكينيا على إثر الهجوم على مركز التسوق. القاسم المشترك بين هذه التنظيمات الإرهابية سواء المجموعات الكثيرة بشمال افريقيا بما فيه الصحراء الكبرى أو جنوبها أو شرق إفريقيا ما يلي: 1- انتشارها بشكل استراتيجي بإفريقيا من دول شمال إفريقيا إلى وسطها مرورا بالصحراء الكبرى بل وصلت إلى عمق الشرق الإفريقي و كل محلل سيتوقف عن المحاور الكبرى التي يحاول الإرهاب الاستيلاء عليها كمحور الصحراء الكبرى الذي يربط دول الساحل بغرب إفريقيا و القرن الإفريقي المعبر الحيوي و ا لمهم و مصادر الطاقة الحالية أو المستقبلية البترول و الطاقة الشمسية، ثم مناجم المعادن؛ 2- غياب رؤية و أهداف هذا العمل المسلح و الإرهابي، ما المقصود و المتوخى من ورائه، أحيانا لا يصدق المرء ما يذاع على وسائل الإعلام مما يطرحه الإرهابيون من أهداف خيالية غير قابلة للتحقيق كاسترجاع الأندلس مثلا بالنسبة لتنظيم القاعدة بشمال افريقيا، الشيء الذي يدفع إلى التساؤل ما الهدف من خلق هذه التنظيمات الإرهابية التي تنشر الرعب و عدم الاستقرار و الترويج لتجارة و صناعة الخوف؟ 3- القيادات الافتراضية في ظل حقيقة وواقعية التنظيم على الأرض لهذه الجماعات الإرهابية. 4- لا يسجل بالنسبة لهذه التنظيمات وجود أي دراسة أو بحث علمي أو تحقيق مهني عن المصادر الحقيقية للتمويل و التسليح و أنا لا أتحدث عن اعتراض تلك التحويلات المالية الغير مهمة بالمقارنة مع حجم ما يتوفر عليه هذه التنظيمات من معدات و لوجيستيك وغيره. 5- لا يسمع ولا يعرف عن هذه التنظيمات إلا عملياتها الإرهابية، في المقابل تنعدم أية معلومة عن هيكلتها و كيفية اشتغالها الداخلية و ميكانيزماتها الوظيفية. 6- غرابة قوة هذه التنظيمات التسليحية و التنظيمية و البشرية و كفاءتها العسكرية، و تأثيرها على المسرح السياسي و الاقتصادي و الأمني و الاجتماعي، مع جهل تام لأماكن تواجد و عيش أفراد هذه التنظيمات التي تتحرك بالعشرات و على الشاحنات و السيارات الرباعية الدفع ،بل و تتمرن داخل أو بالقرب من دول تتوفر على جيوش حديثة و أجهزة استخبارتية قوية، فهل نحن بصدد الحديث عن أشباح لا تأكل ولا تشرب و ليس لها احتياجات بشرية؟ من أين و كيف تتبضع؟ و ما هي الانتماءات العائلية لأفرادها؟ و غير ذلك ؟؟؟ 7- من الذي له المصلحة في نشر المذهب الوهابي القتالي تحت اسم السلفية بصحراء و أدغال إفريقيا التي عانت منذ أن انسحب المغرب من مشهدها؟؛ أعتقد أن للمغرب دور و مسؤولية تاريخية اتجاه إفريقيا، لا يمكن للمغرب الذي شكل عبر التاريخ منذ المرابطين إلى العلويين مركز العلم و التجارة و مربط السلم و الأمن لإفريقيا أن يتركها فريسة للإرهاب و الفراغ الروحي المحتاج اليوم للتصوف المغارب، اليوم إفريقيا في ظل وباء الإرهاب الذي استشرى في عروقها الاستراتيجية تحتاج إلى المغرب كما كان الأمر بالأمس و ذلك للاعتبار التالي: الإرهاب يقف على أمرين اثنين على الجانب النظري الفكري و الجانب العملي الفعلي، أما هذا الأخير فيقارع بالحلول الأمنية الناجعة القوية لكنها تبقى حلولا محدودة في الزمان و المكان و الأشخاص و هي دفاعية، ليبقى الحل الأمتن ، الوقاية عبر مقارعة الفكرة بالفكرة وهنا يظهر موقع و قوة المغرب السني المالكي الأشعري و ما أنتجه أوليائه الصالحين من تصوف مغربي مكن للإسلام في قلوب إخواننا الأفارقة المرتبطين بإمارة المؤمنين التي حافظ عليها المغرب، فإذا سقطت الخلافة بتركيا سنة 1923، فإن المغاربة حافظوا على إمارة المؤمنين و هي الوحيدة اليوم عالميا القائمة واقعا و فعليا، و بالتالي فإن إمارة المؤمنين و التصوف المغربي هما صمام أمان لإفريقيا ذات الارتباط الروحي الكبير بالمغرب منذ القديم جدا و هي كلها مقومات تمكن من توحيد الرؤية و تحصين القناعة و تقوية المناعة من كل فكر متنطع يبث الفرقة و منطق الخوارج الجدد. وعليه لابد للمملكة المغربية أن تهيئ نفسها و مؤسساتها خصوصا ذات البعد الديني كالمجلس العلمي الأعلى و معاهد التكوين الديني و وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية التي ستتقاسم بعض المهام مع وزارة الشؤون الخارجية و التعاون فيما تعلق بهذا البعد إفريقيا، لقد جاءت الدبلوماسية الملكية لجلالة محمد السادس المتعلقة بافريقيا لتسترجع المكانة الرائدة و الاستراتيجية التاريخية و الجيو سياسية للمملكة الشريفة في العمق الإفريقي، لحماية الأمن الروحي و القومي للقارة السمراء و المساهمة في إقلاعها الاقتصادي خصوصا دول جنوب الصحراء الكبرى قصد إقلاع تنموي حقيقي محوره الإنسان حتى يتم إخصاء هذه الجماعات و التنظيمات ال " ؟ " إضافة إلى أنها إرهابية، من الموارد البشرية سواء المقتنعة فكرا بمذهب الإرهاب أو المقاتلة بالسلاح أو المتعاونة بالمال والمعلومة.