إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    فريق يوسفية برشيد يتعادل مع "الماط"    مدرب بركان يعلق على مواجهة الزمالك    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    مرصد يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    البطولة: المغرب التطواني يضمن البقاء ضمن فرق قسم الصفوة وبرشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    كلمة هامة للأمين العام لحزب الاستقلال في الجلسة الختامية للمؤتمر    طنجة تسجل أعلى نسبة من التساقطات المطرية خلال 24 ساعة الماضية    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    اتحاد العاصمة ما بغاوش يطلعو يديرو التسخينات قبل ماتش بركان.. واش ناويين ما يلعبوش    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    أشرف حكيمي بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    حماس تنفي خروج بعض قادتها من غزة ضمن "صفقة الهدنة"    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة واعتراض السبيل وحيازة أقراص مخدرة    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    بيدرو سانشيز، لا ترحل..    محكمة لاهاي تستعد لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو وفقا لصحيفة اسرائيلية    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار المظاهرات المنددة بحرب إسرائيل على غزة    بيع ساعة جَيب لأغنى ركاب "تايتانيك" ب1,46 مليون دولار    بلوكاج اللجنة التنفيذية فمؤتمر الاستقلال.. لائحة مهددة بالرفض غاتحط لأعضاء المجلس الوطني    العسكر الجزائري يمنع مشاركة منتخب الجمباز في بطولة المغرب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية جيل ستاين في احتجاجات مؤيدة لفلسطين    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفرنكوفونية حوار حضارات أم استعمار جديد؟
نشر في هوية بريس يوم 04 - 08 - 2015


هوية بريس – الثلاثاء 04 غشت 2015
الصراع القادم لن يكون أيديولوجياً أو اقتصاديا باعتبار أن هذين الصراعين قد انتهيا بانهيار المعسكر الاشتراكي. وأن الصراع القادم سيكون حضارياً، والصراعات الرئيسية في السياسة الدولية ستنشب بين مجموعة من الحضارات المختلفة وستكون حدود التوتر الفاصلة بين تلك الحضارات هي خطوط المعارك الكبرى في المستقبل. الصراع المستقبلي سيكون بين ثلاث حضارات رئيسية: الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية والحضارة الغربية.
صمويل هنتنغتون في كتابه صراع الحضارات
كثر الحديث منذ هجمات الحادي عشر من أيلول، عن حوار وصراع الحضارات. وطفت على السطح في خضم هذه الزوبعة الإعلامية مفاهيم قديمة جديدة تدعو إلى هذا الصراع، والمقصود طبعا المواجهة بين الإسلام والغرب، تبناها مفكرون وسياسيون على رأسهم هنتنغتون وأستاذه برنارد لويس أحد رموز الصهيونية الفكرية، المتعمقين في دراسة التاريخ والفكر والدين الإسلامي وأحد المستعربين الأكثر غزارة في الكتابة حول هذه المواضيع في الغرب، والزعيم الإيطالي برلسكوني، وكلهم لا يتورعون في البوح بحقدهم على الإسلام وأهله.
ولمواجهة مقولة صراع الحضارات، أطلق محمد خاتمي، الرئيس الإيراني السابق، سنة 1999، مشروع حوار الحضارات داعيا المنتظم الدولي إلى الحوار ونبذ سياسة الصراع والتشرذم. ولقد حظي مشروعه بحفاوة بالغة من قبل منظمة الأمم المتحدة لما يندرج فيه من قيم عليا من قبيل: السلام، الحرية، والمساواة، والسعادة لجميع البشر في العالم. وبعد خطابه التاريخي في جلسة الألفية الثالثة في المجمع العمومي، قامت منظمة الأمم المتحدة بتسمية عام 2001 عام «حوار الحضارات».
يقول محمد خاتمي في قسم من خطابه في الجلسة الخاصة بحوار الحضارات في منظمة الأمم المتحدة:
يبدو أنه حان الوقت لرواية ديكارت-فاوست للحضارة الغربية أن تصيخ السمع لروايات النطاقات الفكرية والثقافية البشرية الأخرى. إن تخريب الطبيعة اللامتناهي الناتج عن النظرة المريضة للطبيعة في القرون الأخيرة هددت حياة النوع البشري، ولو لم يكن هناك أي دليل فلسفي، واجتماعي، وسياسي وإنساني لضرورة الحوار إلا هذا الوضع المؤسف بين الإنسان والطبيعة للزم الأمر أن يضع مفكرو ومصلحو العالم جميعهم وأصدقاء الإنسان مسألة الحوار على رأس جميع أعمالهم.
بعد مدة وجيزة من تخصيص عام 2001 لحوار الحضارات، ما فتح صفحة جديدة وأملا للمجتمعات بأن المشكلات الموجودة بين البلدان والحضارات سوف يجري حلها عن طريق تبادل الآراء وفي ظل الحوار، حدثت واقعة 11 من أيلول في نيويورك، وباتت بداية لمجموعة من القرارات العنيفة في العالم، من جملتها سحق مشروع الحوار بين الشرق والغرب بذريعة الحرب على الإرهاب.
ولقد كان من المؤسف ومن غير المفاجئ في آن أن تتعامل الإدارة الأمريكية مع دعوات الحوار بجفاء وسخرية وبغزو لأفغانستان وتدمير للعراق وتحويله إلى دولة طائفية فاشلة، والعمل على مشروع الشرق الأوسط الجديد وإحياء النعرات ودعم القوميات الضيقة لتفتيت الوطن العربي وجره إلى خريف مدمر باسم الحرية والكرامة والدفاع عن الأقليات، وكأن بلوغ هذه الأهداف لن يتم إلا عبر إحراق مؤسسات الدولة وتخريب البنى التحتية وحمل السلاح وترويع الآمنين.
وفي ظل هذه الأجواء المتوترة، وفي استغلال للوضع المتأزم، أطلت علينا فرنسا من جديد بمفهوم الفرنكفونية الاستعماري داعية العرب إلى ما تسميه حوار الحضارات والاندماج تحت رايتها ولغتها. فقامت بتطوير هذا المفهوم وإعطائه زخما جديدا عبر تخصيص ميزانية وإحداث وزارة تعنى بنشر الثقافة الفرنسية عبر العالم. ولقد تم ذلك رسميا خلال المؤتمر الفرنكفوني الذي انعقد سنة 2002 ببيروت، إحدى المحطات والعواصم المرموقة للثقافة العربية، تحت شعار حوار الحضارات بًاللغة الفرنسيةً.
إن ما يشد الانتباه هنا هو استعمال مصطلح حوار كشعار لهذا الملتقى. فما هو المقصود من هذا الحوار داخل مؤتمر تتزعمه وترعاه وتموله فرنسا هدفه في نهاية المطاف مطالبة أعضاء، لا ناقة لهم ولا جمل، بالدفاع وحماية اللغة الفرنسية وثقافتها.
فكلمة حوار، سواء تعلق الأمر بأفراد أو بدول أو حضارات، تعني أساسا الاعتراف بالآخر وبكينونته وهويته واحترامه ككيان مستقل قائم بذاته لغويا وثقافيا وعقائديا واجتماعيا واقتصاديا. وهذه المقومات والشروط لا تنطبق على الفرنكوفونية المبنية على أحادية الفكر وهيمنة اللغة الواحدة على أعضاء لا تلعب الفرنسية في مجتمعاتهم إلا دورا هامشيا، وإقصاء كل اللغات الأخرى بما فيها اللغة العربية رغم انعقاد المؤتمر في بيروت. فعن أي حوار حضارات يتحدثون؟ وعن أي شعارات رنانة يريدون إطراب آذاننا بها، ونحن نشم منها رائحة الاستعمار الجديد وهي تزكم الأنوف؟
ولنذكر فقط كل من انطلت عليه هذه الخدعة وانبهر بشعاراتها، بأن فرنسا عندما أرادت تطوير علاقاتها مع ألمانيا لمحو آثار تاريخهما الدموي المشترك وتفعيل أسس الحوار، عمدت إلى إنشاء قناة آرتي التلفزيونية وحرصت على أن تكون كل البرامج الموجهة إلى الجمهور الفرنسي بالفرنسية أو مترجمة إلى الفرنسية ولم تقبل بالألمانية إطلاقا. ونفس المنطق اتبعته ألمانيا في بلدها حين حمت لغتها. وفي المقابل، فحين أتت فرنسا لإنشاء قناة ميدي 1 مشتركة مع المغرب فلقد أصرت على أن يسيرها الطابور الخامس من أحفاد ليوطي وألحت على تهميش العربية وإعطاء الأولوية والريادة والأفضلية للفرنسية ولثقافتها. فكان لها ما أرادت في قناة تبث من داخل المغرب. وما كان من دولتنا إلا أن تستسلم وتقبل خانعة ذليلة بإرادة ورغبات سيدها، فالكرم المغربي الحاتمي لا حدود له ولو على حساب إهانة لغة الوطن الموحّدة.
هكذا إذن تتعامل فرنسا مع مصطلح حوار بمكيالين واضعة نصب عينيها الدفاع عن مصالحها العليا وعن ثقافتها. وحدهم نحن من ابتلينا بمسؤولين فرنكفونيين استولوا على السلطة وعلى مراكز النفوذ والقرار الاقتصادي والإعلامي والتعليمي والسياسي، ودفعوا بالمجتمع مرغما إلى الدفاع وحماية لغات الآخرين باسم الانفتاح والحداثة والنهضة وحوار الحضارات، فثقنا ثقة عمياء في خطاب عنصري حولنا إلى خراف، وانخرطنا صاغرين في مشروع استعماري خطير يهدد الأمن اللغوي العربي، وخصوصا في بلاد المغرب العربي، ويشكل مساسا باستقلالنا الوطني وهويتنا العربية الإسلامية.
ولنا أن نجزم، والحالة هذه، أن الفرنكوفونية هي نقيض للحوار الحقيقي وهدم لكل أسسه ومعانيه. وأدلجتها طعن وضرب للبعد الثقافي والإنساني للغة الفرنسية التي ساهمت إلى جانب كل لغات الأرض في التأسيس لعالم متعدد ومتنوع.
وعندما تحوِّل الفرنكوفونيةُ الفرنسيةَ من لغة لموليير وهوغو وبارث وستراوس، نحترم إنتاجاتها ومساهماتها في الثقافة الإنسانية والفكر المتنور لفلاسفتها، إلى لغة لليوطي، وتنتقل من وسيلة للتواصل الإنساني الحضاري ونشر للمعرفة دون خلفيات مسبقة إلى أداة استعمارية لبسط النفوذ الفرنسي والهيمنة على الشعوب والقضاء على هويتها وتقزيم وتهميش لغاتها وإقحام مستعمراتها في حروبها الدونكشوتية مع الثقافة الأنجلوسكسونية واللغة الأنجليزية، فهي تستحق أن ننتفض عليها وننْفضَّ من حولها ونتركها قائمة، فما عندنا خير من اللهو ومن التجارة وهو الأبقى والأجمل والأروع. ولِم لا ونحن نتوفر في العربية على سيدة اللغات وملكة جمال الكون بإبداعاتها ورصيدها الحضاري والعلمي والمعرفي وحروفها المتناسقة والأنيقة. وهو ما يؤهلها إلى السيادة في الإدارة والإعلام والتعليم بكل أسلاكه وتخصصاته وفي المجتمع ككل. ويبقى انعدام الجرأة والتبعية العمياء للمستعمر العائق الوحيد أمام تحقيق الغرض المنشود. فهل تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ ما لكم كيف تحكمون؟
إن لكم في اللغة العربية لعزة وكرامة ونخوة، وإن لكم في الفرنسية لذلا وعارا وتبعية. فراجعوا حساباتكم وعودوا إلى رشدكم واهتموا ودافعوا عن لغتكم المشتركة. لغة اعترف بروعتها وعظمتها العدو قبل الصديق، آمن بدورها الحضاري الطلائعي في قيادة العالم، وأقام معارض للخط العربي لإظهار جماليتها. لغة أعلنت منذ مدة عن جاهزيتها للسيادة والريادة، ومع ذلك تركتموها تنتظر أمام الباب دون حياء أو خجل. ترفضون بكل وقاحة وسخرية أن تفسحوا لها المجال للتواصل والإبداع في شتى أصناف العلوم والمعرفة، تقزمون دورها في إقامة الصلوات الخمس. فهلا تخلوا أماكنكم وتريحونا من أصواتكم.
تصرخ العربية في وجوهكم بعينين مثقلتين بالحزن والأسى: لِم تخونونني مع لغة المستعمر وتتهمونني بالعقم؟ لِم تحضرون قمم الفرنكوفونية، تشاركون فيها بحماس قل نظيره، تصفقون للغة سيدكم وتساهمون في نشرها ودعمها على حساب لغتكم؟ أو لم تسمعوا يوما بما أبدعه بي المتنبي ونزار قباني والجاحظ؟ وما ألفه الزهراوي والخوارزمي وابن النفيس وابن سينا؟ هل عجزتم كل العجز على خلق رازي آخر وابن رشد جديد؟ دعوا عنكم دمار أوطانكم وخراب لسانكم وحوّلوا هذا الخريف العربي إلى ربيع تتربع فيه العربية وتنشئ لنهضة شاملة يعم فيها الأمن والأمان ويسود فيها الحوار واحترام الآخر.
فزيديني عشقا يا عربيتي زيديني. زيديني يا أحلى نوبات عيوني. يا من أحببتك حتى احترق الحب. إن كنت تريدين السكنى أسكنتك في ضوء عيوني. غني لي فأنا لا أرقص طربا إلا لشدى ألحانك، وقلبي لا ينبض إلا عند لقائك. أنت المجد والأنوثة الفاتنة والجمال.
وما دامت الأمور قد وصلت إلى النحو الذي هي عليه اليوم وبتنا نعيش تلوثا لغويا وكارثة حقيقية ونزيفا هوياتيا مريعا وهيمنة تعدت كل الحدود، فلا مناص من استعادة الكرامة وتحقيق الاستقلال الحقيقي لغويا واقتصاديا واجتماعيا. وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بإعادة الفرنسية إلى المربع الأول وإلى مكانها الحقيقي كلغة أجنبية مثل باقي اللغات وطردها من اللسان ومن المجتمع وإرجاعها إلى الكتب ومقاومة احتلالها للفضاء العام وإعادتها إلى أصحابها في باريس.
ولكي نفهم الفكر الفرنسي في تعامله مع الجانب اللغوي، علينا أن نرجع قليلا إلى الوراء، لنقارن بين الاستعمارين الفرنسي والبريطاني. ففي وقت حرصت فيه بريطانيا على الاستحواذ على الخيرات والثروات المعدنية لمستعمراتها، عمدت فرنسا إلى منع استعمال العربية في الجزائر وحاربت الإسلام الذي يشكل عنصر وحدة واستصدرت الظهير البربري لتكريس التقسيم العرقي وإثارة الفتن. كما عملت على تكوين نخب فرنكوفونية تابعة لها فكرا وثقافة لتهيئتها لتقلد المناصب العليا في الدولة بعد رحيلها.
إن الحوار الحقيقي لا يكون بالانضمام لمنظمة الفرنكوفونية الاستعمارية، وإنما بالاعتزاز أولا بلغتنا العربية والاقتناع بقدرتها الفائقة على مسايرة التطور العلمي، والتمكين لها في كل المجالات وإعطائها المكانة التي تستحقها كلغة رسمية. إن التسيير العقلاني للتعددية اللغوية داخل المجتمع يتطلب منا التركيز على العربية كلغة عالمة وموحدة وجامعة والعمل على تعريب التعليم بكل أسلاكه وتخصصاته، والإدارات والاقتصاد والإعلام وسوق الشغل، وإنشاء مؤسسة تعنى بترجمة المصطلحات والمصادر العلمية والتقنية إلى العربية. وعندما سنحصن بيتنا اللغوي ونمنع عليه الدخلاء، سيكون بإمكاننا أن نخلق فرص حوار مع اللغات والثقافات والحضارات الأخرى بندية وعلى قدم المساواة. فمن بيته من زجاج لا يرمي الآخرين بحجر.
إن رفضنا للفرنكوفونية كمشروع استعماري هدام غايته تدمير هويتنا العربية الإسلامية وبسط هيمنة فرنسا لغة وفكرا واقتصادا، لا يعني الدعوة إلى الانغلاق والانعزال. فنحن نطالب بتدريس اللغات الحية وعلى رأسها الإنجليزية التي قطعت أشواطا بعيدة في تطوير مصطلحاتها لتتلاءم مع التقدم العلمي والتقني.
نهيب بأبناء شعبنا وأمتنا العربية أن يتحلوا باليقظة ويتوخوا الحذر لإفشال كل المؤامرات الرامية إلى ضرب اللغة العربية والمساس بهويتنا العربية الإسلامية الجامعة، والتصدي لها بحزم حفاظا على وحدتنا وثوابتنا. فدعاة التدريس باللهجات ماضون في مشروعهم الهدام. فبعد أن فشلوا في تحقيق أهدافهم في بلاد المشرق العربي، عمدوا إلى تفعيله في دول المغرب العربي. فوزيرة التعليم في الجزائر تعتزم تطبيقه بداية من السنة القادمة في السلك الابتدائي. أما المغرب فليس أفضل حالا عبر مبادرات مشبوهة لعيوش وبلمختار الغاية منها بسط نفوذ الفرنسية.
إننا نحذر المغاربة من محاولات البعض فرنسة التعليم باسم الانفتاح والحداثة. وتوصيات مجلس عزيمان للتربية والتعليم والبحث العلمي حول إصلاح التعليم توحي بذلك، ما يعد انقلابا على الدستور الذي يعتبر العربية لغته الرسمية الأساسية، ومساسا بحضارتنا وهويتنا العربية الإسلامية، وتكريسا للهيمنة الفرنسية الاستعمارية على المغرب. فكل الأبحاث والدراسات تؤكد أن الدول لا تنهض إلا عندما تعتمد على لغتها الوطنية الجامعة العالمة في التدريس وفي كل القطاعات. والمغرب لن يشذ عن هذه القاعدة.
أخيرا، اخترت أن أنهي هذا المقال ببعض ما نبه إليه بعض المثقفين المخلصين لأمتهم، من خطر الفرنكوفونية على هويتنا وأمننا اللغوي، فلتتعظوا يا أولي الألباب:
«وتعني هذه الأيديولوجية في السياق المغربي (بتعبير بنيس) فرض اللغة الفرنسية في الإدارة والثقافة والإعلام والاقتصاد والقطاع الخاص بجميع الوسائل الممكنة، بهدف انتزاع المكان الجغرافي الحضاري من اللغة العربية وتجنب احتمال انتشار الإنجليزية. والبعد المباشر لهذه الأيديولوجية سياسي واقتصادي في آن؛ إنها تهدف إلى ضمان المغرب كمنطقة مضمونة سياسياً واقتصادياً لصالح الامتيازات الفرنسية واستمرارها ضمن منطق الهيمنة المنتصر اليوم؛ فمن ينطق بالفرنسية يشتري ما هو فرنسي حسب شعار (الرابطة الفرنسية)ً.
الكاتب المغربي محمد بنيس
تعتمد الفرنكوفونية على مركَّب النقص فينا، أكثر مما تعتمد على التعاون الثقافي الحقيقي؛ ففي الوقت الذي تأتي فيه وزيرة الفرنكوفونية في فرنسا للدفاع عن الفرنكوفونية في المغرب العربي علينا أن نتذكر مواقف فرنسا فيما يخص تعليم اللغة العربية لأزيد من مليون من أبناء المهاجرين.. إن الأمر لا يتعلق بتعاون ثقافي، وبانعدام الرغبة في الانفتاح، بل بسياسة هيمنة تريد أن تتدثر بلبوس التعاون والانفتاح.
الدكتور المهدي المنجرة
إن فرنسا من خلال الفرنكوفونية تحارب اللغة العربية في المغرب العربي، وتعمل على تفتيت الوحدة الوطنية من خلال تفتيت الوضع اللغوي، فهي ترى أن في المغرب أربع لغات: الفرنسية، والعربية الفصحى، والدارجة، والبربرية. عملت على إيجاد ضرة لغوية وطنية للعربية من اللغة البربرية ، فقال العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي: "العربية عقيلة حرة لا تتحمل ضرة".
الدكتور عثمان سعدي رئيس "الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية" في مقاله: "التعريب في المغرب العربي في مواجهة الفرنكفونية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.