يبدو أن حكومة بنكيران عازمة على تنفيذ رؤيتها الإصلاحية لصندوق المقاصة. وواضح أن التوجه العام الذي يراد السير فيه يبتغي إعادة النظر في آلية الدعم المعتمدة حاليا، وتقديم بدائل جديدة تمكن الأسر المعوزة من الحصول على هذا الدعم بشكل مباشر. وإذا كان المنطق السليم يفرض ضرورة التفكير في إصلاح جذري وعميق لصندوق المقاصة بشكل يؤهله إلى النهوض بدوره الحقيقي في تقديم المساعدة المادية اللازمة للأفراد ذوي الدخل المحدود، فإن التوجه الحكومي بهذا الشأن يطرح كثيرا من علامات الإستفهام، وتلفه هالة شديدة من الغموض والإلتباس، بل والنوايا المبيتة أيضا. إن تقديم المساعدة المادية بطريقة مباشرة للأسر المعوزة من شأنه نظريا أن يمكن الفئات الفقيرة من الحصول على دعم الدولة، وذلك لمساعدتهم على مواجهة متطلبات العيش الصعبة، من خلال تمكينهم من توفير مواد الإستهلاك الأساسية على الأقل. وهذا يحل جزئيا مشكلة الإستحقاق التي تطرحها الآلية المعتمدة في تدبير "صندوق المقاصة" بصيغته الحالية. ذلك أن الأرقام الرسمية تقر بأن نسبة 43 في المئة من أموال صندوق المقاصة يستفيد منها " الأغنياء". وهذا يعني أن الأهداف الإجتماعية التي من أجلها تم إحداث هذا الصندوق لا يتم تحقيقها، بل إن استمرار أسلوب الدعم بالشكل الذي يتم العمل به اليوم يثقل كاهل الدولة ويهدد ميزانيتها إلى حد كبير. الإصلاح إذن مطلب ملح وضروري، لكن الصيغة التي تقترحها الحكومة قد تؤدي إلى نتائج عكسية. وتقديم المساعدة المادية في شكل أجرة شهرية للأسر المعوزة كبديل عن دعم الدولة لمواد الإستهلاك الأساسية يطرح صعوبات على مستوى طبيعة الأسر المعنية. وتحقيق الحد الأدنى من النجاح في هذه الخطوة يتطلب تدابير وإجراءات مكثفة، ويحتاج إلى وقت طويل. ثم إن تمكين الأسر المحتاجة من هذا الدعم المادي المباشر سيستتبعه بالضرورة إجراء الرفع من الأسعار. وإذا افترضنا أن الدعم المباشر سيصل حقا إلى مستحقيه. فماذا سيكون حال الأسر التي لن تستفيد من عملية الدعم؟. ماذا سيكون حال الفئات العريضة التي تصنف تبعا لتقارير " المندوبية السامية للتخطيط" ضمن الطبقة الوسطى؟.هل سيكون صغار الموظفين والمياومين والفلاحين والمتقاعدين... قادرين على مقاومة الأسعار المرتفعة بعد تحريرها ورفع الدعم عنها؟. ألن يكون أي إجراء من هذا القبيل بمثابة تهديد للأمن الإقتصادي للمواطن المغربي المغلوب على أمره والمثقل أصلا بمتطلبات لا قبل له بها؟. هذه الأسئلة تفرض نفسها في غياب أية رؤية استراتيجية تضع في اعتبارها المصلحة العامة بالدرجة الأولى. فالحكومة تحاول بكل الوسائل أن تتملص من مسؤولياتها، وهي ترى في أزمة صندوق المقاصة ذلك الغول الذي ينبغي القضاء عليه بأي ثمن. أما تداعيات ذلك على المستويين المتوسط والبعيد فليست ذات أهمية كبيرة في البرنامج الحكومي. ثم إن التدبير الحكومي المقترح، وارتباطا بثقافة " الفابور" التي تربى عليها المغاربة، يبدو كفتح ل"ريع" جديد. إذ وفي الوقت الذي تتوالى فيه لوائح المستفيدين من "الريع الإقتصادي"، ستكتفي الحكومة بنشر لائحة جديدة باسم المستفيدين "المحتملين" من الدعم المادي المباشر، ليتم التأسيس لمرحلة جديدة يلبس فيها الريع حلة"قانونية" هذه المرة تحت رعاية الدولة وإشرافها. لذلك ( وبغض النظر عن الدوافع المحركة للأحزاب الرافضة للتدبير الحكومي المتعلق بهذا الموضوع)، يبدو أن بنكيران ووزراءه من حزب العدالة والتنمية تحديدا ( المتحمسين أكثر من غيرهم لهذا النموذج الإصلاحي) يحاولون استغلال ملف المقاصة لتلميع صورة الحزب، والتهييء للإنتخابات المقبلة بتدبير يحاولون أن يلبسوه ثوب "الإجراء الشعبي"، وذلك بعد كل الإجراءات " اللاشعبية" التي خيبت آمال المغاربة في هذه الحكومة.