في الفقرة الثانية من الفصل السابع من الدستور الخامس للمملكة نقرأ ما يلي : " تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية " أتساءل فيما لو كانت هذه الفقرة موضوع امتحان أو مباراة كتابية وطلب من الممتحنين أو المتبارين الإجابة عن الأسئلة المعتادة. الموقف ليس سهلا فأنت لا تريد أن يشطب على أجوبتك تشطيبا إذا علت أجوبتك بما هو كائن وما يريده منك المصحح، وفي الوقت نفسه لا تريد أن تنافق نفسك لتجيب بأجوبة على ما يجب أن يكون يرضى عنها المصحح ويجازيك عليها. للإجابة عن السؤال الأول المتعلق بإعطاء عنوان مناسب للنص فإننا سنكون في غنى عن قراءة النص قراءة متمعنة لأن عنوان النص من النظرة الأولى هو أدوار الأحزاب السياسية في غير المغرب. وبالانتقال إلى السؤال الثاني سنقوم باستخراج الأدوار المنوطة بالأحزاب السياسية انطلاقا من النص مع التعليل. تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي : أكبر كذبة واردة في هذه الفقرة، فعلى العكس الأحزاب السياسية تعمل على تنفير المواطنات والمواطنين من كل ما له علاقة بالسياسية وترسخ في أذهانهم فكرة ارتباط السياسة بالكذب والمكر والفساد والمصالح الشخصية ولا تعدو السياسة وممتهنوها أن تصبح في نظرهم مواضيع لنسج النكات والسخرية. إن الناظر إلى حال جم كبير من نواب الأحزاب السياسية وبعض قادتهم وزعمائهم في سلوكهم وخطابهم السياسي وفي طرق تدبيرهم للصراعات والخلافات فيما بينهم سيكتشف دونما عناء أن هؤلاء هم أحوج ما يكونون إلى التأطير والتكوين السياسيين منهم إلى المواطنات والمواطنين. فعندما يجد الوزير أو ممثل الأمة نفسه أمام سؤال أو انتقاد أو رد معارض أو مخالف فيهرع إلى فكره السياسي ويستنجد بثقافته السياسية للتصرف حيال الموقف فلا يلقى ثمة إلا كتبانا من الفراغ ممدة في صحراء رأسه ثم يتأكد أن جمجمته لن تسعفه في شيء، هنالك تتفتق عبقرية الوزير أو ممثل الأمة وتهيج بحور العلم من لسانه ليسمع الشعب على المباشر مفردات ومصطلحات وحده قاموس الشارع يحوي معانيها وكلمات مستقاة من معاجم السوقية وحقول "ضرب الغرزة" "ولي فيه الفز كيقفز" حتى الطفل "الجن" لم يكن ينطق مثلها وهو الذي لن يؤاخذه أحد و لن ينكر عليه لو قال أفظع مما قاله من يخاطبهم لأنه ترعرع وتربى وتعلم في الشارع. وعندما لا يحلو النوم لبعض نواب الأمة إلا فوق كراسي البرلمان ويتحول هذا الأخير إلى مسرح لتصفية الحسابات الشخصية والترافع في قضايا توجد خارج هموم المواطنات والمواطنين عوض أن يكون مسرحا لحل مشاكل الشعب الذي انتخبهم، فإننا أمام أشخاص عاجزون عن إعطاء القدوة وعن تأطير أنفسهم وتكوينها فكيف بتأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، أشخاص يصح فيهم القول المأثور فاقد الشيء لا يعطيه. تعزيز انخراط المواطنات والمواطنين في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام : إذا كانت الأحزاب السياسية التي هرمت وشاخت والتي دجنت واستعبدت هي من سيعزز انخراط المواطنات والمواطنين في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام فسلام على الحياة الوطنية وعلى الشأن العام. فالأصح أن نتحدث عن تعزيز انخراط المواطنات والمواطنين في العزوف السياسي وفي تعميق اليأس والإحباط من كل إصلاح أو تغيير اللذان يبقيان شعارا منقوشا على اللافتات وعنوانا للبرامج الانتخابية، أما تعزيز انخراط المواطنات والمواطنين في تدبير الشأن العام فإن هذا آخر ما يمكن أن تعمل عليه الأحزاب السياسية لأن كل همهما استقطاب جيش من الأعضاء تعمل على تعزيز انخراطهم في شؤون الحزب يوالون من والاه ويعادون من عاداه، يلبون نداءه كلما كان في حاجة إليهم لتنظيم مظاهرات أو حفلات أو مؤتمرات أو للقيام بالحملات الانتخابية، فالأحزاب السياسية تعمل على تجنيد أعضاءها لتحقيق مصالح لا تمت لمصالح المواطنات والمواطنين بصلة وإنما هي مصالح نخبة وقيادة الحزب. المساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين : لا يعبر عن إرادة الناخبين حقيقة أكثر من واقعهم وأكثر من الشارع الذي يطاردهم فيه رجال القمع حينما يشتد بهم الجوع والبرد من طول الانتظار فيتوجهون كالثيران الهائجة صوب المتظاهرين ينهالون عليهم بالضرب والركل، وإذا كان صاحب هذه النظرية قد أوجد مسوغا وعذرا لرجال وزارة داخليته فماذا يمكن أن نقول عن جيوش العاطلين الذين اتخذوا من شوارع الرباط مسكنهم لا يغضبون لجوع ولا لبرد ولا لحر ولا لتسديدات ولكمات رجال "الأمن" رغم أنهم أصحاب حق معطلون وليسوا موظفي دولة يمارسون عملهم كرجال "الأمن". إن الذي تعمل الأحزاب السياسية على التعبير عنه هو تماما عكس إرادة الناخبين وعكس البرامج الانتخابية التي تتقدم بها لربح أصوات الناخبين. لو أن هذه الأحزاب ساهمت يوما ولو من قريب في التعبير عن إرادة الناخبين لكان مغرب اليوم وسياسات اليوم تختلف كلية عن مغرب وسياسات الأمس. ولكن الهدف الوحيد الذي تسعى إليه الأحزاب السياسية هو الوصول إلى السلطة وممارستها بالطرق المعهودة الموروثة عن زمن ما بعد الاستعمار. بعد الإجابة عن أسئلة الامتحان لا تنتظر نتيجة سارة فاسمك لن يكون طبعا مدرجا في لائحة الناجحين لأن مثل هذه الإجابات غير مرغوب بها وغير مرحب بها وإنما أجوبة كتلك التي يقدمها وزير أو مسؤول عندما تسلط عليه عدسات المصورين أو يظهر على التلفزيون هي التي تكون مقبولة، ولا تنتظر أن يتعامل المصحح مع ورقتك بشيئ من الاستثناء، مع أن التعليل يفيد الجواب الذي تريده منك لجنة التصحيح والجواب المخالف، لأنه سيمرر عليها خطا أحمرا من ألفها إلى يائها وينتقل إلى الورقة الموالية.